فنجان قهوة
مافيا العلماء
نتحدث عن التطرف السياسي والعقائدي ونستنكره، ولكن هنالك نوعا آخر من التطرف أكثر خطورة هو “التطرف العلمي” الذي لا يقبل العلماء فيه أي شيء لا ينسجم مع “معتقداتهم”، ويضعون كل العراقيل أمام المجتهدين لإحباطهم، حتى ولو كانوا من العلماء البارزين المشهود لهم. ومثال على ذلك: نظرية الانفجار الكبير التي تفسر ولادة الكون، فقد اكتشف العالم راندل ميلز، من جامعة هارفارد، ثغرات كبيرة في الأسس التي تقوم عليها هذه النظرية خرج منها بنتيجة أنها غير صحيحة، ولا يجوز أن تؤخذ كمرجع لولادة الكون، ولكنه فوجىء أن هذه النظرية أصبحت مع الأيام مؤسسة لها اتباعها وحواريوها، ورفضها يعني فقدان هؤلاء الاتباع والحواريين لامتيازاتهم، ولذلك شنوا حملة شعواء عليه ولم يسمحوا له حتى بمناقشة أطروحته في الأوساط العلمية، وقد لجأ هؤلاء إلى أساليب هي أشبه ما تكون بأساليب المافيا لتحقيق هدفهم. وإذا كنا نسخر من تلك المحكمة التي فرضت على جاليليو التراجع عن نظريته بأن الأرض تدور حول الشمس، فإن مصيرا مشابها واجهه إيرنست زاندال الذي شكك بصحة الرقم الذي تردده أجهزة الدعاية الصهيونية حول ضحايا المحرقة، وجون ميرشايمر وستيفن فالت، من جامعة هارفارد، اللذان أعدا دراسة عن الدور السلبي الذي يقوم به اللوبي “الإسرائيلي” في الحياة الأمريكية.
وفي عام ،1979 أنشأ العالم روبرت جان، عميد كلية الهندسة في جامعة برينستون السابق، مختبرا علميا في الجامعة لدراسة الحاسة السادسة وتأثيرها في المادة. وخلال ما يقرب من ثلاثة عقود من الزمن أجرى المختبر خلالها عددا لا يحصى من التجارب حول الحاسة السادسة، والتخاطر عن بعد اضطر مؤسسه إلى إغلاقه، وبرر قراره بالقول: “خلال العقود الثلاثة الماضية أجرينا ما نرغب بإجرائه من تجارب، وإذا كانت النتائج التي توصلنا إليها لم تقنع العلماء فإنهم لن يقتنعوا لو أجرينا المزيد من التجارب”.
والعلماء في الولايات المتحدة استقبلوا المختبر بعداء ظاهر منذ إنشائه، ورغم أن الكثيرين منهم زاره واطلع على أبحاثه، إلا أنه اشترط أن تظل زيارته سرية، وفي الوقت الذي كان يثني هؤلاء على الأبحاث التي يطلعون عليها، فإنهم كانوا يصفونها في أجهزة الإعلام بأنها “من نوع الخيال العلمي” لكي لا ينسب إليهم دعم أبحاث “لا تتمتع بمصداقية علمية”، في نظر زملائهم. ومن الطريف أن مبتكر جهاز الدفع النفاث في الصواريخ، والذي ساعد الإنسان على الوصول إلى القمر وارتياد الفضاء كانت نظرياته توصف في بداية عهدها بأنها من نوع الخيال العلمي.
ومن التجارب التي أجراها مختبر الحاسة السادسة تجربة عن قراءة الأفكار شملت ما يزيد على 1500 متطوع، والطريف أنه عندما حاول القائمون على الدراسة نشرها في إحدى المجلات العلمية المختصة قال لهم المحرر المسؤول: “إنني على استعداد لنشر دراستكم إذا نقلتموها إليّ كاملة عن طريق التخاطر، وليس على ورق”. وهكذا فإن الأبحاث التي كان المختبر يجريها لم تكن تجد سبيلها للقراء. وفي تجربة حول قدرة العقل على التحكم بالمادة عرض العلماء على مجموعة من المتطوعين ستة صناديق آلية تعرض أرقاما عشوائية بين الواحد والمائة، وطلبوا منهم التركيز على الأرقام ومحاولة استدعاء الرقم الذي يفكرون به، وبعد تكرار العملية آلاف المرات تبين أن المشاركين ينجحون في دفع الآلات إلى إبراز الرقم الذي يفكرون به في 03.0 من الحالات.
ويقول البروفيسور روبرت جان، مؤسس المختبر: “إذا كان باستطاعة الإنسان التأثير في الآلة بقوة الفكر، فإنه من غير شك يستطيع استخدام هذه القوة للتأثير في جوانب أخرى من حياته، مثل العلاج بالتركيز الذهني” ولكن الأوساط العلمية رفضت الأخذ بهذا الكلام، رغم أنه ثبت بالتجارب في المختبر.
وفي العلم، كما في أي قطاع آخر من حياتنا، هنالك مافيا تسيطر على كل شيء، ومن المؤسف أن عناصرها من العلماء الذين يفكرون بنفس الأسلوب الذي فكر به الذين طالبوا جاليليو بالاعتذار لأنه قال إن الأرض تدور حول الشمس، ولم يسألوه مثلا: كيف توصلت إلى هذه النتيجة؟
أبو خلدون