جـن (رواية قصيرة) القسم الثالث

بسم الله الرحمن الرحيم


جن : Demons

القسم الثالث

"ذُقني ذُق طعم الكراهية ..."


استيقظ (بون) على صدى الكلمات السابقة ورأسه يكاد ينْفجر صُداعاً
"ألم أنم البارحة جيداً؟"
رفع رأسه من على الأرضية واعتدل في جلسته وهو يحاول فتح عينيه على الرغم من ثقلهما، فتح عينيه بعد ثوانٍ قليلةٍ ونظر حوله في الغرفة ولم يرى أخاه (هوب)، فُزع في داخله لاختفاء أخيه حيث كان مُفترضاً لهما أن يخرجا من الميتم في هذا الصباح،
والخروج من الميتم هو اهم أماني (بون) فما إن استرجع انتباهه كاملاً لاحظ اختفاء الصندوق من عند الفوهة التي كان يأتي منها نور وفير، استغرب (بون) من الضوء المنبعث من الفوهة فتقدم على ركبتيه وانزل رأسه للزحف داخل الفوهة فاصطدم برأس أحدٍ آخر،
"انتبه يا (بون)"
ابتعد (بون) عن الفوهة ورجع (هوب) إلى الداخل وقال بصوت رحب
"ادخل لن تصدق ما سترى"
استغرب (بون) مما قد سيراه فادخل رأسه بالفوهة وزحف متحمساً فدخل إلى ما خلف الجدار ولقد كان ممراً ينتهي بنافذة زجاجية وقد كان (هوب) ينظر عبرها، ابتسم (بون) حتى بانت اسنانه فمشى سريعا نحو النافذة وقد رأى الأسقف البنية اللامعة على مدى النظر والسماء الزرقاء والشمس المشرقة بين الغيوم المفتتة،
"لم أرى هذا المنظر بهذا الوضوح من قبل، ماذا سينتظرنا في الخارج"
رفِع (هوب) يده نحو يدة النافذة ففتحها وإذ بالهواء الطلق يضرب اوجههم الصغيرة، فاستنشقا كأنهم قد حبسوا انفاسهم لأشهر عديدة، اخرج (بون) رأسه من النافذة ونظر إلى الشارع المكتظ بالناس في الاسفل
"ضجة..إنها تحدث فعلاً"
فالتفت الى اليمين فرأي قصراً ضخماً في الأفق والتفت إلى اليسار ورأي اسواراً صغيرة على بعد مسافة صغيرة فقال (هوب)
"ذلك القصر كما في حكايات (يان)"
"أتعتقد أن الملك والاميرات موجودات كما قال المتعجرف"
ابتسم (هوب) في خجل فنظر للاسفل وقال
"انظر إلى تلك الكومة من القش"
تسلَّق (بون) النافذة ونظر إليها والحماس يتلبَّس وجهه
"انتظر"
قفز (بون) نحو كومة القش ولحسن حظه هبط بسلام دون أذى فقام ونفض ما على ملابسه البالية ونظر للأعلى وصرخ
"انزل إنه آمن"
"كيف سنرجع هكذا؟" رد (هوب) بنبرة قلقة
فلوَّح (بون) باصبعه نافياً
"لن أرجع إلا ميتاً"
خاف (هوب) مما قد يحصل فلقد وضع خطة قبل الخروج ولم تستمر حتى دقيقةً واحدا، فاخذ ثانية مع نفسه وقرر أن ينزل ويُقنع (بون) في الطريق على أمل انهما سيَرجِعان، ثم تسلق النافذة وقفز نحو كومة القش وقام سالماً ، فما لبث ثانيةً حتى توجه لـ(بون) وقال له بنبرة حزينة
"لقد كانت لدينا خُطة"
أشار (بون) إلى المبنى المُجاور للميتم وقد كان المبنى اطول من الميتم
"سنذهب لسقف المبنى ونقفز فوق سقف الميتم ونعود عبر النافذة"
ولقد كانت النافذة في قمة الميتم حيث لم يكن بينها وبين السقف اكثر من ذراعٍ واحدة، ظهر الاشمئزاز على وجه (هوب) فهو لم يقتنع بواقعية طريقة (بون) فقال
"لن ابتعد حتى اجد طريقة للرجوع"
فوضع (بون) يده على كتف (هوب) وقال فرحاً
"كفاك قلقاً ولنذهب من هنا"
فمشي الولدان معاً في شوارع المدينة الصغيرة حيث الأوجه الجديدة من الرجال والنساء والأطفال الآخرين والمباني المختلفة والباعة والحيوانات والارضيات والاصوات والملابس
"لم يكُن علينا الخروج دون طعام، إني اشعر بالجوع" علق (بون) على حاله مبتسماً
فما مرت ثوانٍ حتى رأى عربة تحمل مجموعة من الفواكه الملونة فاقترب لها فرحاً و(هوب) خلفه فقال
"انظر هناك تُفاح اخضر واصفر واشياء غريبة"
أخذ (هوب) موزة من العربة ونظر إليها مُستغرباً
"ما هذا؟"
أخذ (بون) موزة لنفسه وقضمها بقشرتها وقال بوجهٍ يتضح عليه الاستغراب
"طعمها غريب"
فقضم (هوب) الموزة أيضاً بقشرتها وازرق وجهه من طعمها فابتلعها بسرعةٍ وقال باشمئزاز
"ما هذا؟ طعامٌ لمعاقبة الناس؟"
وإذ بصوتٍ يصْرُخ
"يا أيتها الحشرتان"
فخرج رجُل ضخمٌ احمر اللحية من باب منزلٍ قريب وبيده عصاة طويلة مُسرعاً نحو الولدان، فهلع (هوب) وقال
"دعنا نهرب!"
فركض لمسافة قصيرة والناس كُلها تنظر إليهما فتوقف عندما شعر أنه (بون) ما زال واقفا فالتفت هاتفاً له
"اركض!"
فالتفت (بون) بهدوء لـأخيه
"لم نفعل شيئاً"
فما إن اقترب الرجل فلوح بعصاه ليضرب (بون) وبخوف تفادى الضربة وقد ادرك ان الوضع خطير فحاول الهروب فتعثر على الأرض وظهره للرجل فرفع الرجل عصاته وإذ بموزة مأكولة تضرب وجهه فانزل الرجل عصاه ومسح وجهه ونظر إلى (هوب)
"ألا تعرف كم يبلغ سعر هذا الموز؟"
"سعر؟ موز؟"
فقّذف وجهه بموزة أخرى فصرخ ومسحها ونظر إلى مصدرها حيث كان (بون) يركض هارباً فرفع عصاه ورماها عليه فضربته على رأسه وأسقطته أرضاً فضحك الرجل وركض نحوه، فأصاب (هوب) الخوف فصرخ يقول
"اهرب يا (بون)"
وصل الرجل عند (بون) فامسك برقبته ورفعه عن الأرض
"سأجعلك تدفع الثمن."
"أنا سادفع الثمن"
التفت الرجل ذو اللحية الحمراء خلفه ورأى رجلاً هزيلا له شعر أسود يتخلله قليلٌ من الشيب الابيض مغطٍ وجهه من كل الجوانب، اقترب الرجل الهزيل واعطى صاحب اللحية عدة قطعٍ نقدية، فرمى ذو اللحية (بون) على الأرض
"هذا سعر الموز، ماذا عن رميي به على وجهي؟"
توجه الهزيل إلى (بون) وامسك يده حتى قام فالتفت إلى ذو اللحية وقال بعجرفةٍ
"وجهك أقبح من أن يأخذ تعويضاً"
استشاط ذو اللحية غضباً فصرخ ووجه لكمة لوجه الهزيل، وبسرعة كبيرة اخفض الهزيل جسمه وامسك بذراع ذو اللحية بكلتا يديه فدار بجسمه ورفع جسد ذو اللحية الضخم في الجو ورماه أرضاً مسبباً دويا اسكت كُل من في الشارع، نظر كلٌ من (هوب)و(بون) بذهولٍ متسائلين من هذا ولم يساعدهما، وقف الهزيل ثانية وأشار لـ(هوب) بأن يتبعه وسحب (بون) من كتفه طالباً منه ان يتبعه أيضاً.

-

نُكمل إن شاء الله على منوال أسرع إذا رحمنا الله
وكل عام وانتم بخير

-

تسلم على هذا الموضوع القيم الرائع