• 0
  • مالي خلق
  • أتهاوش
  • متضايق
  • مريض
  • مستانس
  • مستغرب
  • مشتط
  • أسولف
  • مغرم
  • معصب
  • منحرج
  • آكل
  • ابكي
  • ارقص
  • اصلي
  • استهبل
  • اضحك
  • اضحك  2
  • تعجبني
  • بضبطلك
  • رايق
  • زعلان
  • عبقري
  • نايم
  • طبيعي
  • كشخة
  • صفحة 6 من 8 الأولىالأولى 12345678 الأخيرةالأخيرة
    النتائج 76 إلى 90 من 117

    الموضوع: سير الصحابة - رضوان الله عليهم -

    1. #76
      التسجيل
      29-06-2005
      المشاركات
      829
      المواضيع
      19
      شكر / اعجاب مشاركة

      مشاركة: سير الصحابة - رضوان الله عليهم -

      العباس بن عبد المطلب
      ساقي الحرمين
      إنما العباس صِنْوُ أبي000فمن آذى العباس "
      " فقد آذاني000
      حديث شريف
      العباس ( أبو الفضل ) عم رسـول الله -صلى اللـه عليه وسلم- ، يفصل بينهما سنتيـن أو

      ثلاث تزيد في عمر العباس عن عمر الرسول ، فكانت القرابة والصداقة بينهما ، إلى جانب
      خُلق العباس وسجاياه التي أحبها الرسول الكريم ، فقد كان وَصولاً للرحم والأهل ، لا يَضِنُّ
      عليهما بجهد ولا مال ، وكان فَطِناً الى حد الدهاء وله مكانا رفيعا في قريش000


      إسلامه
      العباس -رضي الله عنه- لم يعلن إسلامه إلا عام الفتح ، مما جعل بعض المؤرخين يعدونه ممن تأخر إسلامهم ، بيد أن روايات أخرى من التاريخ تنبيء أنه كان من المسلمين الأوائل ولكن كتم إسلامه ، فيقول أبو رافع خادم الرسول -صلى الله عليه وسلم- :( كنت غلاماً للعباس بن عبد المطلب ، وكان الإسلام قد دخلنا أهل البيت ، فأسلم العباس ، وأسلمت أمُّ الفضل ، وأَسْلَمْتُ ، وكان العباس يكتم إسلامه )000


      فكان العباس إذا مسلماً قبل غزوة بدر ، وكان مقامه بمكة بعد هجرة الرسول -صلى الله عليه وسلم-وصحبه خُطَّة أدت غايتها على خير نسق ، وكانت قريش دوما تشك في نوايا العباس ، ولكنها لم تجد عليه سبيلا وظاهره على مايرضون من منهج ودين ، كما ذُكِرَ أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد أمر العباس بالبقاء في مكة :( إن مُقامك مُجاهَدٌ حَسَنٌ )000فأقام بأمر الرسول -صلى الله عليه وسلم-000





      بيعة العقبة
      في بيعة العقبة الثانية عندما قدم مكة في موسم الحج وفد الأنصار ، ثلاثة وسبعون رجلا وسيدتان ، ليعطوا الله ورسوله بيعتهم ، وليتفقوا مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- على الهجرة الى المدينة ، أنهى الرسول -صلى الله عليه وسلم- نبأ هذا الوفد الى عمه العباس فقد كان يثق بعمه في رأيه كله ، فلما اجتمعوا كان العباس أول المتحدثين فقال :( يا معشر الخزرج ، إن محمدا منا حيث قد علمتم ، وقد منعناه من قومنا ، ممن هو على مثل رأينا فيه ، فهو في عز من قومه ، ومنعة في بلده ، وإنه قد أبى إلا الإنحياز إليكم واللحوق بكم ، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه ، ومانعوه ممن خالفه فأنتم وما تحملتم من ذلك ، وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم فمن الآن فدعوه ، فإنه في عز ومنعة من قومه وبلده )000وكان العباس يلقـي بكلماتـه وعيناه تحدقـان في وجـوه الأنصار وترصـد ردود فعلهم000


      كما تابع الحديث بذكاء فقال :( صفوا لي الحـرب ، كيف تقاتلون عدوكم ؟)000فهو يعلم أن الحرب قادمة لا محالة بين الإسلام والشرك ، فأراد أن يعلم هل سيصمد الأنصار حين تقوم الحرب ، وأجابه على الفور عبد الله بن عمرو بن حرام :( نحن والله أهل الحرب ، غُذينا بها ومُرِنّا عليها ، وورِثناها عن آبائنا كابرا فكابرا ، نرمي بالنبل حتى تفنى ، ثم نطاعن بالرماح حتى تُكسَر ، ثم نمشي بالسيوف فنُضارب بها حتى يموت الأعجل منا أو من عدونا )000وأجاب العباس :( أنتم أصحاب حرب إذن ، فهل فيكم دروع ؟)000قالوا :( نعم ، لدينا دروع شاملة )000ثم دار الحديث الرائع مع رسول الله والأنصار كما نعلم من تفاصيل البيعة000
      وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يذكُر بالمدينة ليلة العقبة فيقول :( أيِّدتُ تلك الليلة ، بعمّي العبّاس ، وكان يأخذ على القومِ ويُعطيهم )000





      غزوة بدر
      وفي غزوة بدر رأت قريش الفرصة سانحة لإختبار العباس وصدق نواياه ، فدفعته الى معركة لا يؤمن بها ولا يريدها ، والتقى الجمعان ببدر وحمي القتال ، ونادى الرسول -صلى الله عليه وسلم- أصحابه قائلا :( إني عرفت أن رجالا من بني هاشم وغيرهم قد أخْرِجوا كرهاً ، لا حاجة لهم بقتالنا ، فمن لقي منكم أحدا من بني هاشم فلا يقتله ومن لقي أبا البَخْتَري بن هشام بن الحارث بن أسد فلا يقتله ، ومن لقي العباس بن عبد المطلب فلا يقتله فإنه إنما أخرج مستكرها )000فقال أبو حذيفة :( أنقتل آباءنا وأبناءنا وإخوتنا وعشيرتنا ونترك العباس ، والله لئن لقيته لألحمنّه السيف ‍)000


      فبلغ ذلك الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقال لعمر بن الخطاب :( يا أبا حفص ، أيضرب وجه عم رسول الله بالسيف ؟)000فقال عمر :( يا رسول الله دعني فلأضرب عنقه بالسيف فوالله لقد نافق )000فكان أبو حذيفة يقول :( ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ ، ولا أزال منها خائفا إلا ان تكفرّها عني الشهادة )000فقتل يوم اليمامة شهيدا000





      الأسر
      قال أبو اليسر : نظرتُ إلى العباس بن عبد المطلب يوم بدرٍ وهو قائم كأنه صنم ، وعيناه تذرفان ، فلمّا نظرت إليه قلت :( جزاك الله من ذي رحمٍ شرّاً ، أتقاتل ابن أخيك مع عـدوّه )000قال :( ما فعل ؟ وهل أصابه القتـل ؟)000قلت :( اللـه أعزُّ له وأنصـر من ذلك )000قال :( ما تريد إلي ؟)000قلت :( إسار ، فإنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن قتلك )000قال :( ليستْ بأول صلته )000فأسرتَهُ ثم جئتُ به إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-000


      فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- :( كيفَ أسرتَه يا أبا اليسر ؟)000قال :( لقد أعانني عليه رجلٌ ما رأيته بعدُ ولا قبلُ ، هيئته كذا وهيئته كذا )000فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :( لقد أعانك عليه مَلَكٌ كريم )000
      كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يحب عمه العباس كثيرا ، حتى أنه لم ينم حين أسِرَ العباس في بدر ، وحين سُئِل عن سبب أرقه أجاب :( سمعت أنين العباس في وثاقه )000فأسرع أحد المسلمين الى الأسرى وحلّ وثاق العباس وعاد فأخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- قائلا :( يا رسول الله إني أرخيت من وثاق العباس شيئا )000هنالك قال الرسول لصاحبه :( اذهب فافعل ذلك بالأسرى جميعا )000فحب الرسول للعباس لن يميزه على غيره000



      الفداء
      وحين تقرر أخذ الفدية ، قال العباس :( يا رسول الله ، إني كنت مسلما ، ولكن القوم استكرهوني )000فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- للعباس :( الله أعلم بإسلامك ، فإن يكُ كما تقول فالله يجزيك بذلك ، فأمّا ظاهر أمرك فقد كنتَ علينا ، فافد نفسك وابني أخيك ، نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ، وعقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب ، وحليفك عتبة بن عمرو بن جَحْدم أخو بني الحارث بن فهر )000قال :( ما ذاك عندي يا رسـول اللـه )000قال :( فأين المال الذي دفنتَ أنتَ وأم الفضل ، فقلت لها : إن أصبت في سفري هذا فهذا المالُ لبنيّ : الفضل وعبدالله وقُثْم )000فقال :( والله يا رسول الله أنّي لأعلم إنك رسول الله ، وإن هذا لشيءٌ ما علمه أحد غيري وغير أم الفضل ، فاحسب لي يا رسول الله ما أصبتم مني عشرين أوقية من مال كان معي )000فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :( ذاك شيءٌ أعطاناه الله منك )000ففدى نفسه وابني أخويه وحليفه ، ونزل القرآن بذلك000 قال تعالى :( يا أيُّها النّبيُّ قُـلْ لِمَن في أيْديكُمْ مِنَ الأسْرَى إن يَعْلَمِ اللّهُ في قلوبكم خيراً يُؤْتِكُمْ خيراً ممّا أُخِذَ منكم ويغفرْ لكم واللّهُ غَفورٌ رحيمٌ )000سورة الأنفال آية (7)000

      قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- :( وَفّيْتَ فوفّى الله لك )000وذلك أنّ الإيمان كان في قلبه ، وقال العبّاس فأعطاني الله تعالى مكان العشرين الأوقية في الإسلام عشرين عبداً ، كلهم في يده مالٌ يضرب به ، مع ما أرجو من مغفرة الله تعالى )000
      وهكذا فدا العباس نفسه ومن معه وعاد الى مكة ، ولم تخدعه قريش بعد ذلك أبدا000وبعد حين جمع ماله ومتاعه وأدرك الرسول الكريم بخيبر ، وأخذ مكانه بين المسلميـن وصار موضع حبهم وإجلالهم ، لاسيما وهم يرون حب الرسـول له وقوله :( إنما العباس صِنْوُ أبي000فمن آذى العباس فقـد آذاني )000وأنجب العباس ذرية مباركة وكان ( حبر الأمة ) عبد الله بن العباس أحد هؤلاء الأبناء000


      يوم حنين
      حين كان المسلمون مجتمعين في أحد الأودية ينتظرون مجيء عدوهم ، كان المشركون قد سبقوهم الى الوادي وكمنوا لهم في شعابه ممسكين زمام الأمور بأيديهم ، وعلى حين غفلة انقضوا على المسلمين في مفاجأة مذهلة جعلتهم يهرعون بعيدا ، ورأى الرسول -صلى الله عليه وسلم- ما أحدثه الهجوم المفاجيء فعلا صهوة بغلته البيضاء وصاح :( إلي أيها الناس ، هلمّوا إلي ، أنا النبي لا كذِب ، أنا ابن عبد المطلب )000


      ولم يكن حول الرسول -صلى الله عليه وسلم- يومئذ إلا أبو بكر ،وعمر ،وعلي بن أبي طالب ،والعباس بن عبد المطلب ،وولده الفضل بن العباس ،وجعفر بن الحارث ،وربيعة بن الحارث ، وأسامة بن زيد ،وأيمن بن عبيد ،وقلة أخرى من الصحابة ،وسيدة أخذت مكانا عاليا بين الأبطال هي أم سليم بنت مِلْحان وكانت حاملا انتهت الى الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقالت :( اقتل هؤلاء الذين ينهزمون عنك ، كما تقتل الذين يقاتلونك ، فإنهم لذلك أهل )000
      هناك كان العباس الى جوار النبي -صلى الله عليه وسلم- يتحدى الموت والخطر ، أمره الرسول أن يصرخ في الناس فصرخ بصوته الجهوري :( يا معشر الأنصار ، يا أصحاب البيعة )000فأجابوه :( لبيك ، لبيك )000وانقلوا عائدين كالإعصار صوب العباس ، ودارت المعركة من جديد وغلبت خيل الله ، وتدحرج قتلى هَوَازن وثقيف000





      فضله
      قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :( إن الله تعالى اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً ، فمنزلي ومنزل إبراهيم في الجنة ، يوم القيامة ، تجاهَيْن والعبّاس بيننا مؤمن بين خليلين )000 وقال -صلى الله عليه وسلم- :( أيّها الناس ، أيُّ أهل الأرض أكرم على الله ؟)000قالوا :( أنت )000 قال :( فإن العبّاس مني وأنا منه ، لا تسبّوا موتانا فتؤذوا أحياءنا )000


      قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- للعبّاس :( لا ترمِ منزلك وبنوك غداً حتى آتيكم ، فإن لي فيكم حاجة )000فانتظروه حتى بعد ما أضحى ، فدخل عليهم فقال :( السلام عليكم )000قالوا :( وعليكم السلام ورحمـة اللـه وبركاته )000قال :( كيف أصبحتـم ؟)000قالوا :( بخير نحمد اللـه )000قال :( تقاربوا يزحف بعضكم إلى بعض )000حتى إذا أمكنوه اشتمل عليهم بملاءته فقال :( يا ربّ ، هذا عمّي وصِنْوُ أبي وهؤلاء أهل بيتي ، فاسترهم من النار كستري إيّاهم بملاءتي هذه )000فأمّنت أسكفةُ الباب وحوائط البيت فقالت :( آمين آمين آمين!)000





      عام الرمادة
      في عام الرمادة حين أصاب العباد قحط ، خرج أمير المؤمنين عمر والمسلمون معه الى الفضاء الرحب يصلون صلاة الإستسقاء ، ويضرعون الى الله أن يرسل إليهم الغيث والمطر ، ووقف عمر وقد أمسك يمين العباس بيمينه ، ورفعها صوب السماء وقال :( اللهم إنا كنا نستسقي بنبيك وهو بيننا ، اللهم وإنا اليوم نستسقي بعمِّ نبيك ، فاسقنا )000ولم يغادر المسلمون مكانهم حتى جاءهم الغيث ، وهطل المطر ، وأقبل الأصحاب على العباس يعانقونه و يقبلونه ويقولون :( هنيئا لك000ساقي الحرمين )000






      وفاته
      وفي يوم الجمعة ( 14 / رجب / 32 للهجرة ) سمع أهل العوالي بالمدينة مناديا ينادي :( رحم الله من شهد العباس بن عبد المطلب )000فأدركوا أن العباس قد مات ، وخرج الناس لتشييعه في أعداد هائلة لم تعهد المدينة مثلها ، وصلى عليه خليفة المسلمين عثمان بن عفان ، ووري الثرى في البقيع000





    2. #77
      التسجيل
      29-06-2005
      المشاركات
      829
      المواضيع
      19
      شكر / اعجاب مشاركة

      مشاركة: سير الصحابة - رضوان الله عليهم -

      عمرو بن قيس بن زائدة
      رضي الله عنه
      وَأمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى ** وَهُوَ *)
      (* يَخْشَـى ** فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهّـَى
      قرآن كريم
      هو الصحابي الجليل المعروف باسم ( ابـن أم مكتـوم ) الأعمـى

      في المدينة اسمه عمرو بن قيس بن زائدة القرشي العامري و في العراق اسمه
      عبدالله وفي النهاية اجتمعوا على أنه ابن قيس بن زائدة بن الأصم بن رواحة


      نسبه
      أمه أم مكتوم اسمها عاتكة بنت عبدالله بن عنكثة بن عامر بن مخزوم ، وهو ابن خال السيدة خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- ، فأم خديجة هي فاطمة بنت زائدة الأصم وهي أخت قيس000






      إسلامه
      أسلم بمكة قديماً وكان ضرير البصر ، هاجر إلى المدينة المنورة بعد مصعب بن عمير ، قبل أن يهاجر الرسول -صلى الله عليه وسلم- إليها وقبل بدر قال البراء :( أوّل من قدم علينا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مُصعب بن عمير وابن أم مكتوم ، فجعلا يُقْرِئان النّاس القرآن )000




      عبس وتولى
      كان النبـي -صلى الله عليه وسلم- جالساً مع رجال من قريش فيهم عُتبة بن ربيعة وناس من وجوه قريش وهو يقول لهم :( أليس حسناً أن جئتُ بكذا وكذا ؟)000فيقولون :( بلى والدماء !!)000فجاء ابن أم مكتوم وهو مشتغل بهم فسأله عن شيء فأعرض عنه ، وعبس بوجهه ، فأنزل الله تعالى مُعاتباُ رسوله الكريم000 قال تعالى :"( عَبَـسَ وَتَولّـى ** أَن جآءَ هُ الأَعْمَـى ** وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّـى ** أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْـرى ** أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى ** فأنْتَ لَهُ تَصَـدَّى ** وَمَا عَلَيْكَ ألا يَزَّكّـَى ** وَأمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى ** وَهُوَ يَخْشَـى ** فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهّـَى ")000سورة عبس (آيات 1-10 )000

      فلمّا نزلت الآية دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ابن أم مكتوم فأكرمه000


      الآذان
      كان ابن أم كلثوم يُؤذَّن للنبي -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة مع بلال ، فقد كان بلال يُؤذّن ويُقيم ابن أم مكتوم ، وربما أذن ابن أم مكتوم وأقام بلال ، وقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- :( إنَّ بلالاً يُنادي بليل ، فكلوا واشربوا حتى يُنادي ابن أم مكتوم )000وبما أن ابن أم مكتوم أعمى كان لا يُؤذن حتى يُقال له :( أصبحت أصبحت )000






      البصر
      أتى جبريل -عليه السلام- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعنده ابن أم مكتوم فقال :( متى ذهب بصرُك ؟)000قال :( وأنا غلام )000فقال :( قال الله تبارك وتعالى :( إذا ما أخذتُ كريمة عبدي لم أجِدْ له بها جزاءً إلا الجنة ))000






      اليهودية
      نزل ابن أم مكتوم -رضي الله عنه- على يهودية بالمدينة ( عمّة رجل من الأنصار ) فكانت تخدمه وتؤذيه في الله ورسوله ، فتناولها فضربها فقتلها ، فرُفِعَ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال :( أمّا والله يا رسول الله إن كانت لّتُرْفِقُني -تخدمني- ولكنها آذتني في الله ورسوله ، فضربتها فقتلتها )000 فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :( أبعدها الله تعالى ، فقد أبطلتْ دَمَها )000






      المدينة
      استخلفه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المدينة ثلاث عشرة مرة ، في غزواته منها : غزوة الأبواء وبواط ، وذو العسيرة ، وخروجه إلى جهينة في طلب كرز بن جابر ، وفي غزوة السويق ، وغطفان وأحد وحمراء الأسد ، ونجران وذات الرقاع ، واستخلفه حين سار إلى بدر ، ثم في مسيره إلى حجة الوداع ، وشهد فتح القادسية ومعه اللواء000


      وكان ابن أم مكتوم يُصلّي بالناس في عامّة غزوات رسول الله -صلى الله عليه وسلم-000



      القاعدون والمجاهدون
      عندما نزل قوله تعالى لا يَسْتوي القَاعِدونَ مِنَ المؤمنينَ000والمجاهدونَ في سَبيلِ الله )000سورة النساء ( آية 95 )000

      قال عبد الله بن أم مكتوم :( أيْ ربِّ أَنْزِل عُذري )000فأنزل الله غَيْرُ أولِي الضَّرَرِ )000
      فجُعِلَتْ بينهما وكان بعد ذلك يغزو فيقول :( ادفعوا إليّ اللواء ، فإنّي أعمى لا أستطيع أن أفرّ ، و أقيموني بين الصّفَّين )000


      يوم القادسية
      شهد ابن أم مكتوم فتح القادسية ومعه اللواء ، فقد كانت معه رايةٌ له سَوْداء ، وعليه دِرْعٌ له سابغة ثم رجع ابن أم مكتوم إلى المدينة فمات بها000





    3. #78
      التسجيل
      29-06-2005
      المشاركات
      829
      المواضيع
      19
      شكر / اعجاب مشاركة

      مشاركة: سير الصحابة - رضوان الله عليهم -

      عبد الله بن جعفر بن أبي طالب
      أول مواليد الحبشة
      " اللهم اخلِفْ جعفراً في ولده "
      حديث شريف
      عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ( أبو جعفر ) الهاشمي القرشي

      والده ذي الجناحيـن ابن عمّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم
      وأمه أسماء بنت عُمَيْس ، وكان أول مولود في الإسلام بالحبشة
      وقدم مع أبيه المدينـة ، وهو أخو محمد بن أبي بكر الصديـق
      ويحيى بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنهم- لأمّهما000


      فضله
      قال عبد الله بن جعفر : لقد رأيتني وقُثَمَ وعبيد الله ابني عباس ، ونحن صبيان إذ مرّ بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال :( ارفعوا هذا إليّ )000فحملني أمامه ، وقال لقُثم :( ارفعوا هذا إليّ)000فحمله وراءه ، وكان عبيد الله أحبّ إلى عباس ، فما استحيا من عمّه أن حمل قثم وتركه ، ومسح على رأسي ثلاثاً كلمّا مسح قال :( اللهم اخلِفْ جعفراً في ولده )000


      وقد مرّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعبد الله بن جعفر وهو يبيع ، بيع الغلمان والصبيان فقال :( اللهمّ بارك له في بيعه )000وقال له الرسول -صلى الله عليه وسلم- :( أشبهتَ خلْقي وخلُقي )000





      الجمل
      وقال عبد الله بن جعفر : أردفني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وراءه ذات يوم ، فأسرّ إلي حديثاً لا أحدّث به أحداً من الناس ، وكان أحب ما استتر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لحاجته أو حائش نخل -يعني حائطاً- فدخل حائطاً لرجل من الأنصار ، فإذا به جمل ، فلما رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- حَرْحَرَ وذرفتْ عيناه ، فأتاه النبي الكريم ، فمسح رأسه إلى سنامه ، وذفريه فسكن فقال :( مَنْ ربُّ هذا الجمل ؟)000فجاء فتى من الأنصار فقال :( هو لي يا رسول الله )000فقال :( أفلا تتقي الله في هذه البهيمة ملّكك الله إيّاها فاشتكى إنّك تجيعه وتدئبه )000






      كرمه
      كان سيّداً عالماً كريماً ، جواداً كبير الشأن ، كان أحد أمراء جيش علي يوم صفّين ، وقد وجّه يزيد بن معاوية لعبد الله بن جعفر مالاً جليلاً هدية ، ففرّقه في أهل المدينة ، ولم يُدخِل منزله منه شيئاً ، وقد مدَحَ الشمّاخ بن ضرار عبد الله بن جعفر فقال 000


      إنّك يا ابن جعفـر نِعْمَ الفتـى00000ونِعْمَ مَـأوى طارِقٍ إذا أتـى
      ورُبَّ ضَيْفٍ طَرَقَ الحيّّ سُرَى00000صَادَفَ زاداً وحديثاً ما اشتهى
      وقد مَدَحَه نُصيبُ ، فأعطاه إبلاً وخيلاً وثياباً ودنانير ودراهم ، فقيل له :( تُعطي لهذا الأسود مثلَ هذا ؟!)000قال :( إن كان أسود فشعره أبيض ، ولقد استحق بما قال أكثر ممّا نال ، وهل أعطيناه إلا ما يَبْلى ويفْنَى ، وأعطانا مَدْحاً يُرْوى ، وثناءً يَبْقى )000





      السَّلَف
      ورويَ أن عبد الله بن جعفر أسلف الزبير بن العوام ألف ألف درهم ، فلمّا قُتِلَ الزبير قال ابنه عبد الله لعبد الله بن جعفر :( إنّي وجدتُ في كُتِب أبي أنّ له عليك ألـف ألـف درهم )000فقال :( هو صادق فاقبضها إذا شئت )000ثم لقيه فقال :( يا أبا جعفر وهمتُ المالَ لكَ عليه ؟)000قال :( فهو له )000قال :( لا أريد ذلك )000قال :( فاختـر إنْ شئـت فهو له ، وإنْ كرهـت ذلك فله فيه نظرة ما شئـت ، وإن لم ترد ذلك فبعني من ماله ماشئت )000قال :( أبيعك ولكن أقوّم )000


      فقوّم الأموال ثم أتاه ، فقال :( أحب أن لا يحضرني وإيّاك أحدٌ )000فانطلق ، فمضى معه ، فأعطاه خراباً وشيئاً لا عمارةَ فيه ، وقوّمه عليه حتى إذا فرغ ، قال عبد الله بن جعفر لغلامه :( ألقِ لي في هذا الموضع مصلى )000فألقى له في أغلظ موضع من تلك المواضع مصلى ، فصلى ركعتين ، وسجد فأطال السجـود يدعو ، فلمّا قضـى ما أراد من الدعاء قال لغلامـه :( احفـر في موضع سجودي )000فحفر فإذا عين قد أنبطها ، فقال له ابن الزبير :( أقلني )000قال :( أما دعائي وإجابة الله إياي فلا أقيلك )000فصار ما أخذ منه أعمر ممّا في يدِ ابن الزبير000





      الوفاة
      توفي عبد الله بن جعفر -رضي الله عنه- في المدينة سنة ثمانين للهجرة ، وكان عمره تسعين سنة000





    4. #79
      التسجيل
      29-06-2005
      المشاركات
      829
      المواضيع
      19
      شكر / اعجاب مشاركة

      مشاركة: سير الصحابة - رضوان الله عليهم -

      عبد الله بن رواحة
      رضي الله عنه
      رحِمَ الله ابن رواحة ، إنه يحبّ المجالس "
      " التي يتباهى بها الملائكة
      حديث شريف
      عبد الله بن رواحة كان كاتبا وشاعرا من أهل المدينة ، منذ أسلم وضع كل مقدرته

      في خدمة الإسلام ، بايع الرسول -صلى الله عليه وسلم- في بيعة العقبة الأولى
      والثانية ، وكان واحدا من النقباء الذين اختارهم الرسول الكريم000
      الشعر
      جلس الرسـول -صلى الله عليه وسلم- مع نفر من أصحابه فأقبل عبد الله بن رواحة ، فقال له الرسـول الكريـم :( كيف تقول الشعر إذا أردت أن تقول ؟)000فأجاب عبد الله :( أنظُر في ذاك ثم أقول )000ومضى على البديهة ينشد :(000

      يا هاشـم الخيـر إن اللـه فضلكم00000على البريـة فضـلاً ما له غيـر
      إني تفرَّسـتُ فيك الخيـر أعرفـه00000فِراسـة خالَفتهم في الذي نظـروا
      ولو سألت أو استنصرت بعضهمو00000في حلِّ أمرك ما ردُّوا ولا نصروا
      فثَّبـت اللـه ما آتـاك من حَسـَنٍ00000تثبيت موسى ونصرا كالذي نُصِرُوا
      فسُرّ النبي -صلى الله عليه وسلم- ورضي وقال :( وإياك فثبَّت الله )000ولكن حزن الشاعر عندما نزل قوله تعالى :(000 والشُّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الغَاوُون )000سورة الشعراء آية (224)000
      ولكنه عاد وفرح عندما نزلت آية أخرى :(000 إلا الذينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالحَات ، وذَكَروا اللهَ كَثِيراً ، وانْتَصَروا مِنْ بَعْد مَا ظُلمُوا000


      فضله
      قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :( نِعْمَ الرجل عبد الله بن رواحة )000وقال -صلى الله عليه وسلم-:( رحِمَ الله ابن رواحة ، إنه يحبّ المجالس التي يتباهى بها الملائكة )000وقال :( رحِمَ الله أخي عبد الله بن رواحة ، كان أينما أدركته الصلاة أناخ )000


      قال أبو الدرداء : أعوذ بالله أن يأتي عليّ يومٌ لا أذكر فيه عبد الله بن رواحة ، كان إذا لقيني مقبلاً ضربَ بين ثدييّ ، وإذا لقيني مدبراً ضربَ بين كتفيّ ثم يقول :( يا عُويمر ، اجلس فلنؤمن ساعة )000فنجلس فنذكر الله ما شاء ، ثم يقول :( يا عويمر هذه مجالس الإيمان )000





      جهاده
      كان يحمل عبد الله بن رواحة سيفه في كل الغزوات وشعاره :( يا نفْسُ إلا تُقْتَلي تموتي )000وصائحا في المشركين :(000


      خلُّوا بني الكفار عن سبيله000خلوا ، فكل الخير في رسوله
      استخلفه الرسول -صلى الله عليه وسلم- على المدينة حين خرج إلى غزوة بدر الموعد ، وبعثه في سرية في ثلاثين راكباً إلى أسير بن رازم اليهودي بخيبر ، فقتله ، وبعثه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-إلى خيبر خارِصاً ، فلم يزل يخرص عليهم -أي ما يتوجب دفعه عليهم لرسول الله من تمرٍ وغيره- إلى أن قُتِل بمؤتة000



      غزوة مؤتة
      كان عبد الله -رضي الله عنه- ثالث الأمراء فيها ، زيد بن حارثة ، جعفر بن أبي طالب ، والثالث عبد الله بن رواحة ، فودّع الناس أمراء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسلّموا عليهم ، فبكى عبد الله بن رواحة ، فسألوه عما يبكيه ، فقال :( أما والله ما بي حبّ الدنيا ولا صبابة إليها ، ولكنّي سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ000 وإنْ منكم إلاّ وَارِدُها كانَ على ربِّكَ حتّماً مقضياً000سورة مريم آية (71)000

      فلستُ أدري كيف لي بالصدور بعد الوُرُود )000فقال المسلمون :( صحبكم الله وردّكم إلينا صالحين ، ورفع إليكم )000فقال عبد الله بن رواحة000
      لكننـي أسـأل الرحمـن مغفرة00000وضَرْبة ذات فَرْع تَقْذف الزَبدا
      أو طعنة بيـديْ حرَّان مُجهـزة00000بحربة تنفـذ الأحشاء والكَبـدا
      حتى يُقال إذا مرُّوا على جَدَثـي00000يا أرشَدَ اللهُ من غازٍ وقد رَشَدا
      وتحرك الجيـش الى مؤتة ( 8 هـ )، وهناك وجـدوا جيـش الروم يقرب من مائتي ألف مقاتل ، فنظر المسلمـون الى عددهم القليل فوَجموا وقال بعضهم :( فلنبعث الى رسول الله نخبره بعدد عدونا ، فإما أن يمدنا بالرجال وإما أن يأمرنا بالزحف فنطيع )000ولكن نهض ابن رواحة وسط الصفوف وقال :( يا قوم ، إنا واللـه ما نقاتل أعداءنا بعَـدَد ولا قـوة ولا كثرة ، ما نقاتلهم إلا بهـذا الديـن الذي أكرمنا الله به ، فانطلقوا ، فإنما هي إحدى الحُسنَيَيـن ، النصر أو الشهادة )000فهتف المسلمون :( قد والله صدق ابن رواحة )000


      الشهادة
      والتقى الجيشان بقتال قوي ، فسقط الأمير الأول شهيدا ، ثم سقط الأمير الثاني شهيدا ، وحمل عبد الله بن رواحة الراية فهو الأمير الثالث وسط هيبة رددته فقال لنفسه :(000


      أقْسَمـتُ يا نَفـْسُ لَتَنْزلنَّـه00000لتنـزلـنَّ ولتُكْـرَهِـنَّـه
      إن أجْلَبَ النّاس وشدُّوا الرّنّةْ00000مالِي أراك تكرَهيـنَ الجنّة
      قد طالَ ما قدْ كنتِ مُطمئنةْ00000هلْ أنتِ إلا نُطفةً في شنّةْ
      وقال أيضاً000
      يا نفسُ إلا تُقتلي تموتـي00000هذا حِمَام الموتِ قد صَلِيتِ
      وما تمنَّيـتِ فقد أُعطيـتِ00000إن تفعلـي فِعْلهما هُدِيـتِ
      وانطلق يعصف بالروم عصفا ، وهوى جسده شهيدا وتحققت أمنيته ، وفي هذا الوقت كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- في المدينة مع أصحابه ، فصمت فجأة ورفـع عينيه ليظهر عليه الأسـى وقال :( أخذ الراية زيـد بن حارثة فقاتل بها حتى قُتِل شهيـدا ، ثم أخذها جعفـر فقاتل بها حتى قُتِل شهيـدا )000وصمت قليلا حتى تغيّرت وجوه الأنصار ، وظنّوا أنه كان في عبد الله بن رواحة ما يكرهون ، ثم استأنف قائلا :( ثم أخذها عبد الله بن رواحة فقاتل بها حتى قُتِل شهيدا )000ثم صمت قليلا ثم تألقت عيناه بومض متهلل مطمئن فقال :( لقد رُفِعُوا إليَّ في الجنَّة على سُرُرٍ من ذهب ، فرأيتُ في سرير عبد اللـه بن رواحتة أزْوِرَاراً عن سرير صاحبيـه ، فقلتُ : عمّ هذا ؟000فقيل لي : مَضَيا ، وتردد عبد اللـه بعضَ التردد ، ثم مضى فقُتِلَ ولم يُعقّب )000




    5. #80
      التسجيل
      29-06-2005
      المشاركات
      829
      المواضيع
      19
      شكر / اعجاب مشاركة

      مشاركة: سير الصحابة - رضوان الله عليهم -

      عبد الله بن الزبير
      أول مواليد المدينة
      " لا يجهل حقه إلا من أعماه الله "
      ابن عباس
      كان عبـد الله بن الزبيـر جنينا في بطن أمه أسماء بنت أبي بكر ، وهي تقطع

      الصحراء اللاهبة مغادرة مكة الى المدينة على طريق الهجرة العظيم ، وما كادت
      تبلغ ( قباء ) عند مشارف المدينة حتى جاءها المخاض ونزل المهاجر الجنين أرض
      المدينة في نفس الوقت الذي كان ينزلها المهاجرون من الصحابة ، وحُمِل المولود
      الأول الى الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقبّله وحنّكه ، فكان أول ما دخل جوف
      عبـد اللـه ريق الرسول الكريم ، وحمله المسلمون في المدينة وطافوا به المدينة
      مهلليـن مكبرين فقد كَذَب اليهـود وكهنتهم عندما أشاعـوا أنهم سحروا المسلمين
      وسلّطوا عليهم العقـم ، فلن تشهد المدينة منهم وليدا جديدا ، فأبطل عبـد الله إفك
      اليهـود وكيدهـم000


      الطفل
      على الرغم من أن عبد الله لم يبلغ مبلغ الرجال في عهد الرسـول -صلى الله عليه وسلـم- إلا أن الطفل نما ونشـأ في البيئة المسلمـة ، وتلقّى من عهد الرسـول -صلى الله عليه وسـلم- كل خامات رجولتـه ومباديء حياته ، فكان خارقا في حيويتـه وفطنتـه وصلابته ، وكان شبابه طهرا وعفـة وبطولة ، وأصبح رجلا يعرف طريقه ويقطعه بعزيمة جبارة ، وكانت كنيته ( أبا بكر ) مثل جدّه أبي بكر الصديق000


      وقد كُلّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غِلْمَةٍ ترعرعوا ، منهم عبد الله بن جعفر ، وعبد الله بن الزبير ، وعمر بن أبي سلمة فقيل :( يا رسول الله ، لو بايعتهم فتصيبهم بركتُك ويكون بهم ذكر )000فأتِيَ بهم إليهم فكأنهم تَكَعْكَعوا -أي هابوا- حين جيء بهم إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ، فاقتحم ابن الزبير أوّلهم ، فتبسّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال :( إنّه ابن أبيه )000وبايعوه000



      الدم
      أتَى عبد الله بن الزبير النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وهو يحتجم ، فلمّا فرغ قال :( يا عبد الله ، اذهب بهذا الدم فأهْرقْهُ حيثُ لا يراكَ أحد )000فلمّا برز عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عمَدَ إلى الدم فشربه ، فلمّا رجع قال :( يا عبد الله ، ما صنعت ؟)000قال :( جعلته في أخفى مكان علمت أنه بخافٍ عن الناس !)000قال :( لعلّك شربته ؟!)000قال :( نعم )000قال :( ولِمَ شربت الدّم ؟! ويلٌ للناس منك ، وويلٌ لك من الناس !)000فكانوا يرون أن القوة التي به من ذلك الدم000وفي رواية أخرى قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- :( ويلٌ لك من الناس ، وويلٌ للناس منك ، لا تمسّك النارُ إلا قَسَم اليمين )000وهو قوله تعالى000 وإن مِنكُمْ إلاّ وَارِدُهَا كانَ على ربِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً )000سورة المريم آية (71)000



      إيمانه
      قال عمر بن عبد العزيز يوماً لابن أبي مُلَيْكة :( صِفْ لنا عبد الله بن الزبير )000فقال :( والله ، ما رأيت نفساً رُكّبت بين جَنْبين مثل نفسه ، ولقد كان يدخل في الصلاة فيخرج من كل شيء إليها ، وكان يركع أو يسجد فتقف العصافير فوق ظهره وكاهله ، لا تحسبه من طول ركوعه و سجوده إلا جداراً أو ثوباً مطروحاً ، ولقد مرَّت قذيفة منجنيق بين لحيته وصدره وهو يصلي ، فوالله ما أحسَّ بها ولا اهتزّ لها ، ولا قطع من أجلها قراءته ولا تعجل ركوعه )000


      وسئل عنه ابن عباس فقال على الرغم ما بينهم من خلاف :( كان قارئاً لكتاب الله ، مُتَّبِعاً سنة رسوله ، قانتاً لله ، صائماً في الهواجر من مخافة الله ، ابن حواريّ رسول الله ، وأمه أسماء بنت الصديق ، وخالته عائشة زوجة رسول الله ، فلا يجهل حقه إلا من أعماه الله )000





      فضله
      كان عبد الله بن الزبير من العلماء المجتهدين ، وما كان أحد أعلم بالمناسك منه ، وقال عنه عثمان بن طلحة :( كان عبد الله بن الزبير لا يُنازَعُ في ثلاثة : شجاعة ، ولا عبادة ، ولا بلاغة )000وقد تكلّم عبد الله بن الزبير يوماً والزبير يسمع فقال له :( أي بُنيّ ! ما زلتُ تكلّم بكلام أبي بكر -رضي الله عنه-حتى ظننتُ أنّ أبا بكر قائمٌ ، فانظُر إلى منْ تزوّج فإنّ المرأة من أخيها من أبيها )000 وأول من كسا الكعبة بالديباج هو عبد الله بن الزبير ، وإن كان ليُطيِّبُها حتى يجد ريحها مَنْ دخل الحرم000


      قال عمر بن قيس :( كان لابن الزبير مئة غلام ، يتكلّم كلّ غلام منهم بلغة أخرى ، وكان الزبير يكلّم كلَّ واحد منهم بلغته ، وكنت إذا نظرتُ إليه في أمر دنياه قلت : هذا رجلٌ لم يُرِد الله طرفةَ عين ، وإذا نظرتُ إليه في أمر آخرته قلت : هذا رجلٌ لم يُرِد الدنيا طرفة عين )000





      جهاده
      كان عبد الله بن الزبير وهو لم يجاوز السابعة والعشرين بطلا من أبطال الفتوح الإسلامية ، في فتح إفريقية والأندلس والقسطنطينية000ففي فتح إفريقية وقف المسلمون في عشرين ألف جندي أمام عدو قوام جيشه مائة وعشرون ألفا ، وألقى عبد الله نظرة على قوات العدو فعرف مصدر قوته التي تكمن في ملك البربر وقائـد الجيش ، الذي يصيح بجنده ويحرضـهم على الموت بطريقة عجيبـة ، فأدرك عبـد الله أنه لابد من سقوط هذا القائد العنيـد ، ولكن كيف ؟000نادى عبد الله بعض إخوانه وقال لهم :( احموا ظهري واهجموا معي )000


      وشق الصفوف المتلاحمة كالسهم نحو القائد حتى إذا بلغه هوى عليه في كرَّة واحـدة فهوى ، ثم استدار بمن معه الى الجنود الذين كانوا يحيطـون بملكهم فصرعوهـم ثم صاحوا :( اللـه أكبـر )000وعندما رأى المسلمون رايتهم ترتفع حيث كان قائد البربر يقف ، أدركوا أنه النصر فشدّوا شدَّة رجل واحد وانتهى الأمر بنصر المسلمين000وكانت مكافأة الزبير من قائد جيش المسلمين ( عبد الله بن أبي سَرح ) بأن جعله يحمل بشرى النصر الى خليفة المسلمين ( عثمان بن عفان ) في المدينة بنفسه000





      ابن معاوية
      لقد كان عبد الله بن الزبير يرى أن ( يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ) آخر رجل يصلح لخلافة المسلمين إن كان يصلح على الإطلاق ، لقد كان ( يزيد ) فاسدا في كل شيء ولم تكن له فضيلة واحدة تشفع له ، فكيف يبايعه الزبير ، لقد قال كلمة الرفض قوية صادعة لمعاوية وهو حيّ ، وها هو يقولها ليزيد بعد أن أصبح خليفة ، وأرسل إلى ابن الزبير يتوعّده بشر مصير ، هنالك قال ابن الزبير :( لا أبايع السَّكير أبدا )000ثم أنشد


      ولا ألين لغير الحق أسأله00000حتى يلين لِضِرْس الماضِغ الحَجر





      الإمارة
      بُويَع لعبد الله بن الزبير بالخلافة سنة أربع وستين ، عقب موت يزيد بن معاوية ، وظل ابن الزبير أميرا للمؤمنين مُتَّخِذا من مكة المكرمة عاصمة خلافته ، باسطا حكمه على الحجاز و اليمن والبصرة و الكوفة وخُرسان والشام كلها عدا دمشق بعد أن بايعه أهل هذه الأمصار جميعا ، ولكن الأمويين لا يقرُّ قرارهم ولا يهدأ بالهم ، فيشنون عليه حروبا موصولة ، حتى جاء عهد ( عبد الملك بن مروان ) حين ندب لمهاجمة عبد الله في مكة واحدا من أشقى بني آدم وأكثرهم قسوة وإجراما ، ذلكم هو ( الحجاج الثقفي ) الذي قال عنه الإمام العادل عمر بن عبد العزيز :( لو جاءت كل أمَّة بخطاياها ، وجئنا نحن بالحجّاج وحده ، لرجحناهم جميعا )000






      الحجّاج
      ذهب الحجّاج على رأس جيشه ومرتزقته لغزو مكة عاصمة ابن الزبير ، وحاصرها وأهلها قُرابة ستة أشهر مانعا عن الناس الماء والطعام ، كي يحملهم على ترك عبد الله بن الزبير وحيداً بلا جيش ولا أعوان ، وتحت وطأة الجوع القاتل استسلم الأكثرون ، ووجد عبد الله نفسه وحيدا ، وعلى الرغم من أن فُرص النجاة بنفسه وبحياته كانت لا تزال مُهَيّأة له ، فقد قرر أن يحمل مسئوليته الى النهاية وراح يقاتل جيش الحجّاج في شجاعة أسطورية وهو يومئذ في السبعين من عمره000


      لقد كان وضوح عبد الله -رضي الله عنه- مع نفسه وصدقه مع عقيدته ومبادئه ملازما له في أشد ساعات المحنة مع الحجّاج ، فهاهو يسمع فرقة من الأحباش ، وكانوا من أمهر الرماة والمقاتلين في جيش ابن الزبير ، يتحدثون عن الخليفة الراحل عثمان بحديث لا ورع فيه ولا إنصاف ، فعنَّفَهم وقال لهم :( والله ما أحبُّ أن أستظهر على عَدوي بمن يُبغض عثمان )000ثم صرفهم ابن الزبير عنه ، ولم يبالي أن يخسر مائتين من أكفأ الرماة عنده000





      الساعات الأخيرة
      وفي الساعات الأخيرة من حياة عبد الله -رضي الله عنه- جرى هذا الحوار بينه وبين أمه العظيمة ( أسماء بنت أبي بكر ) فقد ذهب إليها ووضع أمامها الصورة الدقيقة لموقفه ومصيره الذي ينتظره فقال لها :( يا أمّه ، خذلني الناس حتى ولدي وأهلي ، فلم يبقَ معي إلا من ليس عنده من الدفع أكثر من صبر ساعة ، والقوم يعطوني ما أردت من الدنيا ، فما رأيك ؟)000


      فقالت له أمه :( يا بني أنت أعلم بنفسك ، إن كنت تعلم أنك على حق وتدعو إلى حق ، فاصبر عليه حتى تموت في سبيله ، ولا تمكّن من رقبتك غِلمَان بني أمية ، وإن كنت تعلم أنك أردت الدنيا فلبِئس العبد أنت ، أهلكت نفسك وأهلكت من قُتِلَ معك )000
      قال عبد الله :( هذا والله رأيي ، والذي قمت ُ به داعياً يومي هذا ، ما ركنتُ إلى الدنيا ، ولا أحببت الحياة فيها ، وما دعاني إلى الخروج إلا الغضب لله ، ولكنّي أحببتُ أن أعلمُ رأيك ، فتزيدينني قوّة وبصيرة مع بصيرتي ، فانظري يا أمّه فإنّي مقتول من يومي هذا ، لا يشتدّ جزعُكِ عليّ سلّمي لأمر الله ، فإن ابنك لم يتعمد إتيان منكر ، ولا عمل بفاحشة ، ولم يَجُرْ في حكم ، ولم يغدر في أمان ، ولم يتعمد ظلم مسلم ولا معاهد ، ولم يبلغني عن عمالي فريضته بل أنكرته ، ولم يكن شيء آثر عندي من رضى ربّي000اللهم ! إني لا أقول هذا تزكية منّي لنفسي ، أنت أعلم بي ، ولكنّي أقوله تعزية لأمّي لتسلو به عني )000
      قالت أمه أسماء :( إني لأرجو الله أن يكون عزائي فيك حسنا إن سبَقْتَني الى الله أو سَبقْتُك ، اللهم ارحم طول قيامه في الليل ، وظمأه في الهواجر ، وبِرّه بأبيه وبي ، اللهم إني أسلمته لأمرك فيه ، ورضيت بما قضيت ، فأثِبْني في عبد الله بن الزبير ثواب الصابرين الشاكرين )000وتبادلا معا عناق الوداع وتحيته000





      الشهيد
      وبعد ساعة من الزمان انقضت في قتال مرير غير متكافيء ، تلقّى الشهيد ضربة الموت ، وكان ذلك في يوم الثلاثاء لسبع عشرة خلت من جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين ، وأبى الحجّاج إلا أن يصلب الجثمان الهامد تشفياً وخِسة ، وقامت أم البطل وعمرها سبع وتسعون سنة لترى ولدها المصلوب ، وبكل قوة وقفت تجاهه لا تريم ، واقترب الحجّاج منها قائلا :( يا أماه إن أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان قد أوصاني بك خيرا ، فهل لك من حاجة ؟)000فصاحت به قائلة :( لست لك بأم ، إنما أنا أمُّ هذا المصلوب على الثّنِيّة ، وما بي إليكم حاجة ، ولكني أحدّثك حديثا سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال :( يخرج من ثقيف كذّاب ومُبير )000فأما الكذّاب فقد رأيناه ، وأما المُبير فلا أراه إلا أنت )000


      وتقدم عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- من أسماء مُعزِّيا وداعيا إياها الى الصبر، فأجابته قائلة :(وماذا يمنعني من الصبر ، وقد أُهْدِيَ رأس يحيى بن زكريا إلى بَغيٍّ من بغايا بني إسرائيل )000 يا لعظمتك يا ابنة الصدّيق ، أهناك كلمات أروع من هذه تقال للذين فصلوا رأس عبد الله بن الزبير عن جسده قبل أن يصلبوه ؟؟000أجل إن يكن رأس ابن الزبير قد قُدم هدية للحجاج ولعبد الملك ، فإن رأس نبي كريم هو يحيى عليه السلام قد قدم من قبل هدية ل ( سالومي ) بَغيّ حقيرة من بني إسرائيل ، ما أروع التشبيه وما أصدق الكلمات000




    6. #81
      التسجيل
      29-06-2005
      المشاركات
      829
      المواضيع
      19
      شكر / اعجاب مشاركة

      مشاركة: سير الصحابة - رضوان الله عليهم -

      عبد الله بن زيد بن ثعلبة

      رضي الله عنه


      الآذان
      رأى عبد الله بن زيد بن ثعلبة أخو بلحارث بن الخزرج النداء ، فأتى الى الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقال له :( يا رسول الله ، إنه طاف بي هذه الليلة طائف ، مر بي رجل عليه ثوبان أخضران ، يحمل ناقوسا في يده فقلت له :( يا عبد الله أتبيع هذا الناقوس ؟)000قال :( وما تصنع به ؟)000 قلت :( ندعو به الى الصلاة )000قال :( أفلا أدلك على خير من ذلك ؟)000قلت :( وما هو ؟)000قال :( تقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة حي على الصلاة ، حي على الفلاح حي على الفلاح ، الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله )000

      فلما أخبر بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال :( إنها لرؤيا حق إن شاء الله ، فقم مع بلال فألقها عليه فليؤذن بها ، فإنه أندى صوتا منك )000فلما أذن بها بلال سمعها عمر بن الخطاب وهو في بيته ، فخرج الى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-وهو يجر ردائه ، وهو يقول :( يا نبي الله ، والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي رأى )000فقال رسول الله :( فلله الحمد على ذلك )000


    7. #82
      التسجيل
      29-06-2005
      المشاركات
      829
      المواضيع
      19
      شكر / اعجاب مشاركة

      مشاركة: سير الصحابة - رضوان الله عليهم -

      عبد الله بن سلام
      رضي الله عنه
      ( وشَهِدَ شاهِدٌ منْ بَنِي إسْرائيل على مِثْلِهِ فآمَنَ واسْتَكبَرتُم )
      سورة الأحقاف آية (10)000
      عبد الله بن سلام بن الحارث الإسرائيلي الأنصاري ( أبو يوسف )0

      من ذُريّة يوسف عليه السلام ، هو إمام حَبْر ، مشهود له بالجنـة
      كان من أحبار اليهود ، وأسلم عند قدوم الرسول -صلى اللـه عليه
      وسلم- ، وكان من فقهاء الصحابة وعُلمائها بالكتب000


      نسبه
      كان عبد الله بن سلام حليفَ الخزرج ، وكان من بني قينقاع ، وكان اسمه الحُصَيْن ، فغيّره النبي -صلى الله عليه وسلم- وسمّاه عبد الله ، ابناه يوسف ومحمد وغيرهم ، ويوسف قد أدرك الرسول -صلى الله عليه وسلم- فأجلسه على حجره ومسح على رأسه ، وسمّاه يُوسف000




      إسلامه
      قال عبد اللـه بن سلام :( لمّا سمعت رسـول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم- عرفت صفتَهُ واسمَهُ وزمانه وهيئته ، والذي كنّا نتوكّف -نتوقع- له ، فكنت مُسِرّاً ولذلك صامتاً عليه حتى قدم رسـول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم- المدينة ، فلمّا قَدِمَ نزل بقباء في بني عمرو بن عوف ، فأقبل رجل حتى أخبر بقدومه ، وأنا في رأس نخلة لي أعمل فيها ، وعمّتي خالدة بنت الحارث تحتي جالسة ، فلمّا سمعتُ الخبر بقدوم رسـول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم- كبّرت ، فقالت لي عمّتي حين سمعت تكبيري :( لو كنتَ سمعت بموسى بن عمران قادماً ما زدت !؟)000قُلتُ لها :( أيْ عمّة ، هو واللـه أخـو موسـى بن عمران وعلى دينـه ، بُعِـثَ بما بُعِثَ به )000فقالت لي :( أيْ ابن أخ ، أهو النبي الذي كُنّا نُخبَرُ به أنه بُعث مع نَفَسِ السّاعة )000 فقلت :( نعم )000قالت :( فذاك إذاً )000

      فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال :( إنّي سائلك عن ثلاثٍ لا يعلمهُنَّ إلى نبي ، فما أول أشراط الساعة ؟ وما أول طعام أهل الجنة ؟ وما يَنْزعُ الولدُ إلى أبيه أو إلى أمه ؟ )000قال -صلى الله عليه وسلم- :( أخبرني بهن جبريل آنفاً )000قال :( جبريل ؟)000قال :( نعم )000قال :( وذاك عدو اليهود من الملائكة )000فقرأ هذه الآية000 قوله تعالى :( مَنْ كانَ عدوّاً لجبريلَ فإنّهُ نزَّلَهُ على قلبكَ )000سورة البقرة آية (97)000
      أمّا أول أشراط الساعة ، فنار تحشُرُ النّاس من المشرق إلى المغرب ، وأمّا أوّل طعام أهل الجنّة فزيادة كَبِد الحوتِ ، وإذا سبقَ ماءُ الرجلِ ماءَ المرأةِ نزع الولد ، وإذا سبق ماءُ المرأةِ نزعتْ )000قال :( أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أنك رسول الله )000
      اليهود
      قال عبد الله بن سلام :( إن اليهود قومٌ بُهْتٌ ، وإنّي أحب أن تدخلني في بعض بيوتك فتغيّبني عنهم ثم تسألهم عنّي حتى يخبروك كيف أنا فيهم قبل أن يعلموا بإسلامي ، فإنّهم إن علموا بذلك بهتوني وعابُوني )000

      قال : فأدخلني بعض بيوته ، فدخلوا عليه فكلّموه وسألوه ، ثم قال لهم :( أيُّ رجلٍ الحصين بن سلام فيكم ؟)000قالوا :( سيّدنا ، وابن سيّدنا ، وخيرُنا وعالِمنا )000فلمّا فرغوا من قولهم خرجت عليهم ، فقلت لهم :( يا معشر يهود ، اتقوا الله ، واقبلوا ما جاءكم به ، فوالله إنكم لتعلمون إنه لرسول الله ، تجدونـه مكتوبـاً عندكـم في التـوراة ، اسمه وصفته ، فإنّي أشهد أنه رسـول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم- ، وأومِن به وأصدقه وأعرفه )000قالوا :( كذبت )000ثم وقعوا فيّ ، فقلت :( يا رسول الله ، ألم أخبرك أنهم قومٌ بُهْت وأهل كذبٍ وغدرٍ وفُجُور )000 ونزل قوله تعالى :( قُلْ أرَءَيْتُم إن كانَ مِنْ عَنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُم بِهِ وشَهِدَ شاهِدٌ منْ بَنِي إسْرائيل على مِثْلِهِ فآمَنَ واسْتَكبَرتُم إنّ الله لا يَهْدِي القَوْمَ الظّالمينَ )000سورة الأحقاف آية (10)000
      قال :( فأظهرت إسلامي وإسلام أهل بيتي ، وأسلمت عمّتي خالدة بنت الحارث ، فحسن إسلامها )000


      فضله
      عن سعد بن أبي وقّاص : أنّ النّبي -صلى الله عليه وسلم- أتِيَ بقصعةٍ فأكل منها ، فَفَضَلتْ فضلة ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :( يجيء رجل مِنْ هذا الفجِّ من أهل الجنّة يأكل معي هذه الفضلة )000فجاء عبد الله بن سلام فأكلها000


      عن معاذ بن جبل قال :( سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول :( إن عبد الله بن سلام عاشر عشرة في الجنة )000وعن يزيد بن عَميرة السّكسَكي -وكان تلميذاً لمعاذ- ، أنّ مُعاذ أمره أن يطلب العلم من أربعة : عبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن سلام ، وسلمان الفارسي وعُويمر أبو الدرداء000





      الرؤيا
      قال قيس بن عُبادة : كنتُ جالساً في مسجد المدينة فدخل رجل على وجهه أثر الخشوع ، فقالوا :( هذا رجل من أهل الجنّة )000فصلى ركعتين تجوّز فيهما ، ثم خرج وتبعته فقلت :( إنّك حين دخلت المسجد قالوا : هذا رجل من أهل الجنة ؟!)000قال :( والله ما ينبغي لأحد أن يقول ما لا يعلم ، وسأحدثك لِمَ ذلك : رأيت رؤيا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقصصتها عليه ، ورأيت كأنّي في روضة ، ذكر من سَعَتِها وخُضرتها ، وسطها عمود من حديد أسفله في الأرض وأعلاه في السماء ، في أعلاه عروة ، فقيل لي : ارقهْ ، قلتُ : لا أستطيع ، فأتاني مِنْصَفٌ فرفع ثيابي من خلفي ، فرقيتُ حتى كنت في أعلاها ، فأخذت بالعروة ، فقيل له : استمْسِكْ ، فاستيقظتُ وإنها في يدي ، فقصصتها على النبي -صلى الله عليه و سلم- قال :( تلك الروضة : الإسلام ، وذلك العمود عمود الإسلام ، وتلك العروة عُروة الوُثْقى ، فأنت على الإسلام حتى تموت )000وذلك الرجل عبد الله بن سلام000




      مقتل عثمان
      لمّا أريد قتلُ عثمان بن عفان -رضي الله عنه- ، جاء عبد الله بن سلام فقال له عثمان :( ما جاءَ بك ؟)000قال :( جئْتُ في نصرِك )000قال :( اخرجْ إلى الناس فاطردهم عنّي ، فإنّك خارجٌ خيراً لي منك داخل )000فخرج عبد الله إلى الناس فقال :( أيّها الناس إنّه كان اسمي في الجاهلية فلاناً فسمّاني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ( عبد الله ) ، ونزلت فيّ آياتٌ من كتاب الله عز وجل000 نزل فيّ :( وشَهِدَ شاهِدٌ منْ بَنِي إسْرائيل على مِثْلِهِ فآمَنَ واسْتَكبَرتُم )000سورة الأحقاف آية (10)000

      ونزل فيَّ :( قُلْ كفَى باللهِ شَهِيداً بيني وبَينَكم ومِنْ عِنْدَهُ علمُ الكتابِ )000سورة الرعد آية (43)000
      إنّ لله سيفاً مغموداً وإنّ الملائكة قد جاورتْكم في بلدكم هذا الذي نزل فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فالله الله في هذا الرجل أن تقتُلوه ، فوالله لئن قتلتموه لتطردنّ جيرانكم الملائكة ، ولَيُسَلنَّ سيفُ الله المغمود فيكم فلا يغمد إلى يوم القيامة )000قالوا :( اقتلوا اليهودي ، واقتلوا عثمان )000


      خروج عليّ
      نهى عبد الله بن سلام عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- عن خروجه إلى العراق ، وقال :( الْزَمْ مِنْبرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإن تركته لا تراه أبداً )000فقال عليّ :( إنّه رجلٌ صالحٌ منّا )000






      وفاته
      توفي عبد الله بن سلام بالمدينة سنة ثلاث وأربعين000





    8. #83
      التسجيل
      29-06-2005
      المشاركات
      829
      المواضيع
      19
      شكر / اعجاب مشاركة

      مشاركة: سير الصحابة - رضوان الله عليهم -

      عبد الله بن طارق

      رضي الله عنه


      يوم الرجيع
      في سنة ثلاث للهجرة ، قدم على الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعد أحد نفر من عضل والقارة فقالوا :( يا رسول الله ، إن فينا إسلاما ، فابعث معنا نفراً من أصحابك يفقهوننا في الدين ، ويقرئوننا القرآن ويعلموننا شرائع الإسلام )000فبعث معهم مرثد بن أبي مرثد ، وخالد بن البكير ، وعاصم بن ثابت ، وخبيب بن عدي ، وزيد بن الدثنة ، وعبدالله بن طارق ، وأمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- على القوم مرثد بن أبي مرثد000

      فخرجوا حتى إذا أتوا على الرجيع ( وهو ماء لهذيل بناحية الحجاز على صدور الهدأة ) غدروا بهم ، فاستصرخوا عليهم هذيلا ، ووجد المسلمون أنفسهم وقد أحاط بهم المشركين ، فأخذوا سيوفهم ليقاتلوهم فقالوا لهم :( إنا والله ما نريد قتلكم ، ولكنا نريد أن نصيب بكم شيئا من أهل مكة ، ولكم عهد الله وميثاقه ألا نقتلكم ) فأما مرثد بن أبي مرثد وخالد بن البكير وعاصم بن ثابت فقالوا :( والله لا نقبل من مشرك عهدا ولا عقدا أبدا )000ثم قاتلوا القوم وقتلوا000

      وأما زيد بن الدثنة وخبيب بن عدي وعبدالله بن طارق فلانوا ورقوا فأسروا وخرجوا بهم الى مكة ليبيعوهم بها ، حتى إذا كانوا بالظهران انتزع عبدالله بن طارق يده من القِران وأخذ سيفه واستأخر عنه القوم فرموه بالحجارة حتى قتلوه ، فقبره رحمه الله بالظهران000وفي مكة باعوا خبيب بن عدي لحجير بن أبي إهاب لعقبة بن الحارث ابن عامر ليقتله بأبيه ، وأما زيد بن الدثنة فابتاعه صفوان بن أمية ليقتله بأبيه أمية بن خلف000


    9. #84
      التسجيل
      29-06-2005
      المشاركات
      829
      المواضيع
      19
      شكر / اعجاب مشاركة

      مشاركة: سير الصحابة - رضوان الله عليهم -

      عبد الله بن العباس
      حَبْرُ هذه الأمّة
      " نِعْمَ ترجُمانُ القرآنِ أنتَ "
      حديث شريف
      يُشبه ابن عباس ( عبد الله بن الزبير ) في أنه أدرك الرسول -صلى الله عليه

      وسلم- وعاصره وهو غلام ، ومات الرسول الكريم قبل أن يبلغ ابن عباس سن
      الرجولة لكنه هو الآخر تلقى في حداثته كلّ خامات رجولته ومباديء حياته من
      رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي علّمه الحكمة الخالصة ، وبقوة إيمانه و
      خُلُقه وغزارة عِلمه اقْتعَد ابن عباس مكانا عاليا بين الرجال حول الرسول000


      طفولته
      هو ابن العباس بن عبد المطلب بن هاشم ، عم الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، وكنّيَ بأبيه العباس ، وهو أكبر ولده ولد بمكة ، والنبي -صلى الله عليه وسلم- وأهل بيته بالشعب من مكة ، فأتِيَ به النبي فحنّكه بريقه ، وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين ، وعلى الرغم من أنه لم يجاوز الثالثة عشر من عمره يوم مات الرسول الكريم ، فأنه لم يُضيُّـع من طفولته الواعيـة يوما دون أن يشهد مجالس الرسـول ويحفظ عنه ما يقول ، فقد أدناه الرسـول -صلى اللـه عليه وسلم- منه وهو طفل ودعا لـه :( اللهم فقّهْه في الدين وعَلّمه التأويل )000فأدرك ابن عباس أنه خُلِق للعلم والمعرفة000






      فضله
      رأى ابن العباس جبريل -عليه السلام- مرّتين عند النبي -صلى الله عليه وسلم- ، فهو ترجمان القرآن ، سمع نجوى جبريل للرسول -صلى الله عليه وسلم- وعايَنَه ، ودعا له الرسول الكريم مرّتين ، وكان ابن عبّاس يقول :( نحن أهل البيت ، شجرة النبوّة ، ومختلف الملائكة ، وأهل بيت الرسالة ، وأهل بيت الرّحمة ، ومعدن العلم )000وقال :( ضمّني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال :( اللهم علِّمه الحكمة )000


      قال ابن عساكر :( كان عبد الله أبيض طويلاً مشرباً صفرة ، جسيماً وسيماً ، صبيح الوجه ، له وفرة يخضب الحناء ، وكان يُسمّى : الحَبْرُ والبحر ، لكثرة علمه وحِدّة فهمه ، حَبْرُ الأمّة وفقيهها ، ولسان العشرة ومنطيقها ، محنّكٌ بريق النبوة ، ومدعُوّ له بلسان الرسالة :( اللهم فقّهه في الدين ، وعلّمه التأويل )000
      وعن عمر قال : قال النبي -صلى الله عليه وسلم- :( إنّ أرْأفَ أمّتي بها أبو بكر ، وإنّ أصلبَها في أمر الله لعمر ، وإنّ أشدّها حياءً لعثمان ، وإنّ اقرأها لأبيّ ، وإنّ أفرضَها لزَيَد ، وإنْ أقضاها لعليّ ، وإنّ أعلمَها بالحلال والحرام لمعاذ ، وإن أصدقها لهجة لأبو ذرّ ، وإنّ أميرَ هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ، وإنْ حَبْرَ هذه الأمة لعبد الله بن عبّاس )000
      وكان عمـر بن الخطاب -رضي اللـه عنه- يحرص على مشورته ، وكان يلقبه ( فتى الكهـول )000وقد سئل يوما :( أنَّى أصَبْت هذا العلم ؟)000فأجاب :( بلسان سئول ، وقلب عقول )000وكان عمر إذا جاءته الأقضية المعضلة قال لابن عبّاس :( إنّها قد طرأت علينا أقضية وعضل فأنت لها ولأمثالها )000ثم يأخذ بقوله000قال ابن عبّاس :( كان عمـر بن الخطاب يأذن لأهل بـدرٍ ويأذن لي معهم )000فذكـر أنه سألهم وسأله فأجابـه فقال لهم :( كيف تلومونني عليه بعد ما ترون ؟!)000
      وكان يُفتي في عهد عمر وعثمان إلى يوم مات000





      عِلْمه
      وبعد ذهاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- الى الرفيق الأعلى ، حرص ابن عباس على أن يتعلم من أصحاب الرسول السابقين ما فاته سماعه وتعلمه من الرسول نفسه ، فهو يقول عن نفسه :( أن كُنتُ لأسأل عن الأمر الواحد ثلاثين من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- )000


      كما يصور لنا اجتهاده بطلب العلم فيقول :( لما قُبِض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قلت لفتى من الأنصار :( هَلُـمَّ فَلْنَسأل أصحاب رسول الله فإنهم اليوم كثيـر )000فقال :( يا عَجَبا لك يا ابن عباس !! أترى الناس يفتقرون إليك وفيهم من أصحاب رسول الله ما ترى ؟)000فترك ذلك وأقبلت أنا أسأل أصحاب رسول الله ، فإن كان لَيَبْلُغني الحديث عن الرجل ، فآتي إليه وهو قائل في الظهيرة ، فأتوسَّد ردائي على بابه ، يسْفي الريح عليّ من التراب ، حتى ينتهي من مَقيله ويخرج فيراني فيقول :( يا ابن عم رسول الله ما جاء بك ؟ هلا أرسلت إليّ فآتيك ؟)000 فأقول :( لا ، أنت أحق بأن أسعى إليك )000فأسأله عن الحديث وأتعلم منه )000وهكذا نمت معرفته وحكمته وأصبح يملك حكمة الشيوخ وأناتهم000
      وعن عبد الله بن عباس قال :( كنتُ أكرمُ الأكابرَ من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المهاجرين والأنصار ، وأسألهم عن مغازي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وما نزل من القرآن في ذلك ، وكنتُ لا آتي أحداً منهم إلا سُرَّ بإتياني لقُربي من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجعلت أسأل إبيّ بن كعب يوماً عمّا نزل من القرآن بالمدينة ، فقال :( نزل سبعٌ وعشرون سورة ، وسائرها بمكة )000
      وكان ابن عبّاس يأتي أبا رافع ، مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيقول :( ما صنع النبي- -صلى الله عليه وسلم- يوم كذا وكذا ؟)000ومع ابن عبّاس ألواحٌ يكتب ما يقول000وعن ابن عبّاس قال :( ذللْتُ طالباً لطلب العلم ، فعززتُ مطلوباً )000





      مما قيل بابن عباس
      قال علي بن أبي طالب في عبد الله بن عبّاس :( إنّه ينظر إلى الغيب من سترٍ رقيقٍ ، لعقله وفطنته بالأمور )000


      وصفه سعد بن أبي وقاص فقال :( ما رأيت أحدا أحْضَر فهما ، ولا أكبر لُبّا ، ولا أكثر علما ، ولا أوسع حِلْما من ابن عباس ، ولقد رأيت عمر يدعوه للمعضلات ، وحوله أهل بدْر من المهاجرين والأنصار فيتحدث ابن عباس ولا يُجاوز عمر قوله )000
      وقال عنه عُبيد الله بن عتبة :( ما رأيت أحدا كان أعلم بما سبقه من حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ابن عباس ، ولا رأيت أحدا أعلم بقضاء أبي بكر وعمر وعثمان منه ، ولا أفْقَه في رأي منه ، ولا أعْلم بشعر ولا عَربية ، ولا تفسير للقرآن ولا بحساب وفريضة منه ، ولقد كان يجلس يوما للفقه ، ويوما للتأويل ، ويوما للمغازي ، ويوما للشعر ، ويوما لأيام العرب وأخبارها ، وما رأيت عالما جلس إليه إلا خضع له ، ولا سائلا سأله إلا وجد عنده عِلما )000
      وقال عُبيد الله بن أبي يزيد :( كان ابن عبّاس إذا سُئِلَ عن شيءٍ ، فإن كان في كتاب الله عزّ وجلّ قال به ، وإنْ لم يَكُن في كتاب الله عزّ وجل وكان عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيه شيء قال به ، فإن لم يكن من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيه شيءٌ قال بما قال به أبو بكر وعمر ، فإن لم يكن لأبي بكر وعمر فيه شيء قال برأيه )000
      ووصفه مسلم من البصرة :( إنه آخذ بثلاث ، تارك لثلاث ، آخذ بقلوب الرجال إذا حدّث ، وبحُسْن الإستماع إذا حُدِّث ، وبأيسر الأمرين إذا خُولِف ، وتارك المِراء ومُصادقة اللئام وما يُعْتَذر منه )000
      قال مجاهد :( كان ابن عبّاس يسمى البحر من كثرة علمه )000وكان عطاء يقول :( قال البحرُ وفعل البحر )000وقال شقيق :( خطب ابن عباس وهو على الموسم ، فافتتح سورة البقرة ، فجعل يقرؤها ويفسّر ، فجعلت أقول : ما رأيت ولا سمعت كلامَ رجلٍ مثله ، لو سَمِعَتْهُ فارس والروم لأسلمتْ )000





      تنوع ثقافته
      حدَّث أحد أصحابه ومعاصريه فقال : لقد رأيت من ابن عباس مجلسا ، لو أن جميع قريش فخُرَت به لكان لها به الفخر ، رأيت الناس اجتمعوا على بابه حتى ضاق بهم الطريق ، فما كان أحد يقدر أن يجيء ولا أن يذهب ، فدخلت عليه فأخبرته بمكانهم على بابه ، فقال لي :( ضَعْ لي وضوءاً )000فتوضأ وجلس ، و قال :( اخرج إليهم ، فادْعُ من يريد أن يسأل عن القرآن وتأويله )000فخرجت فآذَنْتُهم ، فدخلوا حتى ملئُوا البيت ، فما سألوا عن شيء إلا أخبرهم وزادهم ، ثم قال لهم :( إخوانكم )000فخرجوا ليُفسِحوا لغيرهم ، ثم قال لي :( اخرج فادْعُ من يريد أن يسأل عن الحلال والحرام )000فخرجت فآذَنْتُهم ، فدخلوا حتى ملئُوا البيت ، فما سألوا عن شيء إلا أخبرهم وزادهم ، ثم قال :( إخوانكم )000فخرجوا ثم قال لي :( ادْعُ من يريد أن يسأل عن الفرائض )000فخرجت فآذَنْتُهم ، فدخلوا حتى ملئُوا البيت ، فما سألوا عن شيء إلا أخبرهم وزادهم ، ثم قال لي :( ادْعُ من يريد أن يسأل عن العربيّة والشّعر )000فآذَنْتُهم ، فدخلوا حتى ملئُوا البيت ، فما سألوا عن شيء إلا أخبرهم وزادهم 000




      دليل فضله
      كان أناسٌ من المهاجرين قد وجدوا على عمرفي إدنائه ابن عبّاس دونَهم ، وكان يسأله ، فقال عمر :( أمَا إنّي سأريكم اليومَ منه ما تعرفون فضله )000فسألهم عن هذه السورة000 إذا جَاءَ نَصْرُ اللهِ والفَتْحُ ** ورأيتَ النّاسَ يدخلونَ في دينِ اللهِ أفْواجاً )000سورة النصر آية (1،2)000

      قال بعضهم :( أمرَ الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- إذا رأى الناس يدخلون في دين الله أفواجاً أن يحمدوه ويستغفروه )000فقال عمر :( يا ابن عبّاس ، ألا تكلّم ؟)000قال :( أعلمه متى يموتُ ، قال إذا جَاءَ نَصْرُ اللهِ والفَتْحُ000
      والفتح فتح مكة ورأيتَ النّاسَ يدخلونَ في دينِ اللهِ أفْواجاً000
      فهي آيتُكَ من الموت فسَبِّح بِحَمْدِ رَبِّكَ واسْتَغْفِرهُ إنّهُ كانَ تَوّاباً )000
      ثم سألهم عن ليلة القدر فأكثروا فيها ، فقال بعضهم :( كُنّا نرى أنّها في العشر الأوسط ، ثم بلغنا أنّها في العشر الأواخر )000وقال بعضهم :( ليلة إحدى وعشرين )000وقال بعضهم :( ثلاث و عشريـن )000وقال بعضهم :( سبع وعشريـن )000فقال بعضهم لابـن عباس :( ألا تكلّم !)000قال :( الله أعلم )000قال :( قد نعلم أن الله أعلم ، إنّما نسألك عن علمك )000فقال ابن عبّاس :( الله وترٌ يُحِبُّ الوترَ ، خلق من خلقِهِ سبع سموات فاستوى عليهنّ ، وخلق الأرض سبعاً ، وخلق عدّة الأيام سبعاً ، وجعل طوافاً بالبيت سبعاً ، ورمي الجمار سبعاً ، وبين الصفا والمروة سبعاً ، وخلق الإنسان من سبع ، وجعل رزقه من سبعٍ )000
      قال عمر :( وكيف خلق الإنسان من سبعٍ ، وجعل رزقه من سبعٍ ؟ فقد فهمت من هذا أمراً ما فهمتُهُ ؟)000قال ابن عباس :( إن الله يقول000 ولقَد خَلَقْنا الإنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِين ** ثم جَعَلنَاهُ نُطْفَةً في قرارٍ مَكين ** ثُمّ خَلقْنا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنا العَلَقةَ مُضْغَةً فخَلَقْنا المُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَونا العِظامَ لَحْماً ثُمّ أنشَأناهُ خَلقَاً آخَرَ فتباركَ اللّهُ أحْسَنُ الخالقِين )000سورة المؤمنون آية (12-14)000
      ثم قرأ 000 أنّا صَبَبْنا الماءَ صَبّاً ** ثم شقَقْنَا الأرضَ شَقّاً ** فأنْبَتْنا فيها حَبّاً ** وعِنَباً وقَضْباً ** وزَيْتوناً و نخلاً ** وحدائِقَ غُلباً ** وفاكِهَةً وأبّاً )000سورة عبس آية (25-31)000
      وأمّا السبعة فلبني آدم ، والأبّ فما أنبتت الأرض للأنعام ، وأمّا ليلة القدر فما نراها إن شاء الله إلا ليلة ثلاثٍ وعشرين يمضينَ وسبعٍ بقين )000
      المنطق والحُجّة
      بعث الإمام علي -كرم الله وجهه- ابن عباس ذات يوم الى طائفة من الخوارج ، فدار بينه وبينهم حوار طويل ، ساق فيه الحجة بشكل يبهر الألباب فقد سألهم ابن عباس :( ماذا تنقمون من علي ؟)000 قالوا :( ـ نَنْقِم منه ثلاثا : أولاهُن أنه حكَّم الرجال في دين الله ، والله يقول : إن الحكْمُ إلا لله ، والثانية أنه قاتل ثم لم يأخذ من مقاتليه سَبْيا ولا غنائم ، فلئن كانوا كفارا فقد حلّت له أموالهم ، وإن كانوا مؤمنين فقد حُرِّمَت عليه دماؤهم ، والثالثة رضي عند التحكيم أن يخلع عن نفسه صفة أمير المؤمنين استجابة لأعدائه ، فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين )000

      وأخذ ابن عباس يُفَنّد أهواءهم فقال :( أمّا قولكم إنه حَكّم الرجال في دين الله فأي بأس ؟ 000000000 إن الله يقول :( يا أيها الذين آمنوا لا تقتُلوا الصَّيْد وأنتم حُرُم ، ومن قتَله منكم مُتَعمدا فجزاء مِثلُ ما قَتَل من النعم يحكم به ذوا عَدْل منكم )000
      فَنَبئوني بالله أتحكيم الرجال في حَقْن دماء المسلمين أحق وأوْلى ، أم تحكيمهم في أرنب ثمنها درهم ؟!000 وأما قولكم إنه قاتل فلم يسْبُ ولم يغنم ، فهل كنتم تريدون أن يأخذ عائشة زوج الرسول وأم المؤمنين سَبْياً ويأخذ أسلابها غنائم ؟؟000وأما قولكم أنه رضى أن يخلع عن نفسه صفة أمير المؤمنين حتى يتم التحكيم ، فاسمعوا ما فعله رسول الله يوم الحديبية ، إذ راح يُملي الكتاب الذي يقوم بينه وبين قريش فقال للكاتب :( اكتب : هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله)000فقال مبعوث قريش :( والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صَدَدْناك عن البيت ولا قاتلناك ، فاكتب : هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله )000 فقال لهم الرسول :( والله إني لرسول الله وإن كَذَّبْتُم )000ثم قال لكاتب الصحيفة :( اكتب ما يشاءون ، اكتب : هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله )000
      واستمر الحوار بين ابن عباس والخوارج على هذا النسق الباهر المعجز ، وما كاد ينتهي النقاش حتى نهض منهم عشرون ألفا معلنين اقتناعهم ، وخروجهم من خُصومة الإمام علي000


      أخلاق العلماء
      لقد كان ابن عباس -رضي الله عنه- حَبْر هذه الأمة يمتلك ثروة كبيرة من العلم ومن أخلاق العلماء ، وكان يفيض على الناس بماله بنفس السماح الذي يفيض به علمه ، وكان معاصروه يقولون :( ما رأينا بيتا أكثر طعاما ، ولا شرابا ولا فاكهة ولا عِلْما من بيت ابن عباس )000وكان قلبه طاهر لا يحمل الضغينة لأحد ويتمنى الخير للجميع ، فهو يقول عن نفسه :( إني لآتي على الآية من كتاب الله فأود لو أن الناس جميعا علموا مثل الذي أعلم ، وإني لأسمع بالحاكم من حكام المسلمين يقضي بالعدل ويحكم بالقسط فأفرح به وأدعو له ، ومالي عنده قضية ، وإني لأسمع بالغيث يصيب للمسلمين أرضا فأفرح به ومالي بتلك الأرض سائِمَة )000وهو عابد قانت يقوم الليل ويصوم الأيام وكان كثير البكاء كلما صلى وقرأ القرآن000


      ركب زيد بن ثابت فأخذ ابن عبّاس بركابه فقال :( لا تفْعل يا ابن عمّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- )000قال :( هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا )000فقال له زيد :( أرني يديك )000فأخرج يديه فقبّلهما وقال :( هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبيّنا -صلى الله عليه وسلم- )000





      موقفه من الفتنة
      لقد كان لابن عباس أراء في الفتنة بين علي ومعاوية ، أراء ترجو السلام لا الحرب ، والمنطق لا القَسْر ، على الرغم من أنه خاض المعركة مع الإمام علي ضد معاوية ، فقد شهد مع علي ( الجمل ) و ( صفين ) ، لأنه في البداية كان لابد من ردع الشقاق الذي هدد وحدة المسلمين ، وعندما هَمّ الحسين -رضي اللـه عنه- بالخروج الى العـراق ليقاتل زيادا ويزيـد ، تعلّق ابن عباس به واستماتَ في محاولـة منعه ، فلما بلغه نبأ استشهاده ، حـزِنَ عليه ولزم داره000






      البصرة
      وكان ابن عباس أمير البصرة ، وكان يغشى الناس في شهر رمضان ، فلا ينقضي الشهر حتى يفقههم ، وكان إذا كان آخر ليلة من شهر رمضان يعظهم ويتكلّم بكلام يروعهم ويقول :( مَلاكُ أمركم الدّين ، ووصلتكم الوفاء ، وزينتكم العلم ، وسلامتكم الحِلمُ وطَوْلكم المعروف ، إن الله كلّفكم الوسع ، اتقوا الله ما استطعتم )000






      الوصية
      قال جُندُب لابن عباس :( أوصني بوصية )000قال :( أوصيك بتوحيد الله ، والعمل له ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، فإن كل خير أنتَ آتيه بعد هذه الخصال منك مقبول ، وإلى الله مرفوع ، يا جُندُب إنّك لن تزداد من يومك إلا قرباً ، فصلّ صلاة مودّع ، وأصبح في الدنيا كأنّك غريب مسافر ، فإنّك من أهل القبور ، وابكِ على ذنبك ، وتُبْ من خطيئتك ، ولتكن الدنيا أهون عليك من شِسْعِ نَعْلَيك ، وكأنّ قد فارقتها ، وصرت إلى عدل الله ، ولن تنتفع بما خلّفت ، ولن ينفعك إلا عملك )000






      اللسان
      قال ابن بُرَيْدة :( رأيت ابن عباس آخذاً بلسانه ، وهو يقول :( وَيْحَكَ ، قُلْ خيراً تغنمْ أوِ اسكتْ عن شرّ تسلم ، وإلا فاعلم أنك ستندم )000فقيل له :( يا ابن عباس ! لم تقول هذا ؟)000قال :( إنّه بلغني أنّ الإنسان ليس على شيءٍ من جسده أشدَّ حنقاً أو غيظاً يوم القيامة منه على لسانه ، إلا قال به خيراً أو أملى به خيراً )000






      المعروف
      وقال ابن عبّاس :( لا يتمّ المعروف إلا بثلاثة : تعجيله ، وتصغيرُه عنده وسَتْرُهُ ، فإنه إذا عجَّله هيّأهُ ، وإذا صغّرهُ عظّمَهُ ، وإذا سَتَرهُ فخّمَهُ )000






      معاوية وهرقل
      كتب هرقل إلى معاوية وقال :( إن كان بقي فيهم من النبوة فسيجيبون عمّا أسألهم عنه )000وكتب إليه يسأله عن المجرّة وعن القوس وعن البقعة التي لم تُصِبْها الشمس إلا ساعة واحدة ، فلمّا أتى معاوية الكتاب والرسول ، قال :( هذا شيء ما كنت أراه أسأل عنه إلى يومي هذا ؟)000فطوى الكتاب وبعث به إلى ابن عباس ، فكتب إليه :( إنّ القوس أمان لأهل الأرض من الغرق ، والمجرّة باب السماء الذي تنشق منه ، وأمّا البقعة التي لم تُصبْها الشمس إلا ساعة من نهار فالبحر الذي انفرج عن بني إسرائيل )000






      وفاته
      وفي آخر عمره كُفَّ بصره ، وفي عامه الحادي والسبعين دُعِي للقاء ربه العظيم ، ودُفِنَ في مدينة الطائف سنة ( 68 هـ )000





    10. #85
      التسجيل
      29-06-2005
      المشاركات
      829
      المواضيع
      19
      شكر / اعجاب مشاركة

      مشاركة: سير الصحابة - رضوان الله عليهم -

      أبو موسى الأشعري
      رضي الله عنه
      " لقد أوتي أبوموسى مزمارا من مزامير آل داود "
      حديث شريف
      انه عبـدالله بن قيـس المكني ب( أبي موسى الأشعري )، أمّهُ ظبية المكيّة بنت وهـب

      أسلمت وتوفيـت بالمدينة ، كان قصيراً نحيفاً خفيف اللحيّـة ، غادر وطنه اليمـن الى
      الكعبة فور سماعه برسـول يدعو الى التوحيد ، وفي مكة جلس بين يدي الرسول الكريم
      وتلقى عنه الهدى واليقين ، وعاد الى بلاده يحمل كلمة اللـه000


      السفينة
      قال أبو موسى الأشعري :( بلغنا مخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن باليمن ، فخرجنا مهاجرين إليه ، أنا وأخوانِ لي أنا أصغرهما أحدهَما أبو بُرْدة والآخر أبو رُهْم ، وبضع وخمسين رجلا من قومي فركبنا سفينة ، فألْقَتْنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة ، فوافَقْنا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده ، فقال جعفر :( إنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعثنا وأمرنا بالإقامة ، فأقيموا معنا )000فأقمنا معه حتى قدمنا جميعاً )000






      قدوم المدينة
      قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه :( يقدم عليكم غداً قومٌ هم أرقُّ قلوباً للإسلام منكم )000فقدِمَ الأشعريون وفيهم أبو موسى الأشعري ، فلمّا دَنَوْا من المدينـة جعلوا يرتجـزون يقولـون :( غداً نلقى الأحبّـة ، محمّـداً وحِزبـه )000 فلمّا قدمـوا تصافحـوا ، فكانوا هم أوّل مَنْ أحدث المصافحة000


      اتفق قدوم الأشعريين وقدوم جعفر وفتح خيبر ، فأطعمهم النبي -صلى الله عليه وسلم- من خيبر طُعْمة ، وهي معروفة ب طُعْمَة الأشعريين ، قال أبو موسى :( فوافَقْنا رسول الله -صلى الله عليه وسسلم- حين افتتح خيبر ، فأسهم لنا ، وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر شيئاً إلا لمن شهد معه ، إلا لأصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه ، قسم لهم معنا )000





      فضله
      ومن ذلك اليوم أخذ أبوموسى مكانه العالي بين المؤمنين ، فكان فقيها حصيفا ذكيا ، ويتألق بالافتاء والقضاء حتى قال الشعبي :( قضاة هذه الأمة أربعة : عمر وعلي وأبوموسى وزيد بن ثابت )000 وقال :( كان الفقهاء من أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- ستة : عمر وعليّ وعبدالله بن مسعود وزيد وأبو موسى وأبيّ بن كعب )000






      القرآن
      وكان من أهل القرآن حفظا وفقها وعملا ، ومن كلماته المضيئة :( اتبعوا القرآن ولا تطمعوا في أن يتبعكم القرآن )000وإذا قرأ القرآن فصوته يهز أعماق من يسمعه حتى قال الرسـول -صلى اللـه عليه وسلم- :( لقد أوتي أبو موسى مزمارا من مزامير آل داود )000وكان عمر يدعوه للتلاوة قائلا :( شوقنا الى ربنا يا أبا موسى )000






      الصوم
      وكان أبو موسى -رضي الله عنه- من أهل العبادة المثابرين وفي الأيام القائظة كان يلقاها مشتاقا ليصومها قائلا :( لعل ظمأ الهواجر يكون لنا ريّا يوم القيامة )000وعن أبي موسى قال :( غزونا غزوةً في البحر نحو الروم ، فسرنا حتى إذا كنّا في لُجّة البحر ، وطابت لنا الريح ، فرفعنا الشراع إذْ سمعنا منادياً يُنادي :( يا أهل السفينة قِفُوا أخبرْكم )000قال : فقمتُ فنظرتُ يميناً وشمالاً فلم أرَ شيئاً ، حتى نادى سبع مرات فقلتُ :( من هذا ؟ ألا ترى على أيّ حالٍ نحن ؟ إنّا لا نستطيع أن نُحْبَسَ )000قال :( ألا أخبرك بقضاءٍ قضاه الله على نفسه ؟)000قلتُ :( بلى )000قال :( فإنّه من عطّش نفسه لله في الدنيا في يومٍ حارّ كان على الله أن يرويه يوم القيامة )000فكان أبو موسى لا تلقاه إلا صائماً في يوم حارٍ000






      في مواطن الجهاد
      كان أبوموسى -رضي الله عنه- موضع ثقة الرسول وأصحابه وحبهم ، فكان مقاتلا جسورا ، ومناضلا صعبا ، فكان يحمل مسئولياته في استبسال جعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول عنه :( سيد الفوارس أبوموسى )000ويقول أبوموسى عن قتاله :( خرجنا مع رسول الله في غزاة ، نقبت فيها أقدامنا ، ونقبت قدماي ، وتساقطت أظفاري ، حتى لففنا أقدامنا بالخرق )000وفي حياة رسول الله ولاه مع معاذ بن جبل أمر اليمن000






      الامارة
      وبعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- عاد أبوموسى من اليمن الى المدينة ، ليحمل مسئولياته مع جيوش الاسلام ، وفي عهد عمر ولاه البصرة سنة سبعَ عشرة بعد عزل المغيرة ، فجمع أهلها وخطب فيهم قائلا :( ان أمير المؤمنين عمر بعثني اليكم ، أعلمكم كتاب ربكم ، وسنة نبيكم ، وأنظف لكم طرقكم )000فدهش الناس لأنهم اعتادوا أن يفقههـم الأمير ويثقفهـم ، ولكن أن ينظـف طرقاتهم فهذا ما لم يعهـدوه أبدا ، وقال عنه الحسن -رضي الله عنه- :( ما أتى البصرة راكب خير لأهلها منه )000فلم يزل عليها حتى قُتِلَ عمر -رضي الله عنه-000


      كما أن عثمان -رضي الله عنه- ولاه الكوفة ، قال الأسود بن يزيد :( لم أرَ بالكوفة من أصحاب محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- أعلم من عليّ بن أبي طالب والأشعري )000





      أهل أصبهان
      وبينما كان المسلمون يفتحون بلاد فارس ، هبط الأشعري وجيشه على أهل أصبهان الذين صالحوه على الجزية فصالحهم ، بيد أنهم لم يكونوا صادقين ، وانما أرادوا أن يأخذوا الفرصة للاعداد لضربة غادرة ، ولكن فطنة أبي موسى التي لم تغيب كانت لهم بالمرصاد ، فعندما هموا بضربتهم وجدوا جيش المسلمين متأهبا لهم ، ولم ينتصف النهار حتى تم النصر الباهر000






      موقعة تستر
      في فتح بلاد فارس أبلى القائد العظيم أبوموسى الأشعري البلاء الكريم ، وفي موقعة التستر ( 20 هـ ) بالذات كان أبوموسى بطلها الكبير ، فقد تحصن الهُرْمُزان بجيشه في تستر ، وحاصرها المسلمون أياما عدة ، حتى أعمل أبوموسى الحيلة000فأرسل مائتي فارس مع عميل فارسي أغراه أبوموسى بأن يحتال حتى يفتح باب المدينة ، ولم تكاد تفتح الأبواب حتى اقتحم جنود الطليعة الحصن وانقض أبوموسى بجيشه انقضاضا ، واستولى على المعقل في ساعات ، واستسلم قائد الفرس ، فأرسله أبوموسى الى المدينة لينظر الخليفة في أمره000






      الفتنة
      لم يشترك أبوموسى -رضي الله عنه- في قتال الا أن يكون ضد جيوش مشركة ، أما حينما يكون القتال بين مسلم ومسلم فانه يهرب ولا يكون له دور أبدا ، وكان موقفه هذا واضحا في الخلاف بين علي ومعاوية ، ونصل الى أكثر المواقف شهرة في حياته ، وهو موقفه في التحكيم بين الامام علي ومعاوية ، وكانت فكرته الأساسية هي أن الخلاف بينهما وصل الى نقطة حرجة ، راح ضحيتها الآلاف ، فلابد من نقطة بدء جديدة ، تعطي المسلمين فرصة للاختيار بعد تنحية أطراف النزاع ، وأبوموسى الأشعري على الرغم من فقهه وعلمه فهو يعامل الناس بصدقه ويكره الخداع والمناورة التي لجأ اليها الطرف الآخر ممثلا في عمرو بن العاص الذي لجأ الى الذكاء والحيلة الواسعة في أخذ الراية لمعاوية000


      ففي اليوم التالي لاتفاقهم على تنحية علي ومعاوية وجعل الأمر شورى بين المسلمين 000دعا أبوموسى عمرا ليتحدث فأبى عمرو قائلا :( ما كنت لأتقدمك وأنت أكثر مني فضلا وأقدم هجرة وأكبر سنا )000وتقدم أبوموسى وقال :( يا أيها الناس ، انا قد نظرنا فيما يجمع الله به ألفة هذه الأمة ويصلح أمرها ، فلم نر شيئا أبلغ من خلع الرجلين - علي ومعاوية - وجعلها شورى يختار الناس لأنفسهم من يرونه لها ، واني قد خلعت عليا ومعاوية ، فاستقبلوا أمركم وولوا عليكم من أحببتم )000وجاء دور عمرو بن العاص ليعلن خلع معاوية كما تم الاتفاق عليه بالأمس ، فصعد المنبر وقال :( أيها الناس ، ان أباموسى قد قال ما سمعتم ، وخلع صاحبه ، ألا واني قد خلعت صاحبه كما خلعه ، وأثبت صاحبي معاوية ، فانه ولي أمير المؤمنين عثمان والمطالب بدمه ، وأحق الناس بمقامه !!)000
      ولم يحتمل أبوموسى المفاجأة ، فلفح عمرا بكلمات غاضبة ثائرة ، وعاد من جديد الى عزلته الى مكة الى جوار البيت الحرام ، يقضي هناك ما بقي له من عمر وأيام000





      وفاته
      ولمّا قاربت وفاته زادَ اجتهاده ، فقيل له في ذلك ، فقال :( إنّ الخيل إذا قاربت رأس مجراها أخرجت جميع ما عندها ، والذي بقي من أجلي أقل من ذلك )000 وجاء أجل أبو موسى الأشعـري ، وكست محياه اشراقة من يرجـو لقاء ربه وراح لسانه في لحظات الرحيـل يـردد كلمات اعتاد قولها دوما :( اللهم أنت السلام ، ومنك السلام )000وتوفي بالكوفة في خلافة معاوية000





    11. #86
      التسجيل
      29-06-2005
      المشاركات
      829
      المواضيع
      19
      شكر / اعجاب مشاركة

      مشاركة: سير الصحابة - رضوان الله عليهم -

      عبدالله بن عمر
      رضي الله عنه
      نِعـْمَ الرجل عبـداللـه لو كان يصلـي من "
      " الليل فيكثـر
      حديـث شريـف
      عبد الله بن عمر بن الخطاب بدأت علاقته مع الإسلام منذ أن هاجر مع والده الى المدينة

      وهو غلام صغير ، ثم وهو في الثالثة عشر من عمره حين صحبه والده لغزوة بدر لولا
      أن رده الرسـول -صلى الله عليه وسلم- لصغر سنه ، تعلم من والده عمر بن الخطاب
      خيرا كثيرا ، وتعلم مع أبيه من الرسول العظيم الخير كله ، فأحسنا الإيمان000


      محاكاة الرسول
      كان عبد الله بن عمر ( أبو عبد الرحمن ) حريصا كل الحرص على أن يفعل ما كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يفعله ، فيصلي في ذات المكان ، ويدعو قائما كالرسول الكريم ، بل يذكر أدق التفاصيل ففي مكة دارت ناقة الرسول -صلى الله عليه وسلم- دورتين قبل أن ينزل الرسول من على ظهرها ويصلي ركعتين ، وقد تكون الناقة فعلت ذلك بدون سبب لكن عبد الله لا يكاد يبلغ نفس المكان في مكة حتى يدور بناقته ثم ينيخها ثم يصلي لله ركعتين تماما كما رأى الرسول -صلى الله عليه وسلم- يفعل ، وتقول في ذلك أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها -:( ما كان أحد يتبع آثار النبي -صلى الله عليه وسلم- في منازله كما كان يتبعه ابن عمر )000


      حتى أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- نزل تحت شجرة ، فكان ابن عمر يتعاهد تلك الشجرة فيصبُّ في أصلها الماء لكيلا تيبس ، قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- :( لو تركنا هذا الباب للنّساء )000فلم يدخل فيه ابن عمر حتى مات000





      الجهاد
      أول غزوات عبد الله بن عمر كانت غزوة الخندق ، فقد اسْتُصْغِرَ يوم أحد ، ثم شهد ما بعدها من المشاهد ، وخرج إلى العراق وشهد القادسية ووقائع الفرس ، وورَدَ المدائن ، وشهد اليرموك ، وغزا إفريقية مرتين000


      يقول عبد الله :( عُرضتُ على النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم بدر وأنا ابن ثلاث عشرة فردّني ، ثم عرضتُ عليه يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة فردّني ثم عرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمسَ عشرة فأجازني000
      وكان ابن عمر رجلاً آدم جسيماً ضخماَ ، يقول ابن عمر :( إنّما جاءتنا الأدْمة من قبل أخوالي ، والخال أنزعُ شيء ، وجاءني البُضع من أخوالي ، فهاتان الخصلتان لم تكونا في أبي رحمه الله ، كان أبي أبيض ، لا يتزوّج النساء شهوةً إلا لطلب الولد )000





      قيام الليل
      يحدثنا ابن عمر -رضي الله عنهما- :( رأيت على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كأن بيدي قطعة إستبرق ، وكأنني لا أريد مكانا من الجنة إلا طارت بي إليه ، ورأيت كأن اثنين أتياني وأرادا أن يذهبا بي إلى النار ، فإذا هي مطوية كطي البئر ، فإذا لها قرنان كقرني البئر ، فرأيت فيها ناساً قد عرفتهم ، فجعلت أقول :( أعوذ بالله من النار أعوذ بالله من النار )000فلقينا ملك فقال :( لا تُرَع )000فخليا عني ، فقصت حفصة أختي على النبي -صلى الله عليه سلم- رؤياي فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :( نِعْمَ الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل فيكثر )000ومنذ ذلك اليوم الى أن لقي ربه لم يدع قيام الليل في حلِّه أو ترحاله000




      القرآن
      كان عبدالله مثل أبيه -رضي الله عنهما- تهطل دموعه حين يسمع آيات النذير في القرآن ، فقد جلس يوما بين إخوانه فقرأ :(000 ويل للمُطَفِّفين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون ، وإذا كالوهم أو وَزَنوهم يُخسرون ، ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم ، يوم يقوم الناس لرب العالمين )000

      ثم مضى يردد :( يوم يقوم الناس لرب العالمين )000ودموعه تسيل كالمطر ، حتى وقع من كثرة وجده وبكائه000
      قال ابن عمر :( مكثتُ على سورة البقرة ثماني سنين أتعلّمها )000وقال :( لقد عشنا بُرهةً من دهرنا وأحدنا يرى الإيمان قبل القرآن ، وتنزل السورة على محمد -صلى الله عليه وسلم- فتعلّم حلالها وحرامها ، وأمرها وزاجرها ، وما ينبغي أن نقف عنده منها كما تعلّمون أنتم القرآن ، ثم رأيتُ اليوم رجالاً لا يرى أحدُهم القرآن قبل الإيمان ، فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ، وما يدري ما أمره ولا زاجره ، ولا ما ينبغي أن يقف عنده منه ، فينثرُ نثرَ الدَّقَل )000


      العلم
      كتب رجل إلى ابن عمر فقال :( اكتبْ إليّ بالعلم كلّه )000فكتب إليه ابن عمر :( إنّ العلم كثيرٌ ، ولكن إن استطعتَ أن تلقى الله خفيفَ الظهر من دماء الناس ، خميص البطن من أموالهم ، كافاً لسانك عن أعراضهم ، لازماً لأمر الجماعة فافعل ، والسلام )000






      القضاء
      دعاه يوما الخليفـة عثمـان -رضي اللـه عنهما- وطلب منه أن يشغل منصـب القضـاء ، فاعتذر وألح عليه عثمـان فثابر على اعتذاره ، وسأله عثمان :( أتعصيني ؟)000فأجاب ابن عمر :( كلا ولكن بلغني أن القضاة ثلاثة ، قاض يقضي بجهل فهو في النار ، وقاض يقضي بهوى فهو في النار ، وقاض يجتهد ويصيب فهو كفاف لا وزر ولا أجر ، وإني لسائلك بالله أن تعفيني )000وأعفاه عثمان بعد أن أخذ عليه عهدا ألا يخبر أحدا ، لأنه خشي إذا عرف الأتقياء الصالحون أن يتبعوه وينهجوا نهجه000






      حذره
      كان -رضي الله عنه- شديد الحذر في روايته عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، فقد قال معاصروه :( لم يكن من أصحاب رسول الله أحد أشد حذرا من ألا يزيد في حديث رسول الله أو ينقص منه من عبد الله بن عمر )000كما كان شديد الحذر والحرص في الفُتيا ، فقد جاءه يوما سائل يستفتيه في سؤال فأجابه قائلا :( لا علم لي بما تسأل )000وذهب الرجل الى سبيله ، ولا يكاد يبتعد بضع خطوات عن ابن عمر حتى يفرك ابن عمر كفيه فرحا ويقول لنفسه :( سئل ابن عمر عما لا يعلم ، فقال لا يعلم )000


      وسأل رجلٌ ابن عمر عن مسألة فطأطأ ابن عمر رأسه ، ولم يُجبه حتى ظنّ الناس أنّه لم يسمع مسألته ، فقال له :( يرحمك الله ما سمعت مسألتي ؟)000قال :( بلى ، ولكنكم كأنّكم ترون أنّ الله ليس بسائلنا عما تسألونا عنه ، اتركنا يرحمك الله حتى نتفهّم في مسألتك ، فإن كان لها جوابٌ عندنا ، وإلا أعلمناك أنه لا علم لنا به )000





      جوده
      كان ابن عمر -رضي الله عنه- من ذوي الدخول الرغيدة الحسنة ، إذ كان تاجراً أميناً ناجحاً ، وكان راتبه من بيت مال المسلمين وفيرا ، ولكنه لم يدخر هذا العطاء لنفسه قط ، إنما كان يرسله على الفقراء والمساكين والسائلين ، فقد رآه ( أيوب بن وائل الراسبي ) وقد جاءه أربعة آلاف درهم وقطيفة ، وفي اليوم التالي رآه في السوق يشتري لراحلته علفاً ديناً ، فذهب أيوب بن وائل الى أهل بيت عبد الله وسألهم ، فأخبروه :( إنه لم يبت بالأمس حتى فرقها جميعا ، ثم أخذ القطيفة وألقاها على ظهره و خرج ، ثم عاد وليست معه ، فسألناه عنها فقال إنه وهبها لفقير )000


      فخرج ابن وائل يضرب كفا بكف ، حتى أتـى السوق وصاح بالناس :( يا معشر التجار ، ما تصنعون بالدنيا ، وهذا ابن عمر تأتيه آلاف الدراهم فيوزعها ، ثم يصبح فيستـدين علفاً لراحلته !!)000كما كان عبـد الله بن عمـر يلوم أبناءه حين يولمـون للأغنياء ولا يأتون معهم بالفقـراء ويقول لهم :( تَدْعون الشِّباع وتَدَعون الجياع )000





      زهده
      أهداه أحد إخوانه القادمين من خُراسان حُلة ناعمة أنيقة وقال له :( لقد جئتك بهذا الثوب من خراسان ، وإنه لتقر عيناي إذ أراك تنزع عنك ثيابك الخشنة هذه ، وترتدي هذا الثوب الجميل )000قال له ابن عمر :( أرِنيه إذن )000ثم لمسه وقال :( أحرير هذا ؟)000قال صاحبه :( لا ، إنه قطن )000وتملاه عبد الله قليلا ، ثم دفعه بيمينه وهو يقول :( لا إني أخاف على نفسي ، أخاف أن يجعلني مختالا فخورا ، والله لا يحب كل مختال فخور )000


      وأهداه يوما صديق وعا مملوءاً ، وسأله ابن عمر :( ما هذا ؟)000قال :( هذا دواء عظيم جئتك به من العراق )000قال ابن عمر :( وماذا يُطَبِّب هذا الدواء ؟)000قال :( يهضم الطعام )000فابتسم ابن عمر وقال لصاحبه :( يهضم الطعام ؟000إني لم أشبع من طعام قط منذ أربعين عاما )000
      لقد كان عبد الله -رضي الله عنه- خائفا من أن يقال له يوم القيامة :( أَذْهَبتم طيّباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها )000كما كان يقول عن نفسه :( ما وضعت لَبِنَة على لَبِنَة ولا غرست نخلة منذ توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)000ويقول ميمون بن مهران :( دخلت على ابن عمر ، فقوّمت كل شيء في بيته من فراش ولحاف وبساط ، ومن كل شيء فيه ، فما وجدته يساوي مائة درهم )000





      خوفه
      كان إذا ذُكِّر عبد الله بن عمر بالدنيا ومتاعها التي يهرب منها يقول :( لقد اجتمعت وأصحابي على أمر ، وإني لأخاف إن خالفتهم ألا ألحق بهم )000ثم يخبر الآخرين أنه لم يترك الدنيا عجزا ، فيرفع يديه الى السماء ويقول :( اللهم إنك تعلم أنه لولا مخافتك لزاحمنا قومنا قريشاً في هذه الدنيا )000


      قال ابن عمر :( لقد بايعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فما نكثتُ ولا بدّلتُ إلى يومي هذا ، ولا بايعتُ صاحب فتنة ، ولا أيقظت مؤمناً من مرقده )000





      الخلافة
      عرضت الخلافة على ابن عمر -رضي الله عنه- عدة مرات فلم يقبلها ، فهاهو الحسن -رضي الله عنه- يقول :( لما قُتِل عثمان بن عفان ، قالوا لعبد الله بن عمر :( إنك سيد الناس وابن سيد الناس ، فاخرج نبايع لك الناس )000قال :( إني والله لئن استطعت ، لا يُهـْرَاق بسببي مِحْجَمَـة من دم )000قالوا :( لَتَخْرُجَنّ أو لنقتُلك على فراشك )000فأعاد عليهم قوله الأول000فأطمعوه وخوفوه فما استقبلوا منه شيئاً )000


      فقد كان ابن عمر يأبى أن يسعى الى الخلافة إلا إذا بايعه المسلمون جميعا طائعين وليس بالسيف ، فقد لقيه رجلا فقال له :( ما أحد شر لأمة محمـد منك )000قال ابن عمر :( ولم ؟000فوالله ما سفكت دماءهـم ولا فرقـت جماعتهم ولا شققت عصاهـم )000قال الرجل :( إنك لو شئت ما اختلف فيك اثنـان )000قال ابن عمر :( ما أحب أنها أتتني ، ورجل يقول : لا ، وآخر يقول : نعم )000
      واستقر الأمر لمعاوية ومن بعده لابنه يزيد ثم ترك معاوية الثاني ابن يزيد الخلافة زاهدا فيها بعد أيام من توليها ، وكان عبد الله بن عمر شيخا مسناً كبيراً فذهب إليه مروان وقال له :( هَلُمّ يدك نبايع لك ، فإنك سيد العرب وابن سيدها )000قال له ابن عمر :( كيف نصنع بأهل المشرق ؟)000قال مروان :( نضربهم حتى يبايـعوا )000قال ابن عمـر :( والله ما أحـب أنها تكون لي سبعيـن عاما ، ويقتـل بسببـي رجل واحد )000فانصـرف عنه مـروان000





      موقفه من الفتنة
      رفض -رضي الله عنه- استعمال القوة والسيف في الفتنة المسلحة بين علي ومعاوية ، وكان الحياد شعاره ونهجه :( من قال حيّ على الصلاة أجبته ، ومن قال حيّ على الفلاح أجبته ، ومن قال حيّ على قَتْل أخيك المسلم وأخذ ماله قلت : لا )000يقول أبو العالية البراء :( كنت أمشي يوما خلف ابن عمر وهو لا يشعر بي فسمعته يقول :( واضعين سيوفهم على عَوَاتِقِهم يقتل بعضهم بعضا يقولون : ياعبد الله بن عمر أَعْطِ يدك ))000


      وقد سأله نافع :( يا أبا عبد الرحمن ، أنت ابن عمر ، وأنت صاحب الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، وأنت وأنت فما يمنعك من هذا الأمر -يعني نصرة علي- ؟)000فأجابه قائلا :( يمنعني أن الله تعالى حرّم عليّ دم المسلم ، لقد قال عزّ وجل :( قاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله )000ولقد فعلنا وقاتلنا المشركين حتى كان الدين لله ، أما اليوم ففيم نُقاتل ؟000لقد قاتلت والأوثان تملأ الحرم من الركن الى الباب ، حتى نضاها الله من أرض العرب ، أفأُقاتل اليوم من يقول : لا إله إلا الله ؟!)000





      الوصية
      ذُكرت الوصية لابن عمر في مرضه فقال ابن عمر -رضي الله عنه- :( أمّا مالي فالله أعلم ما كنت أفعل فيه ، وأمّا رباعي وأرضي فإنّي لا أحب أن يُشارك ولدي فيها أحد )000ولمّا حضر ابن عمر الموت قال :( ما آسى على شيءٍ من الدنيا إلا على ثلاث : ظمأ الهواجر ، ومكابدة الليل ، وأني لم أقاتل هذه الفئة التي نزلت بنا )000يعني الحجاج000






      وفاته
      وقد كف بصر عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- آخر عمره ، وفي العام الثالث والسبعين للهجرة توفي -رضي الله عنه- بمكة وهو في الخامسة والثمانين من عمره000





    12. #87
      التسجيل
      29-06-2005
      المشاركات
      829
      المواضيع
      19
      شكر / اعجاب مشاركة

      مشاركة: سير الصحابة - رضوان الله عليهم -

      عبد الله بن عمرو بن العاص
      رضي الله عنه
      فهل لك إذن في خير الصيام ، صيام داود "
      " كان يصوم يوماً ويفطر يوماً
      حديث شريف
      عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل القرشـي ، يُقال كان اسمه العاص فسمّاه

      الرسول -صلى الله عليه وسلم- عبدالله ، وقد سبق أباه عمرو بن العاص للإسلام
      ومنذ أن أسلم لم يعد الليل والنهار يتّسعان لتعبّـده ونسكـه ، فعكـف على القرآن
      يحفظه ويفهمه ، وجلس في المسجد متعبدا ، وفي داره صائما و قائما ، لا ينقطع
      عن الذكر أبدا ، وإذا خرج المسلمون لقتال المشركين خرج معهم طالبا للشهادة000


      تَعَبُّدِه
      كان عبد الله -رضي الله عنه- إذا لم يكن هناك خروج لغزو يقضي أيامه من الفجر الى الفجر في عبادة موصولة ، صيام وصلاة وتلاوة القرآن ، ولسانه لا يعرف إلا ذكر الله وتسبيحه واستغفاره ، فعلم الرسول -صلى الله عليه وسلم- بإيغال عبد الله بالعبادة ، فاستدعاه وراح يدعوه الى القصد في العبادة فقال الرسول الكريم :( ألَم أخْبَر أنك تصوم النهار لا تفطر ، وتصلي الليل لا تنام ؟000فحَسْبُك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام )000فقال عبد الله :( إني أطيق أكثر من ذلك )000قال النبي -صلى الله عليه وسلم- :( فحسبك أن تصوم من كل جمعة يومين )000قال عبد الله :( فإني أطيق أكثر من ذلك )000قال رسول الله :( فهل لك إذن في خير الصيام ، صيام داود ، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً )000


      وعاد الرسول -صلى الله عليه وسلم- يسأله قائلا :( وعلمت أنك تجمع القرآن في ليلة ، وإني أخشى أن يطول بك العمر وأن تملَّ قراءته000اقرأه في كل شهر مرة000اقرأه في كل عشرة أيام مرة000اقرأه في كل ثلاثٍ مرة )000ثم قال له :( إني أصوم وأفطر ، وأصلي وأنام ، وأتزوج النساء ، فمن رغِبَ عن سُنَّتي فليس مني )000
      ولقد عَمَّـرَ عبد الله بن عمـرو طويلا ، ولمّا تقدمـت به السـن ووَهَـن منه العظـم ، كان يتذكر دائما نُصْـحَ الرسول فيقول :( يا ليتني قبلـت رُخصـة رسـول اللـه )000





      الكتابـة
      قال عبدالله بن عمرو :( كنتُ أكتب كلَّ شيءٍ أسمعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أريد حفظه ، فنهتني قريش فقالوا :( إنّك تكتب كلَّ شيءٍ تسمعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورسول الله بشرٌ يتكلم في الغضب والرضى )000فأمسكت عن الكتاب ، فذكرت ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال :( اكتب ، فوالذي نفسي بيده ما خرج منّي إلا حق )000


      قال أبو هريرة :( ما كان أحدٌ أحفظ لحديث رسـول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم- منّي إلا عبدالله بن عمرو ، فإنّي كنت أعي بقلبي ، ويعي بقلبه ويكتب )000
      وعن مجاهد قال : دخلتُ على عبدالله بن عمرو بن العاص ، فتناولتُ صحيفةً تحت رأسه ، فتمنّع عليّ فقلتُ :( تمنعني شيئاً من كتبك ؟)000فقال :( إنّ هذه الصحيفة الصادقة التي سمعتُها من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليس بيني وبينه أحد ، فإذا سَلِمَ لي كتاب الله ، وسلمتْ لي هذه الصحيفة ، والوَهْط -وهو بستان عظيم كان بالطائف لعبد الله- لم أبالِ ما صنعتِ الدنيا )000





      فضله
      قال عبد الله بن عمرو بن العاص :( ابن عباس أعلمنا بما مضى ، وأفقهنا فيما نزل مما لم يأت فيه شيئاً )000قال عكرمة : فأخبرتُ ابن عباس بقوله فقال :( إنّ عنده لعلماً ، ولقد كان يسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الحلال والحرام )000






      علمه
      قال عبد الله بن عمرو :( إنّ هذا الدّينَ متينٌ فأوغلوا فيه برفق ، ولا تُبَغِّضوا إلى أنفسكم عبادة الله عزّ وجلّ ، فإنّ المنبتَّ لا بلغ بُعْداً ، ولا أبقى ظهراً ، واعملْ عملَ امرىءٍ يظنّ ألا يموت إلا هَرِماً ، واحذرْ حذرَ امرىءٍ يحسب أنّه يموتُ غداً )000


      وقال :( لأن أكون عاشرَ عشرةٍ مساكين يوم القيامة أحبُّ إليّ من أكون عاشر عشرة أغنياء ، فإنّ الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال : هكذا وهكذا ، يقول : يتصدق يميناً وشمالاً )000
      وقال عبد الله :( ما أعطي إنسانٌ شيئاً خيراً من صحّةٍ وعِفّةٍ ، وأمانةٍ وفقهٍ )000وقال عمرو بن العاص لإبنه :( يا بُنيّ ، ما الشرف ؟ )000قال :( كفّ الأذى ، وبذلُ الندَى )000قال :( فما المروءة ؟)000 قال :( عرفان الحق ، وتعاهد الصنعة )000قال :( فما المجد ؟)000قال :( احتمال المغارم وابتناء المكارم )000وسأله :( ما الغيّ ؟)000قال :( طاعةُ المُفْسِدِ ، وعصيانُ المُرْشِدِ )000قال :( فما البله ؟)000قال :( عَمى القلب ، وسرعة النسيان )000





      خشية الله
      مرّ العلاء بن طارق بعبد الله بن عمرو بن العاص بينما كان يُصَلّي وراء المقام وهو يبكي ، وقد كَسَفَ القمر -أو خَسَفَ القمر- فوقف يسمع فقال :( ما توقفك يابن أخي ؟ تعجب من أنّي أبكي ؟ والله إنّ هذا القمر يبكي من خشية الله ، أمَا والله لو تعلمون علم اليقين لبكى أحدكم حتى ينقطع صوته ، ولسجد حتى ينقطع صلبه )000






      الوصية الغالية
      رأينا كيف كان عبد الله بن عمرو مقبلا على العبادة إقبالا كبيرا ، الأمر الذي كان يشغل بال أبيه عمرو بن العاص دائما ، فيشكوه الى الرسول -صلى الله عليه وسلم- كثيرا ، وفي المرة الأخيرة التي أمره الرسول فيها بالقصد في العبادة وحدّد له مواقيتها كان عمرو حاضرا ، فأخذ الرسول يد عبد الله ووضعها في يد عمرو بن العاص أبيه وقال الرسول له :( افعل ما أمرتك ، وأطِعْ أباك )000فكان لهذا العبارة تأثيرا خاصا على نفس عبد الله -رضي الله عنه- وعاش عمره الطويل لا ينسى لحظة تلك العبارة الموجزة000






      موقعة صِفّين
      عندما قامت الحرب بين طائفتين من المسلمين ، علي بن أبي طالب ، ومعاوية بن أبي سفيان اختار عمرو بن العاص طريقه الى جوار معاوية ، وكان يدرك مدى حب المسلمين وثقتهم بابنه عبد الله ، فحين همّ بالخروج الى صِفّين دعاه إليه ليحمله على الخروج الى جانب معاوية فقال له :( يا عبد الله تهيأ للخروج ، فإنك ستقاتل معنا )000وأجاب عبد الله :( كيف ؟000وقد عهد إليّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ألا أضع سيفا على عنق مسلم أبدا )000


      وحاول عمرو أن يقنعه بأنهم إنما يريدون الخروج ليصلوا الى قتلة عثمان وأن يثأروا لدمه الطاهر ثم ألقى مفاجأته على ابنه قائلا :( أتذكر يا عبد الله آخر عهد عهده إليك النبي -صلى الله عليه وسلم- حين أخذ بيدك فوضعها في يدي وقال لك : أطِعْ أباك ؟000فإني أعزم عليك الآن أن تخرج معنا وتقاتل )000وخرج عبد الله بن عمرو طاعة لأبيه ، وفي عزمه ألا يحمل سيفا ولا يقاتل مسلما ، ونشب القتال حاميا ويختلف المؤرخون فيما إذا كان عبد الله قد اشترك في بداية القتال أم لا ، ونقول ذلك لأنه ما لبث أن حدث شيء عظيم جعل عبد الله يغير موقفه ويصبح ضد معاوية000





      مقتل عمّار
      لقد قاتل عمّار بن ياسر مع علي بن أبي طالب وقُتِلَ على يد جند معاوية ، ومن المعلوم لعبد الله بن عمرو بن العاص أن عمّارا ستقتله الفئة الباغية ، فقد تنبأ بذلك الرسول الكريم حينما كانوا يبنون مسجد الرسول في المدينة ، وكان عمّار يحمل الحجارة فرحا فقال له الرسول -صلى الله عليه وسلم- وعيناه تدمعان :( ويْحُ ابن سُميّة ، تقتله الفئة الباغية )000


      وسمع ذلك الصحابة وعبد الله معهم ، وهاهو عمّار تواصى بقتله جماعة من جيش معاوية فسدّدوا نحوه رمية آثمة ، استشهد منها عمّار بن ياسر ، وسرى خبر مقتله كالريح ، فانتفض عبد الله بن عمرو ثائرا مُهْتاجا :( أوَ قد قُتِلَ عمّار ؟000وأنتم قاتلوه ؟000إذن أنتم الفئة الباغية ، أنتم المقاتلون على ضلالة !!)000وانطلق في جيـش معاوية كالنذيـر ، يُثيِـط عزائمهم ، ويهتف بأنهم بغـاة لأنهم قتلوا عمّاراً ، وتحققـت نبوءة الرسول -صلى الله عليه وسلم-000





      عبد الله و معاوية
      وحُمِلَت مقالة عبد الله الى معاوية ، فدعا عمرو وابنه عبد الله وقال لعمرو :( ألا تكُفَّ عنا مجنونك هذا ؟)000قال عبد الله :( ما أنا بمجنون ، ولكني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول لعمار تَقْـتُـلُكَ الفئة الباغية )000قال له معاوية :( فلم خَرَجْت معنا ؟)000قال عبد الله :( لأن رسول الله أمرني أن أطيع أبي ، وقد أطعتُه في الخروج ، ولكني لا أقاتل معكم )000


      وإذ هُما يتحاوران دخل على معاوية من يستأذن لقاتل عمّار في الدخول ، فصاح عبد الله بن عمرو :( ائذن له ، وبشّره بالنار )000وأفلتت مغايظ معاوية على الرغم من طول أناته وسعة حِلُمه وصاح بعمرو :( أوتَسْمَع ما يقول )000وعاد عبد الله الى هدوء المتقين مؤكدا لمعاوية أنه لم يقل إلا الحق ، والتفت صوب أبيه وقال :( لولا أن رسول الله أمرني بطاعتك ما سرت معك هذا المسير )000وعاد عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- الى مسجده وعبادته ، ونجح معاوية وعمرو من السيطرة على الجيش وإفهامه أن من قتل عمّارا هم من خرجوا به الى القتال ، واستأنف الفريقان القتال000





      الندم
      وعاش عبد الله -رضي الله عنه- حياته لا يملؤها بغير مناسكه وتعبُّده ، غير أن خروجه الى صفّين ظل مبعث قلق له على الدوام ، وكلما تذكر يبكي ويقول :( مالي ولِصِفّين ؟000مالي ولقِتال المسلمين ؟)000


      ذات يوم ، وهو جالس في مسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع بعض أصحابه مر بهم ( الحسين بن علي ) فتبادلا السلام ، ولما مضى عنهم قال عبد الله لمن معه :( أتحبون أن أخبركم بأحب أهل الأرض الى أهل السماء ؟000إنه هذا الذي مرَّ بنا الآن ، وإنه ما كلمني منذ صفّين ، ولأن يرضى عني ، أحب إلي من حُمر النَّعَم )000
      واتفق مع أبي سعيد الخدري على زيارة الحسين ، وهناك تم لقاء الأكرمين ، وعندما ذُكِرَت صفّين ، سأله الحسين معاتبا :( ما الذي حملك على الخروج مع معاوية ؟)000قال عبد الله :( ذات يوم شكاني عمرو بن العاص الى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال له :( إن عبد الله يصوم النهار كله ، ويقوم الليل كله ، فقال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :( يا عبد الله صلّ ونم ، وصُم وأفطر ، وأطِع أباك ) ، ولما كان يوم صفّين أقسم علي أبي أن أخرج معهم ، فخرجت و لكن والله ، ما اختَرَطْت سيفا ، ولا طعنت برمح ، ولا رميت بسهم )000





      الكعبة المشرفة
      دخل عبد الله بن عمرو بن العاص المسجد الحرام ، والكعبة مُحَرّقة حين أدبر جيش الحصين بن نمير ، والكعبة تتناثر حجارتها ، فوقف ومعه ناسٌ غير قليل ، فبكى وقال :( والله لو أنّ أبا هريرة أخبركم أنّكم قاتلو ابن نبيّكم ، ومحرّقُوا بيتَ ربّكم لقلتم : ما أحد أكذب من أبي هريرة ، أنحن نقتل ابنَ نبيّنا ، ونحرق بيتَ ربّنا عزّ وجلّ ؟!000فقد والله فعلتم ، فانتظروا نقمة الله عزّ وجلّ ، فوالذي نفسي بيده ليَلْبِسَنَّكُمُ الله شِيَعاً ، ويُذيقُ بعضَكم بأسَ بعضٍ )000قالها ثلاثاً ثم نادى بصوتٍ فأسمع :( أين الآمرون بالمعروف ؟ والناهون عن المنكر ؟ والذي نفسُ عبد الله بيده لقد ألبسَكم الله شيعاً ، وأذاق بعضكم بأس بعض ، لبطنُ الأرض خيرٌ لمن عليها لمن لم يأمر بالمعروف ولم ينهَ عن المنكر )000






      وفاته
      وحين بلوغه الثانية والسبعين من عمره المبارك ، وإذ هو في مُصلاّه ، يتضرع الى ربه ، ويسبح بحمده ، دُعيَ الى رحلة الأبد ، فذهبت روحه تسعى وتطير الى لقاء الأحبة ، توفي عبد الله بن عمرو بن العاص ليالي الحرّة سنة ( 63 هـ) من شهر ذي الحجة000





    13. #88
      التسجيل
      29-06-2005
      المشاركات
      829
      المواضيع
      19
      شكر / اعجاب مشاركة

      مشاركة: سير الصحابة - رضوان الله عليهم -

      عبدالله بن مسعود
      صاحب السَّواد
      ما أعرف أحدا أقرب سمتا ولا هديا ودلا بالنبي -صلى الله عليه
      "وسلم- من ابن أم عبد
      حذيفة بن اليمان
      هو عبدالله بن مسعود بن غافل الهذلي ، وكناه النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا عبدالرحمـن

      مات أبوه في الجاهلية ، وأسلمت أمه وصحبت النبي -صلى الله عليه وسلم- لذلك كان ينسب
      الى أمه أحيانا فيقال :( ابن أم عبد )000وأم عبد كنية أمه -رضي الله عنهما-000


      أول لقاء مع الرسول
      يقول -رضي الله عنه- عن أول لقاء له مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- :( كنت غلاما يافعا أرعى غنما لعقبة بن أبي مُعَيْط ، فجاء النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكـر فقالا :( يا غلام ، هل عندك من لبن تسقينـا ؟)000فقلت :( إني مؤتمـن ولست ساقيكما )000فقال النبـي -صلى الله عليه وسلم- :( هل عندك من شاة حائل ، لم يَنْزُ عليها الفحل ؟)000قلت :( نعم )000فأتيتهما بها ، فاعتقلها النبي ومسح الضرع ودعا ربه فحفل الضرع ، ثم أتاه أبو بكر بصخرة متقعّرة ، فاحتلب فيها فشرب أبوبكر ، ثم شربت ثم قال للضرع :( اقْلِص )000فقلص ، فأتيت النبي بعد ذلك فقلت :( علمني من هذا القول )000فقال :( إنك غلام مُعَلّم )000






      إسلامه
      لقد كان عبدالله بن مسعود من السابقين في الاسلام ، فهو سادس ستة دخلوا في الاسلام ، وقد هاجر هجرة الحبشة وهجرة المدينة ، وشهد بدرا والمشاهد مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، وهو الذي أجهز على أبي جهل ، ونَفَلَه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سيفَ أبي جهل حين أتاه برأسه000


      وكان نحيل الجسم دقيق الساق ولكنه الايمان القوي بالله الذي يدفع صاحبه الى مكارم الأخلاق ، وقد شهد له النبـي -صلى اللـه عليه وسلم- بأن ساقه الدقيقة أثقل في ميزان الله من جبل أحد ، وقد بشره الرسـول -صلى اللـه عليه وسلم- بالجنة000
      فقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- ابن مسعود فصعد شجرةً وأمَرَه أن يأتيه منها بشيء ، فنظر أصحابُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى ساقه حين صعد فضحكوا من حُموشَةِ ساقه ، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- :( مَمّ تضحكون ؟ لَرِجْلُ عبد الله أثقلُ في الميزان يوم القيامة من أحُدٍ )000



      جهره بالقرآن
      وعبد الله بن مسعود -رضي اللـه عنه- أول من جهر بالقرآن الكريم عند الكعبة بعد رسول اللـه -صلى الله عليه وسلم- ، اجتمع يوماً أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا :( والله ما سمعت قريشُ هذا القرآن يُجهرُ لها به قط ، فمَنْ رجلٌ يُسمعهم ؟)000فقال عبد الله بن مسعود :( أنا )000فقالوا :( إنّا نخشاهم عليك ، إنّما نريدُ رجلاً له عشيرة تمنعه من القوم إن أرادوه )000فقال :( دعوني فإنّ الله سيمنعني )000فغدا عبد الله حتى أتى المقام في الضحى وقريش في أنديتها ، حتى قام عبد الله عند المقام فقال رافعاً صوته000 بسم الله الرحمن الرحيم :(الرّحْمن ، عَلّمَ القُرْآن ، خَلَقَ الإنْسَان ، عَلّمَهُ البَيَان )000

      فاستقبلها فقرأ بها ، فتأمّلوا فجعلوا يقولون ما يقول ابن أم عبد ، ثم قالوا :( إنّه ليتلوا بعض ما جاء به محمد )000فقاموا فجعلوا يضربونه في وجهه ، وجعل يقرأ حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ ، ثم انصرف إلى أصحابه وقد أثروا بوجهه ، فقالوا :( هذا الذي خشينا عليك )000فقال :( ما كان أعداء الله قط أهون عليّ منهم الآن ، ولئن شئتم غاديتهم بمثلها غداً ؟!)000قالوا :( حسبُكَ قد أسمعتهم ما يكرهون )000
      حفظ القرآن
      أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- عبد الله بن مسعود أن يقرأ عليه فقال :(اقرأ علي)000 قال :(يا رسول الله أقرأعليك وعليك أنزل ؟)000فقال -صلى اللـه عليه وسلم-:(إني أحب أن أسمعه من غيري)000 قال ابن مسعود فقرأت عليه من سورة النسـاء حتى وصلت الى000 قوله تعالى :( فكَيْفَ إذَا جِئْنَـا مِنْ كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيـد وجِئْنَـا بِكَ عَلى هَـؤلاءِ شَهِيـداً )000(النساء/41)000

      فقال له النبي -صلىالله عليه وسلـم- :( حسبـك)000 قال ابن مسعود :( فالتفت اليه فاذا عيناه تذرفان )000
      كان ابن مسعود من علماء الصحابة -رضي الله عنهم- وحفظة القرآن الكريم البارعين ، فيه انتشر علمه وفضله في الآفاق بكثرة أصحابه والآخذين عنه الذين تتلمذوا على يديه وتربوا ، وقد كان يقول :( أخذت من فم رسـول اللـه -صلى اللـه عليه- سبعين سورة لا ينازعني فيها أحد )000وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (استقرئـوا القرآن من أربعة من عبـدالله بن مسعود وسـالم مولى أبى حذيفة وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل )000كمـا كان يقول :( من أحب أن يسمع القرآن غضاً كما أُنزل فليسمعه من ابن أم عبد )000
      قيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- :( استخلفتَ )000فقال :( إنّي إنْ استخْلِفُ عليكم فعصيتم خليفتي عُذّبتُم ، ولكم ما حدّثكم به حُذيفة فصدِّقوه ، وما أقرأكم عبد الله بن مسعود فاقْرَؤُوه )000
      وحين أخذ عثمان بن عفان من عبد الله مصحفه ، وحمله على الأخذ بالمصحف الإمام الذي أمر بكتابته ، فزع المسلمون لعبد الله وقالوا :( إنّا لم نأتِكَ زائرين ، ولكن جئنا حين راعنا هذا الخبر )000فقال :( إنّ القرآن أُنزِلَ على نبيّكم -صلى الله عليه وسلم- من سبعة أبواب على سبعة أحرف ، وإنّ الكتاب قبلكم كان ينزل -أو نزل- من باب واحد على حرف واحد ، معناهما واحد )000


      قربه من الرسول
      وابن مسعود صاحب نعلى النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يدخلهما في يديه عندما يخلعهما النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو كذلك صاحب وسادة النبي -صلى الله عليه وسلم- ومطهرته000 أجاره الله من الشيطان فليس له سبيل عليه000وابن مسعود صاحب سر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي لا يعلمه غيره ، لذا كان اسمه ( صاحب السَّواد )000حتى قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-:( لو كنت مؤمرا أحدا دون شورى المسلمين لأمَّرت ابن أُم عبد )000كما أعطي مالم يعط لغيره حين قال له الرسول :( إذْنُكَ علي أن ترفع الحجاب )000فكان له الحق بأن يطرق باب الرسول الكريم في أي وقت من الليل أو النهار000يقول أبو موسى الأشعري :( لقد رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وما أرى إلا ابن مسعود من أهله )000






      مكانته عند الصحابة
      قال عنه أمير المؤمنين عمر :( لقد مُليء فِقْهاً )000وقال أبو موسى الأشعري :( لا تسألونا عن شيء ما دام هذا الحَبْرُ فيكم )000ويقول عنه حذيفة :( ما أعرف أحدا أقرب سمتا ولا هديا ودلا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- من ابن أم عبد )000


      واجتمع نفر من الصحابة عند علي بن أبي طالب فقالوا له :( يا أمير المؤمنين ، ما رأينا رجلا كان أحسن خُلُقا ولا أرفق تعليما ، ولا أحسن مُجالسة ولا أشد وَرَعا من عبد الله بن مسعود )000قال علي :( نشدتكم الله ، أهو صدق من قلوبكم ؟)000قالوا :( نعم )000قال :( اللهم إني أُشهدك ، اللهم إني أقول فيه مثل ما قالوا ، أو أفضل ، لقد قرأ القرآن فأحل حلاله ، وحرم حرامه ، فقيه في الدين عالم بالسنة )000
      وعن تميم بن حرام قال :( جالستُ أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فما رأيتُ أحداً أزهدَ في الدنيا ولا أرغبَ في الآخرة ، ولا أحبّ إليّ أن أكون في صلاحه ، من ابن مسعود )000





      ورعه
      كان أشد ما يخشاه ابن مسعود -رضي الله عنه- هو أن يحدث بشيء عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيغير شيئا أو حرفا000يقول عمرو بن ميمون :( اختلفت الى عبد الله بن مسعود سنة ، ما سمعته يحدث فيها عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، إلا أنه حدّث ذات يوم بحديث فجرى على لسانه : قال رسول الله ، فعلاه الكـرب حتى رأيت العـرق يتحدر عن جبهتـه ، ثم قال مستدركا : قريبا من هذا قال الرسـول )000ويقول علقمـة بن قيـس :( كان عبد الله بن مسعود يقوم عشية كل خميس متحدثا ، فما سمعته في عشية منها يقول : قال رسول الله غير مرة واحدة ، فنظرت إليه وهو معتمد على عصا ، فإذا عصاه ترتجف وتتزعزع )000






      حكمته
      كان يملك عبدالله بن مسعود قدرة كبيرة على التعبير والنظر بعمق للأمور فهو يقول عما نسميه نِسبية الزمان :( إن ربكم ليس عنده ليل ولا نهار ، نور السموات والأرض من نور وجهه )000كما يقول عن العمل :( إني لأمقت الرجل إذ أراه فارغا ، ليس في شيء من عمل الدنيا ولا عمل الآخرة )000ومن كلماته الجامعة :( خير الغنى غنى النفس ، وخير الزاد التقوى ، وشر العمى عمى القلب ، وأعظم الخطايا الكذب ، وشر المكاسب الربا ، وشر المأكل مال اليتيم ، ومن يعف يعف الله عنه ، ومن يغفر يغفر الله له )000


      وقال عبدالله بن مسعود :( لو أنّ أهل العلم صانوا العلم ووضعوه عند أهله لسَادوا أهل زمانهم ، ولكنّهم وضعوه عند أهل الدنيا لينالوا من دنياهم ، فهانوا عليهم ، سمعتُ نبيّكم -صلى الله عليه وسلم- يقول :( مَنْ جعلَ الهمومَ همّاً واحداً ، همّه المعاد ، كفاه الله سائرَ همومه ، ومَنْ شعّبَتْهُ الهموم أحوال الدنيا لم يُبالِ الله في أي أوديتها هلك )000





      أمنيته
      يقول ابن مسعود :( قمت من جوف الليل وأنا مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك ، فرأيت شعلة من نار في ناحية العسكر فاتبعتها أنظر إليها ، فإذا رسول الله وأبو بكر وعمر ، وإذا عبد الله ذو البجادين المزني قد مات ، وإذا هم قد حفروا له ، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حفرته وأبو بكر وعمر يدلِّيَانه إليه ، والرسول يقول : أدنيا إلي أخاكما000فدلياه إليه ، فلما هيأه للحده قال : اللهم إني أمسيت عنه راضيا فارض عنه000فيا ليتني كنت صاحب هذه الحفرة000






      أهل الكوفة
      ولاه أمير المؤمنين عمر بيت مال المسلمين بالكوفة ، وقال لأهلها حين أرسله إليهم :( إني والله الذي لا إله إلا هو قد آثرتكم به على نفسي ، فخذوا منه وتعلموا )000ولقد أحبه أهل الكوفة حبا لم يظفر بمثله أحد قبله000حتى قالوا له حين أراد الخليفة عثمان بن عفان عزله عن الكوفة :( أقم معنا ولا تخرج ونحن نمنعك أن يصل إليك شيء تكرهه منه )000ولكنه أجاب :( إن له علي الطاعة ، وإنها ستكون أمور وفتن ، ولا أحب أن أكون أول من يفتح أبوابها )000






      المرض
      قال أنس بن مالك : دخلنا على عبد اللـه بن مسعود نعوده في مرضه ، فقلنا :( كيف أصبَحتَ أبا عبد الرحمن ؟)000قال :( أصبحنا بنعمة اللـه إخوانا )000قلنا :( كيف تجدُكَ يا أبا عبد الرحمن ؟)000قال :( إجدُ قلبي مطمئناً بالإيمان )000قلنا له:( ما تشتكي أبا عبد الرحمن ؟)000قال :( أشتكي ذنوبي و خطايايَ )000قلنا :( ما تشتهي شيئاً ؟)000قال :( أشتهي مغفرة اللـه ورضوانه )000قلنا :( ألا ندعو لك طبيباً ؟)000قال :( الطبيب أمرضني -وفي رواية أخرى الطبيب أنزل بي ما ترون )000


      ثم بكى عبد الله ، ثم قال : سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول :( إنّ العبد إذا مرض يقول الرّب تبارك وتعالى :( عبدي في وثاقي )000فإن كان نزل به المرض في فترةٍ منه قال :( اكتبوا له من الأمر ما كان في فترته ))000فأنا أبكي أنّه نزل بي المرض في فترةٍ ، ولوددتُ أنّه كان في اجتهادٍ منّي )000





      الوصية
      لمّا حضر عبد الله بن مسعود الموتُ دَعَا ابْنَه فقال :( يا عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ، إنّي موصيك بخمس خصال ، فاحفظهنّ عنّي :أظهر اليأسَ للناس ، فإنّ ذلك غنىً فاضل ، ودعْ مطلبَ الحاجات إلى الناس ، فإنّ ذلك فقرٌ حاضر ، ودعْ ما يعتذر منه من الأمور ، ولا تعملْ به ، وإنِ استطعتَ ألا يأتي عليك يوم إلا وأنتَ خير منك بالإمس فافعل ، وإذا صليتَ صلاةً فصلِّ صلاةَ مودِّع كأنّك لا تصلي صلاة بعدها )000






      الحلم
      لقي رجل ابن مسعود فقال : لا تعدم حالِماً مذكّراً :( رأيتُكَ البارحة ، ورأيتُ النبـي -صلى اللـه عليه وسلم- على منبر مرتفع ، وأنتَ دونه وهو يقول :( يابن مسعود هلُمّ إليّ ، فلقد جُفيتَ بعدي )000فقال عبد الله :( آللّهِ أنتَ رأيتَهُ ؟)000قال :( نعم )000قال :( فعزمتُ أن تخرج من المدينة حتى تصلي عليّ )000فما لبث إلا أياماً حتى مات -رضي الله عنه- فشهد الرجل الصلاة عليه000






      وفاته
      وفي أواخر عمره -رضي الله عنه- قدم الى المدينة على ساكنها أفضل الصلاة و أتم التسليم000توفي سنة اثنتين و ثلاثين للهجرة في أواخر خلافة عثمان000رضي الله عن ابن أم عبد و أمه صاحبي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجعلهما رفيقيه في الجنة مع الخالدين000





    14. #89
      التسجيل
      29-06-2005
      المشاركات
      829
      المواضيع
      19
      شكر / اعجاب مشاركة

      مشاركة: سير الصحابة - رضوان الله عليهم -

      عبد الرحمن بن أبي بكر

      رضي الله عنه


      ارجع إليه وقل : إن عبد الرحمن لايبيع "
      " دينه بدنياه
      عبد الرحمن

      بينما كان أبو بكر أول المؤمنين والصدّيق الذي آمن بالله ورسولـه
      وثاني اثنين إذ هما في الغار ، كان ابنه عبد الرحمن صامدا كالصخر
      مع دين قومه وأصنامهم000


      ما قبل الإسلام
      يوم بدر خرج عبد الرحمن مقاتلا مع جيش المشركين ، وفي غزوة أحد كان مع الرماة الذين جنّدتهم قريش لمحاربة المسلمين ، وعند بدأ القتال بالمبارزة وقف عبد الرحمـن يدعو إليه من المسلميـن من يبارزه ، ونهـض أبوه أبو بكر الصديق ليبارزه لكن الرسـول الكـريم حال بينه وبين مبارزة ابنـه ، وحين أذن الله للهدى أن ينزل على عبد الرحمن ، رأى الحقيقة واضحة أمامه منيرة له دربه فسافر الى الرسول -صلى الله عليه وسلم- مبايعاً معوضاً باذلاً أقصى جهد في سبيل الله000

      ما بعد الإسلام
      منذ أن أسلم عبد الرحمن بن أبي بكر - رضي الله عنهما- لم يتخلف عن غزو أو جهاد أو طاعة ، ويوم اليمامة أبلى فيه بلاء لا مثيل له فهو الذي أجهز على حياة ( محكم بن الطفيل ) العقل المدبر لمسيلمة الكذاب ، وصمد مع المسلمين حتى قضوا على جيش الردة والكفر000

      قوة شخصيته
      لقد كان جوهر شخصيته -رضي الله عنه- الولاء المطلق لما يقتنع به ، ورفضه للمداهنة في أي ظرف كان ، ففي يوم أن قرر معاوية أخذ البيعة لابنه يزيد بحد السيف ، كتب الى مروان عامله على المدينة كتاب البيعة وأمره أن يقرأه على المسلمين في المسجد ، وفعل مروان ولم يكد يفرغ من القراءة حتى نهض عبد الرحمن محتجا قائلا :( والله ما الخيار أردتم لأمة محمد ، ولكنكم تريدون أن تجعلوها هَرَقِليَّة ، كلما مات هِرقْل قام هِرَقْل )000

      وأيده على الفور فريق من المسلمين من بينهم الحسين بن علي ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عمر ، ولكن الظروف القاهرة جعلتهم يصمتون على البيعة فيما بعد ، لكن عبد الرحمن بن أبي بكر بقي معارضا لها جاهرا برأيه ، فأراد معاوية أن يرضيه بمائة ألف درهم بعثها له مع أحد رجاله ، فألقاها عبد الرحمن بعيدا وقال لرسول معاوية :( ارجع إليه وقل له : إن عبد الرحمن لا يبيع دينه بدنياه )000ولما علم أن معاوية يشد الرحال قادما الى المدينة غادرها من فوره الى مكة000


      وفاته
      وأراد الله أن يكفي عبد الرحمن فتنة هذا الموقف وسوء عقباه ، فلم يكد يبلغ مشارف مكة ويستقر بها قليلا حتى فاضت إلى الله روحه ، وحمله الرجال إلى أعالي مكة حيث دُفِن هناك000

    15. #90
      التسجيل
      29-06-2005
      المشاركات
      829
      المواضيع
      19
      شكر / اعجاب مشاركة

      مشاركة: سير الصحابة - رضوان الله عليهم -

      عتبة بن غزوان

      رضي الله عنه


      " غدا ترون الأمراء من بعدي "

      عتبة بن غزوان

      عتبة بن غزوان هو سابع سبعـة أسلموا وبايعوا وتحـدوا قريشا ، ولما أمر
      الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالهجرة الى الحبشة خرج مع إخوانه مهاجرا
      ولكن عاد مجددا الى مكة ، وصمد مع الرسول الكريم والمسلمين الى أن سُمِحَ
      لهم بالهجـرة الى المدينـة فكان من الرماة الأفـذاذ الذين أبلـوا في سبيـل
      اللـه بـلاء حسنـا في حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وبعد وفاته000


      فتـح الأبُـلّـة
      أرسله أمير المؤمنين الى الأبُلّة ليفتحها ويطهرها من الفرس ، وقال له عمر وهو يودّعه وجيشه :( انطلق أنت ومن معك حتى تأتوا أقصى بلاد العرب وأدنى بلاد العجـم ، وسر على بركة الله ويُمنـه ، ادْعُ إلى الله من أجابـك ، ومن أبى فالجزيـة ، وإلا فالسيف في غير هوادة ، كابِـد العدو ، واتق الله ربـك )000ومضى عُتبة على رأس جيشهم الذي لم يكن كبيرا حتى قدِمَ الأبُلّة ، وكان الفرس يحشدون جيشا من أقوى جيوشهم ، فنظم عتبة جيشه ووقف في المقدمة حاملا رُمْحَه بيده ، وصاح بالجيش :( الله أكبر ، صدق وعده )000فما هي إلا جولات ميمونة حتى استسلمت الأبُلّة وتحرر أهلها من جنود الفرس000

      البصرة والإمارة
      اختطّ عتبة -رضي الله عنه- مكان الأبُلّة مدينة البصرة ، وعمّرها وبنى مسجدها العظيم ، وأراد العودة الى المدينة هروبا من الإمارة ، لكن أمره أمير المؤمنين عمر بالبقاء ، فبقي عُتبة يصلي بالناس ويفقههم في دينهم ، ويحكم بينهم بالعدل زاهدا ورِعا بسيطا000ووقف يحارب الترف والسِّرف فقد كان يخاف الدنيا على نفسه وعلى المسلمين ، وقف خاطبا يوما :( والله لقد رأيتني مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سابع سبعة وما لنا طعام إلا ورق الشجر حتى قرحت أشداقُـنا ، ولقد رزقت يوما بُرْدَة فشققتها نصفين ، أعطيت نصفها سعد بن مالك ولبست نصفها الآخر )000وحاول المترفون ممن تعودوا على المظاهر المتعالية تغير عتبة وزهده فكان يجيبهم :( إني أعوذ بالله أن أكون في دنياكم عظيما ، وعند الله صغيرا )000ولما شعر بضيق من حوله قال :( غدا ترون الأمراء من بعدي )000

      موسم الحج
      وجاء موسم الحج ، فاستخلف عتبة على البصرة أحد إخوانه وخرج حاجّاً ، ولمّا قضى حجّه توجه الى المدينة ، وحاول أن يعتذر عن الإمارة ، ولكن لم يرضى عمر أن يعفيه عن الإمارة وبالذات أن عتبة مـن الزاهدين الورعيـن ، وكان يقـول عمر لولاتـه :( تضعون أماناتكم فوق عنقي ، ثم تتركوني وحدي ؟000لا والله لا أعفيكم أبداً )000

      وفاته
      أطاع عتبة أمير المؤمنين واستقبل راحلته ليركبها راجعا الى البصرة ، ولكن قبل ركوبها دعا ربه ضارعا ألا يرُدَّه الى البصرة ولا إلى الإمارة ، واستجيب دعاؤه فبينما هو في طريق عودته أدركه الموت ، وفاضت روحه الى بارئها000

    صفحة 6 من 8 الأولىالأولى 12345678 الأخيرةالأخيرة

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •