فأي كرم بعد هذا الكرم، وأي فضلأوسع من فضل مسدي النعم..؟راحة العبد من العمل، وكتابة أجر ما كان يعمل..
الوقفة الخامسة.. لا بد للعسر من يسر.. هذه سنة الله تعالى فيخلقه..ما جعل عسرا إلا جعل بعده يسرا. .والأمراض مهما طالت وعظمت لا بد لأيامهاأن تنتهي، ولا بد لساعاتها- بإذن الله- أن تنجلي..
ولرب نازلة يضيق بها الفتى
ذرعا وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها
فرجت وكان يظنها لا تفرج
قال وهب بن منبه: لا يكون الرجل فقيها كامل الفقه حتى يعد البلاء نعمةويعد الرخاء مصيبة، وذلك أن صاحب البلاء ينتظر الرخاء وصاحب الرخاء ينتظر البلاء..
قال تعالى: { فإن مع العسر يسرا،إن مع العسريسرا} [الشرح:5-6].
الوقفة السادسة..غنيمة المرض.. لو تأمل المريض فوائد مرضهوحسناته ما تمنى زواله..فبالرغم مما فيه من تكفير للسيئات، ورفع للدرجات،وكتابة أجر ما كان يعمل، من الصالحات، فيه أيضا فرصة عظيمة لمن وفق لاستغلالالأوقات..فالمريض يحصل له في حال مرضه من أوقات الفراغ ما لا يحصل له فيماسواه.
فاحرص- رعاك الله- على استغلال أوقاتك فيما يقربك من الله تعالى، منقراءة للقرآن وحفظه، وطلب للعلم، واستزادة من النوافل، وأمر بالمعروف ونهي عنالمنكر، ودعوة إلى الله..واعلم- شفاك الله وعافاك- أن المسلم مأمور باتباعأوامر الله تعالى في سرائه وضرائه، وفي حال صحته وبلائه..
الوقفة السابعة.. النعم المغبونة..لا يقدر نعم الله تعالى إلا من فقدها.. وكأني بك وقد أنهك المرض جسدك، وأذهب السقم فرحك، أدركت قوله صلى الله عليهوسلم : «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ» [رواه البخاري].
فالصحة من أجلالنعم التي أنعم الله تعالى بها علينا، لا يقدرها إلا المرضى.. وهكذا.. فكم منالنعم قد غفلنا عنها، وكم من النعم قد قصرنا بواجب شكرها..وأجلّتلك النعم وأعظمها.. نعمة الإيمان والهداية..
فكم منالناس قد غبنها، فلم يقوموا بواجب شكرها، وتكاسلوا عن الاستقامة عليها.. وحينتلوح لك بوادر الشفاء.. وتسعد ببدء زوال البلاء، اقدر لهذه النعم قدرها، واعرف فضلوكرم منعمها، وتدبر حالك عند فقدها أو نقصها، فأعلن بذلك توبة نصوحا من تقصيرك فيشكر كل نعمة، وتفريطك في استعمالها فيما يرضي ذا الفضل والمنة.بل اجعل توبتكالآن.. نعم، الآن.. عل هذه التوبة أن تكون سببا في رفع ما أنت فيه من كربة، ودفع ماتعانيه من شدة..
قال علي- رضي الله عنه-: ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلابتوبة.. وإن لم يكتب لك من مرضك شفاء، فنعم ما يختم العمر به توبة صادقة..
الوقفة الثامنة.. لكل داء دواء.. من رحمة الله تعالى أن المرضمهما بلغ من الشدة والعناء، وشاء الله للعبد الشفاء، يسر له دواء ناجعا، وعلاجانافعا.. فعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما أنزل اللهداء إلا أنزل له شفاء» [متفق عليه].
منها.. حسن التوكل على اللهوالالتجاء إليه وحسن الظن به.. فهذا خليل الرحمن صلى الله عليه وسلم يصدع فييقين الواثق: { وإذا مرضت فهويشفين} [الشعراء: 80].
فلا شافي إلا الله، ولا رافع للبلوى إلا هو سبحانه.. والراقي والرقيةوالطبيب والدواء أسباب قد يسر الله تعالى بها الشفاء..
فاجعل توكلك علىالله وتعلقك به لتظفر بالصحة والعافية في الدنيا، والسلامة والفوز في الآخرة.. فإذا ابتليت فثق بالله وارض به إن الذي يكشف البلوى هو الله ، وهو سبحانه حكيمعليم لا يفعل شيئا عبثا، ورحيم تنوعت رحماته، لا يقضي قضاء إلا كان خيرا للعبد، قالصلى الله عليه وسلم: «عجبت للمؤمن!! إن الله- عز وجل- لم يقض لهقضاءا إلا كان خيرا له» [رواه أحمد].
ومنها التدواي بالرقى الشرعية منالكتاب والسنة.. قال تعالى{ وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين} [الإسراء: 82].
فاحرص- شفاك الله- على رقية نفسك بالقرآن وما ورد في السنة النبوية، فهي من أنفع الأسبابلزوال العلة، وكشف الكربة.. وذلك كقراءة سورة الفاتحة، والبقرة، والإخلاص،والمعوذتين.. وغيرها، والقرآن كله شفاء ورحمة..
ومما ورد من الأدعيةوالأذكار ما جاء عن عائشة- رضي الله عنها- «أن رسول الله صلىالله عليه وسلم كان إذا اشتكى الإنسان الشيء منه، أو كانت به قرحة أو جرح قال النبيصلى الله عليه وسلم بأصبعه هكذا- ووضع سفيان بن عيينة- أحد الرواة- سبابته بالأرضثم رفعها- وقال: بسم الله، تربة أرضنا، بريقة بعضنا، يشفى به سقيمنا، بإذنربنا» [متفق عليه].
وعنها- رضي الله عنها- «أن النبي صلى اللهعليه وسلم كان يعود بعض أهله يمسح بيده اليمنى ويقول: اللهم رب الناس، أذهب الباس،واشف، أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءا لا يغادر سقما» [متفق عليه].
وعن عثمان بن العاص- رضي الله عنه- أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليهوسلم وجعا يجده في جسده، فقال: «ضع يدكعلى الذي يألم من جسدك وقل: بسم الله- ثلاثا- وقل سبع مرات: أعوذ بعزة الله وقدرتهمن شر ما أجد وأحاذر»[رواه مسلم].
وعن ابن عباس- رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من عادمريضا لم يحضره أجله فقال عنده سبع مرات: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أنيشفيك، إلا عافاه الله من ذلك المرض» [رواه أبو داود والترمذي].
وعنأبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- «أن جبريلأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد اشتكيت؟ قال: نعم، قال: بسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس أو عين حاسد، اللهيشفيك، بسم الله أرقيك» [رواه مسلم].
وعن ابن عباس- رضي الله عنهما- «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو عند الكرب: لا إله إلاالله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السمواتورب الأرض ورب العرش الكريم» [متفق عليه].
وعن سعد بن أبي وقاص- رضي اللهعنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعوة ذيالنون، إذ دعا وهو في بطن الحوت" لا إله إلا أنت سبحانكإني كنت من الظالمين"، فإنه لم يدع بها مسلم في شيء قطإلا استجاب الله له» [رواه الترمذي].
لكن هذه الأدعية والرقى تريدقلبا خاشعا، وذلا صادقا، ويقينا خالصا، لا ترديدا على سبيل التجربة والاختبار..
ومنها.. الدعاء... علاوة على ما ذكر من الأدعية والرقى فإن دعاء اللهتعالى والالتجاء إلي من أعظم ما ينفع.. بل قد يكون هدف الكربة ومقصدها، قالتعالى: { فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون} [الأنعام: 42].
يتبع.............