الأول : ـ ما هو برنامجنا لليلة ؟
الثاني : ـ سأشتري حذاءً..
الأول : ـ ماذا؟؟.. أنت؟!.. أنت ستشتري حذاءًا ؟ مستحيييل؟!
الثاني : ـ بل سأشتريه جديدًا هذه المرة..
الأول : ـ أمتأكد أن حرارتكَ عادية ؟
الثاني : ـ هيه !.. لستُ فقيرًا إلى هذه الدرجة !
الأول : ـ لكنكَ بخيل آآكثر من هذه الدرجة !
الثاني : ـ ستُرافقني أم لا ؟
الأول : ـ طبعا ، طبعا.. لن أُفوت هذه اللحظة التاريخية ! سأكتبها قصةً قصيرة.. أيُّ حذاء تريد أولا ؟
الثاني : ـ بالتأكيد ذلك الحذاء الذي يرتديه كل الشباب هذه الأيام.. ذلك البني من وسطه و الأسود من جانبيه.
الأول : ـ آآآه.. قرَّرْتَ إذن أن تتحدى شلة عارضي الأزياء ! أنصحُك أن تنسحب..
الثاني : ـ لا ، لا.. لست أكترثُ لهم ، لكني أحس أن فتيات الفصل يعتقدن أننا فقيران..
الأول : ـ صدقن.
الثاني : ـ سيُغيرن رأيهن إذن..
الأول : ـ كم تحمل معك من النقود ؟
الثاني : ـ خمسة و ثلاثون درهما..
الأول : ـ جيد... كم ؟؟؟ أقلتَ خمسة و ثلاثين درهما ؟؟
الثاني : ـ أجل..
الأول : ـ هه !.. هيا يا حبيبي نشتري لنا البوظة ، ستكفي بالتأكيد !..
الثاني : ـ لماذا؟.. وكم تساوي بقعة الجلد تلك ؟ أحمد اشترى نعلا بدرهمين !
الأول : ـ نعلاً ؟؟.. الله يلعن النعل ده !
الثاني : ـ وعادل اشترى حذاء بدرهم فقط !
الأول : ـ أقُلتَ بدرهم فقط ؟ لماذا لا تشتري لك خمسا وثلاثين حذاءً كحذاء عادل؟ ستُوفرعليك شراء الأحذية بقية عمرك ! وتترك البقية إرثًا للأبناء و الأحفاد..
الثاني : ـ سنُساوم مُساومة النساء..
الأول : ـ ولو رقصنا رقص النساء !
الثاني : ـ هاهو ذا المتجر.. هيا ندخل..
الأول : ـ متأكد مما تقول ؟ انظر.. هناك زجاج و أضواء.. و فتيات !
كان الثاني قد دخل المتجر في إصرار عجيب.. والأول لازال يحدث نفسه..
توجها مباشرة نحو التاجر الذي بدا شابًا أنيقا و حذقًا.. وكانت تساومه فتاةٌ على حذاءٍ أنثوي جميل..
الفتاة: ـ آآخر كلام ؟
الشاب: ـ لكِ أنتِ.. مائتان و خمسون درهمًا..
تُخرج الفتاة محفظةً جميلةً ، وتناول الرجل كومة من الأوراق النقدية !
تجحظُ عَيْنا الأول و الثاني !!
ثم يهمس الأول : ـ أالرجال قوامون على النساء هذه الأيام ؟
الثاني : ـ إنها فقط تريد أن تُظهر ثراءها.. سترى !
يتوجه التاجر نحوهما بعد أن رمقهما بنظرة تمحص و تشكك..
ـ أي خدمة يا شباب ؟
الثاني : ـ أريد ذلك الحذاء البني من وسطه ، الأسود من جانبيه..
التاجر : ـ آه.. تقصد سوبر كاليتي ؟ انتظر لحظة..
يمد يده إلى أعلى الرف ، ويتناول حذاءًا فاخرًا ، لامعًا..
التاجر : ـ تفضل.. إنه من الجلد الخالص..
يمسكه الثاني و يجعل يتمحصه في إعجاب !
يردف الأول : ـ حسن.. إنه ليس في مقاسك ، هيا نذهب !
الثاني : ـ كم يساوي الحذاء يا.. ؟
التاجر : ـ لكَ أنت.. ألف و أربعمائة و ثمانية و ستون..
الثاني و قد ظهرت عليه الصدمة : ـ درهم ؟!؟!
التاجر ضاحكا : ـ طبعًا.. هنا لا نتعامل بالدولار كما تعلم !
يصمت الثاني و قد أوشك على البكاء.. فيتدخل الأول :
ـ أنقص ، أنقص.. ما هذا الثمن الرهيب ؟
التاجر : ـ كم تريد أن تدفع ؟
يصمت الأول و قد علا وجهه الإحراج.. فينطلق الثاني:
ـ خمسة و ثلاثون درهما......
التاجر مصدوما ، بعد أن عجز عن تمالك نفسه من شدة الضحك :
ـ خمسة و ثلاثون ؟؟ مزحة لطيفة ! دمك خفيف يا صاح.. آهاهاها.. قال خمسة و ثلاثون ! والله دمك خفيف !
ينضمّ الأول و الثاني للضحك بدورهما.. فيقول الثاني : ـ صح ، دائمًا نقول هذا.. دمنا خفيف.. نياهاهاها !
ثم يردف بعد أن كف فجأة عن الضحك : ـ لكننا لا نمزح هذه المرة !
ينظر إليه التاجر و الابتسامة قد فارقت شطر وجهه.. يسحب حذائه بغتة ثم يعيده إلى مكانه و يتوجه لزبون ثان ، متجاهلا الأول و الثاني..
اغرورقت عيْنا الثاني بالدموع فضمه الأول إلى صدره.. وتمتم:
ـ وأما المسكين فلا تنهر.. صدق الله العظيم.
يخرجان من المتجر و الكآبة تعلوهما ، فيردف الأول حزينا :
ـ أذكرك.. لازلنا نستطيع شراء البوظة..
الثاني : ـ نعم نحن وجوه البوظة فقط !
الأول : ـ نعل أحمد لابأس به أيضا..
الثاني : ـ لن ألبس نعلا كنعل أحمد و لو مشيتُ حافيًا !
الأول : ـ حذاء عادل إذن..
الثاني : ـ حذاء عادل ؟... أعتقد أنني سآخذ حذائي القديم هذا إلى الإسكافي للمرة المليون ! يكرهني ذلك الإسكافي..