عندما ننادي على مثقفي أمة ما نقول "مثقفو الأمة"، فنضيف المثقفين إلى الأمة، وهذه الإضافة النحوية لها دلالة معنوية لازمة، بل هذه الدلالة هي التي أوجدت الحاجة لاستعمال هذه الإضافة، والدلالة المعنوية هي كون هؤلاء المثقفين عينة منتخبة، بل أفضل من يعبر عن مبادئ وأهداف الأمة التي ينتمون إليها، فليس "التثقف" هنا صفة عامة، كوجود العينين مثلا أو وجود دماغ، بل هي صبغة محددة، تنسب صاحبها إلى فئة معينة من ثقافة ما، فهم مثقفون أي متمكنون من ثقافتهم، عالمون بغالب أحوالها، يعملون بجد على حفظها، والدفاع عنها، ويعبرون أفضل تعبير عن أفكار الأمة التي ينتسبون إلى ثقافتها.
لكن ما نراه من "مثقفينا"، "مثقفو الأمة"، ولا أدري ما الأمة التي يتحدثون عنها!
فهم كبداية جاهلون بأسس ومبادئ هذه الأمة، والأسس التي أتحدث عنها هنا هي الأسس الشرعية، والأسس والتاريخية لأمتهم، فقلة قليلة منهم يحيطون بالحد الأدنى من الثقافة الشرعية، ناهيك عن ثقافة إضافية في علوم الشرع، تقدم لهم اللازم من الأسس ليكونوا فرسان القلم واللسان والعقل لهذه الأمة.
ولو أجرينا إحصاء بسيطا لوجدنا أغلبيتهم الساحقة لا يفقهون شيئا في أساسيات مهمة في العقيدة والفقه، كالولاء والبراء مثلا، أو بدائيات علوم المذاهب والأديان، بل وحتى أول باب في أبواب كتب الفقه (الطهارة)!، فكيف لهكذا مثقفين أن يمثلوا أمتنا؟ فهم بهذا الوصف لا يمكن ضمهم إلى صفوف الأمة أصلا، عوضا عن أن يكونوا من النخبة فيها.
وما يخزي أيضا هو الشوه التاريخي الموجود لدى هؤلاء، فهم يترفعون عن قراءة كتب التاريخ الإسلامية، المكتوبة بأيدي مسلمين، ويستبدلون بها ما كتبه كل أجنبي ومستشرق، معتقدين فيه الصحة، أو على الأقل مفضلين إياه على ما لدى المسلمين، فيكون الناتج نظرة بعيون "إسلامية" ذات ألوان وملامح أجنبية خاطئة ومخطئة.
فكيف لمن يعيش في هذه الحالة من الازدواجية والتباين في الانتماء والإيمان والثقافة أن ينصب نفسه ممثلا أو ينصبه غيره ممثلا عن هذه الأمة؟
ليس ما أقوله هنا مجرد تخمينات وتوقعات، بل هو واقع مقروء وواضح، يمكن التعرف عليها بكل سهولة باطلاع بسيط على بعض بطون الجرائد، وانتقاء عينات عشوائية يظهر فيها البعد الغريب عن أمتنا، والذي للأسف يتحدث بلسان الأمة بلا إرادة منها، بل بتكليف من أصحاب وسائل الإعلام الذين لا يختلفون كثيرا في نظرتهم وثقافتهم عن أولئك، وإلى أن تظهر حركة "مصححة" ليس لنا إلا أن ننتظر ونصبر أنفسنا بالقليل المقنع الموجود...
































