الجزء الرابع عشر(صدمة)
علت صرخة قوية في غرفة غادة..ثم تبدد صدها..تتالت أنفاس غادة في عجل..و فتح باب غرفتها على مصراعيه لتدخل رهف و والدتها..فاقتربت الأم الحنونة من ابنتها و احتضنتها..بينما سألت رهف أختها و كل ملامح و جهها تنطق بالقلق:غادة هل أنت بخير؟..ما بك؟ ..لما كنت تصرخين..؟
نظرت غادة إلى رهف و أجابتها عبر أنفاسها المتتالية:لا شيء يا رهف لا شيء..
سألت الأم بدورها ابنتها :هل أنت متأكدة يا حبيبتي..؟
رسمت غادة ابتسامة صفراء و عقبت:أنا بخير يا أمي..صدقيني..
عقبت رهف بدورها:لا تقلقي يا أمي ستكون بخير..بإذن الله..سأبقى عندها...أذهبي و اخلدي للنوم..
رسمت والدة غادة قبلة على جبين ابنتها الأثيرة..و غادرت الغرفة بعد أن أوصتهما أن يتدثرا جيداً...فالجو كان بارداً..و الأمطار تهطل بغزارة في الخارج..
خيم الصمت للحظات...لكن سؤال رهف بدد هدوء الغرفة حيث قالت:لا تظني أنك أطفأت تساؤلاتي بإجابتك تلك..
تنهدت غادة و أجابت:
- كان مجرد كابوس يا رهف..
-و إلى متى ستتكرر الكوابيس؟؟
-لست أدري؟..اسأليها علها تجيبك..
-غادة هل تخفين علي شيئاً ما..؟
-رهف كل ما في الأمر أنني أشعر بالضيق هذه الأيام..
-لقد تجمعت الذنوب على قلبك حتى أشعرتك بالضيق..إلى متى يا غادة؟!..البيانو..الأغاني..الفساتين العارية..كلها تكبلك بالسلاسل..لتلقي بك في العذاب..
-أنا فتاة عصرية يا رهف..
-هل الحضارة و العصرية فيما ما تفعلين!..كفي عن ذلك يا غادة لا تختفي حول أقنعة زائفة..
-رهف..أنت لا تعلمين شيئاً..كل ما في الأمر أنني مشغولة الفكر..
-بم يا غادة؟..بالمستقبل..؟أي مستقبل ستجنين و أنت على هذه الحال؟؟
هتفت غادة قائلة:
-كفي يا رهف..اهتمي بشؤونك..
-أنا قلقة عليك يا غادة.
-أرجو أن لا تنسي أنك مريضة بالقلب..و أن قلبك بحاجة للعناية أكثر مني..هلا تركتني..أريد أن أنام..
شحب وجه رهف فجأة..فسحبت آثار الهزيمة خلفها و مضت لتغادر الغرفة في صمت..
مسحت غادة شعرها بيديها لتطرد بقايا أفكار عالقة..و من ثم ألقت نظرة على باب غرفتها و تمتمت في صمت:آسفة رهف..أنت من أجبرني على ذلك..
التقطت غادة علبة دواء كانت بجوارها..و تناولت منها حبة مهدئة..و همست في أسى:إلى متى ستظل تلك الأفكار تلاحقني؟..إلى متى سيظل حب ربيع يعذبني؟..إلى متى سيظل ذلك الشعور بالذنب يطوقني؟..إلى متى سأظل أطعن عادلاً في ظهره؟..و كأنني في دوامة...ليس لها إلا مخرجين...عادل...أو ربيع...
أمسكت غادة برأسها بقوة..و هزته في عنف و هي تردد:يا إلهي..ما الذي دهاني؟..لقد انتهى بي الأمر إلى الحبوب المهدئة..و الأقراص المنومة..علي أن أتخذ قراراً..و بأسرع وقت....
تنهدت غادة في عمق و أكملت :لقد مضى أسبوع على لقاءي بربيع..و في كل يوم كنت أزداد لهفة لسماع صوته..لرؤيته..و بالمقابل أزداد آسى و ألم على نفسي..و على عادل..بل حتى على ربيع...
التقطت غادة علبة أخرى من المضمدة المجاورة لسريرها..و تناولت قرصاً آخر و هي تتمتم:النوم هو الحل الوحيد للهروب من أرض الواقع...
ثم ألقت برأسها على وسادتها..و استسلمت للنوم...
تتالت الساعات..و جاء وقت الظهيرة بشمسه القوية التي تسللت أشعتها إلى غرفة غادة..و أجبرتها على الاستيقاظ..تثاءبت غادة..و مطت شفتيها في ملل..ثم أسرعت تغسل وجهها و تبدل ثوبها..فوقت الغداء بات وشيكاً..
وضعت غادة بعضاً من المساحيق على وجهها لتخفي آثر الإرهاق المحفورة في أركانه..و هذبت شعرها..و ما أن همت أن تغادر غرفتها حتى علا صوت الهاتف..أقبلت غادة إليه..و رفعت السماعة ..و قالت بصوت بارد:ألو..
-السلام عليك يا غادتي..ما به صوتك؟
-و عليك السلام..لا شيء لكنني لم أنم جيداً البارحة..
-غادة..أود أن أزورك اليوم..فأنا..
-عادل أرجوك فأنا متعبة بعض الشيء..هلا زرتني في يوم آخر..
-غادة أصدقيني القول..ما بك؟..فكلما اتصل عليك أجدك نائمة..أو متعبة..و حتى لو كلمتك فإنك تدوماً تسرحين بذهنك ..هل هناك ما يقلقك..
-..................
غادة؟
-نعم عادل..هل قلت شيئاً..
-أ رأيت..أنت لست طبيعية..يبدو لي و كأنك تتهربين مني..
-لا تقل هذا يا عادل..أنا مشغولة فقط بامتحاناتي..
-بودي أن أصدقك....قلبي يقول غير ذلك..
-دعك من قلبك..و اسمع كلام غادتك..
-ليس أمامي خيار آخر..
-سأتصل بك لا حقاً..
-لقد سمعت هذه الكلمة مراراً لكنني أنا من يتصل دائماً..
-عادل..أرجوك..
-حسناً..حسناً اعتني بنفسك..
-إلى اللقاء..
-إلى اللقاء..
أقفلت غادة الخط و تنهدت بقوة و همست لنفسها: متى سأرسم نهاية لكل هذا؟.. متى؟
اتجهت غادة إلى باب غرفتها و ما أن فتحت بابها حتى سمعت صوت رهف تجادل والدتها بشأن العريس المتقدم لها..رهف ترجو أمها أن تغير مفاهيمها من أجلها..و والدتها تصر على رأيها..فما كان من غادة إلا أن عادت أدراجها و قد تركت باب غرفتها مفتوحاً...فلقد ملت من سماع تلك الأسطوانة يومياً..و بات تكررها أمراً مألوفاً بالنسبة لها..فاقتربت من هاتفها و تطلعت إليه في وله و هي تردد:لقد اشتقت إليه..هو الوحيد القادر على رسم الابتسامة على ثغري..
رفعت غادة سماعة الهاتف و ضربت أصابعها الأرقام في عجل..و كادت تعتصر السماعة عندما جاءها صوته قائلاً:غادة..حبي كيف حالك؟؟
تبسمت غادة و كأن المياه قد عادت إلى وجهها الشاحب و قالت:بخير ما دمت بخير..لكن شوقي إليك أتعبني..ألن نلتقي ثانية..
-أحلم بذلك..متى تريدين أن يكون اللقاء؟
-سأرتب ذلك ثم أخبرك..ربيع..كيف حال حبنا..؟
-إنه يزداد صلابة مع الأيام..
-ألن تشغلك الأيام عني؟
-كيف لها أن تنسيني حياتي..غادة أنا أحبك..أحبك..أحبك...
ضحكت غادة في دلال و عقبت:إلى اللقاء الآن يا حبي..
-كلا غادة لا تنهي المكالمة...
-لا أستطيع أن أطيل..إلى اللقاء يا ربيع..
-إلى اللقاء يا زهرتي الرائعة.
أقفلت غادة السماعة و ارتسمت عليها علامات الفرح و السرور..و ارتمت على سريرها و هي تتمتم في و له:إنه يحبني..
>>غادة من ربيع؟؟<<
اعتدلت غادة على سريرها..و ألقت نظرة إلى مصدر الصوت الذي لم يكون سوى رهف التي اقتربت في عصبية و هي تكرر:هذا الاسم..هل هو خطيبك السابق؟
ذهلت غادة من وقع المفاجأة..و تبخرت الكلمات على أطراف لسانها..بينما عادت رهف تكرر:غادة أ هو خطيبك السابق..؟
تلعثمت غادة و أجابت:اخفضي صوتك ستسمعنا أمي يا رهف..و مع آخر حروفها جرت غادة نحو الباب و أغلقته بإحكام و من ثم تسندت عليه و أكملت:رهف الأمر ليس كما تظنين؟
رمقتها رهف بنظرات استنكار و أكملت:ليس كما أظن...هل هو خطيبك السابق أم لا..؟
-.................
-غادة أجيبيني..
-بلى هو..
-لقد طفح الكيل يا غادة..خفت أن تسمعنا أمي و نسيت من يراك لحظة بلحظة؟..ما عدت أفهمك..
هتفت غادة:يكفي رهف..هذه حياتي..
-حياتك ليست ملكاً لك و حدك..إنها متعلقة بسمعتنا و مصيرنا..
-أنا أحادثه فقط لا أكثر..
ازدادت عصبية رهف و هي تقول:فقط..كم أنا محظوظة بأنك أختي..
هتفت غادة بدورها :رهف ليس ذنبي أنك لم تتزوجي إلى الآن فلا تحطمي حياتي بغيرتك..
تسارعت أنفاس رهف في استنكار و عقبت:ما الذي تقولينه؟
-نعم أنت غاضبة لأنني جذابة و الكل يحبني و يهواني..أنت قلتها يوماً يا رهف..
-لقد كنت في حالة غضب و ضعف فحسب..
-بل أنت كذلك..يوماً ما ستفعلين ستمسكين بسماعة الهاتف في سبيل أن تجدي من يسقيك جرعات من الحب..
صرخت رهف قائلة:اصمتي يا غادة..اصمتي..
لكن صوتها بدأ يذهب شيئاً..فشيئاً..و بدت على وجهها ملامح التعب...مما جعل غادة تقترب من أختها و هي تسأل في قلق:رهف..هل أنت بخير؟..رهف..
لكن رهف لم تجبها..بل انهارت تماماً..و وقعت على الأرض..لتصرخ غادة بجل صوتها:
رهف أختي ماذا حل بك؟ ...
*************************************