الجزء الحادي عشر : مفارقة ..
أغلقت غادة السماعة بكل قوتها .. وقلبها يكاد يتوقف من شدة الاضطراب ...
وشرعت تفكر في طريقة تتخلص بها من هذه الورطة ..
لكن الهاتف لم يعطها فرصة طويلة ... فما لبث أن دق ثانية ..
دارت الأفكار بسرعة جنونية في عقل غادة .. انتظرت قليلا عل دقات الهاتف أن تتوقف .. لكن لا فائدة .. فعلى ما يبدو أن عادل مصر تماما على محادثتها ..
أخيرا رفعت غادة السماعة بيد مرتجفة وهي تقول لنفسها ( يا الهي لم أهابه لهذه الدرجة ؟؟ )
كست صوتها بنبرة النوم .. وهي تقول :
- آلو ..
- السلام عليكم ..
- وعليكم السلام ورحمة الله ..
تثاءبت ثم قالت :
- هذا أنت يا عادل .. حمدا لله على سلامتك يا حبي ..
- كيف حال حلوتي الرقيقة ؟؟
- بخير .. مرهقة قليلا .. فقد أقمت حفلة بالأمس لصديقاتي .. ليتك كنت معي ..
- غادة ..
- نعم ..
- اتصلت قبل قليل .. وخيل إلى أنني سمعت صوتك تهتفي باسم ربيع ..
- أووووووه .. أنا لم أرفع السماعة إلا الآن .. لاشك أنك أخطأت بالرقم ..
- ربما ..
غص حلق غادة لكل هذه الأكاذيب ... لقد وضعت نفسها في موقف دقيق للغاية .... إن عادل رجل طاهر لأبعد الحدود ... وان كانت قد اعتادت الكذب ... لكنها تأبى أن تمارس هذا الدور على أمثال عادل ... فهناك أشخاص يبلغون من السمو ما يجعل المحيطين بهم يترفعون عن كل دنيء أثناء صحبتهم ...
وطالت المكالمة ... وكل منهما يبث الآخر لواعج قلبه ... وبدوا كعاشقين ثملين من كأس الغرام ... وان صدق أحدهما وكذب الآخر ...
وحين ودع عادل غادته الأثيرة ... كانت الأخيرة في حال يرثى لها ... وقد استبد بها الألم ... ولم تشعر في حياتها بعذاب الضمير كما شعرت به في تلك اللحظة القاسية ...
أيمكن أن تستمر طوال حياتها على هذا المنوال ؟؟
كيف سمحت لنفسها بتقبل هذه الفكرة الصبيانية ؟؟ هل تظن نفسها في أوروبا ... تبيت الليلة مع زوجها .. وغدا تبيت مع عشيقها ؟؟
وتمتمت لنفسها :
- عادل .. أنت لا تستحق مني هذا .. لكن ماذا أفعل .. وشخص ربيع يلاحقني حتى وأنا معك ...
ربيع هو كل حياتي ... لكنني بالرغم من ذلك أشعر بأنني أكن لك الحب أيضا ..... أوووووه ماذا دهاني ؟؟
وزحف الصداع إلى رأسها شيئا فشيئا ... حتى كاد أن يفجره ... وبالرغم من كل محاولاتها لمقاومة هذا الألم الممض ... إلا أن صرخة مدوية أفلتت من بين شفتيها .. حتى ظنت أنها صدرت من شخص آخر ...
فتح الباب بقوة .. وتوافد أشخاص كثر إلى حجرتها ... فلم تستطع تبين هوياتهم ... لكنها شعرت بقربهم الشديد والتفافهم حولها ... وسمعت صرخات خافتة ونشيج وآهات ... ثم أظلمت دنياها ... فاستسلمت لتلك الظلمة المدلهمة .. إلا أنها ما لبثت أن شعرت بطعم حلو يخالط لعابها .. وتبددت الظلمة مجددا .. لتتبين صورة رهف وهي جالسة على حافة السرير .. بينما تقف والدتها خلفها بوجه بادي القلق .. وسمعت رهف تقول :
- اطمئني يا أمي .. هاهي تعود إلى وعيها ..
- أووه ابنتي .. الحمد لله ..
وشرعت الأم تبكي في صمت .. بينما حاولت غادة أن تعتدل في جلستها وهي تقول في ضعف :
- ماذا حدث ؟؟
عاونتها رهف وهي تجيب :
- أظن أنه فقر الدم .. فوجهك مصفر جدا .. لكنني أتعجب لأنه أصابك باغماءة .. لابد أن تجري تحليلا ..
- آه .. أجل .. فقر الدم .. لا تتعجبي يا أختي .. فقد داهمتني الشقيقة .. وأظن جسدي لم يستطع مقاومتها فحصل ما حصل .. أريد كوب ماء ..
هرعت الأم التي اكتفت بالبكاء والصمت لتجلب كأس ماء لابنتها المدللة .. فاستغلت رهف غياب أمها لتقول :
- استغفري الله يا غادة .. فما هذا إلا بذاك ........
نظرت غادة إلى أختها نظرة طويلة تحمل ألف معنى .. لكنها التزمت الصمت .. وشعرت رهف بأن أختها تنفذ إلى أعماقها بنظرتها الحارقة تلك .. فارتبكت وصرفت بصرها عنها وهي تقول :
- ما بك ؟؟ كنت أنتظر عاصفة من عواصفك التي تجتاحني كلما نصحتك ..
أطرقت غادة وقد غالبتها دمعة أبت إلا أن تترقرق .. ثم قالت :
- هل كنت تعنين ما قلته ؟؟
دهشت رهف لاستكانة غادة هذه المرة .. فقد اعتادت منها المكابرة وسلاطة اللسان رغم أنها تكبرها ب3 أعوام .. وطال صمتها فعادت غادة تلح عليها .......
- ماذا أصابك ؟؟ أعنيت ما قلته ؟
- أجل .. معذرة .. أقصد ..
- لم أنت مضطربة ؟؟
ملأت رهف رئتيها بالهواء ثم تمالكت نفسها وقالت :
- غادة .. تعلمين أن ما فعلته بالأمس كان غاية في ال .. .. أوه كلا لست أريد شتمك لكن الأجدر بك أن تخجلي مما فعلته .. كيف تستطيعين فعل ذلك والله ينظر إليك ؟؟ أما تستحين من ربك ؟؟
صمت مطبق خيم على الشقيقتين .. ووجف قلب رهف المرهف .. خوفا من أن تحصل بينها وبين أختها خصومة كبيرة .. وحين ظنت أنها ستسمع جواب أختها وجدت أمهما أمامها تحمل كأس الماء فقررت الانسحاب متذرعة بعملها .. وتركت غادة في أسوأ حال ..........
أخذت غادة تفكر في شخصيتها المتذبذبة .. وشعرت بأن هذه الوقفة بالذات ستكون جادة .. وستغير من مجرى حياتها .. لكن .. وكالعادة .. سرعان ما تلاشى إحساسها بالذنب .. وداهمتها الأفكار حول ربيع .. فألقت بكل همومها خلف ظهرها ونهضت بنشاط .. متوجهة إلى الحاسب الآلي ................ لترسل لربيع تفاصيل اللقاء ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ