امرأة لا تتكلم إلا بالقرآن
في سالف العصر والأوان ، سارت امرأة عجوز في طريقها للحج .
كانت في طريقها إلى المدينة المنورة ، لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم .
وفي الطريق جلست تحت شجرة لتستريح .
فمر رجل وقال لها : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
فقالت له : (( سَلامٌ قَوْلاً مِن رّبٍّ رَحِيمْ ))
فقال الرجل : ماذا تصنعين هنا ؟
فقالت له : (( وَ مَن يُضْللْ فَلا هَادِيَ لَهْ ))
فقال الرجل : إلى أين تتجهين ؟
فقالت له : (( سُبْحَانَ الّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى ))
فقال الرجل : وكم لبثت هنا ؟
فقالت له : (( ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيَّا ))
فقال الرجل : وأين طعامك ؟
فقالت له : (( هُوَ يُطْعِمُنِي وَ يَسْقِينْ ))
فقال الرجل : و أين ماء الوضوء ؟
فقالت له : (( فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّبَا ))
فقال الرجل : هذا طعام ، تفضلي .
فقالت له : (( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلْ ))
فقال الرجل : لكن هذا ليس شهر رمضان !
فقالت له : (( وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ الله شَاكِرٌ عَلِيمْ ))
فقال الرجل : ورخصة الإفطار في السفر ؟
فقالت له : (( وَ أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونْ ))
ثم غضب الرجل وقال وهو يصرخ : تكلمي مثل لهجتي .
فقالت له : (( مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدْ )) .
وتركها الرجل ومضى في طريقه ، وبعد قليل مر رجل آخر ، وقال لها : يا امرأة ، من أي القبائل أنت ؟
فقالت له : (( وَلا تَقف مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمْ إنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا ))
فقال لها : سامحيني .. أخطأت !
فقالت له : (( لا تثريبَ عَلَيْكُمْ اليَوْمَ يَغْفِرَ الله لَكُمْ ))
مشت المرأة ، وإذ بقافلة مارة ، فقال لها صاحب القافلة :
يا أختاه .. اركبي القافلة معنا على ناقتي .
فقالت له : (( قلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِن أَبْصَارِهِمْ )) (( سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَ َإِنَّا إِلى رَبِّنَا لمَنْقَلِبُونْ ))
قال لها : هيا .. هيا بسرعة .
فقالت له : (( وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتَكْ ))
فقال لها : الجمل يمشي ببطء ، سأغني حتى يمشي الجمل بسرعة .
فقالت له : (( فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القُرْآنْ ))
فقال لها : يا امرأة .. هل لك زوج ؟
فقالت له : (( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ)) ))
ووصلت القافلة إلى المدينة ، وقال لها : هل من ولد أو قريب يمت لك بصلة في المدينة ؟
فقالت له : (( الْمَالُ وَ الْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ))
فقال لها : وما عمل أولادك في القافلة ؟
فقالت له : (( وَعَلامَاتٍ وَبالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونْ ))
فقال لها : فهمت .. أولادك أدلاء للقوافل .
فقالوا الأولاد : أماه .. أماه .
فقال الرجل : هؤلاء أولادك ؟ وما أسماؤهم ؟
وأشارت إلى ابنها الأول وقالت : (( وَاتَّخَذَ الله إِبْرَاهِيمَ خَلِيلا))
وأشارت إلى ابنها الثاني وقالت : (( وَكَلَّمَ الله مُوسَى تَكْلِيمَا)).
وأشارت إلى ابنها الثالث وقالت : (( يَا يِحْيَى خُذِ الكِتَابَ بِقُوَّة))
فقال إبراهيم : بماذا تأمريننا يا أمي ؟
وقال موسى : لماذا تأخرت علينا ؟
وقال يحيى : ماذا سنفعل الآن ؟
فقالت المرأة : (( فَابعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامَاً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِّنهْ ))
وقالت : (( كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيْئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الخَالِيَة )).
فقال الرجل : منذ متى وأمكم تتكلم هكذا ؟
فقال إبراهيم : منذ أربعين سنة .. لا تتكلم إلا بالقرآن .
تحياتي،،