الذكرى السابعة عشر :
بقيت طريح الفراش لأيام بعد الصدمة التي تلقيتها .. لا افعل شيئا سوى ذرف دموع ساخنه .. تنحدر على وجنتي بهدوء وبطء .. دمعة .. دمعة .. بدون نشيج او عويل .. بدون حتى ان يرف لي جفن .. فلم اكن انام او اكل .. ففقدت الكثير من وزني .. واحاطت بعيني هالات سوداء داكنه .. وشحب لوني بشكل كبير ..
كل ماكنت افعله هو التحديق في سقف الغرفة بصمت .. مسترجعا كل ذكرياتي معها .. بقيت استرجع هذه الذكريات اياما وايام .. وكأنني اريد تعذيب نفسي بتذكرها .. كنت اقرأ المذكرات خشية ان اكون قد نسيت تفصيلا صغيرا من تفاصيل الأحداث التي جرت بيننا .. حتى انني اصبحت احفظ هذه المذكرات عن ظهر قلب ..
كنت اتخيلها امامي .. تحدثني .. تضحك لي .. كما كانت تفعل في السابق .. فتزداد دموعي انهمارا حين ادرك بأنها ليست هنا .. حين ادرك بأنها مجرد سراب .. كدت افقد عقلي من اثر الحزن والهلوسات التي اصابتني .. فقلق علي اهلي كثيرا .. وحاولوا إخراجي من هذه الحلقة المفرغة التي ادخلت نفسي بها.. ورغم انني كنت اسمعهم واراهم امامي .... إلا انني كنت شبه فاقد للوعي .. لا اشعر بوجودهم حولي ..
اخذني والدي إلى مكة لأداء العمرة .. وهناك تحسنت بي الحال قليلا .. وعدت إلى الدوحة بنفس صافيه .. مستسلمه لمشيئة الله وقدره .. وبدأت استمع لنصائح اهلي .. وافكر مجددا بمستقبلي الذي يجب أن لا يضيع كما ضاعت حور مني ..
عودتي إلى هناك ورؤيتها باتت مستحيله .. فلم اعد ارغب ان يلتقي طريقي بطريقها مجددا .. ولذلك بعثت برسالة إلى الكلية طالبا نقلي إلى أحد الفروع الأخرى خارج المدينه .. وما ان جاءتني الموافقة على النقل حتى بدأت ابحث عن شقة مناسبة لي .. عن طريق زوج اختي الذي كان متواجدا هناك ..
رتب لي زوج اختي امر الانتقال إلى الشقة الجديده .. ودفع كل المستحقات على شقتي الحاليه .. بشرط ان تبقى امتعتي فيها إلى أن آتي لأنقلها بنفسي قبل بداية العام الدراسي الجديد ..
شعرت بالقلق لأنني سأضطر للعودة إلى هناك مجددا .. وإن كان لبضع ساعات فقط .. فلم اكن اريد ان امر بأي مكان جمعني بها في يوم من الأيام .. كان مجرد المرور بشارع مشينا فيه سويا يجلب لي الألم والعذاب .. إلا انني لم اترك هذا القلق يسيطر علي .. فلا بد ان اتجلد واتحلى بالقوه لأتمكن من تخطي الأزمة التي امر بها .. ومهما كان حزني وانكساري كبيرين .. لن اسمح لها برؤيتي مهزوما او كسيرا ..
وها انا الآن اجلس على مقعدي في الطائره متجها إلى هناك .. لألملم ما تبقى لي وارحل دون رجعه .. إن الوقت يمر بطيئا حين يكون المرء قلقا او مترقبا لأمر ما .. وانا الآن اشعر ببطء مرور الوقت بشكل لم اشعر به في السابق مطلقا .. ولا حتى حين كنت اشتاق إلى حور ..
ادرت جهاز الراديو في الخاص بي .. واخذت اقلب في المحطات لأبحث عن اغنية تناسب المزاج الكئيب الذي امر فيه .. وبسرعة وجدت ضالتي .. اغنيه لطالما احببتها .. إلا انني لم اشعر بصدق كلماتها إلا في هذه اللحظه ..
ماذا اقول .. لأدمع سفحتها اشواقي إليكِ ..
ماذا اقول .. لأضلعٍ مزقتها خوفا عليكِ ..
ءأقول خانت ؟! ءأقول هانت ؟
ءأقولها ؟ لو قلتها اشفي غليلي ..
ياويلتي لا .. لا لن اقولها .. لا تقولي ..
،،،،،
لا تخجلي .. لا تفزعي مني فلست بثائرٍ ..
انقذتني من زيف احلامي وغدر مشاعري ..
ورأيت أنك كنتِ لي قيدا حرصت العمر الا اكسره .. فكسرته ..
ورأيت انك كنت لي ذنبا سألت الله ان لا يغفره .. فغفرته ..
،،،،،،
كوني كما تبغين لكن لن تكوني ..
فأنا صنعتك من هواي ومن جنوني ..
ولقد برأت من الهوى ومن الجنون ..
ولقد برأت من الهوى ومن الجنون ..
أخذت اردد المقطع الأخير من الأغنية مرات ومرات .. وشعرت بانفجار بداخلي .. شعرت بأنني بركان ثائر انبثقت حممه إلى السطح فجأه .. وكأن هذا البركان كان يهدد بالانفجار بين لحظة واخرى .. وكأن ركوده كان لفترة قصيره فقط .. فتجمعت الدموع في عيني .. إلا انني حبستها ولم اسمح لها بأن تتغلب علي هذه المرة .. فلم يعد للدموع مكان في حياتي بعد اليوم .. يجب ان ابدأ حياة جديدة ومرحلة جديده لا شيء فيها سوى الجد والاجتهاد فقط ..
****
وصلت اخيرا واتجهت في طريقي لشقتي القديمة .. مارا بكل الشوارع التي الفتها واعتدت عليها .. فنظرت إليها متأملا .. مودعا .. لأنها ستكون اخر مرة اراها فيها ..
بدأت الملم اشيائي .. وارتبها في الحقائب .. فوجدت بطاقة اهدتني إياها حور في عيد ميلادي الماضي .. فقرأتها .. وتذكرت وعودها .. تذكرت بأنها وعدتني يوما بأنها لن تتخلى عني مهما حدث بيننا .. فابتسمت هازءا ومزقت البطاقة ورميت بالقصاصات من نافذة غرفتي .. واخذت اراقبها وهي تطير في الهواء وتتبعثر ثم تختفي ..
وهاقد حانت لحظة الوداع والرحيل .. فالوداع ياشقتي .. الوداع ياكليتي .. الوداع يا .. حور .. لم يعد لكم مكان في حياتي ..
*****
إن سألتني يا مفكرتي عن شعوري نحو حور في هذه اللحظه .. لأخبرتك بأن كل الحب الذي كنت اكنه لها يوما قد تحول إلى كره وحقد شديدين .. إلى درجة انني اتمنى لو كان بإمكاني إيذاؤها كما آذتني .. اتمنى لو كنت استطيع ان انتقم لما فعلته بي .. اتمنى لو اجعلها تندم وتزحف على ركبتيها طالبة مني العفو والسماح .. ولكن لتعلمي يا مفكرتي بأنني إن قلت ذلك فإنما انا اغالط نفسي . لأنه لازال هناك جزء صغير في داخلي يردد لي بصوت ضعيف .. بأنني لازلت احبها .. واتمنى لها السعادة والتوفيق ..
أحاول إسكات هذا الصوت الضعيف .. ولكنه يزداد قوة ووضوحا شيئا فشيئا .. حتى ماعدت قادرا على مقاومته ..فاستسلمت له واعترفت بأنني فعلا .. لا اتمنى لها إلا الخير أينما ذهبت .. ومهما كان حجم الألم الذي الحقته بي .. لأنني فعلا أحببتها من كل قلبي .. ومن عرف الحب يوما .. لا يمكنه ان يكره من احب مهما سبب له من أذى ..