بين ماضي الكرة السعودية المشرق وحاضرها المضيء ، وبين مستقبلها المرتقب هناك أمور يجب الوقوف على نقاط تعدت الألوف ، منها ايجابية وسلبية ، وعندما نقول ايجابية للإشادة بها ودعمها ، وسلبية لمناقشة أسبابها وعلاجها .
والمتتبع بدقة لكرة القدم في الدوري السعودي يلمس خبايا الاختلافات بين كفتي ميزان الماضي والحاضر ، وبنظرة فاحصة على النقلة النوعية التي ولدت الرقي والازدهار الذي نعيشه حاليا ، على أطلال الانجازات المتحققة وأماني الطموحات المرتقبة نجد أن لاحتراف اللاعبين السعوديين دور فعال في ما تحقق من مكاسب للمنتخب الوطني الأول وأبرزها الوقوف على ساحة المونديال العالمي لثلاثة مرات متعاقبة .
فقد بدأ التطبيق الرسمي للاحتراف في وسطنا الرياضي مع مطلع العقد الأخير من القرن الماضي ، ومع نشوة هذه الانطلاقة في التسعينات الميلادية تكللت بتحقق أكبر الانجازات بتأهل تاريخي غير مسبوق لمنتخبنا لكأس العالم 1994 بأمريكا آنذاك ، بل تعدى ذلك للتأهل للدور الثاني لأول مرة في الظهور الأول في هذه أكبر تظاهرة كروية على هذا الكون ، مما أذهل العالم وشد إعجاب النقاد وتوقعوا إبداعا أخضر باستمرار وازدياد .
لكن كما يقال لكل شيء سلاح ذو حدين ، والاحتراف له أوصاف ، وهذه الأوصاف قد تتحقق كليا أو جزئيا في البيئة محل الاحتراف .
ولتجربتنا المحلية مع نظام الاحتراف حكاية ورواية حول المفهوم الحقيقي للاحتراف ، فالمقصود من كلمة احتراف من المصدر أحترف ، أي أن الشخص أتقن المهنة التي يزاولها وقام بأداء جميع التزاماتها مستوفيا كامل الشروط مقابل حقوق مالية يتقاضاها .
ومن ضمن هذه الشروط اللازم توافرها لتكامل عمل المحترف في كرة القدم هو التفرغ لأداء الالتزامات بالإضافة لتوافر صفات ذهنية وجسدية في اللاعب المحترف تؤهله لأداء التزاماته وواجباته .
وبلا شك أن فترة الثمانيات الميلادية كانت النواة لبزوغ فجر الكرة السعودية ، فرغم عدم وجود نظام للاحتراف في تلك الفترة إلا أنه تحققت مكاسب كبيرة أبرزها كأس العالم للناشئين والتأهل لأولمبياد لوس أنجلوس وغيرها ، مع أن غالبية اللاعبين لم يحترفوا ممارسة كرة القدم وكانت بمثابة هواية تمارس بطريقة محترفة .
ومع امتداد فترة التسعينات الميلادية تحولت ممارسة كرة القدم كهواية إلى مهنة من خلال إقرار نظام الاحتراف إبان رئاسة المغفور له بإذن الله الأمير فيصل بن فهد رائد المسيرة الرياضية والتي ذكر أن النظام قابل للتغيير والتطوير بل وللإلغاء في حالة عدم الجدوى منه .
ومع مرور السنوات وتعاقب الانجازات الرياضية خليجيا وعربيا وآسيويا ودوليا بفضل الله تعالى ثم بدعم القيادة الرشيدة وعزيمة لاعبي المنتخب ( ورغم ذلك تم حجب عدة سلبيات لم يشر لها الإعلام الرياضي تحديدا في الغناء والاحتفال بفرحة تلك الانجازات ) تعرضت الكرة السعودية لهزة عنيفة معروفة في عام 2002 في المونديال العالمي بكوريا واليابان ، والذي تم الوصول إليه بيد عمرو لا بيدي ، وذلك بهدية مشكورة من قبل الأشقاء منتخب البحرين بعد فوزهم الشهير بثلاثية بأرضهم على منتخب إيران منافسنا الوحيد على بطاقة الصعود الآسيوية للمونديال ، وهذه الهزة دقت جرس الخطر على الأخضر لمعالجة السلبيات التي عانى منها لسنوات وسنوات ، ولكي نعمل لمقارنة بين الاحتراف في الدول المتقدمة كرويا والمطبقة لهذا النظام منذ عدة عقود زمنية وفي السعودية يتضح من الزوايا التالية :
1) زاوية مستوى الدوري
الدول المتقدمة احترافيا : قوي على مدار الموسم وفق المعايير الدولية .
الاحتراف السعودي : دون المتوسط بداية المتوسط يصل لذروة المتوسط في نهاية الموسم مع اكتمال اللياقة للاعبين .
2) زاوية المستوى المادي والاقتصادي للندية
الدول المتقدمة احترافيا : اكتفاء ذاتي وتمول نفسها بنفسها من مصادر متعددة .
الاحتراف السعودي :مصدر واحد تعتمد عليه كليا هو الدعم الخاص لأعضاء شرف الأندية لاسيما بالندية الكبيرة ، مع اعتماد محدود على الإعانات الحكومية .
3) زاوية الوعي العام للاعبين لنظام الاحتراف
الدول المتقدمة احترافيا :جل اللاعبين على علم ودراية بأنظمة الاحتراف وتفكر في الوفاء بالتزاماتها مقابل تسلم حقوقها .
الاحتراف السعودي : الأندية الكبيرة غالبا هي الأقرب لهذا الوعي ، ولازال معظم اللاعبين يفكرون في بض حقوقهم قبل أداء واجباتهم .
4) زاوية تفرغ اللاعبين لممارسة كرة القدم
الدول المتقدمة احترافيا : متفرغين تماما لمهنة كرة القدم .
الاحتراف السعودي : غالبيتهم متفرغين في الأندية القوية ماديا ولكن هناك أندية لازال نسبة كبيرة من اللاعبين يعملون في قطاعات حكومية .
5) زاوية أداء التدريبات الصباحية
الدول المتقدمة احترافيا :على مدار العام تدريبات إجبارية وبصفة يومية تقريبا .
الاحتراف السعودي : تقتصر على بعض الأندية خاصة في بعض المعسكرات للإعداد للموسم والمباريات الهامة الحاسمة .
6) زاوية مستوى الثقافة لدى اللاعبين
الدول المتقدمة احترافيا : شرط أساسي لاحتراف اللاعبين حمل شهادات تعليمية .
الاحتراف السعودي : معظم اللاعبين مستواهم التعليمي يقتصر على الشهادة المتوسطة إن لم يقف على عند الشهادة الابتدائية .
7) زاوية متابعة إدارات الأندية للمحترفين
الدول المتقدمة احترافيا :متابعة مستمرة لبرامج اللاعب ونظامه الصحي والغذائي ومستوى لياقته البدنية .
الاحتراف السعودي : متابعة مؤقتة خلال الموسم وعند إصابات اللاعبين خلال معسكرات المباريات الهامة .
8) زاوية درجة الاحتكاك بالعنصر الأجنبي
الدول المتقدمة احترافيا :درجة عالية أن عدد كبير من المحترفين الأجانب كبير .
الاحتراف السعودي : درجة قليلة باعتبار قلة عدد اللاعبين المحترفين الأجانب الذي يقتصر على الرقم ثلاثة ، وتظهر الاستفادة منها في الأندية القوية ماديا القادرة على جلب عناصر أجنبية متميزة المستوى .
9) زاوية احترام اللاعبين المحترفين لمواعيد التمارين
الدول المتقدمة احترافيا : احترام وتقديس لمواعيد التمارين .
الاحتراف السعودي : غالبية الأندية تحترم مواعيد التمارين ويحرص اللاعبون على الحضور والتي غالبا ما تكون مسائية لقدرة اللاعبين على الحضور رغم وجود حالات متعددة للتأخير دون أعذار مقبولة .
10) زاوية نسبة تطبيق نظام الاحتراف
الدول المتقدمة احترافيا : 95 %
الاحتراف السعودي : 40 %
ومع إيماني التام بعدم ضرورة التقليد الأعمى ، فان تعديل نظام الاحتراف السعودي بما يتوافق مع وضع طبيعة بيئتنا وما يتخللها من عادات وتقاليد مستمدة من ديننا الحنيف بات ضرورة لا محالة منها ، حيث يجب الاستهلال بمعرفة المقومات التي تمهد لزرع البذور في أرضية خصبة لتثمير زروع خضراء ثمنها البطولات والمكتسبات لمنتخبنا الأخضر ، ولعل اجتماع الأمير نواف بن فيصل مع رؤساء الأندية مؤخرا خطوة مباركة لوضع اليد على فتح شفرة الانطلاقة للكرة السعودية من جديد لتعود كتأكيد على عدم صدأ الحديد .
وأخيرا أختتم بمقترحات شخصية متواضعة لسعودة الاحتراف بمواصفات خاصة إن صح التعبير :
1) تكوين لجنة خاصة بالاتحاد السعودي لمتابعة أوضاع اللاعبين المحترفين السعوديين مهنيا وماليا وفنيا .
) اشتراط توافر الشهادة الجامعية أو الثانوية على الأقل كمتطلب أساسي لاحتراف اللاعب السعودي .
3) تحويل الأندية الرياضية لشركات مساهمة بفتح باب الاكتتاب في أسهمها للحد من آحادية الدعم المادي من قبل أعضاء الشرف بالتنسيق مع الرئاسة العامة لرعاية الشباب ووزارة المالية .
وكل أمنياتي الصادقة بالتوفيق للرياضة السعودية وتطوير نظام الاحتراف بما يساعد على تحقق المصلحة العامة للوطن الحبيب .
تحياتي / الرياضي
إن عجبك الموضوع فلاتبخل بالترشيح لنا
============================
