استيقظت سارة من نومها على صوت ضحكات أختها منال وابنة عمتها غدير .. تململت ساره في فراشها فقد أزعجتها هذه الأصوات .. غطت رأسها بالوسادة لتبعد عن مسمعها هذه الضحكات المزعجة .. وتساءلت في نفسها " مالذي أحضر غدير إلى منزلهم في هذه الساعة المبكرة ؟! فليس من عادتها القدوم إليهم باكرا " ...
فتحت سارة عينيها وأخذت تفكر " أين أنا ؟! إنها ليست غرفتي ؟! " ثم شيئا فشيئا استعادت ذكرى الرحلة بالطائرة وإرهاقهم في الليلة الفائتة .. " إنها في لندن .. يا إلهي .. كم الساعة الآن ؟!" ألقت نظرة سريعة على ساعتها التي كانت تشير إلى الحادية عشر صباحا فهبت واقفة وأسرعت باتجاه الغرفة المجاورة منادية :
منال ، هيا ، لم لم توقظوني حين استيقظتن ؟!
هيا : لقد استيقظت قبل دقائق ولم أرد إزعاجك ، فأتيت أتفقد منال وغدير وشيماء .. فوجدتهن قد استفاقن للتو .. فكما ترين .. لا يزلن في الفراش .. فجلست اتبادل معهن الحديث ..
سارة : حسنا إذن .. سأذهب لأغتسل ...
منال : هل تريدين تناول شيء للفطور ؟! فقد قررنا نحن بأننا لا نريد تناول شيء ... سنكتفي بالشاي او القهوة فقط ..
سارة : لا .. لا أريد شيئا .. سأكتفي بكوب من الشاي ..
هيا : لقد قررنا الاتجاه إلى مطعمك المفضل لتناول الغداء .. ما رأيك ؟ هل انت موافقة ؟!
سارة : وهل اعتقدتن ولو للحظة واحدة بأنني كنت سأتنازل عن تناول الغداء هناك ؟!
ضحكت هيا وقالت : لا لم نعتقد ذلك ... كنت أمازحك فقط ..
سارة : حسنا .. لا بأس .. ومتى سنخرج إذن ؟
منال : لا أدري !! هل الثانية عشر توقيت مناسب ؟!
سارة : انا لا امانع .. إنه يناسبني تماما ..
هيا ، شيماء وغدير بصوت واحد : نحن أيضا يناسبنا ..
منال : هيا إذن لنبدأ بالاستعداد ..
كان هناك طرق على الباب ... فصاحت منال : من الطارق ؟!
إنه أنا محمد .. هل شيماء هنا ؟!
شيماء : نعم انا هنا ماذا هناك ؟!
محمد : هل تريدينني ان اتكلم من وراء الباب ؟! افتحي لي ..
شيماء : ارجع بعد نصف ساعة .. فقد استيقظنا للتو ..
محمد : حسنا .. ولكن لا تذهبي الى اي مكان .. امي قد طلبت مني إبلاغك بشيء ..
شيماء : حسنا .. لن نخرج قبل ان تحدثني ..
انصرف محمد .. فتساءلت شيماء : ترى ماذا يريد محمد ؟!
منال : وما أدراني ؟! هيا لنغتسل قبل أن يعود مجددا ونحن لم نستعد بعد ...
شيماء : حسنا .. من سيدخل أولا ؟!
غدير : انا سأدخل أولا .. فأنا لا أستغرق وقتا طويلا ..
بعد نصف ساعة كانوا كلهم قد انهوا اغتسالهم .. وبدأوا بوضع الزينة .. وكانت شيماء أول من انهت زينتها لأنها خافت أن يؤخرها محمد في الموضوع الذي يريد التحدث إليها فيه .. " ترى ماذا يريد مني محمد ؟! ماهو هذا الموضوع الذي لا يمكن تأجيله ؟! "
طرق الباب .. وبالطبع كان محمد هو الطارق .. فارتدت كل من غدير و هيا حجابهما وفتحت له شيماء الباب ..
محمد : صباح الخير .. كيف حالكن يا فتيات ؟
شيماء : اهلا .. صباح النور .. إننا بخير .. كيف حالك انت ؟ هل قضيت ليلة مريحة ؟!
محمد : نعم ،، لقد نمت نوما عميقا ..
شيماء : الحمد لله ..
هيا " على استحياء " : هل تريد شرب شيء يا محمد؟ لقد أعددنا الشاي منذ قليل .. وهو لا يزال ساخنا ..
محمد : حسنا لا بأس سأشرب شايا .. شكرا لك يا هيا ..
شيماء : والآن .. ماهو الموضوع الذي اردت ان تكلمني فيه ؟!
محمد : لقد طلبت مني أمي أن أقول لك بألا تخرجي مع الفتيات اليوم .. ولهذا جئت إليكن باكرا فقد خفت أن تخرجن دون أن أبلغك بالأمر ..
شيماء : ولكن .. لماذا ماذا هناك ؟ لم لا أخرج معهن ؟ لقد اعتدنا على الخروج سويا ..
محمد : امي تريد منك مرافقتها إلى مكان ما ..
شيماء : أنا ؟! أين ؟! لم لم تخبرني بنفسها ؟!
محمد : كانت ستخبرك لولا خروجها باكرا إلى السوق مع عمتي وزوجة عمي ..
شيماء "بضيق" : حسنا .. لا بأس .. لن أخرج اليوم معهن .....
محمد : حسنا إذن .. أين ذهبن الفتيات ؟! لقد كن هنا منذ قليل ..
شيماء : إنهن في الغرفة المجاورة .. أتريد شيئا منهن ؟!
محمد "بارتباك" : لا .. لا شيء .. كنت فقط اتساءل ...
شيماء : سأناديهن .. منال .. سارة .. تعالين إلى هنا كلكن ..
فتحت ساره الباب الذي يصل الغرفتين ببعضهما قائلة : ماذا ؟ ماذا هناك ؟
شيماء : لا شيء .. إن محمد يسأل عنكن ..
سارة : إننا هنا .. سنأتي في الحال .. فقد انتهينا تقريبا ..
ودخلن إلى الغرفة حيث شيماء ومحمد .. فأخبرتهن شيماء بأمر عدم مرافقتها لهن .. فاستأن كثيرا .. إلا أنهن تقبلن الأمر .. وأخذن يتبادلن الحديث مع محمد بهدوء ...
كان محمد يريد انتهاز هذه الفرصة ليتمكن من التحدث قليلا مع هيا و يحاول التقرب إليها ولو قليلا فيفهما أكثر .. وكانت هذه الكلمات القليلة التي تبادلاها بالنسبة إليه كالكنز الثمين الذي لا يقدر بمال .. وحين انصرف من عندهن كان هادئا مطمئن البال ..
كانت الساعة تشير إلى الواحدة ... لقد تأخروا كثيرا .. كانوا ينوون الخروج باكرا .. لكن قدوم محمد إليهن قد أخرهن عن الوقت الذي كانوا ينوون الخروج فيه .. أسرعن بالخروج مودعات لشيماء ومتمنين لها قضاء وقت ممتع ..
ما إن اقتربت الفتيات من المجمع حتى بدأت سارة في الارتجاف خوفا وقلقا .. ماذا إن لم يظهر ؟! ماذا إن لم يكن موجودا في الداخل ... ازداد اضطراب سارة مع كل خطوة باتجاه مدخل المجمع .. وتوقفت سارة فجأة عن متابعة السير عند المدخل ..
وقالت : لا .. لا أستطيع الدخول .. إنني خائفه ..
منال : هيا مابك الآن .. لطالما انتظرتي هذه اللحظة ..
سارة : لا أدري .. أشعر باضطراب غريب .. لا يمكنني الدخول ...
غدير : لا تكوني جبانة يا سارة .. فلندخل ..
هيا : منال .. ادخلا أنت وغدير .. أنا سآخذ سارة لنتمشى قليلا إلى أن تهدأ نفسها المضطربة .. لن نتأخر .. بضع دقائق فقط ..
منال : حسنا .. ولكن اتصلي بنا حين تدخلان لنوافيكما في المكان الذي ستكونان فيه ..
هيا : بالتأكيد سأفعل .. لا تقلقي ..
اتجهت كل من منال وغدير إلى داخل المجمع.. بينما أخذت هيا بيد سارة وعبرتا الشارع إلى الرصيف المقابل.. وحاولت هيا تهدئة سارة وطمأنتها .. فهدأ توتر سارة قليلا ..
هيا : حبيبتي هل أنت مستعدة للدخول الآن أم لا زلت محتاجه لبعض الوقت قبل أن ندخل ؟!
سارة : لا .. لندخل .. فقد هدأت قليلا .. لا أدري لم أنا بهذه السخافة ؟! لقد كنت في غاية الشوق لرؤيته .. والآن أجبن عن الدخول إلى المجمع و أكاد أن اموت رعبا من لحظة لقائه ...
هيا : لا بأس عليك عزيزتي .. إنه شعور طبيعي ..
سارة : نعم .. لا بد أن هذا صحيح .. هيا بنا لندخل ..
ما إن دخلت سارة إلى المجمع حتى استعادت كل ذكرياتها بوضوح وكأنها تحصل للتو .. فتذكرت أول لقاء .. تذكرت الشوق والحنين .. كما تذكرت آخر لقاء كذلك .. والألم والحزن الذي عقبهما .. كانت تمشي بين الممرات وهي تقلب بصرها يمينا وشمالا .. علها تلمح طيفه بين الموجودين .. لكنها لم تر له أي اثر بينهم .. فبدأ الخوف من عدم حضوره يساورها من جديد .. ولكن لا !! لا بد أنه سيكون الآن في المطعم .. فالساعة الآن تشير إلى الثانية إلا خمس دقائق .. منت نفسها بهذا الأمل .. في محاولة منها لتهدئة قلبها الذي يئن شوقا ..
اتجهت سارة وهيا إلى المطعم مباشرة .. واتصلت هيا بمنال لتطلب منها الاتجاه إلى المطعم مع غدير ليلتقوا هناك .. وما إن دخلت سارة إلى المطعم حتى خاب أملها من جديد .. فلا أثر له بين الموجودين .. إنه ليس هنا .. لم يحضر .. وألقت سارة نظرة يائسة على الساعة التي كانت تشير إلى الثانية و خمس دقائق .. قالت في نفسها :
" قد يظهر بعد قليل.. فإننا عادة نستغرق وقتا طويلا في تناول غدائنا .. لا بد أن شيئا ما أخره " ..
استقروا جميعا على طاولة .. وطلبوا ما كانوا يريدون من أصناف الطعام .. وأخذوا يتبادلون الحديث .. ولكن لم يظهر أي أثر لحبيب سارة .. التي كانت تقلب طعامها دون رغبة حقيقة في تناوله .. فنظراتها كانت زائغة .. متقلبة بين الموجودين .. ترقب وتنتظر ظهوره بين لحظة وأخرى ..
وفي هذه الأثناء كانت شيماء في الفندق تفكر في سبب طلب أمها من محمد إبلاغها بألا تخرج مع الفتيات .. وهي مستغربة لهذا الطلب .. وبينما هي سارحة في أفكارها إذ بالهاتف يرن ..
فرفعت شيماء السماعة : ألو
الأم : شيماء ؟
شيماء : نعم أمي هذه أنا ..
الأم : هل انت مستعدة عزيزتي ؟!
شيماء : مستعدة لماذا أمي ؟! ماذا هناك ؟! إلى أين تريدين أخذي ؟!
الأم : إننا مدعوتان إلى الغداء عزيزتي .. أنا وأنتي .. وأبوك وأخوك محمد ..
شيماء : نحن فقط ؟! وماذا عن البقية ؟! ومن صاحب الدعوة ؟!
الأم : سأخبرك بكل شيء في الطريق .. هيا الآن هل أنت مستعدة ؟!
شيماء : نعم أمي .. إنني مستعدة .. فقد ارتديت ملابسي منذ الثانية عشرة ...
الأم : إذن أصلحي من زينتك قليلا .. وتعالي إلى غرفتي ..
شيماء : حاضر أمي سأوافيك بعد خمس دقائق ...
نزلت الأم وشيماء إلى الطابق السفلي وطلبتا سيارة أجرة لتقلهما إلى المكان الذي ستذهبان إليه .. فأعطت الأم لسائق الأجرة إسما لأحد أشهر المطاعم في العاصمة اللندنية .. فنظرت إليها شيماء بحيرة وسألتها :
ألن تخبريني الآن من صاحب الدعوه ؟ وأين هما أبي وأخي محمد ؟!
الأم : بلا سأخبرك .. بما أننا في الطريق الآن لا أجد مانعا من إخبارك .. بالنسبة لأبوك وأخوك فقد سبقانا إلى المطعم .. أما بالنسبة لصاحب الدعوة .. فإنهم عائلة .. وليس شخصا واحدا .. لقد اتصلت بي أم عبد العزيز ودعتنا إلى تناول الغداء معها وعائلتها ..
شيماء : من هي أم عبد العزيز ؟!
الأم : ألا تعرفينها ؟! إنها صديقة عمتك المقربة .. التي نراها دوما عندها ..
شيماء : نعم نعم تذكرتها .. ولكن .. لم تدعونا نحن ؟ إننا لسنا على علاقة وثيقة بها .. فنحن نعرفها معرفة سطحية .. لا تستدعي دعوتنا إلى الغداء .. وهي لم تكتف بدعوتنا أنا وانت .. بل دعت أبي واخي كذلك .. إن الأمر يبدو غريبا بالنسبة لي ..
الأم : حسنا .. لقد طلبت مني أم عبد العزيز عدم إخبارك بالموضوع إلا بعد انتهاء هذه الدعوه .. ولكن .. أعتقد أنه من الأفضل أن أخبرك بكل شيء الآن ...
شيماء : ماذا هناك أمي ؟! لقد أرعبتني ..
الأم : لا تخافي حبيبتي .. الأمر بكل بساطة هو أن أم عبد العزيز تريد خطبتك لابنها .. عبد العزيز .. ولكنها أرادت أن تجمعكما سويا أولا .. فتتعرفان إلى بعضكما البعض .. بحضورنا بالطبع .. لتعرفا إن كنتما ملائمان لبعضكما أم لا ..
شيماء : أمي ماهذا الذي تقولينه .. ما هذه الطريقة الغريبة للخطبة ؟! المفترض أن تحضر هي وابنها إلى منزلنا .. لا أن نذهب نحن إليهم !!
الأم : أعرف يا عزيزتي .. لكن كل ما في الأمر .. أن عبد العزيز مرتبط هنا بعمل .. كما أنه يحضر رسالة الدكتوراه .. ولا يستطيع الذهاب إلى الدوحة ... على الأقل ليس قبل سنة من الآن .. وهي حين كلمتني في الموضوع منذ أسبوع .. شرحت لي كل شيء وطلبت مني أن أعذرها وابنها .. كما قام والده بمحادثة أبيك وشرح كل الملابسات له كذلك ..
شيماء : ولكن .. لا أستطيع التحدث إليه !! إنه غريب بالنسبة إلي .. وأنت تعرفين بأنني لم أتعود على التحدث إلى الرجال ..
الأم : إننا كلنا سنكون معك عزيزتي .. أنا وأبوك وأخوك محمد .. ليس عليك قول الكثير .. يكفي أن تريه وتقرري إن كنت مرتاحة إليه أم لا .. كما أن أمه وأبوه وأخته فجر سيكونون موجودين كذلك ..
شيماء : ولكن أمي .. لا أدري .. هل كان هذا اللقاء بناء على طلب منه ؟ أم من والدته ؟!
الأم : إنه بناء على طلبه .. فكما قلت لك .. إنه رجل مثقف .. ولا يفكر في الزواج من امرأة لم يسبق له رؤيتها .. ومعرفة كيف هي شخصيتها .. وما هي طريقة تفكيرها .. وأنت تدركين أن المرء بإمكانه أن يستشف ذلك من جلسة واحده..
شيماء : حسنا أمي ... سنرى ما سيجري ..
الأم : بإذن الله يا عزيزتي لن يجري إلا كل خير ..
شيماء : ولكني لا أعدك بالموافقة .. فيجب أن أصلي صلاة استخارة .. كما أريد وقتا للتفكير مليا بالأمر ..
الأم : بالطبع حبيبتي .. يمكنك التفكير كما تشائين .. خذي وقتك .. ولكن اعلمي .. إن قررت الموافقة فسيتم عقد الزواج هنا .. قبل عودتنا إلى الدوحة ..
شيماء: ماذا؟ ابهذه السرعة ؟
الأم : نعم عزيزتي .. العقد سيتم هنا .. أما مراسم الزفاف .. فتحددانها لاحقا وحسب ظروف كليكما ..
شيماء : لا أدري يا أمي .. فأنا حتى لم أفكر في موضوع الزواج أبدا ..
الأم : لقد آن الأوان لك لتفكري به .. فأنت لست صغيرة الآن .. إنك في سن تؤهلك للزواج ..
شيماء : حسنا .. لا بأس أمي ..
كان عبد العزيز شابا وسيما في الثلاثين من عمره .. كما كان ذكيا .. مرحا .. سهل المعشر .. ومتحدثا لبقا .. وقد مر الوقت سريعا بشيماء التي استمتعت بوقتها .. وقد كانت مرتاحة ومطمئنة .. ولم تشعر بغربة بين أهل عبد العزيز فقد كانوا أناسا في غاية الطيبة .. وقد كانت فجر سعيدة بتعرفها على شيماء وأخذت منها رقم هاتفها لتتصل بها ويخرجان سويا ..
كانت شيماء قد قررت الموافقة مبدئيا ، ولكنها قررت التريث إلى ما بعد صلاة الاستخارة .. حتى لا تخطو خطوة قد تندم عليها مستقبلا .. شكرت شيماء واهلها عائلة عبد العزيز على الدعوة اللطيفة ، كما طلبوا منهم أن يقبلوا بدعوتهم لهم بعد أسبوع من اليوم ... فقبل أهل عبد العزيز الدعوة بسرور .. وخاصة .. أن عبد العزيز قد بدا مرتاحا وسعيدا .. وظواهر إعجابه بشيماء وشخصيتها بادية عليه بجلاء ..
ما إن عادت شيماء إلى الفندق حتى أخبرت الفتيات بكل ما حدث بالتفصيل الممل .. ففرحن كثيرا .. خاصة وأن شيماء قد بدت موافقة .. فأخذوا الأمر على أنه شيء مسلم به وواقع لا محالة .. ونسيت سارة حزنها وقلقها بفرحتها لسعادة أختها .. وتمنت أن تدوم سعادتها إلى الأبد ..