انتصبت جالسة على طرف الفراش و قد أفاقت قليلا من حالة الضجر التي كانت تعتريها.. أدخلت يدها في جيب حلتها الحمراء بحثا عن شيء ما.. ثم أخرجت هاتفا أنيقا و ألقت نظرة على شاشته..
" بفففف.. قد نسيت أني أقفلته قبل أن أدخل السينما !..
ضغطت على زر من الأزرار.. فلاحت على الشاشة ألوان و انبعث صوت عذب..
ثم اتسعت عيناها في تعجب و هي تقرأ شيئا ما !..
" ثمانية رسائل صوتية !.. غريب !... من يريدني بكل هذا الإصرار ؟؟..
و مطّت شفتيها في سخرية و هي تضغط على بعض الأزرار..
ألصقت الهاتف على أذنها و دارت عيناها، و هي تنتظر صوتا ما..
" المرجو إدخال الرقم السري ثم الضغط على علامة مربع..
نفذت بعفوية تعليمات الصوت المهذب ثم أعادت الهاتف إلى أذنها و قد زاد شوقها لسماع صوت إحدى صديقاتها..
> > >
" مرحبا بك في خدمة العلبة الصوتية... لديك.. ثمانية.. رسائل صوتية لم تقرأ بعد... للاستماع إلى الرسالة الأولى، اضغط على الرقم.. 1
...
" اليوم.. الساعة العاشرة و خمسة عشر دقيقة.. مساءا !..
" مـاذا ؟!..
هذا يعني أن الرسائل الثمانية جاءت كلها في ربع ساعة الأخيرة... هذا غريب حقا !..
بدأت تسمع صوتا ما.. لم تعرف كنهه في البداية، لكنه صوت غليظ، مزعج.. كما لو أن شيئا ما يحتك بالهاتف !.. ثم صفير الرياح !..
ارتفع حاجباها في دهشة و انتظرت لعلها تسمع صوت المتصل لكن لا شيء غير تلك الأصوات المريبة.. و التي بدأت تُفقدها الشعور بالراحة..
صوت السيارات.. صوت خطوات مستعجلة !.. صوت الاحتكاك من جديد...
و فجأة، حسبت (ستيفاني) أنها فهمت ما يجري !
إنه حتما اتصال خاطئ من شخص يمشي بالشارع و قد أغفل إقفال لوحة مفاتيح هاتفه. و بينما هو في جيبه، و هذا تفسير أصوات الاحتكاك، اتصل باسم من قائمة الأسماء و الذي هو اسمي طبعا..
هذا يعني أنه يعرفني !..
" انتهت الرسالة...
" للاستماع إلى الرسالة التالية اضغط على الرقم.. 2
لإعادة الاستماع إلى هذه الرسالة اضغط على...
> > >
" اليوم.. الساعة العاشرة و واحد و عشرون دقيقة.. مساءا !..
لكن، من المفروض أن ترى رقم المتصل.. "رسالة من.. ".. في حين أنها ترى الآن على الشاشة عبارة " رقم خــاص"..
قطع تفكيرها الصوت من جديد..
ذات الصوت في الرسالة الأولى.. و كأنها خترشة الجراد.. و الشخص يواصل خطوه المحموم !.. ترى من يكون ؟.. و أين يذهب بهذه السرعة ؟.. و لماذا صفير الرياح قوي إلى هذا الحد ؟..
تذكرت، على حين غرة، أن الجو كان ميالا إلى الاضطراب عندما كانت تتجول رفقة (سيدريك) هذا المساء..
أنهت الرسالة و قد أصابتها تلك الأصوات بشيء من التوتر و الإزعاج..
إنها حتما إحدى صديقاتي أو أحد زملائي.. لكن من منهم لا يظهر رقمه كلما اتصل بي ؟؟..
رنّ صوت المرأة الرقيق في أذنها مرة أخرى..
" للاستماع إلى الرسالة التالية اضغط على الرقم.. 2
لإعادة الاستماع....
> > >
بدأ يصيب (ستيفاني) نوع من الضجر و العصبية لما سمعت نفس الأصوات المبهمة.. و الرياح تعصف دوما، مصدرة نفس الصوت الذي تحدثه عادة بالمداخن و بين فرجات النوافذ المغلقة !.. أرادت إنهاء الرسالة بضغطة زر.. إلا أنها أعدلت عن ذلك فجأة و قد اكتست وجهها، من جديد، ملامح الاهتمام و الترقب !..
قد تغير شيء ما بالصوت.. اختفى صوت السيارات، و كأن الشخص قد وصل إلى مكان مغلق، صوت الخطوات أضحى واضحا تماما.. ثم.. صوت أنين و...
" انتهت الرسالة...
جاء صوت المرأة الحاد بشكل فجائي.. مما جعل (ستيفاني) تطلق شهقة صغيرة.. و اكتشفت أن يدها الممسكة بالهاتف.. ترتعش !..
" للاستماع إلى الرسالة التالية...
أبعدت الهاتف عن أذنها..
لم تعد تطيق كل هذا !... ماذا يحدث هناك بالضبط ؟..
أرادت إقفال الهاتف، لكنها لم تستطع..
ما مصدر ذلك الأنين ؟!.. يجب أن تعرف...
ثم ضغطت على الزر 2..
> > >
ما إن ضغطت على الزر حتى انطلق صوت موسيقى صاخبة، مرحة...
أصابت (ستيفاني) حالة من الفزع.. فنظرت بسرعة إلى هاتفها..
إنها رسالة صوتية جديدة.. و ذات العبارة الغامضة " رقم خــاص "..
(إنه) يواصل الاتصال بها عن طريق الخطأ، على ما يبدو !..
ضغطت على زر لتجاهل الاتصال الجديد و واصلت الاستماع إلى الرسالة الصوتية..
" اليوم.. الساعة العاشرة و أربع و عشرون دقيقة.. مساءا !..
صوت ارتطـام قوي... ثم صرخة أنثوية و...
" انتهت الرسالة...
رمت (ستيفاني) الهاتف على السرير...
> > >
كانت شفتاها ترتعشان و هي ممدة على السرير الأبيض..
يا إلهي !.. من يصرخ ؟؟.. إنها حتما امرأة.. لكن، لماذا تصرخ ؟؟.. و ماذا يعني صوت الارتطام ؟.. هل يعقل أن يكون ذلك الشخص قد ضربها مثلا ؟؟.. بهذه القوة ؟!... يا إلهي !..
وجدت نفسها تحمل الهاتف من جديد.. عالجت لوحة المفاتيح بسرعة متوترة قبل أن تلصق الجهاز على أذنها...
تحركت ستائر النافذة فجأة.. و ارتفعت خصلات شعر (ستيفاني) الشاردة.. كان النسيم قاسيا و أبرد من المعتاد على وجنتيها، فتوجهت ببطء إلى النافذة .. و أغلقتها.
" اليوم.. الساعة العاشرة و ست و عشرون دقيقة.. مساءا !..
صراخ مجنون.. زمجرة غاضبة... خبط و ضرب قوي...
" انتهت الرسالة...
" تبّـا !..
يبدو أن الرسائل الخاطئة تنتهي بسرعة هذه المرة نتيجة الحركات العنيفة لذلك الشخص المجنون !..
فكرت (ستيفاني) بهذا ثم انتقلت إلى الرسالة التالية..
و هكذا توالت الرسائل القصيرة جدا، و زادت جرعة الرعب في قلب (ستيفاني) !..
كانت المرأة تصرخ في كل مرة.. و زمجرة الشخص المجهول ترتفع حدتها شيئا فشيئا حتى توقف الصراخ تماما.. فحبست (ستيفاني) شهقة ذعر...
هل ماتت ؟!..
و سمعت صوت احتكاك قوي.. لعله صوت جر على الأرض !..
بقيت رسالة واحدة الآن... إنها الرسالة الجديدة التي وصلتها قبل قليل !..
> > >
لم تتوقع (ستيفاني) جديدا في الرسالة الأخيرة.. إلا أن الفضول لم يسمح لها بتجاهلها..
كانت الرسالة أطول قليلا من سابقاتها.. إذ توقفت حركاته العنيفة على ما يبدو..
يستمر صوت الجر.. و اللهاث.. ثم..
" تبا لها من حقيرة !...
إنه صوت جاء في الرسالة !..
أما ما جعل (ستيفاني) تشهق بحدة و تتسع عيناها برعب.. هو أنها عرفت صاحب الصوت.. عرفت نبراته جيدا.. مما لا يدع نقطة شك واحدة !..
> > >
" يا إلهي.. إنه (سيدريك)...
ربــاه !..
من هي المرأة التي كان يوجه لها الضرب المجنون ؟...
قد يكون شخصا آخر غيره... لا.. لا... إنه هو، أنا أعرف صوته الأجش جيدا.. لا يمكن أن أخطأه.. ثم إنه هو من لا يَظهر رقمه كلما اتصل بي !..
قاطع تفكيرها تغير حاد في الصوت !..
يبدو أنه أخرج الهاتف من جيبه !..
ثــم..
" (ستيفاني) !... اللعنة !... ماذا تفعلين هنا أيتها البغيضة الحمقاء ؟... تباّ...
ثم انتهت الرسالة... الأخيرة.
> > >
كانت تعلم أن (سيدريك) غريب الأطوار.. و لا يعرف معنى للرومانسية أو اللطف..
كانت تعلم أن (سيدريك) ليس على ما يرام... و كم ترددت في الخروج معه !..
تذكر ذلك اليوم الذي رفس فيه قطا صغيرا بجنون.. فثار غضبها و انفجرت باكية..
لكنها فتاة.. و كم تتلذذ الفتيات بقوة الشباب و عنفهم !..
> > >
تبعثر تفكير (ستيفاني) التي بدأت تنتحب بصوت مسموع.. فراحت تجوب الغرفة الصامتة جيئة و ذهابا.. دون حول و لا حيلة !..
سيقتلها.. و ربما يأتي هنا، بحثا عنها !..
" يا إلهي، ما أسوء حظي.. لماذا أنا بالذات.. لماذا ؟..
ثم قررت أخيرا أن تقصد مركز الشرطة، الذي لا يبعد كثيرا...
و هكذا التقطت معطفها بسرعة، و هرعت إلى الخارج دون أن ترتديه !..
> > >
وجدت الشرطة بعد أيام جثة امرأة كبيرة في السن وسط القمامة، بإحدى الأزقة الضيقة.. و تبين أنها كانت ساعية !..
و بعد أسابيع من الاختفاء وجدوا جثتها محللة، بإحدى قنوات صرف المياه.. و لم يكونوا ليتعرفوا على هويتها لولا بطاقة التعريف التي تثبت أنها.. (ستيفاني) المختفية !..
تمت بحمد الله