علاقات القاهرة أيام الثورة الساخرة
علاقات القاهرة أيام الثورة الساخرة
عندما شاهدت أجمل البنات المصريات ينظفن الشوارع أمام مكاتبنا في مدينة نصر، عرفت أن الثورة قد انتصرت. حدث ذلك بعد عشرة أيام من انطلاق ثورة القاهرة الساخرة. وعندما عدت من شارع الطيران إلى الحي السابع في مدينة نصر كان علي أن أحفظ كلمة السر لكي يسمح لي فتيان الحي الشجعان باجتياز الحواجز الاعتراضية التي بناها شباب لجان حماية الثورة. وفي صباح هذا اليوم استقبلت رسالة من شاب يدعى "هيثم هاني" يشكر فيها كل من شاركوا في تنظيف شارع الطيران حتى صار يضاهي ميدان التحرير في بهائه وصفائه. ومن خلال مشاهداتي الشخصية وقراءاتي اليومية أعتقد أن العلاقات الإنسانية بين المصريين لم تصل أبدًا إلى هذه الدرجة من المتانة والرصانة منذ ثورة أحمد عرابي في القرن التاسع عشر.
لقد عجز الإعلاميون والسياسيون والعسكريون والمفكرون والمسوقون عن اختيار اسم واحد لهذه الثورة. لقد وصفها مراسل "بي بي سي" في القاهرة بأنها الثورة الضاحكة وهو اسم جميل لولا أن فيها الكثير من البكاء. هي ثورة ملونة؛ لا حمراء ولا بيضاء؛ لا ضاحكة ولا باكية؛ اختلطت فيها الجنائز بالأعراس، والأهلة بالأجراس، والجمال بالدبابات، والماء بالنار، ومسارح الكوميديا بحلقات الزار لطرد الأرواح الدكتاتورية الشريرة.
هذه هي الثورة الوحيدة التي يشاهدها العالم على الهواء مباشرة من أولها إلى آخرها، وكأنها فيلم سينمائي عالمي شارك فيه 80 مليون تتراوح أعمارهم بين التسعين عامًا والتسعة أشهر. ولأنها ثورة حرة وخالية من الخطط والاستراتيجيات فقد نفذت بدون قائد، فقد كانت العلاقات الإنسانية الحميمة وحضارة مصر القديمة، والجديدة العظيمة، هي التي تقود التاريخ الطويل إلى المستقبل الجميل.
كتبت قبل ثلاثين عامًا قصيدة بعنوان "أسميك أنت" قلت فيها: "ونحن نسافر، نحمل أحزاننا في الحقائب. تقرأ كل المطارات أوراقنا، وتعرف كل الشوارع أقدامنا، وتشرب كل الفنادق أحلامنا؛ فماذا أسميك؟ أسميك غائبة؟ فارجعي! أسميك قادمة؟ فاسرعي". وها هو السؤال ما زال يتكرر: ماذا نسمي ثورة مصر 2011؟
* الثورة النظيفة؟ لأنها نظفت الشوارع وكنست الفساد
* ثورة الشباب؟ لأن الذين نفذوها وعاشوها ما زالوا بين العشرين والثلاثين
* ثورة الالتزام؟ فبعد مرور أربعة أسابيع على انطلاقها انخفض الدولار ولم ترتفع الأسعار!
* ثورة الشعب في خدمة الشرطة؟ فهي أول ثورة في التاريخ يحمي فيها الشعب الأعزل رجال الأمن المسلحين ويعود فيها السجناء الخارجون والمخرجون إلى سجونهم مختارين!
* هل نسميها "الثورة"؟ مثلما نفعل في التسويق ونطلق اسم أشهر علامة تجارية على كل الصناعة، فنسمي التصوير "زيروكس" وكل المناديل "كلينيس" وكل الزيت "عافية" وكل الموبايلات "نوكيا"؛ هل نسميها: "الثورة"؟
نسيم الصمادي
رد: علاقات القاهرة أيام الثورة الساخرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
بارك الله بك
رد: علاقات القاهرة أيام الثورة الساخرة
هل ستشرق شمس اليابان بعد "فيكوشيما" مثل "هيروشيما"؟
هل ستشرق شمس اليابان بعد "فيكوشيما" مثل "هيروشيما"؟
يرى المحللون وخبراء الاقتصاد أن زلزال اليابان هو أكبر كارثة طبيعية عرفتها البشرية. وحتى لو توقف عدد القتلى عند عشرين ألفًا ولم تتجاوز الخسائر الاقتصادية التقديرات الأولية التي وصلت إلى 250 مليار دولار، ولم ينفجر المفاعل النووي في "فيكوشيما" فإن الكارثة تبقى الأفدح في التاريخ.
فهل في مقدور اليابان مواجهة كارثة بهذا الحجم؟ وهل هناك معايير ونظم معلومات ومؤشرات يمكن على ضوئها قياس مدى نجاح أو فشل الحكومات في إدارة الأزمات؟ وما هو الفرق بين الأزمة والكارثة؟
إذا كان زلزال "نيوزيلندا" الأخير أزمة، فإن زلزال "اليابان" كارثة! وإذا كان ما يجري للسودان أزمة، فإن ما يجرى للعراق كارثة! وإذا كان ما حدث في مصر أزمة، فإن ما يحدث في ليبيا كارثة؟
الكوارث والأزمات قد تكون طبيعية أو سياسية أو اقتصادية! ومثلما هناك أزمات حقيقية مثل: أزمة التسرب النفطي في خليج المكسيك وأزمة الاقتصاد العالمي ومرض الإيدز، فإن أكثر أزماتنا مفتعلة مثل: التشرذم اللبناني والانقسام الفلسطيني وتفجير طائرة "لوكيربي" وأزمة البورصات المحلية في الأردن.
من المؤكد أن الحكومات والمؤسسات والأفراد مسؤولون عن الأزمات المصنعة (المصطنعة) التي تشمل الأزمات الاقتصادية والسياسية والصحية. فهي أزمات من صنع الإنسان أو ناتجة عن أفعاله. فماذا عن الأزمات الحيوية والكوارث الطبيعية؟
يمكن تحميل الإدارة اليابانية مسؤولية حجم الكارثة التي لحقت باليابان لا مسؤولية صنعها! فليس منطقيًا أن تبني دولة ذكية كاليابان مفاعلاً نوويًا على حافة أخطر أحزمة الزلازل في العالم! وليس من الحكمة إقامة تجمعات سكانية على شواطئ منخفضة تتعرض بحارها للزلازل كل يوم، ولتسونامي كل عام ونصف تقريبًا. فقد سجلت مراصد اليابان 195 تسونامي منذ منتصف القرن 18 حتى الآن. علمًا بأن "تسونامي" كلمة يابانية وتعني "أمواج الموانئ".
فهل لكارثة تسونامي الأخيرة أية إيجابيات؟
تطبيقًا لنظرية "الهدم الخلاق" فإن الاقتصاد المعرفي المتطور والمرتكز على بنى تحتية قوية يتعافى من الكوارث الطبيعية بسرعة ويستعيد لياقته بسبب حاجة الشعوب الحرة للتحديات وقدرتها على المواجهة. كما أن الهزات الطبيعية تدمر الموارد والأصول المادية، ولا تطال الموارد البشرية وهي المحركات الحقيقية للاقتصاد والإنتاجية والروح والمعنوية والمواطن القوية والميزات التنافسية في الدول الديمقراطية. وحتى الدول الفقيرة المضارة بالكوارث الطبيعية – عكس الصراعات السياسية – تتلقى مساعدات مالية وفنية وخبرات عملية دولية تساعدها على النهوض من عثراتها وإعادة ترتيب أولوياتها.
وطبقًا لفكرة "النوافذ المكسورة" التي طرحها الاقتصادي "فريدريك باستيت" فإن معظم ما يكسر ويدمر يعاد إصلاحه، وفي هذا تحريك للموارد المالية الراكدة، وللأيدي العاملة العاطلة، وإعادة لتوزيع الموارد. ففي حين تضار أسواق المال وشركات التأمين، يمكن أن تستفيد شركات البناء والغذاء والدواء على حد سواء. كما تعمد بعض الدول إلى إصلاح بناها التحتية وإلغاء بعض الصناعات المتهالكة وإحلالها بصناعات حديثة وقادرة على المنافسة.
وبما أن "بلاد الشمس المشرقة" كانت في حالة بيات شتوي وكسوف شمسي عبر العقدين الماضيين، فمن المنتظر أن تصحو "اليابان" لتعيد بناء حضارتها، وتستعيد جدارتها كما حدث بعد هزيمة "الساموراي" وفاجعة "هيروشيما". فالشعوب الحية لا تعترف بالهزيمة، بل تحول المشكلات إلى فرص، والأزمات إلى مهرجانات.
نسيم الصمادي
رد: هل ستشرق شمس اليابان بعد "فيكوشيما" مثل "هيروشيما"؟
اليابان دولة مذهلة...
يحب على العرب ان يتبعوا خطاها في
التنمية وطريقة اعتمادها على لغتها وثقافتها في التطور
شهادة ميلاد الرئيس هي شهادة وفاة الأمة
يصدر في منتصف شهر مايو 2011 كتاب بعنوان: "أين شهادة الميلاد؟ "باراك أوباما" لا يستحق الرئاسة". وقد سبقت صدور الكتاب أغبى حملة علاقات عامة عرفها التاريخ.
في وقت تعاني فيه أمريكا من أزمة ثقافية وأزمة أخلاق وهوية، شغلت أكبر دولة في العالم نفسها أسبوعًا كاملاً بمناقشة قضية سخيفة تثبت بأن هذه الأمة العظيمة التي صنعت الكمبيوتر وبرامجه والموبايل وتطبيقاته، وغزت الفضاء، وكشفت أسرار الذرة وتقنيات النانو، قد ضلت طريقها إلى غير رجعة. فقد كان السؤال الذي يطرحه الإعلام الأسود على البيت الأبيض هو: "أين شهادة ميلاد الرئيس؟".
بعد سنتين من الحكم تذكرت ماكينة العلاقات العامة أن الرئيس ربما لا يكون مولودًا على الأرض الأمريكية الطاهرة! ومع صمت الرئيس وقرب صدور الكتاب المذكور، تنطع "دونالد ترامب" وطلب من البيت الأبيض نشر شهادة ميلاد الرئيس ليتأكد أنه أمريكي المولد. واستمر البحث في السجلات حتى خرجت الشهادة وعقدت لها المؤتمرات الصحفية وقرأها العالم أجمع لتصبح أشهر شهادة ميلاد رجل وأشهر شهادة وفاة أخلاق.
لا غرابة في أن تتفوق أمريكا على العالم في العلم والإعلام، وتتخلف عنه في الأدب والفلسفة والفن. ويبدو أن الأديب الأمريكي "مارك توين" كان يعبر عن بلده فقط عندما قال: "هذا العالم يتصف بوفرة الشجاعة المادية، وندرة الشجاعة الأخلاقية." نعم، فكما قال "آينشتاين": "النسبية تنطبق على الفيزياء ولا تنطبق على الأخلاق والأحياء." ويبدو أن مجتمع العلاقات العامة الأمريكي بدأ يأكل نفسه. فمن يأخذ بالأخلاق دون العلم يعيش ضعيفًا ولا ينفع نفسه، ومن يأخذ بالعلم دون الأخلاق يصبح أكثر خطرًا على نفسه.
يحمل "جيروم كرسي" مؤلف الكتاب إياه، درجة الدكتوراه من جامعة "هارفارد"، ورغم ثبوت أن شهادة الميلاد صحيحة فإنه لم يعتذر، بل ويصر على توزيع الكتاب ليثير تساؤلات عما تعلمه الدكتور "كرسي" في "هارفارد": هل درس العلم أم الأخلاق؟ وبالمثل، يتمسك "دونالد ترامب" بنظريته حول عدم أهلية الرئيس، مما عرضه لهجوم ساحق واتهم بالكذب كونه يفكر بالترشح للرئاسة، ولأن برنامجه التلفزيوني حول المشاهير الجدد فقد بريقه وجمهوره وهو يحاول استعادة الأضواء بأساليب غير أخلاقية.
تعاني أمريكا اليوم من انخفاض تصنيفها الائتماني، واستمرار ركودها الاقتصادي، وهزائمها في الخارج، وخلافاتها حول الضرائب والميزانية والخدمات الصحية في الداخل. فلماذا لم تلق دعوة الأمريكيين العقلاء - وهم قلة - أن تواصل القافلة الأمريكية سيرها رغم نباح الكلاب آذانًا صاغية؟
طبقًا لنظرية "ستيفن كوفي" فإن شخصيات قادة أمريكا ظلت حتى الحرب العالمية الثانية تتسم بالأصالة وتنطلق من الداخل وتعبر عن الجوهر. وصارت بعد الحرب تصنع في الخارج وتتسم بالنذالة وتعبر عن المظهر. صعدت أمريكا على أكتاف قيادات عظيمة، وها هي تسقط بأيدي شركات الإعلام والعلاقات العامة السقيمة. البحث عن شهادة ميلاد الرئيس، هو بحث عن شهادة وفاة أمة.
نسيم الصمادي
التأصيل والتفصيل في تعريب لغة التدريب
التأصيل والتفصيل في تعريب لغة التدريب
يقول عالم الفلك "جاليليو" وهو أستاذ الملاحظة والاكتشاف: "لا تستطيع أن تعلم أحدًا أي شيء، كل ما تستطيعه هو مساعدته على أن يكتشف لنفسه بنفسه."هذه المقولة تفسر أسرار شغف الإنسان بالتعلم الذاتي على الفضاء الإلكتروني، حيث ينتقي ما يريد، فيتعلم ويعيد نشر ما تعلمه في نفس الفضاء المفتوح؛ فيستفيد ويفيد. كما يفسر ظاهرة الاهتمام بالتدريب التوجيهي أو "التوجيه" وهو أفضل مصطلح لتعريب ما يسمى بـ "الكوتشينج " (Coaching)؛ حيث ما زلنا نخلط بين نوعين من التعلم والتدريب هما: التدريب (Training) والتوجيه أو الإرشاد (Coaching) – شخصيًا وعلميًا أفضل استخدام مصطلح التوجيه على مصطلح الإرشاد لسبب وحيد سأوضحه لاحقًا.
يعتقد معظمنا - حتى الخبراء والمتخصصين منا - أن "التدريب" هو مجرد تعليم وتوجيه جماعي، وأن "التوجيه" هو مجرد تدريب فردي. ورغم أن هذا التفريق صحيح، فإنه مجرد اختلاف ظاهري أو إجرائي لأن هناك عشرات الاختلافات الجوهرية والعميقة؛ ليس بين العملية التدريبية والعملية التوجيهية فقط، وإنما في أهداف واستراتيجيات ونتائج كل من التدريبين إن صح التعبير. وعندما أقول "كلاً من التدريبين" فإنني أعني ما أقول، لأن كل توجيه تدريب، وليس كل تدريب توجيهًا.
التدريب محوره المدرب، ويُستخدم لسد ثغرات معرفية ومهارية وفنية. أما التوجيه فمحوره المتدرب، أو الموجَه (بفتح الجيم)، ويُستخدم لسد ثغرات سلوكية وإدراكية وذهنية. ولهذا فإن المدرب يواجه المدربين ومعه منهاج تدريب معد مسبقًا، لينقله لهم ويطبقه عليهم. أما الموجه فيأتي ليوجه المتدرب (غالبًا متدرب أو مدير واحد) ويساعده ويشاركه في تطوير المحتوى والمسار التدريبي في أثناء عملية التدريب، فيتركه يكتشف ويطور ويغير نفسه بنفسه.
ولذا من الضروري أن يكون المدرب ملمًا بموضوعه معرفيًا وفنيًا ومهاريًا؛ وغالبًا ما يحمل شهادات ورخص تدريب وتعليم تتلاقى وتتقاطع مع تخصصات المتدربين والموضوعات التي يدربها. وليس ضروريًا أن يكون الموجه ملمًا في مجال وتخصص ونشاط عملائه ومتدربيه. فهو يقودهم إلى وضع الأهداف واكتشاف المشكلات ووضع الحلول من خلال عملية إجرائية واحترافية بحتة. ولهذا السبب يكون المدرب مسؤولاً مباشرة عن نجاح أو فشل متدربيه. بينما يتحمل المتدرب أو المدير الذي يتم توجيهه مسؤولية الرؤية والقيم التي سينطلق منها، والأهداف التي سيضعها، والثغرات التي سيكتشفها، والخطوات التي سيخطوها، والقرارات التي سيتخذها والنتائج التي سيحققها. ولهذا قد تستمر عملية التوجيه عدة أسابيع، وقد تطول شهورًا وتدوم أعوامًا. وهناك مديرون يعينون موجهين ومرشدين ناصحين في وظائف دائمة، ليوجهوا المدير ومساعديه في الصفين الأول والثاني باستمرار.
في الرياضة مثلاً، هناك مدرب "Trainer" وهناك موجه "Coach" . المدرب ينزل الملعب ويلعب مع اللاعبين ويستعرض لهم ومعهم المهارات، ويؤدي نفس الحركات التي يطلبها منهم. بينما يقف الموجه خارج الملعب، ويضع الخطة على الورق، ويحدد نقاط قوة وضعف فريقه، ويحدد من يلعب ومن لا يلعب في كل مباراة، ويدرس الخصم، ويعدل في الخطة بناء على مجريات اللعب، ويجري التغييرات، ويحلل أخطاءه وأخطاء الفريق المنافس، ويعمل قبل المباراة وبعدها، أكثر مما يعمل في أثناء سير اللعب. فدور المدرب هنا تكتيكي وفني ومهاري، ودور الموجه استراتيجي وتحفيزي وإلهامي. يركز المدرب على النتائج السريعة، ولهذا يزول مفعول أدائه التدريبي سريعًا. ويركز الموجه على النتائج بعيدة المدى، ولهذا يرسخ مفعول أدائه التوجيهي، وقد لا يزول تأثيره أبدًا.
وعلى الرغم من أن مصطلحي "توجيه" و"إرشاد" يستخدمان في اللغة العربية بالتبادل، ويكادان يعبران عن نفس المعنى، فإن "المرشد" أعلى مرتبة من "الموجه". فالمرشد يقوم بنفس عملية التوجيه، لكنه يتمتع بدرجة علمية ومعرفية أعلى، وبمرتبة قيادية أسمى. فهو قائد يكتنز معرفة علمية ومنهجية، بالإضافة إلى مكانة قيادية ورؤية فكرية وفلسفية أيضًا.
نسيم الصمادي
ثروة مصر الحقيقية.. عندما تنظر مصر إلى نفسها
كل العالم يتكلم ويكتب عن ثورة مصر! سأكتب عن ثروتها ...
لنفرض أنك القائد الجديد لمصر، لنقل رئيسها الجديد، أو رئيس وزرائها المنتخب! فكيف ستفكر؟ وكيف سترى مستقبل مصر؟ إلى أين ستقودها وفي أي اتجاه ستأخذها؟
ربما تجمع فريقًا من الخبراء والتكنوقراط كما نسمي هؤلاء الذين يعملون ولا يفكرون! وربما تحضر بيوت خبرة عالمية وتحاول حصر كل الأخطاء التي ارتكبتها القيادات والإدارات السابقة! قد تدرس تجارب عالمية مشابهة فتفكر في تقليد كوريا وماليزيا وتركيا والبرازيل! لكن هذه النظرات التقليدية لن تكفي لأن لمصر خصوصيتها.
عالمنا الحقيقي هو ما نراه وما نفكر فيه، ويجب أن نفكر بطريقة مختلفة لكي نستطيع ابتكار التغيير. فما لم ننظر في الاتجاه المعاكس، ونفكر عكس ما كنا نرى، فلن يتغير شيء. مصر - في حقيقتها وفي شخصيتها - أغنى حضارة في العالم، هي تشبه الصين قليلاً، وتختلف عنها كثيرًا، ومن الخطأ أن نفكر فيها كدولة فقط. ربما ترون أن في هذا الكلام شيئًا من المبالغة، ولكني أستطيع إثباته بالحقائق والأرقام.
توجد في مصر عشرة معالم حضارية وموارد اقتصادية لا تتوفر كلها مجتمعة لدولة واحدة أو حتى لبضع دول مجتمعة. في كل دول العالم نجد بحرًا أو بحرين، ونجد في مصر خمسة: الأبيض والأحمر والنيل وقناة السويس والسد العالي. في بعض دول العالم بترول، وفي مصر: بترول وغاز وذهب وحديد وجبال من المعادن ورمال من الكريستال. إنتاج مصر الزراعي يمكن أن يشمل كل ما يحتاجه الإنسان من غذاء وكساء لو فكرنا بمناخها الذي ينتج البردي في الجنوب، والتين والزيتون في الشمال.
أكبر خطأ ارتكبته كل إدارات مصر السابقة، باستثناء "محمد علي باشا" أنها كانت تنظر حولها أكثر مما تنظر إلى نفسها. قديمًا كانت مصر تنظر إلى الشرق وهي ليست دولة شرقية؛ وحديثًا صارت تنظر إلى الغرب وهي ليست دولة غربية. مصر دولة شرقية وغربية، شمالية وجنوبية، أفريقية وآسيوية، عربية وفرعونية، مسلمة ومسيحية، قبلية ومدنية. ولهذا فهي مختلفة ولا يجب إدارتها، بل ولا يمكن إدارتها، كما تدار الدول العادية، لأنها تتوسط العالم كله وتشبهه كله، ولذا فهي عالم قائم بذاته؛ إنها حضارة لا دولة؛ والحضارة لا تستطيع ألا تكون مستقلة.
عندما تطلعت مصر إلى الغرب، ذهبت متكاسلة وسائلة، فمدت يدها طالبة العون والمساعدة. وعندما تطلعت إلى الشرق، ذهبت معصوبة العينين بلا رؤية وبلا وجهة نظر. فحاولت تقليد الصين والهند واليابان وهي حضارات مثلها، وأبدت غيرة وخوفًا من إيران وإسرائيل وهما أقل منها. الغرب لن يفهم مصر لأنه يظن أنه ليس بحاجة لها. والشرق لن يفهم مصر لأنه مشغول في صراعه مع الغرب، ويظن أنه يستطيع القفز عنها. مصر كانت للغرب مجرد استراحة في الطريق إلى الشرق، وكانت للشرق مجرد قناة أو نقطة عبور إلى الغرب. وهي في حقيقتها قلب العالم، بل هي كما أرادها الفراعنة، وكما أراها اليوم: كل العالم.
لو كنت رئيسًا مصريًا عصريًا، أو رئيس وزراء منتخبًا، ماذا ستفعل؟ ما هي الرؤية التي ستضعها لمصر 2020 وما بعدها؟ هل ستضع على عينيك نظارتك الإيطالية وترتدي بزتك الفرنسية وتركب سيارتك الألمانية وتحلق بطائرتك الأمريكية وتجوب العالم طالبًا المساعدة؟ أم ستخرج للشمس وترتدي الجلابية وتتجول في مصر على قدميك لترى مصر الحقيقية.
أنصحك بأن تنظر في الاتجاه المعاكس؛ اذهب إلى أفريقيا لتساعدها فتخلق تحديات اقتصادية وعلمية وصناعية وزراعية لكل المصريين! وإلى آسيا لتتفاعل وتتعاون وتتكامل معها فتخلق تحديات حضارية وثقافية ومستقبلية لكل الأفريقيين والآسيويين ولكل العالمين. ثروة مصر الحقيقية هي شخصيتها وهويتها، مضافًا إليها تحدياتها. وها هي شخصيتها تنهض، وهويتها تتجلى، وتحدياتها تتعالى.
نسيم الصمادي
دروس إدارية من كأس العالم الكروية
دروس إدارية من كأس العالم الكروية
انتهت كأس العالم 2010 الشهر الماضي، لكن الدروس القيادية والاستثمارية والسلوكية المستفادة منها لا تنتهي. من المؤكد أن المعطيات والأسباب التي أدت إلى فوز الفائزين، هي التي أدى غيابها إلى خسارة الخاسرين. ومن واقع قراءاتي ومشاهداتي لكرة القدم العربية وتحليل سلوك القيادات العربية، يمكنني القول بأنه ليس هناك فريق عربي واحد مؤهل للفوز بأحد كؤوس العالم القادمة، مثلما ليست هناك دولة أو مؤسسة أو جامعة عربية مؤهلة لقيادة العالم اقتصاديًا أو سياسيًا أو علميًا. ولذلك فإنني أراهن على استحالة فوز العرب ما لم يغيروا ما بأنفسهم، وهذه بعض المؤشرات والعبر المستقاة من كأس العالم الأخيرة:
* التاريخ لا يلعب مع أصحابه
لا توجد بطولتان لكأس العالم متشابهتان، ولذلك فإن فوزك اليوم لا يضمن فوزك غدًا، وأداءك اليوم لا يؤشر إلى مستوى أدائك في المستقبل. فقد لعبت فرنسا وإيطاليا نهائي كأس العالم مرارًا، وفازتا تكرارًا، لكنهما لم تتأهلا للدور الثاني هذا العام. وهذا هو حال العرب، فنحن أكثر شعوب الأرض ارتهانًا للتاريخ؛ نتغنى بأمجاد الماضي، ونتفاخر ببطولات الأجداد، ونغفل عن المستقبل. وبما أن الأرض لا تلعب مع أصحابها، فلم يفز فريق آسيوي أو أفريقي ببطولة العالم، لا على أرضه ولا خارجها.
* العالمي ليس بديلاً للوطني
الفرق العربية تعتمد على خبراء ومدربين أجانب، وكذلك هي المؤسسات العربية. بل إن الدول العربية تثق بالسياسي والاقتصادي والإداري والرياضي الأجنبي أكثر من العربي. لكن اقتباس النظم واستيراد التكنولوجيا والفكر الغربي لا يكفي. حتى بريطانيا التي تتمتع بأقوى دوري كروي وتفوز أنديتها ببطولات أوروبا، فشلت في الفوز بكأس العالم التي اخترعتها. نجحت الأندية الإنجليزية في تجنيد مئات اللاعبين الأجانب في أنديتها ودفعت المليارات في شرائهم – مثلما تدفع الجيوش للمرتزقة – لكنها فشلت في الفوز على مدى نصف قرن.
* الموهبة الفطرية لا تكفي
لعب لفرق أمريكا الجنوبية وأفريقيا أكثر اللاعبين شهرة وموهبة، ودرب فرق البرازيل والأرجنتين نجوم تألقوا في الماضي القريب، لكن المواهب الكروية مثل الموارد الطبيعية تحتاج لمن يحسن استثمارها. في العالم العربي موارد طبيعية لا تنضب، ومواهب علمية ورياضية وثقافية عملاقة، ولكن بدون تنسيق واستثمار فعال، وبلا تعاون وروح فريق، وفي غياب حرية التفكير والتعبير، لن تستطيع المواهب الكثيرة استثمار الموارد الوفيرة، فتكون النتيجة هدر الاثنتين معًا.
* القائد ليس نصف الفريق، بل هو الفريق كله
قال نابليون: "جيش من الأرانب يقوده أسد، خير من جيش من الأسود يقوده أرنب." لقد كان مدربو أسبانيا وألمانيا وهولندا وأروجواي وغانا أسودًا. في حين كان مدرب فرنسا عصبيًا وعنصريًا، واهتم "مارادونا" بساعاته وملابسه ومهاراته الفردية وهو يلاعب الكرة ليسعد الجماهير. خطف الأضواء من لاعبيه وسلطها على نفسه، وتفاعل مع الجماهير أكثر من اللاعبين، وركز على الإعلام أكثر من الملعب. في كرة القدم، كما في الأسواق والحياة، الفرص الضائعة لا تحتسب، والأخطاء القاتلة لا تغتفر. وهناك أربعة أشياء لا تتوقف: الوقت وحركة الكرة ومشاعر الجماهير وأفكار المدرب. والأخير هو القائد، وهو من يحدد تفاعلات ومخرجات العناصر الثلاثة الأولى.
* الثقافة المحيطة والسلوك الجمعي يحددان النجاح
لا يمكن عزل كرة القدم والاقتصاد وأداء الأسواق عن البيئة المحيطة والثقافة السائدة؛ فلا يمكن أن تكون عبدًا وتبدع، ومنافقًا وتقنع، وجائعًا وتشبع. عندما نقارن نتائج فريق كوريا الجنوبية بنتائج فريق كوريا الشمالية ندرك أن الحرية والعدل وتداول السلطة وتحمل المسؤولية ليست نتاج قوانين تفرض وخطابات تعرض، بل هي مصدر الحرية للموارد البشرية ومصدر احترام الذات والآخر الذي يعزز ثقة الإنسان بنفسه، وثقة الناس بعضهم ببعض. وهذا هو مصدر رأس المال الاجتماعي الذي تنبع منه روح كل فريق فعال وناجح. فعندما نقارن بين نتائج فريقي "غانا" و"نيجيريا"، نجد "غانا" القادمة من أجواء الديمقراطية والحرية والشفافية والرؤية القيادية تحصد النجاح، و"نيجيريا" القادمة من أجواء الفساد والفوضى والمحسوبية والعنصرية تخرج من الدور الأول وتمنى بالفشل.
نسيم الصمادي
أزمة "تويوتا" الصمود مثل الصعود؛ يحتاج لجنود وجهود ونقود
أزمة "تويوتا" الصمود مثل الصعود؛ يحتاج لجنود وجهود ونقود
عندما صدر كتاب "جيم كولنز"، "هكذا يسقط العظماء"، في منتصف عام 2009 كان الفأس قد وقع في الرأس، لأن أزمة الاقتصاد العالمي كانت قد تفاقمت. ومع ذلك فإنه يمكن لقيادات شركة "تويوتا" إعادة قراءة مفردات أزمتها الحالية على ضوء نظرية "كولنز" حول أسباب وكيفية سقوط الكبار!
يحدد "كولنز" وفريقه خمسة أسباب للسقوط؛ وعلى الرغم من أن هناك من يدعي أن أباطرة صناعة السيارات والحكومة في أمريكا يحاولون انتهاز فرصة تعثر "تويوتا" ليعطوا دفعة قوية للشركات الأمريكية المنافسة على حساب الشركات اليابانية، فإن هذا لا يعفي "تويوتا" ومدرسة الإدارة اليابانية من المسؤولية.
المراحل الخمس للسقوط هي: غرور النجاح، والتوسع المحموم، وتجاهل الأخطار، ومحاولة إصلاح العرض لا المرض، وأخيرًا الاستسلام. لقد اعترت "تويوتا" حالة من الغطرسة المفرطة منذ أن أصبحت شركة السيارات الأولى في العالم؛ فبدأت تهتم بالكم على حساب الكيف، وبفتح أسواق جديدة على حساب الجودة، وأصيبت إدارتها العليا بحالة من العجرفة وتضخم الذات، بالإضافة إلى التقليل من شأن المنافسين، ونسيان أن العميل هو الأساس، وأن الجودة تنبع من التخطيط والتنفيذ الفعال ولا تقوم على المسلمات والنظريات.
كان واضحًا أن تصميمات وأداء سيارت "تويوتا" بدأت تتراجع منذ مطلع هذا القرن، حتى صرنا نرى السيارات الألمانية واليابانية والأمريكية وحتى السيارات الكورية تتفوق عليها باللمسات الجمالية الداخلية والخارجية. ولم يكن أحد يتصور أن تعاني سيارات "ليكزاس" التي بنيت على المئات من براءات الاختراع من أخطاء هندسية وفنية ساذجة.
"تويوتا" لم تدخل غرفة الإنعاش بعد، لأنها اعترفت ببعض أخطائها، مما يعني أنها ما زالت على أعتاب مرحلة السقوط الرابعة. لكن المؤكد أيضًا أن مشكلاتها التسويقية وأخطاءها في العلاقات العامة لم تأت لأسباب خارجية، لأن عجز "تويوتا" عن توصيل رسائلها إلى عملائها ووكلائها ومنافسيها هو انعكاس لمشكلات اتصال داخلية بين مستوياتها الإدارية المتعددة. ولولا تجوال كبار قادتها في العالم، واعتذارهم للعملاء، لكانت فقدت مصداقيتها تمامًا ودخلت مرحلة الموت البطيء.
الدرس الأول المستفاد من أزمة "تويوتا" هو أن الشفافية هي الطريق الوحيد إلى المصداقية، وأن الجودة لا تدوم دون إيمان قاطع بعوائدها وفوائدها. لكن الدرس الأهم هو إدراك "تويوتا" أنها ليست ضحية. الضحايا هم عملاؤها الذين اشتروا سياراتها، ووكلاؤها الذين ربطوا مستقبلهم بها، وموردوها الذين تبنوا استراتيجياتها، وثقافة "كايزن" والجودة اليابانية التي كانت مفخرة فصارت "مسخرة". فليس في هذا العالم المضطرب من هو أكبر من الحقيقة؛ والحقيقة هي أن: "الصمود مثل الصعود؛ يحتاج لجنود وجهود ونقود".
نسيم الصمادي