قبل أن تحلَّ اللعنة !!
فضيلة الشيخ : فيصل الشدي
الحمد لله مُحدث الأكوان والأعيان ، ومبدع الأركان والأزمان ، يتشرف بذكره اللسان ، ويطمئن بحمده وتسبيحه الجنان ، وأشهد أن لا إله حق غيره المقصود في كل شان ، المستعان في كل حين وآن ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بُعث بالإيمان وأُيد بالقرآن ، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحابته خير صحب وآل والتابعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . أما بعد:
سراديب الظلمات في هذه الزمان كثيرة ، وأشرار البلايا في دنيانا مستطيرة ، فشمس القوة التي تغير تلك الظلمات ، والسيف القاطع الذي يقطع تلك الشرور والآفات ، هو والذي نفسي بيده في تقوى الله عز وجل في أنفسنا وفي أهلينا وفي مجتمعنا وفي كل ما نأتي ونذر في حياتنا ، وعد بذلك الحق وهو أحق من وعد وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا .
إخوة الإسلام : أسئلة تحتاج إلى إجابة ؟!
واستفهامات تستدعي أولي الفهم والنجابة ؟
متى يُشد الوثاق المتين الذي تتماسك به عرى الدين ، وتحفظ به حرمات المسلمين ؟ متى تظهر أعلام الشريعة وتفشو أحكام الدين ؟ متى يعلو أهل الحق والإيمان ويندحر أهل الباطل والطغيان ؟ متى تكشف الشبهات وتمنع الشهوات ؟ متى تفيق الأمة كلها رجالها ونسائها صغارها وكبارها متى تفيق من غفلتها وتصحو من سكرتها ؟ متى يستعلن صاحب الحق بحقه ولا يبالي ؟ ويستخفي صاحب الباطل بباطله ويُداري ؟ نعم متى إيـه يا قومي متى ؟! لا جواب . لأن ذي العزة والملكوت والكبرياء والجبروت أجاب ؟ بماذا أجاب ؟ أجاب بأن هذا لن يتحقق إلا عندما تعود الأمة إلى مكمن خيريتها ، وسرِّ عزها وقوتها ما هو ؟ { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } .
إنه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حصن الإسلام الحصين ، صُدت به نزوات الشياطين ، وزويت به دعوات الأفاكين والفاجرين ، التأريخ يشهد لكم كان وربي درعاً واقياً من الفتن ، وسياجاً دافعاً من المعاصي والمحن .
جعله الله فيصل التفرقة بين المنافقين والمؤمنين { الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ } .
{ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ } .
عز المؤمن وذلُّ المنافق فيه ، يقول سفيان رحمه الله : " إذا أمرت بالمعروف شددتَّ ظهر أخيك ، وإذا نهيت عن المنكر أرغمت أنف المنافق " .
كفاك أنه صفة بل مهمة أفضل خلق الله ألا وهم الأنبياء والمرسلون ، قال الله في وصف إمامهم محمد صلى الله عليه وسلم : { يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ } ، وماذا قال الله في شأن نبيه إسماعيل عليه السلام : { وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا } .
وما من نبي إلا قال لقومه { اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ } ، وهو ركن ركين للتمكين في الأرض { الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ } أما أهله فأكرم بهم والله من أهل رتب الله لهم الفلاح بأمرهم ونهيهم { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ } .
وبُشروا برحمة الله في آخر الآية التي وصفت المؤمنين بالأمر والنهي اختتمت بقوله تعالى { أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } .
وسبحان الله يعطون مثل أجور من سبق من هذه الأمة ، فقد روى الإمام أحمد وحسنه الألباني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إن من أمتي قوماً يعطون مثل أجور أولهم ينكرون المنكر )) .
وما أعظم والله وأعلى منـزلتهم وهذا ما استنبطه الحسن رحمه الله من قوله تعالى { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنْ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } قال الحسن رحمه الله : " إن في هذه الآية دليلاً على أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر تلي منـزلته عند الله منـزلة الأنبياء فلهذا ذُكر عُقيبهم " .
ولقد كان السلف يرون من لا يأمر ولا ينهى في عداد أموات الأحياء ، قيل لابن مسعود : من ميت الأحياء ؟ فقال : " الذي لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً .
يتبع ....