فنجان قهوة
عولمة الأبارتهيد
أليس غريبا أن تصدر محكمة العدل الدولية حكما تعتبر فيه جدار الفصل العنصري الذي أقامته “إسرائيل” في الضفة الغربية غير شرعي، وتطالب بإزالته وإعادة الأراضي التي اغتصبتها من الفلسطينيين من أجل إقامته إلى أصحابها، وتعويضهم، ثم يقوم البنك الدولي برئاسة بول وولفويتز الذي كان أحد المخططين الرئيسيين للغزو الأمريكي للعراق وكل ما تعاني منه المنطقة من اضطرابات، بتمويل مشاريع صناعية ستقام على الجدار الذي أعلنت محكمة العدل الدولية إنه غير شرعي؟
والجدار سيكون بطول 700 كيلومتر عندما يكتمل، وقد اقتطعت “إسرائيل” مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية من أجل إقامته، يضاف إلى ذلك أنه سيسهل لها ضم المستوطنات غير المشروعة التي أقامتها في الضفة، ويحول الأراضي الفلسطينية إلى غيتو كبير يضم ما يزيد على أربعة ملايين شخص يخضعون كليا للهيمنة “الإسرائيلية”، سياسياً وعسكرياً، ويأتي قرار البنك الدولي الجديد ليفرض عليهم التبعية الاقتصادية.
ومشروع البنك الدولي بتمويل مشاريع صناعية على الجدار جاء في دراسة أصدرها البنك بعنوان: “ركود أم انتعاش: فك الاشتباك “الإسرائيلي” والآفاق الاقتصادية للفلسطينيين”. ولكن الدراسة لا تتحدث عن آفاق اقتصادية للفلسطينيين وإنما ل “إسرائيل”، وحيث أن “إسرائيل” لا تستطيع الحصول على قروض من البنك الدولي لتمويل مشاريعها، لأن معدل دخل الفرد فيها أكثر من المعدل الذي حدده البنك لتأهيل الدولة للحصول على قرض، فإن القروض ستمنح للفلسطينيين لإقامة مشاريع للصناعات التصديرية على طول الجدار، خاضعة كليا لإشراف “إسرائيل”، في منطقة تطلق عليها دراسة البنك الدولي اسم “منطقة التجارة الحرة الفلسطينية في الشرق الأوسط”. والمشاريع الصناعية التي سيقيمها البنك الدولي في هذه المنطقة لن تساهم في تطوير الاقتصاد الفلسطيني وإنما “الإسرائيلي”، إذ أنه لن يكون للفلسطينيين فيها إلا حق العمل، وفي مقابل ذلك تتمكن “إسرائيل” من ترويج منتوجاتها في الخارج تحت شعار أكثر جاذبية هو “صنع في فلسطين”.
وتوصي دراسة البنك الدولي بإقامة بوابات على طول الجدار، مجهزة بأحدث ما توصلت إليه تكنولوجيا المراقبة الالكترونية لتسهيل انتقال العمال والبضائع، وقد تبرعت الولايات المتحدة مؤخرا بمبلغ 50 مليون دولار مساهمة منها في إنشاء هذه البوابات، والمبلغ المتبقى ستدفعه الحكومة الفلسطينية رغم أنها عارضت إنشاء الجدار من الأساس.
وهذه هي المرة الأولى التي يتدخل فيها البنك الدولي لتمويل مشاريع تدعم الاحتلال “الإسرائيلي” للأراضي الفلسطينية، وعندما عرض مشروع إقامة المجمعات الصناعية التصديرية على طول الجدار على رئيس البنك السابق جيمس وولفينسون رفض حتى مجرد النظر إليه، فقد كان وولفينسون ينظر إلى الجدار باعتباره “آلية للسيطرة والاستغلال ومصادرة أراضي الفلسطينيين ابتكرتها قوات الاحتلال” ولكن وولفينسون خرج من البنك الدولي في أول يونيو ،2005 وخلفه بول وولفويتز، فأعاد إحياء هذا المشروع الذي يصفه المراقبون بأنه “عولمة للإبارتهيد في الأراضي الفلسطينية المحتلة”.
أبو خلدون