بسم الله الرحمن الرحيم
موضوع نقلته لكم لتعرفوا خطر الغرب والحملات الخارجية على طريقة بث الفتنة بين المسلمين والتي طالت الشيخ عائض أعزه الله (( بأبي هو وأمي الشيخ عائض ))
منذ تراجعه الشهير عن إحدى فتاواه التي ظهرت في فيلم وثائقي للسينمائية السعودية هيفاء المنصور، لم يعد الداعية السعودي عائض القرني، ذلك الاسم ذو الرنّة الفائقة، يحظى بنصيب كبير من كعكة الجماهيرية في الأوساط الدينية السعودية، رغم أنه كان أحد الدعاة البارزين على الساحة الداخليّة لأكثر من ربع قرن، خاض خلاله معارك ومواجهات طاحنة مع خصومه دون أن تبتلّ ملابسه أو معنوياته.
لكن الأمر اختلف كلياً خلال الأسبوعين الفائتين إثر نشر الداعية الشيخ القرني قصيدة تعبّر عن معاناة نفسيّة بعدما جاوز الأربعين عُمراً، ويعلن فيها أنه قد حل له الآن هجر الجميع، وسيؤثر الصمت ويلزم بيته بعد أن ناله ما ناله من التجريح والأذى من أشخاص كانت تربطه بهم وشائج وثقى لا انفصام لها. وهو تعبير لا يخفى على المراقبين المخضرمين أنه قصد به رجال الدين السعوديين الذين أنبوه على فتواه السينمائية تلك، وأجبروه بضغوطهم على التراجع عنها.
وكان الشيخ عائض القرني قد حل ضيفاً في الفيلم الوثائقي «نساء بلا ظل» الذي أخرجته السينمائية السعودية المنصور، وتحدث فيه مجيزاً كشف المرأة وجهها، ما جعل المنصور تستحضر فتوى قديمة للشيخ يظهرُ فيها برأي مغاير تماماً لما قاله ويشنُّ هجوم على المرأة التي تكشف وجهها، مما أبرز إلى العلن تناقضاً في مواقف الداعية السعودي البارز.
وأدى هذا الموقف إلى هبوط اسم الشيخ عائض القرني في بورصة رجال الدين الإسلاميين محققاً خسائر كبيرة، علما أن مفتي الدولة السعودية ووزير الشؤون الإسلامية ودعاة إسلاميين بارزين هاتفوه مطالبين بالتراجع العلني عن فتواه، وهو ما حدث أخيراً من خلال إصداره بياناً قال فيه أنه عاد إلى الحق بعدما أشبع الموضوع تمحيصاً وتدقيقاً واستشارةً، وبرر ما قاله بأن «المناسبة والمقام اقتضيا قول ما سبق» باعتبار أن الفيلم كان موجهاً إلى الغرب.
إلا أن هذا التراجع لم يشفع له من السهام الإسلاميّة المتشددة التي طالته، معتبرةً أن ما قام به يعتبر نوعاً من الردّة، في حملةٍ شرسة لم تهدأ وتيرتها حتى أثارت حفيظة الشيخ، فبادر بإعلان ألمه عبر قصيدة نشرها ملحق «الرسالة» التابع لصحيفة «المدينة» السعودية يوم الجمعة الفائت، وإعلان الصحيفة ذاتها أن الشيخ القرني يزمع كتابة مقال الأسبوع المقبل يبيّن فيه أسباب اتخاذه قراره الاعتزال وهجر الناس بعدما تضايق من كثرة المعاتبات التي وصلته من «أخوته الدعاة».
وحاولت «إيلاف» الإتصال بالشيخ عائض القرني لاستيضاحه موقفه إلا أن هاتفه كان مغلقاً حتى كتابة هذه الأسطر.
قصيدة «القرار الأخير»
يــا أرضَ بالـقـرن مـازلـنـا محبـيـنـا لا البعـدُ ينـسـي ولا الأعــذارُ تثنيـنـا
فسائلـي الغيـمَ كـم أسـقـى معاطفَـنـا وسائلـي الـبـرقَ كــم أحـيـا مغانيـنـا
لـي فيـكِ يـا دوحـةَ الأمجـادِ ملحـمـةٌ محـفـورةٌ فــي كـتــابٍ مـــن ليالـيـنـا
يـوم الصبـا كقمـيـصِ الـخـزِ ألبـسُـه والـروضُ اخضـرُ ممـلـوءٌ رياحيـنـا
والرملُ لوحي وأقلامي غصونُ نـدا والـربـعُ يمـطـرهُ القـمـريْ تلاحـيـنـا
يا ارضَ بالقرن لو فتشتِ في خَلَدي وجــــدتِ فــيــه أخــاديــدًا وتـأبـيـنــا
جرحٌ من الحبِ يا بالقرن ما اندملتْ أطـرافُــهُ بــــاتَ يُقـصـيـنـا ويُـدنـيـنـا
قد زرتُ بعـدكِ يـا بالقـرن كـلَّ حمـى وطرتُ فـي الجـو حتـى جئـتُ برلينـا
فما رضيتُ سواكم فـي الهـوى بـدلاً لأنــنــي عــاشــقٌ دنــيــاك والـديـنــا
رأيـتُ بـاريـسَ فــي جلـبـابِ راهـبـةٍ شمطاءَ قد بلغتْ فـي العمـرِ سبعينـا
وأنــتِ فــي ريَـعَـان العـمـرِ زاهـيــةٌ فـي ميعـةِ الحسـن إشراقـاً وتكوينـا
أتـيـتُ واشنطـنًـا لا طـــاب مربـعُـهـا رأيـتُ ساحتَهـا فـي الضيـقِ سجِّيـنـا
فـــلا نـسـيـمَ كـأرضــي إذ يُصـبِّـحـنـا ولا نـدى الطـلِ فـي الـوادي يمسِّيـنـا
ارضُ السنابـلِ لا ارضَ القنـابـلِ يــا سِحْـرَ الوجـودِ ويــا حــرزَ المحبيـنـا
يـا روضـةً طالـمـا هــزَّتْ معاطفَـهـا كــأنـــهـــا بـتــبــاشــيــرٍ تـحــيــيــنــا
وربــوةٍ كــم درجـنـا فـــي ملاعـبـهـا عهـدُ الطفـولـة يـزهـو مــن أمانيـنـا
والأربـعـون عـلـى خـــدي مـروِّعــةٌ يـا ليـت أنـي أهـادي ســنَّ عشريـنـا
والغبـنُ يكتـب فـي أضلاعـنـا خطـبًـا مـــدربُ الـقـلـف يعـطـيـنـا تـمـاريـنـا
يقتـاتُ مـن لحمـنـا غصْـبًـا ويجلُـدنـا ويـسـتـقـي دَمَــنـــا زورًا ويـظـمـيـنـا
وإن نظَمْـنـا بـيـوتَ الشـعـرِ نمـدحـه يـظــل بـالـشَّـعَـر الـمـفـتـولِ يـلـويـنـا
إذا اقتـرحـنـا عـلــى أيـامـنــا طـلـبًــا ذقـنـا المنـايـا الـتـي تـطـوي أمانيـنـا
آهٍ عـلـى قـهــوةٍ سـمــراءَ نشـربُـهـا في غرفةٍ من ضميـمِ الطيِـن تؤوينـا
سِجـادُهـا بحصـيـرِ الـنـخـلِ ننـسـجـه وريـشُـهـا بـنـقـي الـصــوفِ يدفـيـنـا
بـعـنـا الـهـمـومَ بـدنـيـانـا صـيـارفــةً لـسـنـا جـبــاةً ومـــا كــنــا مـرابـيـنـا
لــم نـدّخِـرْ قوتَـنـا بـخـلاً لـيــومِ غـــدٍ لـكــل يـــومٍ طـعــامٌ ســـوف يـأتـيـنـا
ونـمــلأُ الـضـيـفَ تـرحـابًـا لننـسـيَـهُ مـا غـابَ مـن أهلـه عـنـه ويُنسيـنـا
أمـام غرفتِنـا يـجـري الغـديـرُ عـلـى صـــوتِ الـحـمــامِ بـأبـيــاتٍ يُغـنـيـنـا
قـلـوبُ أصحابِـنـا طُـهْــرٌ وسيـرتُـهـم مثلُ الـزلالِ الـذي فـي القيـظِ يروينـا
أيــــامَ لا كــدلــكٍ يــعــوي بـحـارتـنـا ولا الـبـواري تـــدوّي فـــي نـواديـنـا
والـيــومَ أمـوالُـنــا بــاتــتْ تـؤرقُـنــا هــمًــا وأولادُنــــا بـالــغــمِّ تـؤذيــنــا
إذا رفــعــنــا بـــآيــــاتٍ عـقـيـرتَــنــا قـالـوا: غـلـوٌ وهــذا خـالـفَ الـديـنـا
وإن همسـنـا بـحـبٍّ فـــي مجالِـسـنـا قــالــوا: يــدبــر أعــمــالاً لـتـرديـنـا
وإن لبسنـا بشوتًـا عـرَّضـوا سفـهًـا بـأنـنــا نــزدهـــي فـيــهــا مـرائـيـنــا
وإن تـقـشَّــف مــنــا صـــــادقٌ ورِعٌ قـالـوا: يخـادِعُـنـا عـمْــدًا ويغـويـنـا
إذا صمتنا اقضَّ الصمـتُ مضجعَهـم وإن نطـقـنـا شـربـنـا كـأسَـنـا طـيـنـا
إذا أجبْـنـا عـلــى الـجــوالِ أمـطَـرَنـا بالـسـبِّ مَــنْ كــان نغلـيـه ويغلـيـنـا
وإن أبـيـنــا أتـتـنــا مــــن رسـائـلــه مثل السعيرِ على الرمضـاء تشوينـا
قلـنـا لـهــم هـــذه الأشـيــاءُ حلَّـلَـهـا أبــو حنيـفـة بـــل سُـقـنـا البراهـيـنـا
قالوا: خرقتَ لنا الإجمـاعَ فـي شُبَـهٍ مِــن رأيِــك الـفـجِّ بالنـكـراءِ تأتـيـنـا
وإن ضحـكـنـا أضـافـونـا بـسـخـريـة صـفــراءَ تمـلـؤنـا غـبـنًــا وتـذويـنــا
وإن بكـيـنـا لـظـلـوا شامـتـيـن بــنــا كأنـهـم وحـدَهُـم صـــاروا مـوازيـنـا
تــفـــردوا بـخـطـايـانــا وأشـغـلَــهُــم عن ذكـرِ سُوئِهُـمُ المُـرْدي مساوينـا
ويـفــرحــون إذا زل الـنــعــال بــنـــا ويـهـزؤون بـمــن يـــروي معالـيـنـا
ولا يـــرون ســـوى أغـلاطِـنـا أبـــدًا فنقـدُهُـمْ صــارَ فــي أهوائـهـم ديـنــا
وشتْمُهُمْ هو محضُ النصـحِ عندهـمُ وردُّنـــا هــــو زورٌ مــــن مـغـاويـنـا
لحـومُـهُـم عـنـدنـا مسـمـومـةٌ أبـــدًا ولحمُنـا صـارَ تـحـت النـقـدِ سرديـنـا
فـنـحــن عــنــد الحـداثـيـيـن قـافـلــةٌ مـن الـخـوارج نقـفـو النـهـجَ تاليـنـا
أمــا الـغـلاةُ فـإنــا عـنــد شيخـهـمـو لـسـنـا ثـقــاتٍ ومـــا كـنــا موامـيـنـا
ونـحـن فــي شـرعِـهِ خُـنَّـا عقيـدتَـنـا مـــن بـائـعـيـن مـبـاديـنـا وشـاريـنــا
حتـى السياسـي مرتـابٌ ولـو حلفـتْ لــنــا مـلائـكــةٌ جـــــاءوا مـزكـيـنــا
كــم مـولَـعٍ بخـلافـي لــو أقــولُ لــه هــذا النـهـارُ لـقـالَ اللـيـلُ يضـويـنـا
إذا طـلـبـنــا جـلـيــسًــا لا يـوافـقُــنــا واديــه لـيـس عـلـى قــربٍ بـواديـنـا
فـتـاجــرٌ لاهــــثٌ ألـهــتْــهُ ثــروتُـــه عبـدَ الدراهـمِ قـد عـادى المساكيـنـا
وجاهـلٌ كافـرٌ بالحـرفِ مــا بـصُـرَت عـيـنـاه سِـفْــرًا ومـــا أمَّ الـدواويـنـا
ومـعْـجَــبٌ صَــلِـــفٌ زاهٍ بـمـنـصـبـه تـواضـعٌ مـنـه فـضــلاً أن يماشـيـنـا
فـالآن حـلَّ لنـا هجـرُ الجميـعِ وفــي لــــزومِ مـنـزِلِـنـا غُــنْـــمٌ يـواسـيـنــا
نصـاحـبُ الكُـتُـبَ الصـفـراءَ نلْثِمُـهـا نشكـو لهـا صـخَـبَ الدنـيـا فتشكيـنـا
تضمُّنـا مـن لهـيـبِ الهـجـرِ تمطِـرُنـا بـالـحـبِّ تُضحِـكُـنـا طـــورًا وتُبْكـيـنـا
مـا فـي الخيـامِ أخـو وجــدٍ نطـارِحُـه حــديــثَ نــجــدٍ ولا خــــلٌ يصـافـيـنـا
فـالـزمْ فـديـتُـك بـيـتًـا أنـــتَ تسـكُـنُـه واصمتْ فكلُّ البرايـا أصبحـوا عينـا
شكـرًا لكـم أيهـا الأعـداءُ فابتهجـوا صـــارت عـداوتُـكُـم تـيـنًـا وزيـتـونـا
علَّمتمونـا طِــلابَ المـجـدِ فانطلـقـتْ بــنــا الـمـطـامـحُ تـهـديـنـا وتعـلـيـنـا
جـزاكـم اللهُ خـيـرًا إذْ بـكـم صـلـحـت أخطـاؤنـا واستَفَقْـنـا مــن معاصيـنـا
دلَلْـتُـمـونـا عــلــى زلاتِــنــا كــرمًـــا وغـيـرُكُـم بِـسُـكـارِ الـمــدحِ يُعمـيـنـا
فسـامِـحـونـا إذا ســالــتْ مـدامـعُـنـا مـن لـذعِ أسياطِـكُـم كنـتـم مصيبيـنـا
تجـاوزوا عـن زفيـرٍ مــن جوانِحـنـا حلمًـا عـلـى زفــراتٍ فــي حواشيـنـا
ثـنــاءُ أحبـابِـنـا قـــد عـــاقَ هـمـتَـنـا ولـــومُ حـسـادِنـا أذكـــى مـواضـيـنـا
مــاذا لقيـنـا مــن الدنـيـا وعشرتِـهـا عشاقُهـا نحـنُ وهـي الـدهـرَ تقليـنـا
عـلـى مصائـبـهـا نـاحــتْ مواجـعُـنـا ومــــن نـكـائـدِهـا ذابـــــتْ مـآقـيـنــا
تـغـتـالُـنــا بـدواهـيــهــا وتـنــحــرُنــا صـــارتْ مخالـبُـهـا فـيـنـا سكاكـيـنـا
والآن فـي البـيـتِ لا خِــلٌّ نُـسَـرُّ بــه إلا الـكــتــابُ يـنـاجـيـنـا ويـشـجـيـنـا