أنف القاضي
يحكى أن بنتا صغيرة، كان لها بيت صغير، فيه سرير صغير، وحصيرة صغيرة، ومطبخ صغير، فيه أوان صغيرة، وقدر صغيرة، وملاعق صغيرة، وكانت كل أشيائها مثلها، صغيرة صغيرة.
وذات يوم خرجت إلى السوق، فرأت في الطريق فلساً، فاشترت به دبساً، ورجعت إلى البيت فوضعته على الرف، وغطته بالغربال، ثم قعدت في الشمس تتسلى، منتظرة وقت الظهر، حتى تتغداه.
وهي قاعدة في الشمس الدافئة، ذكرت جارتها الذبابة، فقالت تحدث نفسها: "لا بد أن تأتي جارتي الذبابة، كعادتها، لتستعير الغربال، وعندئذ تأكل الدبس، وتترك لي القذر في الصحن، ولم تمض برهة حتى دق الباب، فمضت تفتحه، فإذا جارتها الذبابة في الباب تقول لها: يا جارتي أعيريني الغربال"، فقالت لها: "هو على الرف، ادخلي فخذيه، ولكن لا تأكلي الدبس"، فأخذت الذبابة الغربال، وخرجت.
وبعد قليل أحست الفتاة الصغيرة بالجوع، فمضت إلى المطبخ، ونظرت، فإذا الذبابة قد أكلت الدبس، وتركت لها القذر في الصحن، فانطلقت على الفور إلى القاضي، تشكو له أمرها.
فقالت له: أنا بنت صغيرة.
فأجابها: هكذا خلقت.
فقالت له: أسكن في بيت صغير.
فأجابها: على قدك.
فقالت له: فيه مطبخ صغير.
فأجابها: يكفيك.
فقالت له: خرجت إلى السوق.
فأجابها: حسناً فعلت
فقالت له: عثرت على فلس
فأجابها: لقد رزقت.
فقالت له: اشتريت به بعض الدبس
فأجابها: حلوا اشتريت
فقالت له: خبأته على الرف
فأجابها: نعم ما خبأت
فقالت له: فزارتني الذبابة
فأجابها: جارة استقبلت
فقالت له: فطلبت مني الغربال
فأجابها: حاجة سألتك
فقالت له: قلت لها ادخلي المطبخ، فخذيه
فأجابها: حاجة قضيت
فقالت له: وأوصيتها ألا تأكل الدبس.
فأجابها: حريصا أوصيت
فقالت له: ولكنها أكلت الدبس، وتركت القدر في الصحن
فأجابها: لقد آذتك
فسألته: فما جزاؤها؟
فأطرق القاضي طويلاً، ونظر في الأوراق التي بين يديه، وتفكر، وتأمل، ثم فتح فمه، وتكلم فقال: "حيثما رأيتها، إذا استطعت، فاقتليها".
فنظرت إليه الفتاة الصغيرة مبهوتة، لا تعرف بماذا تجيب، وكادت الدموع تنحدر من عينيها وهو يواجهها بوجه صامت، مغمص العينين، مطبق الشفتين، ينتظر انصرافها، وإذا ذبابة تحط على أنفه، فأسرعت الفتاة الصغيرة إلى نعلها، فرفعته، وضربت به الذبابة، فانتفض القاضي مذعوراً، وصاح بها: "ماذا فعلت؟"، فقالت له: "ألم تقل لي: حيثما رأيتها -إذا استطعت، فاقتليها؟.