مقدمـــــــــــــــــــة
انتم تعلمون انها آتيه لا ريب فيها .. وهنا يكمن السؤال
هل نحن مستعدون لهذا اليوم ..يوم القيامة والحساب ، قد تأتى اليوم او غد او بعد سنه او بعد الف سنه لكن الشئ الأكيد انها آتيه لا محاله، ، تعالو نتخيل قليلا بعضا من معالم هذا اليوم فى هذه القصة التى كانت من المفروض تنزيلها على المنتدى اول ايام رمضان لكن لظروف خارجه لم استطع0
**^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^**
كانت الساعه تقترب من السادسه والنصف صباحا عندما استيقظ صالح
متأخراً على موعده المعتاد ، انه إعتاد ان ينهض من نومه فى تمام
السادسه حتى يتثنى له تناول وجبة الإفطار بحرية وقراءة الجريدة قبل
الذهاب الى مكتبه فى الثامنة ، وربما لأنه كان يفكر فى شئ ما طول
الليل ، شيئا مجهولا عن مستقبله واماله الكبيره فى عمله والمنافسه
بين مكتبه والمكتب الهندسى لعدوه اللدود ماجد،
لكنه عندما استيقظ لم يذكر شيئا من هذه الأفكار التى ملئت رأسه طوال
ليلة الأمس وكعادته اتجه الى النافذه وحرك الستائر ورفع الزجاج لأعلى
ليدع الشمس تملأ الغرفه بنورها المشعشع ، والقى نظره عابره على
الشارع قبل أن يغادر النافذه متجها ليغتسل ولم يرى اى ماراً فى الشارع ،
فقد كان ساكنا هادئا مترسبا فيه هدوء الليل وابتسم الى لا شئ وذهب
ليغتسل وعاد يتناول إفطاره فى الشرفه وقراءة الجريدة ، إن حياته
اصبحت تسير على هذا المنوال منذ اكثر من تسع سنوات، ووضع على
المائدة قدحا من الشاى وبجواره طبقا الكيك الذى يفضله كل صباح ،
وإمتدت يده الى قدح الشاى وارتشف رشفة منه ثم وضعه وهو ينظر الى
السماء ثم يحول نظره الى الشاى ولا يجد احداً يمر امامه او سيارة واحده
وتعجب إعجابا شديداً ، انه قد تعود ان يرى السيارات فى هذا الوقت
المبكر تجوب الشارع، حتى الباص المُحمل بتلاميذ المدارس عادة ما يمر
فى هذا الوقت وأخذ رشفة ثانيةمن قدح الشاى وبدأ يقرأ فى الجريده
ولكنه بوغت امامه ببعض الناس تتطاير امامه فوثب من على كرسيه
ينظر جيداً لعلها احلام يقظه او انه مازال نائما ونظر متفحصا امامه ، انـه
نفس المشهد ..أُناسا تتطاير الى السماء فى سرعة رهيبة وفغر فاه
مندهشا مما رأى .. وقال فى نفسه:
- رجال ونساء يطيروا فى السماء بلا اجنحة .. اهذا آخر ما وصل اليه العلم
ام انه إمتد بك النوم يا صالح مئات السنين كأهل الكهف ولم تدر بما حدث
من تطورات فى العالم بعد هذا النوم ، وظل متجهما امام هذا المشهد ورأسه
مزدحمة بأسئلة ليس لها إجابات ، ثم أطل رأسه من الشرفه مره ثانية..
لعله حلم قصير مر به ولكن ما لبث ان سمع صراخا مدويا منطلقا من
افواه تلك الناس المتطايره وقد ازدادت أعدادهم زيادة ملحوظة حتى انها
ملأت الفراغ الجوى وكأنهم جراداً وإنتشر فى الفضاء ، انهم يحجبون عنه
رؤية السماء وصراخهم يعلو كلما تزايدو وإرتسمت علامات دهشة كبيرة
على صفحة وجهه وهو يحاول سائلا الجموع الغفيرة المتطايرة .. ماذا
يحدث ؟ وكلما اقترب واحدا منهم من الشرفه يحاول صالح ان يكرر عليه
السؤال لكنه لا يستطيع أن يستحوذ منه على إجابة من سرعة إندفاعهم
وبدو يتطايرون فى ثقل كعصفوراً صغيراً مازال يتدرب على التحليق
وإستطاع هذه المره أن يقترب واحداً منهم تباطئت سرعة اندفاعه لأعلى
كثيراً من الزحام حتى انه اصبح واقفا امام الشرفه وسائله صالح عما
يحدث أمامه .. فإنطلق صوت الرجل مدبوحا من الألم والحسرة قائــــــلا :
- لقد انتهت الحياة وانتهى وقت الدنيا وجاء وقت الآخره وأصبحنا الأن فى
الحقيقة الواحدة التى طالما كنا نتانسها.. لكنها جاءت من حيث لا ندرى ..
إن هذا الذى امامك الأن هو نهاية العالم ،، يا عزيزى"إن القيامة الأن "
وانت مازلت تسئل ماذا يحدث 0 وصاح صالح فى الرجل قائلا فى هلع:
- ماذا تقول يا رجل القيامة الأن . جاءت هكذا بمنتهى البساطة جاءت
وانتهت الدنيا هكذا بمنتهى البساطة وانتهت معها المنافسة والطموحات
والمكائد وأحلام الثراء والحروب بين البلاد وبين الأشخاص ، هكذا انتهت0 ثم مالكم
- تصرخون وتتألمون بصراخكم وانتم تتطايرون . فقال له الرجل وكلامه
يقثطر أسى وحزن وخيبة أمل :
- يا عزيزى إن باب التوبة قد أُغلق منذ دقائق.. وهؤلاء الناس الصارخون لا
يعرفون ماذا ستفعل بهم المقادير فأخطائهم فادحة وكثيرة وكانو ينتظرون التوبة فى آخر
لحظات حياتهم ، ولكن ها هى التوبة اغلقت بابها ..وكان هذا الباب آخــر أمل لهم
حتى يكفروا عن خطايهم ، فلا تريد منهم ان يبكو ويصرخو ويذرفون دموع
الندم على مصيرهم المحتوم ، ولم يُكمل الرجل كلامه مع صالح حتى
إندفع بغتة من أمامه الى طبقات الجو عندما إتسع له مكانا الى ابواب
السماء وجاء وراءوه كثيرون
حتى تباطئت سرعتهم مره اخرى ووقف امام الشرفه رجلاً آخـر فى
إنتظارؤ دوره فى الصعود وكان مجهشا فى اغلبكاء ، فسأله صالح مابك يا
رجل تبكى كالنساء، أهل كنت انت الأخر من أصحاب الذنوب والأخطاء
الفادحه فى الدنيا ، فقال له الرجل وهو يزفر أنفاس السخط والألم
والأسى
- يا اخى لا تذكرنى بما راح ما عادت الدنيا سوى ذر رياح..لا وقت الأن لأتذكر
الذنوب وقد اغلقت التوبه ابوابها ولا اعرف ماذا سيلحق بى انا وغيرى فنحن كنا
مغفلون نعتقد ان القيامة قبل ان تجئ ستدق علينا الباب وتصيح فينا : انهضوا
وتوبوا الأن فأنا قادمة لكم ولهذا تمادينا فى الذنوب واجلنا االتوبة الى آخر لحظة ، اجلنها كثيراً الى اللحظة التى اغلقت فيها بابها ، فقال له صالح فى رثاء:
- أنادم انت إذن على عدم توبتك فى الحياة الدنيا ، فقال الرجل وهو مكفهر الوجه
- اشد الندم فى وقت لم يعد فيه ينفع الندم فعاد صالح فى اشفاق يقول
-كانت امامك الدنيا والعمر الطويل كى تتوب وتعمل عملاً صالحاً..لماذا لم تفعل؟
فقال له الرجل فى بؤس
- انا وغيرى من الكثير كنا نتنظر قبل الفناء بلحظات ثم نتوب حتى نستمتع
بالدنيا ومغرياتها واموالها ونسيائها ثم نربح الآخره فيما بعد بهذه التوبه
وندخل الجنه وننعم بنعيمها هى الأخرى ، كنا طامعون وها نحن اكتشفنا
الأن الحقيقة.انهم لايجتمعون معا الدنيا مع الآخره ، لم نكن نعلم ان ابواب التوبه ستُغلق فجأءة هكذا
ونجد انفسنا فى هذا المأزق مُحملين الى السماء ونحن نحمل ذنوبنا معنا
،، وهنا اندفع الرجل الى السماء فى سرعه بعدما إتسع له مكاناً بين زحام المتطايرون الى السماء0
وصمت صالح برهه ثم القى نظرة على الجموع الغفيرة من الناس وهى
تصعد فى اندفاع رهيب تجاه السماء كأسيراب الجراد ، وقال فى نفسه
- لم يبق لنا فى هذا الوقت غير اعمالنا الصالحة فى الدنيا هى المخرج
الوحيد ، واستعرض شريط زكرياته فى الحياة الدنيا استعراضا سريعا ،فلم يستطع أن يُثبت على نفسه ذنبا فادحاً إقترفه وفى نفس الوقت لم يجد
له حسنات فلم يتذكر شيئا فعله يستحق عليه الثواب غير الصلاة، انه كان دائما يؤدى الفرائض الخمسة
يوميا لم يتهاون فيها ابداً وكذلك صوم رمضان لم يذكر أن فطر يوما منذ بلغ
سن السابعه ، ربما هذا الذى علمه له والده وإخذه عنه قبل ان يموت ويتركه فى سن السادسة عشر ، وسائل نفسه فى ذهول:
أهل هذا يكفى لكى أدخل الجنه؟ وعاد يتذكر مرة اخرى حياته. انه لم
يسع مره واحده فى الخير وكذلك فى الشر وعاد يردد السؤال الى نفسه
، أهل هذا كافيا لكى أدخل الجنه؟ وسرح قليلا ثم نظر الى الناس وهم
يحلقون فى السماء يصرخون يبكون وينظرون اليه فى توسل،، انه
الوحيد بينهم لم يندفع حتى الأن الى السماء مثلهم ، انه ينظر لهم من
شرفة منزله واقفا على الأرض ويده على سور الشرفه ، انه مازال ثابتا على الأرض وسمع بضعة أناسا منهم ينادونه ويمدون ايديهم له وكأنهم
يستنجدون به .. صالح .. صالح.. صالح..
فإنتفض مفزوعا ليجد نفسه فوق سريره وخادمه العجوز ايوب الذى إعتاد أن يوقظه
كل صباح قائـــــلا .. صالح .. صالح.. إنهض يا إبنى الساعه دقت
السادسه منذ وقتِ طويل فنظر صالح الى الساعة فوجدها تقترب من
السادسة والنصف فأتجه الى النافذه وحرك الستائر من عليها ورفع
الزجاج لتدخل الشمس وتملأ الغرفه بنورها المشعشع ثم وجد نفسه
ينظر الى الشارع والى السماء فى حركة لا إرادية وسمع صوتا ينطلق
من أعماقه ويهمس له قائلا << أهل هذ1 يكفى لكى أدخل الجنه >> وإبتسم بينه وبين نفسه وهو يقول.. لعله كان حلماً 0
"تمت"