فنجان قهوة
ايرنست زندل
ايرنست زندل مفكر ألماني كان عضوا في بعض الجمعيات اليهودية في ألمانيا، ومن بينها “الهيئة التاريخية اليهودية الألمانية” وفي عام 1958 انشق عن هذه الجمعيات، بعدما اكتشف عنصريتها وزيفها، وهاجر إلى كندا وعاش فيها حتى عام ،2001 وخلال هذه الفترة نشر كتابا يقول فيه إن عدد ضحايا الهولوكوست أثناء فترة الحكم النازي لألمانيا يقل بكثير عن الرقم الذي تزعمه المصادر الصهيونية، وهو ستة ملايين، مما أثار أعشاش الزنابير في وجهه، فاعتقلته السلطات الكندية عدة مرات واستجوبته، وفي عام 2001 هرب من ملاحقة سلطات الأمن الكندية وهاجر إلى الولايات المتحدة وأقام في ولاية تنيسي الأمريكية ليفاجأ بزوار الفجر من عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالية يقتحمون منزله ليلا، ويعتقلونه، ويعيدونه إلى كندا، حيث أودع السجن، وفي عام 2005 أعادته السلطات الكندية إلى ألمانيا حيث قُدِّم للمحاكمة وحُكم عليه قبل أيام بالسجن لمدة خمس سنوات.
وإيرنست زندل نزيل السجن حالياً، وهو لم يكن أحسن حالاً عندما كان خارجه، فقد كان مطارداً ويتعرض للتهديد والمضايقات منذ نشر كتابه، رغم أنه اعتمد على مراجع رسمية أو موثوقة في تحقيق مادة الكتاب، وليس هنالك أي مرجع على الإطلاق يذكر أن عدد الضحايا من اليهود ستة ملايين، إذ ان بعض المراجع رفعت العدد إلى خمسة ملايين، وخفضته محكمة نورمبرج إلى أربعة، وذكرت أكبر وأهم صحيفة لليهود في المانيا في دراسة نشرتها في 26 يوليو/ تموز 1990 أن العدد أربعة ملايين، ثم عادت وخفضته في مقال نشر في 11 يونيو/ حزيران 1992 إلى مليون ونصف المليون، بينما أجمعت صحف ديفيلت وفوكس وفيلت أم سونتاج على أنه 700 ألف، ويذكر بعض المؤرخين ان عدد الضحايا لا يتجاوز 74 ألفا، وكل هذه الأرقام التي يستطيع الباحث اعتمادها بثقة ليس بينها ستة ملايين، والمنطق يقول أن رقم الستة ملايين رقم زائف لأنه لم يرد في أي مرجع تاريخي، ولكن الثابت أن عدد اليهود ارتفع من عام 1939 الى 1945 ما يعادل 584 ألف نسمة، فكيف يمكن ان يزداد العدد بهذه النسبة لو كانوا خسروا ستة ملايين أثناء الحرب.
ولنا أن نستغرب كيف يجري اعتقال زندل وحبسه لأنه أعرب عن شكه بضخامة عدد ضحايا الهولوكوست من اليهود دون أن يرتفع صوت واحد في الغرب للدفاع عن حريته في إبداء رأيه، بينما ترتفع الأصوات مسعورة للدفاع عن حرية الذين يسيؤون للإسلام في إبداء رأيهم، من سلمان رشدي إلى آيان هيرسي علي إلى الصحف التي نشرت رسوما كاريكاتيرية مسيئة للإسلام، علما أن حرية الرأي ينبغي أن تحجب عن هؤلاء لأنهم أسأوا إلى دين سماوي يصل اتباعه الى المليار نسمة، بينما زندل يناقش قضايا تاريخية هي دائما بحاجة إلى بحث وتدقيق. وفي مناقشة الأمور التاريخية، لا حدود للحرية، إذ إنها يمكن ان تشمل تحت جناحيها الرأي الخاطئ، والغبي، والسخيف إلى جانب الرأي العلمي السليم. ولو جاز محاكمة كل ذي رأي على رأيه لاضطرت بولندا التي تستنكر جرائم ستالين مثلا إلى محاكمة كل الشيوعيين من مواطنيها الذين ينظرون إلى ستالين نظرة تقدير ويرفضون الاعتراف بما ينسب إليه من جرائم.
ولكن حرية الرأي تصبح معلقة على ما يبدو، عندما يتعلق الأمر باليهود، فقد قدمت فرنسا روجيه جارودي للمحاكمة لأنه فعل ما فعله زندل وشكك بالمحرقة، بينما هي لم تقدم الذين يشككون بالمذابح ضد الأرمن للمحاكمة مثلاً.
والطريف ان الصحف الغربية التي تعتبر حرية الرأي غذاءها الرئيسي طالبت، أثناء محاكمة زندل، بحرمان الذين يشككون بالهولوكوست من المحاكمة واعتقالهم وزجهم بالسجن بإجراء إداري، وهكذا فإن هذه الصحف التي يفترض أن تدافع عن حريات المواطنين العاديين تعرض هذه الحريات في المزاد العلني.
أبو خلدون