الـحـمـدُ للهِ ربِّ الـعَـالـمِـيـنَ والـصَّلاةُ والـسَّلامُ عـلـى رسُـولِـه الأمِـيـن
أمَـا بَـعـدُ
#.* مُـقـدِّمَـةٌ *.#
قَـد يَـتـبَـادَرُ إلـى الـقَـارِئِ أن هَـذِهِ الـحَـقَـائِـق نُـسِـجَـت مِـن عَـالَـمِ الـخَـيِـالِ ، وأن هَـذِهِ الـرِّوَايـات لا يُـمـكِـنُ أن تَـكُـونَ بِـحَـال ، وأن هَـذا عـلـى وَجـهِ الـخُـصُـوصِ فـي أمـةِ الإسـلامِ مُـحَـال ، ولَـكِـنِّي نَـسَـجْـتُ أحـرُفَـهـا الـغَـرِيـبَـة لِـتـكُـونَ لِـلـحَـاكِـمِ عِـبـرَة ، ولِـلـمـحـكُـومِ عِـظَـة ، ولِـيـعـلَـمَ الـجـمِـيـعُ أن الأيـام بِـالـعِـزِّ والـتَّمـكِـيـنِ دُولٌ مُـتَـنَـقِّلَـة ، والـقُـوُّةُ نَـافِـذَة ، والـنِّعـمَـةُ زَائِـلَـة ، والـسَّعَـادَةُ صَـفـحَـاتٌ مُـتَـقَـلِّبَـة ، فـلِـذَلِـكَ لِـيـتـأمَـل الـجَـمِـيـع الـمـآل قَـبَـلَ أن يُـدْبِـرَ الـرَّغَـد عـلـى ظَـهـرِ الـذِّكـريـات فَـيَـسُـوء بِـنَـا الـحَـال 0
#.* أَمْـرُ اللهِ فِـيـنَـا هـوَ الْـفَـصْـل *.#
أيُّهـا الـعُـقـلاء : لـم يـتـعَـهَّد الأمـن بِـاكـتِـنَـافِـنَـا إذا جـاء أمـرُ اللهِ الـمـوعـود (
يَـا إِبْـرَاهِـيـمُ أَعْـرِضْ عَـنْ هَـذَا إِنَّهُ قَـدْ جَـاءَ أَمْـرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُـمْ آتِـيـهِـمْ عَـذَابٌ غَـيْـرُ مَـرْدُودٍ) فـمـن الإنـصـافِ تـشـخـيـصُ الأمـورِ بـمـيـزانِ الـشـرعِ ، ويُـأخَـذ فـي الاعـتـبـارِ بـكـل أصـلٍ وفَـرع ، وإن لـم نَـعـمَـل بِـهـذَا الأصـل ، فَـأمـر اللهِ فِـيـنَـا هـو الـفَـصـل 0
#.* أَلَـيْـسَ مِـنْـكُـمْ رَجُـلٌ رَشِـيـدٌ *.#
أيُّهَـا الـمُـنـصِـفـونَ : لـيـس مـن الإنـصـافِ بِـحَـال إصـلاحُ ظـواهـرِ الـعـللِ وتـجـاهـل بـواطِـنِـهـا ، إذ مـن الاسـتـحـالـة الـعـقـلـيـة طَـلَـبُ الـشـفـاءِ لـجـرحٍ ضُـمِّدَ عـلـى قَـذَرٍ ، ومَـنْ تـجَـاهـلَ الـقـذر فـقـد حـكـم عـلـى الـعُـضـوِ الـمـجـروحِ بـالإعـدامِ جَـهِـلَ ذلـك أو عَـلِـمَ ، فَـمِـن هـنـا يـتـبـيـن للـعُـقـلاءِ أنَّ طَـلَـبَ الـشِـفـاءِ بـالـقَـذَرِ أمـرٌ مُـسـتـقـذر ، ونَـخـلُـصُ بِـخَـالِـصَـةٍ أنَّ رَغَـدَ الـعـيـشِ والأمـنِ هـمـا الـشِـفـاء ، ولا يُـمـكِـنُ أن يـكـونـا أبـداً مـع وجـودِ الـقَـذَر الـمُـتَـمـثِـل فـي الـفـسـادِ 0
#.* بَـيـنَـاتٌ قَـبَـلَ الـعِـبَـرِ والـعِـظَـاتِ *.#
وقَـبَـلَ الـشـروعِ فـي مـوجـاتٍ مُـتـآكِـلـةٍ مُـتـلاطِـمـةٍ مـن الـفـواجـعِ الـمـرعـبـةِ ، والـرزايـا الـصـاعِـقَـةِ ، ومِـن صُـوَرٍ يَـفِـرُّ مِـنـهـا الـخَـيَـال ، أقـول إنَّ مُـسـمـى الإسـلام عـلـى الـمُـجـتـمـعَـاتِ والـطـوائـفِ والـدولِ لا يـكـفـي لـردِ الـبـلاء إن هـي قـارفـت مـا يُـغـضِـبُ خَـالِـقـهـا ، ويُـجِـبُ عِـقَـابَـه ، فـالأمـن له ثـمـنـه ، والـعـيـش الـرغـيـدِ له ضـرائـبُـه ، فـإن مُـنِـعَ الـثـمـن ، وشَـحَّت الـضـرائـب كـان مَـنْـع الأمـنِ وشُـح الـرغـدِ ، ومَـن شـاء فـلـيـزد ، ومـن شـاء فـلـيُـمـسِـك ، ولـقـد أخـبـرنـا الله عـن قَـريَـةٍ كـانـت آمـنـة رغـدة فـخـالـعـهـا أمـنـهـا ، ورغـدهـا فـقـال : ((
وَضَـرَبَ اللَّهُ مَـثَـلاً قَـرْيَـةً كَـانَـتْ آمِـنَـةً مُـطْـمَـئِـنَّةً يَـأْتِـيـهَـا رِزْقُـهَـا رَغَـداً مِـنْ كُـلِّ مَـكَـانٍ فَـكَـفَـرَتْ بِـأَنْـعُـمِ اللَّهِ فَـأَذَاقَـهَـا اللَّهُ لِـبَـاسَ الْـجُـوعِ وَالْـخَـوْفِ بِـمَـا كَـانُـوا يَـصْـنَـعُـونَ )) وإنـي الـيـوم بِـصـددِ بـيـان الـعـذاب الـمـهـيـن ، الـمـتـمـثـل فـي الـجـوع فـإلـى هـنـاك 0
#.* عِـبـرَةٌ لِـكُـلِ الـنَّاسِ *.#
يـقـول جـمـال الـديـن الأتـابـكـي : والـغـلاء بـمـصـر يـتـزايـد ، حـتـى إنَّه جـلا مـن مـصـرَ خـلـقٌ كـثـيـرٌ لـمـا حـصـل بـهـا مـن الـغـلاء الـزائـد عـن الـحـدِ[ والـجـوع ] الـذي لـم يُـعـهـد مِـثـله فـي الـدنـيـا ، فـإنَّه مـات أكـثـر أهـل مـصـر ، وأكَـلَ بَـعـضُـهـم بـعـضـا ، وظـهـروا عـلـى بـعـضِ الـطـبـاخـيـن إنَّه ذَبَـحَ عِـدة مـن الـصِـبـيـانِ والـنِـسـاءِ ، وأَكـلَ لُـحُـومَـهـم وبَـاعَـهـا بـعـد أن طَـبـخـهـا ، وأًكِـلـت الـدَّوَاب بـأسـرهـا ، فـلـم يـبـق لـصـاحـب مـصـر أعـنـي الـمـسـتـنـصـر سـوى ثـلاثـة أفـراس بـعـد أن كـانـت عـشـرة آلاف مـا بـيـن فَـرسٍ وجَـمـلٍ ودَابـة ، وبِـيـعَ الـكـلـب بِـخـمـسـةِ دنـانـيـر ، والـسـنـور بـثـلاثـة دنـانـيـر ، ونـزلَ الـوزيـر أبـو الـمـكـارم وزيـر الـمـسـتـنـصـر عـلـى بـاب الـقـصـر عـن بـغـلـتِـه ولـيـس مـعـه إلا غـلامٌ واحـدٌ فـجـاء ثـلاثـة وأخـذوا الـبـغـلـة مـنـه ، ولـم يـقـدر الـغـلام عـلـى مـنـعِـهـم لـضـعـفِـه مـن الـجـوعِ فـذبـحـوهـا ، وأكـلـوهـا ، فـأُخِـذُوا وصُـلِـبـوا ، فـأصـبـحَ الـنـاس فـلـم يُـروا إلا عِـظَـامـهـم أكِـلِ الـنَّاس فـي تِـلـكَ اللـيـلـةِ لـحُـومَـهـم أ.هـ أنـظـر الـنـجـوم الـزاهـرة فـي مـلـوك مـصـر والـقـاهـرة ج5/ص15