هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تشويه لمعنى الاسلام، هم ليسوا مفخرة ولا مطلب ولا لوجودهم حاجة.. لأنهم مجموعة عبدت ظاهر النصوص القرآنية، وتركت وعادت جوهرها من تسامح وسعة.. فلننظر للتشويه القرآني الذي تسبب فيه وجود هيئة للأمر بالمعروف:
حين يقول الله تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) (آل عمران: 104)، (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله..) (آل عمران 110)، (يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين) ( آل عمران 114)، (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر) (الاعراف 157)، (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة..) (التوبة 71)
فهو أيضا يقول: (لاإكراه في الدين)، (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة..)، (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض جميعا "أفأنت تكره الناس" حتى يكونوا مؤمنين)، (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر..)، (إنما أنت "نذير")، (.. وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن اسلموا فقد اهتدوا "وإن تولوا فإنا عليك البلاغ"..)، (وماعلى الرسول إلا "البلاغ")، (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين)..
مفهوم الهيئة الحالي أخذ الجزء الأول من الآيات وترك الثاني فشوهوا بذلك الاسلام ورسالته وأحكامه.. ليس هذا فحسب، هم شوهوا السنة الشريفة أيضا، صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح: "من رأى منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وهذا أضعف الإيمان". إلا أن فصل هذا الحديث عن بقية الآيات والأحاديث المعنية بنفس المسألة، أدى إلى تحول المطاوعة إلى جواسيس على بقية الناس، يستولون على مسئولية إقامة العدالة والنظام، ويجمعون في أيديهم صلاحيات الاتهام والتحقيق وتنفيذ الأحكام، ويسدون ذرائع وهمية..
هناك 7 نقاط اعتراض على الهيئة، تنتهك فيها هيئة الأمر بالمعروف مبادئ إسلامية رئيسية:
1- أسس القرآن الخلافة، وبالتالي الدولة الإسلامية، وبهذا تكون السلطة بيد السلطة الحاكمة ( الشرطة ) لا السلطة الدينية ( الهيئة ).
2- الإجبار والإكراه في مسائل الدين تؤدي للنفاق، والله يكره النفاق ولايقبل أعمالهم.
3- طالما كانت الأعمال بالنيات، فالاجبار على عمل لايفيد العامل، وقد جاء في الحديث الصحيح: "الدين النصيحة" والنصيحة هنا بمعنى الاخلاص.
4- إذا كان القرآن لم ينص على عقاب "دنيوي" للارتداد، فكيف يكون هناك عقاب دنيوي على ماهو أقل من الارتداد، وبدون مستند من القرآن؟
5- أكثر مانهى عنه القرآن، لم يشرع له عقابا دنيويا، فليس من حق الهيئة أن تقيم الحق والفضيلة.
6- الدولة الإسلامية، دولة ليبرالية. (لاتفرض عقيدة ولامنهاجا)، وفرض الأفكار والأخلاق يؤدي لدولة استبدادية متسلطة فاشية.
7- الاسلام كفل حرية العقيدة ( وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.. )، ثم أنه من غير المقبول فكريا، أن الله وفر لغير المسلمين الحرية الفكرية والعقائدية، وحرمها على المسلمين؟
الأوامر القرآنية تدعو للتسامح وقبول الاختلافات الفكرية والمذهبية على المسلمين أنفسهم وعلى غير المسلمين. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أمر به الله عباده هو اقامة كل عبد لله الحق والعدل في (( سلطانه ))، رب العائلة في عائلته، مدير الشركة في شركته، رئيس الدولة في دولته، كل في سلطانه لايتخطاه، أما الحاصل هو هيئة مكلفة لأفرادها سلطه وصلاحية بلا حدود.
أنا لست أول من يطالب بإلغاء الهيئة ولا أول من يبين عوارها من الناحية الفقهية.. هاهي أفكار كبار مفكري وعلماء الاسلام المعاصرين في هذا الجانب ( مفهوم الحسبة )، الذين يعترضون على فكرة جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. مثلا يطلق المفكر الاسلامي سليمان زيغدور ( كتاب: نهاية الاسلام الكيس ) اسم جماعة "العنف" على أفراد الهيئة ويعارض قيامها .. ويعتبر السفير الألماني المسلم مراد هوفمان ( كتاب: الاسلام كبديل ) الهيئة خطر على الاسلام، لأنهم مجموعة صارمة عبدت ظاهر النصوص وعادت جوهرها من تسامح وعفة.. ويساويهم توماس روس ( دورية: فرانكفورت الجماينة ) في مدى تشويههم للاسلام بجماعة لاهوت التحرر الارهابية بأمريكا اللاتينية في مقدار تشويهها هي الأخرى للكاثوليكية، وعصابات الإيرا في شمال إيرلندا، والجيش الأحمر في ألمانيا، والألوية الحمراء في ايطاليا في مقدار تشويه كل جماعة لدينها الذي تدعي أنها تعمل من أجله.
هيئة الأمر أو البوليس الديني تشويه للآيات القرآنية وتطبيق منافي للأحكام القرآنية، وأمر مرفوض في الاسلام حسب آراء كثير من كبار علماء ومفكري الاسلام، كالعالم الالماني الكبير المسلم ومفسر القرآن محمد أسد ( كتاب: رسالة القرآن )، وفتحي عثمان ( الاسلام وحرية العقيدة )، سعيد رمضان ( الشريعة الاسلامية )، والدكتور مراد هوفمان ( الاسلام كبديل )، سليمان زيغدور ( نهاية الاسلام الكيس )، عبدالرحمن الكردي ( الدولة الاسلامية )، ومحمد حسين الله ( الاسلام )، والمهندس محمد شحرور ( الكتاب والقرآن )، ونيازي عز الدين الذي أطلق عليهم لقب "تنابلة السلطان" في كتبه ( انذار من السماء ) و ( دين الحقيقة ) و ( دين السلطان )، والدكتور عبداللطيف المطعني ( الاسلام في مواجهة الاستشراق العالمي )، والامام محمود شلتوت ( الفتاوي )، وكذلك حسب آراء جودت سعيد، علي الطنطاوي، شيخ الأزهر جاد سابق، الشيخ محمد الغزالي، خالص جلبي .. ومحليا أيضا: واصف كابلي، محمد عبده يماني، ويوسف الرفاعي ..
أيها السادة نحن لسنا بحاجة لهيئة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.. إن أفسد شئ للأديان هو غرور أصحابها، ومطاوعة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحسبون ان انتمائهم المجرد للدين قد ملكهم مفاتيح السماء، وجعلهم الوارثين الوحيدين للجنة، وخزنتها ! لماذا؟
هذه بعض من أخطاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تصنف كأخطاء في صميم المنهج القرآني الاسلامي:
1- أخطاء في مفهوم الحسبة الحالي:
- قال الله تعالى: (( إن الله لايغير مابقوم حتى يغيروا مابأنفسهم..)و(( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ))، ومن ثم فإن اللجوء لوسائل الاكراه والارهاب والضغط والعنف الحالي خطأ في حق أنفسهم وفي حق الناس وفي حق الله سبحانه وتعالى، فهذا ليس بجهاد في سبيل الله.
- القرآن والسنة لم يحددان قيام أناس عن أناس للعمل كأوصياء للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. فحتى لا يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مدعاة للارتكان إلى الغير والاعتذار بذلك فقد وزع الشرع المسؤوليات على كل فئات المجتمع مراعياً في ذلك التدرج ليشمل الأفراد والأسرة والوالي الأعلى للدولة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته الأمام راع ومسؤول عن رعيته ، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته ، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته ، فكلكم راع ومسؤول عن رعيته ) وقال تعالى : (( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)).
- إن الله تعالى جعل اهتمام المرء بنفسه وتزكيتها قبل أن يلتفت إلى الآخرين محوراً للإصلاح ، حتى لا يكون الطعن في سلوكه سبيلاً وحجة للآخرين يتعذر بها عن عدم الانصياع للأمر أو النهي ، لذا قال الله تعالى : (( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون )) وقال الله تعالى : (( يا أيها الذين أمنوا لم تقولون ما لا تفعلون . كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون )).
- عدم اتباع رجال الهيئة للوسائل المشروعة لمعرفة المنكر المرتكب أو المعروف المتروك. فالمحتسب ملزم بقواعد الشرع في ذلك ، فلا يجوز له أن يتجسس بحجة الوصول إلى المنكر ، كما لا يجوز له الغش والخداع في سبيل ذلك، وإنما واجبه وعمله متعلق بالمنكرات الظاهرة فقط دون المستورة، قال الله تعالى : (( ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً )) وقال صلى الله عليه وسلم : ( إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت تفسدهم ).
- ميزان حكمهم المنقوص.. فميزان الحكم على الشيء بأنه معروف أو منكر إنما هو بالشرع ، فما ثبت الشرع بأنه معروف أمر به المحتسب ، وما ثبت شرعاً بأنه منكر نهى عنه، أما ما سوى ذلك فلا يتدخل فيه. ومن هنا لي أن أسأل عن فرضهم غطاء وجه للمرأة ؟ وعن فرضهم حجاب لغير المسلمات ؟ وعن منعهم الذكور للاختلاط بالعائلات في العامة ؟
2- أخطاء في أسلوب الدعوة:
- مخالفة صريحة للأوامر القرآنية المباشرة وتلك التي تطالب بالاقتداء بالنبي، ( ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة )، (( ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ))، (( وانك لعلى خلق عظيم ))، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ، ولا نزع من شيء إلا شانه ) وقال تعالى واصفاً الرسول صلى الله عليه وسلم : (( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم )) وقال تعالى آمراً موسى وهارون لما بعثهما إلى الطاغية فرعون : (( فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى )) فإذا كان الله تعالى قد أمر اللين مع فرعون - وهو قد ادعى الألوهية- فبغيره أولى وأحرى.