ماض البصيرة غلاب إذا اشتبهت ** مسالك الرأي صاد الباز بالحجل
إن قال برا وإن ناداه منتصر ** لبى وإن هم لم يرجع بلا نفلي
وحسبه أنه نبي.......... كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس..
هو للصديق كما يحب وللعدى ** عند الكريهة ضيغم زئار
يجتمعون على حربه.. ويحرض بعضهم بعضا.. للوقوف في وجهه.. وعدم التقصير في عداوته.. ويتطاولون عليه بالسخرية.. وهو صامد كالجبل الشهيق في علياءه.. يقرر أن ما جاء به سينفذ.. لو كان الثمن إهلاك هؤلاء الصناديد.. وحاله:
إن قومي تجمعوا وبقتلي تحدثوا ** لا أبالي بجمعهم كل جمع مؤنث
يقول عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما: اجتمع أشراف قريش في الحجر.. فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم.. قالوا: ما رأينا مثل صبرنا على هذا الرجل.. سفه أحلامنا.. وعاب ديننا.. وفرق جماعتنا فبين هم كذلك.. إذ طلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فأقبل يمشي حتى أستلم الركن.. وعداته منه تغص وتشرق.. فمغرب من غيظه ومشرق.. ثم مر بهم وهو يطوف بالبيت.. فغمزوه ببعض ما يقول.. وأشاروا بأعينهم وحواجبهم.. وهروا هرير المجحرات اللواهث.. قال ابن عمر: فعرفت ذلك في وجهه إذ تغير.. وظهرت عليه علامات الغضب.. ثم مضى فغمزوه بمثلها.. ثم مضى فغمزوه بمثلها.. فإذا السكون تحرك.. وإذا الخمود تلهب.. وإذا السكوت كلام.. يستنزل الهلك من أعلى منابره.. ويستوي عنده الرعديد والبطل.. فسل حساما من بيان فهومه.. فرد سيوف الغي مفلولة الحد.. قال : تسمعون يا معشر قريش أما والذي نفس محمد بيده.. لقد جئتكم بالذبح.. ألا إنها لو تنزلت على جبل.. أهوت به وهو خاشع.. فأخذت القوم كلمته.. حتى ما منهم رجل إلا كأنما على رأسه طائر..
حال الجريظ دون القريظ.. صادف در السل در يدفعه.. في هضبته ترفعه وتضعه.. وإن أشدهم وصات على إيذاءه.. ليرفؤه ويسكنه بأحسن ما يجد من القول.. يا أبا القاسم انصرف راشدا والله ما كنت جهولا.. والله ما كان جهولا صلى الله عليه وسلم..
لكنه جبل الوقار رسا وأشرف ** واعتلى وسما فطأطأت التلال رؤوس
من أنكر الفضل الذي أوتيته ** جحد العيان وأنكر المحسوس
كذلك كان إذا غضب.. ولا يغضب إلا لله ثم لا يقوم لغضبه شيء..
فإذا أوثير رأيت بركان رمى ** حمما ودك الأرض زلزالا
ترى الرجال وقوفا بعد فتكته ** بهم يظنون أحياء وقد قتلوا
وحسبه أنه نبي............ كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس.. أدركته القائلة في إحدى غزواته في واد كثير العظاح.. فنزل تحت سمرة وعلق بها سيفه.. وتفرق عنه أصحابه.. فجاء أعرابي فاختلط سيفه وسله.. ويا لله عدو متمكن وسيف شاهر وموت حاضر.. يقول: يا محمد أتخافني..؟؟ فلا نفس جزعت ولا حال تغيرت ولا روعة حصلت..!! وما كان إلا الرعد دعوى هديده.. يقول:......... لا........
كأنما الليث شبيه له ** فهو أخو الليث لام وأب
من اتق الله فأسد الشرى ** لديه مثل الأكلب العاوية
قال: فمن يمنعك مني يا محمد..؟؟ فاستحضر عظمة الله وقدرته ونصرته لأولياءه.. وقال..
يهوي فصيح القول من لهواته ** كالصخر يهبط من ذرى ثهلان
............ الله........... فخارت قواه وانحلت وسقط السيف من يده وأمكن من نفسه.. وقال: كن خير آخذ يا محمد فعفا عنه يتألفه.. فالله ما أشجعه وما أحلمه..
تهوي الجبال الراسيات وحلمه ** في الصدر لا يهوي ولا يتزعزع
رجع الأعرابي إلى قومه يقول جئتكم من عند خير الناس.. حاله:
قضيت التعجب من أمره ** فصرت أطالع باب البدل
وحسبه أنه نبي.......... كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس.. خبيرا بفنون المنازلة.. يزلزل الخصم فيوهي بنيانه.. يقوض أركانه.. يرعب جنانه..
عزيمته ترد الغمد سيفا ** وحكمة تر السيف غمدا
إن تعدوا يا سيف لتستعينه ** أجاب قبل أن تتم سينه
ثبت في سنن الترمذي رحمه الله.. أن ركانة مصارع لم يضع أحد جنبه على الأرض.. طلب منازلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومصارعته تبجحا بقوته وإعجابا ببنيته وسطوته.. معه ثلاث مئة من الغنم وقال: يا محمد هي لك أن تصارعني..؟؟
وساوس إبليس تغشى النظر ** وتخفي عن العقل نور الفكر
أي ركان أرح المطية ولا تكن ** كمحاول صيد النجوم من المياه الركد
هل لك أن تصارعني يا محمد..؟؟ فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا العرض وسيلة لهدف أسمى من المصارعة.. وهو إسلام هذا الرجل مع توظيف هذه الطاقة المتفجرة لإعلاء كلمة الله.. لا يريد صرعه لا يريد قتله.. وإنما يريد حياته.. فما هو إلا الغيث.. أما وقوعه خصب.. وأما ماؤء فطهور صلى الله عليه وسلم.. عامله صلى الله عليه وسلم على أنه غريق بحاجة إلى من ينتشله.. حاله:
يا رب حيران لو شئته ** تدا ظمئآن لو شئت وردت
يقول له: وما تجعل لي إن صرعتك..؟؟ فقال: مئة من الغنم.. فصارعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فصرعه.. فقال ركانة: هل لك في العود..؟؟ قال صلى الله عليه وسلم: وما تجعل لي إن صرعتك..؟؟ قال: مئة أخرى فصارعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فصرعه..
هو بالله وهل يخشى انهزاما ** من يكون الله في الدنيا نصيره
قال: هل لك في العود..؟؟ قال صلى الله عليه وسلم: وما تجعل لي إن صرعتك..؟؟ قال المئة الباقية فصارعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصرعه.. ثم بقي عليه كسرت شوكته ومالت هامته.. ارتطم بالأرض ظهره هوى بأسه وهوت قواه.. ومع ذلك فقد ذهب ماله وصار حاله:
وإني لمقدام وعندك هائب ** وفي الحي سحفان وندك باقل
ثم قال: يا محمد والله ما وضع جنبي على الأرض أحد قبلك.. وما كان أحد أبغض إليّ منك وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.. حاله: والله ما على الأرض أحد أحب إليّ منك اليوم
وأسبلت العينان منه بواكف ** من الدمع يجري بعد سح بوابلي
والليل ولى والظلام تبددا ** والصبح أشرق والضياء تجددا
فصار حال ركانة.. عملت الجزم بي.. وخفضت مني محل النصب.. ثم رفعت حالي.. قام عنه صلى الله عليه وسلم ورد عليه غنمه.. وهدفه هدايته.. فما الدنيا والله ببغيته.. يرى الدنيا وإن عظمت وجلت لديه.. أقل من شسع النعال.. ومن شيمة العضب المهند.. أنه يخاف ويرجى مغمدا ومجردا.. وحسبه أنه نبي.....
تبلى عظامي وفيها من محبته ** حب مقيم وشوق غير منصرم
كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس.. لا يجارى في قوة رأيه وإدراكه وبعد نظره فطن..
تكاد العمي تبصر الدجى لو ** أنها اكتحلت بنور ذكائه
وقف ضد رغبات أصحابه يوم الحديبية حين بركت ناقته فأعلن مقسما.. والذي نفسي بيده لا يسألونني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم.. حاله: مع حرمات الله فديتك بالسويدا من فؤادي.. ومن حدقي فديتك بالسواد.. دارت المفاوضات وسدت قريش السبل وأشيع مقتل عثمان رضي الله عنه.. فبايع أصحابه تحت الشجرة على الموت وعدم الفرار.. وتحت ذلك التصميم أرسلت قريش سهيل للصلح..
ولا ملامة إن هابوا وإن حرجوا ** لا يزار الليث إلا فرق الغنم
أجبتهم معلنا بالسيف منصلتا ** ولو أجبت بغير السيف لم تجبي
النبي صلى الله عليه وسلم يفاوض من مركز قوة.. ويتنازل في بعد نظر وأصالة رأي.. عن بسم الله إلى باسمك اللهم.. وعن رسول الله إلى محمد ابن عبدالله..
عذب المناهل غير أن ورودها ** نار المنايا حوله تتأجج
وكانت قريش إذ تأبى لشرطها ** كباحثت عن مدية تستثيرها
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل برد من جاء من المسلمين مهاجرا ولا العكس.. ويعلل ويقول: من ذهب منا إليهم فأبعده الله.. ومن جاءنا فرد جعل الله له فرجا ومخرجا.. وثقل ذلك على المسلمين وذهلوا عن أنفسهم.. لما أعيد أبو جندل رضي الله عنه إلى أبيه يرفس في قيوده.. يضربه أبوه في وجهه ويأخذ بتلابيبه وهو يستصرخ.. أأرد إلى المشركين وقد جئت مسلما..؟؟
فاضطرمت القلوب واضطربت.. وزلزل الهم قاصيهم ودانيهم.. حتى السماء رأوها غير ما عهدوا.. أما الصديق رضي الله عنه فقد تلقى ذلك بالرضا والتسليم.. فكان قلبه على قلب محمد صلى الله عليه وسلم حاله:
والكف ليس الزند ينكر قربه ** والعين لا يقسوا عليها المحجر
من لحمه لحمي ومن دمه دمعي ** وعلى محبته أموت وأحشر
أما عمر رضي الله عنه لعظم الوارد عليه.. أبى إلا أن يعلن عما في نفسه فيقول: يا رسول الله ألست نبي الله حقا..؟؟ ألسنا المسلمين..؟؟ أليسوا بالمشركين..؟؟ ألسنا على الحق وهم على الباطل..؟؟ ورسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي عمر حرية إبداء رأيه .. مع تسديده بلا عقاب ولا تجريم.. ويقول لعمر في كل ذلك: بلى.. بلى.. فيقول عمر: فلم نعطي الدنية في ديننا يا رسول الله.. فيقول صلى الله عليه وسلم إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري.. ويذعن الفاروق ويؤنب نفسه بعد.. وماهي والله إلا غيرة على الإسلام منه.. فهم بعدها هو وغيره إنما يحقق المكاسب العليا للإسلام.. فهو السنة النبوية والسياسة الشرعية التي يجب أن تقتفى.. فأذعنوا وندموا وعرفوا قصورهم فاقتصروا..
أخاطب البرق إن يسقي ديارهم ** ولو أراد بدمعي أو أراد دمي
معشر الأخوة:
ومع ما فيه الصحابة من غم لا مزيد عليه.. لم يخرجوا عن طوع رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وهم يرون سهيل فردا في جيش يتمادى في تفاوضه.. فلم ينله أحد بأذى وإنما مرجعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.. ورسول الله يسعه بالحلم حتى وصل إلى الغاية المنشودة من الصلح.. وانبلج الصبح فإذا الصلح فتح.. والغبن في الظاهر نصر.. سمعوا كلام الله وعظمت حرمات الله..
وكلما أوقدوا نارا بها احترقوا ** وأحدثوا الحرب فيهم يحدث الحرب
هكذا تبدوا شجاعة وسياسة رسول الله صلى الله عليه وسلم العملاقة.. إلى جانب سطحية التفكير لدى زعماء المشركين.. فشرطهم الذي اشترطوه تعنتا واستعلاء.. كان وبالا عليهم حيث سبب لهم حروبا عصابات على أيدي أبي بصير وصحبه لم يحسبوا لها حسابا..
حتى أقامت رؤوسا كان يحبلها ** أجلاف قوم وفي أعناقهم صعر
فقدوا الهدف الأعلى من الصلح.. وهو تأمين طريقهم إلى الشام.. فعادوا خاضعين ذليلين يعلنون تنازلهم عن شرطهم الجائر.. ويرجون من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤوي كل من جاءه من المسلمين..
فصار لواء الحق بالنصر خافقا ** وظل لواء الشرك بالذل يقهر
فما هو في صورته الظاهرة ظيم للمسلمين.. هو عز وفتح ونصر مبين.. نزلت السكينة على المؤمنين ودخل في دين الله أضعاف ما دخل قبل من المشركين.. وما فتح في الإسلام فتح قبله كان أعظم منه.. وتم تحييد قريش وتكبيلها بهذه المعاهدة.. فلم يفكروا في الحرب لعشر سنين..!! فحول المسلمون المعركة إلى اليهود وغيرهم من المجرمين..
عافوا المذلة في الدنيا فعندهم ** عز الحياة وعز الموت سياني
تلكم هي الشجاعة حقا يا معشر الإخوة:
تريث في غير عجلة.. تثبت في تؤدة.. بعد نظر في أصالة رأي.. لزم الوحي مع اتهام الرأي.. قضاء المصالح على أحسن وجه.. درء المفاسد في أجمل هيئة..
من يلاقي النار بالنار يزهدها ** لهبا إطفائه يغدوا محالا
الحد والشدة ليست لوازم قوة.. والتعقل والمدارات ليست مؤشرات ضعف.. والحزم والقوة والشجاعة حقا فعل ما ينبغي كما ينبغي في الوقت الذي ينبغي..!!
وريث المثابر أمضى خطا ** وأبلغ من قفزات الصخب
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ليس الشديد بالسرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب"
والسيف لا يمضي بدون روية ** والرأي لا يمضي بغير مهند
وقد يدفع الإنسان عن نفسه الأذى ** بمقوله إن لم يدافعه باليد
كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس.. خاض غمار الحروب في سبيل الله.. لإعلاء كلمة الله حتى لم تكن فتنة وكان الدين كله لله..
أزال ظلام الغي عن نير الهدى ** وحكم سيف الحق في كل باطل
مضى فعله المشتق من مصدر العلا ** فصح له منه اشتقاق اسم فاعل
في يوم حنين اختل نظام جيشه وانفض عنه معظمه.. وهو ثابت في الميدان لا يبرح.. مقبل لا يدبر.. ظاهر لا يتوارى.. وكيف يتوارى عن الموت.. من يوقن أن موته انتقال من حياة نصب ومشقة.. إلى ما اشتهت نفسه ولذت عينه.. يركض بغلته البيضاء في نحر العدو.. ويترجل عنها حينا.. فلا يرى أحد أشد منه يومئذ.. كالسيل في دفعاته.. والسيف في عزماته.. والموت في وثباته.. يشهر نفسه وهو هدف العدو الأعلى.. ويزأر.. هلموا إلي أيها الناس.. أنا رسول الله.. أنا محمد ابن عبد الله.. أنا النبي لا كذب.. أنا ابن عبد المطلب..
تخرج الألفاظ من فيه كما ** تخرج الدرة من جوف الصدف
له عزمة لو صادمت ركن يذبل ** ورضوى لهدت يذبل ومحت رضوى
مناديه ينادي: يا أصحاب السمرة.. يا أصحاب سورة البقرة.. فجر النداء مكامن الإباء.. وثاب الفار منهم ولبى.. وأما الصوت وحاله: يا رسول الله هانا ذا..
أنا بعض منك والكف على ** كل حال لا تضيع المعصم
وحمي الوطيس وبذل النفيس.. ورمى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوه القوم بقبضة من تراب قائلا: شاهت الوجوه فما خلق الله إنسانا منهم.. إلا ملئت عيناه من تلك القبضة فولوا مدبرين..
قد زلزل الرعب أيديهم وأرجلهم ** وعاد ثعلب قفر ذلك الأسد
فمجدل ومرمل وموسد ومضرج ومضمخ ومخضب.. ونزلت السكينة على المؤمنين..(فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)..
ومن لاذ بالله في دربه ** كفاه المهيمن من كل شر
كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس على الإطلاق.. فر عنه الكماة الأبطال غير مرة . وما أحصيت غير مرة.. ذهل عنه الشجعان ووجم الفرسان غير مرة.. ولم يحفظ له وجمة..
على الزعازع والأهوال والباس ** لو مادت الأرض يبقى الشامخ الراسي
ما وقعت هيعة أو صيحة أو فزع.. إلا تقلد السيف في عنقه وبادر ظهر الفرس يسبق إلى العدو.. يستبرأ الخبر ويطمئن أصحابه بشعار.. لن تراعوا لن تراعوا..
ليس يدنوا الخوف منه أبدا ** ليس غير الله يخشى أحدا
يغدوا وهوج الذاريات رواكد ** ويبيت يسري والكواكب نوموا
وحسبه أنه نبي....... كان النبي صلى الله عليه وسلم أشجع الناس يحقر كل ما يسميه الناس خطرا.. يثبت حين تزلزل أقدام الأبطال رهبا.. موقفه أقرب موقف من عدوه.. إذا اتقدت جمرة الحرب آوى الناس إليه وإحتموا بظله..
يتقي الموت به أشياعه ** حين جف الريق وانشق البصر
يشهد بذلك غصن من دوحته وجزء من جملته.. يؤكد العيان بالبيان ويؤد الإصطاح بالمصباح.. إنه علي رضي الله عنه فارس الفرسان وفتى الفتيان.. البطل المقدام همام الهمام الليث الكرار.. مفرق كتائب الكفار من روي في شجاعته مشهود الأخبار.. ما أمسك بذراع علج إلا حار وانقطع نفسه وخار..
لو عاين الأسد الضرغام لمته ** ما ليم أن ظن رعبا أنه الأسد
يقول علي رضي الله عنه في رسول الله صلى الله عليه وسلم.. ولقد رأيتنا يوم بدر وقد حمي البأس واحمرت الحدق.. ونحن نلوذ ونتقي برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أقربنا إلى العدو وأشدنا بأسا.. وإن الشجاع منا للذي يحاذي به..
له من بديع العزم ما لو تلوته ** على جبل لنهال في الدوي ربده
له هيبة في قوله وفعاله ** فلوا شاهدته الأسد كانت تهابه
هذه شهادة علي.. وحسبه أنه رسول نبي..........
لا تسألن القوافي عن شجاعته ** إن شئت فاستنطق القران والصحف
كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس لم يملأ صدره هول قط.. وما كر إلا كان أول طاعن ولا عاينته الخيل إلا اقشعرت..
يكون أمام الخيل أولا طاعن ** ويضرب أخراها إذا هي ولت
روي أن أبيّ ابن خلف قال بعد بدر متهددا.. إني لي فرسا أعلفه كل يوم فرقا من ذرة أقتل عليها محمدا..
ظل عنك المحال يا من تعنى ** ليس يلقى الرجال غير الرجال
هيهات لقد رمت أمرا يا أبيّ ** ودونه خياطف إلود صعاب مراتبه
شماريخ لو أن أبيّ أراداها ** رأى نفسه أذل من القرد
(فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ).. بلغت المقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالمدينة.. بل أنا أقتله عليها إن شاء الله.. وحاله:
فأنتم وعدتم بالهدية قبلنا ** فكان علينا يا أبيّ ثوابها
وفي يوم أحد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأيتم أبيّ فآذنوني.. لأنه صلى الله عليه وسلم لا يلتفت في القتال وراءه..
هزبر تفادى الأسد من وثباته ** لو مربض عنه يحيد الأكابر
إذا ما رأته العين غير لونها ** له واقشعرت من عراه الدوائر
أقبل أبيّ يركض فرسه متدرعا بالحديد مملوء الوطاب من سوء أدب الخطاب..
لو أن خفة عقله في رجله ** سبق الغزال ولم يفته الأرنب
يبحث عن حتفه بظلفه ** ويجدع مارن أنفه بكفه
يصيح بأعلى صوته: يا محمد لا نجوت إن نجوت.. يا محمد لا نجوت إن نجوت.. فقال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ما كنت صانع حين يغشاك فقد أتاك.. وإن شئت عطف عليه بعضنا فكفاكه.. فأبى صلى الله عليه وسلم أشد الإباء..
بطل تشيعه الأسود إذا غزى ** حتى وثقنا أنها من جنده
قنصت مهابته البزات وصادت ** الأسد الكماة قشاعم من جرده
فصاح أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لما أبى: نوصيك بالبغل شرا فإنه ابن الحمار.. رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبادره.. بل تركه يرعد وهو في غاية السكون والتؤدة والهدوء..
وهدوء أمواج البحار تأهب ** للمد يكتسح الشواطىء صرصرا
إذا رأيت الموج في البحر سكن ** فالموت كامن لإغراق السفن
ما أحد يشبهه صلى الله عليه وسلم ولا يكون له إذا جد الجد..
يتلاشى البحر في نيرانه ** ويخاف البحر من طوفانه
ولما دنى أبيّ تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحربة ثم هزها.. وحاله:
اقترب الوعد وحان الهلاك ** وكل ما تحذره قد أتاك
ثم انتفض بالحرمة كما ينتفض البعير.. فتطاير الصحابة من حوله تطاير الشعارير.. هيبة له حتى إذا رضيها عطف عليها بالفاء لا بثم.. فضربه بها في عنقه في فرجَة بين درعه وبيضته.. فأقتلعه من على فرسه فخر..
فلم يزده الله إلا هوانا ** وهو مهتضم حقير
وكان كفاقع عينيه عمدا ** فأصبح لا يضيء لها النهار
جعل يخور كما يخور الثور.. قتلني محمد.. قتلني محمد.. وعاد عواء بعد نبح هريره..
متبرقعا لؤما كأن عيونه ** طليت حواجبها عنية قاري
لم تغني عنه سيوف الهند مصلتتا ** لما أتته سيوف الواحد الصمد
جاءه أصحابه يقولون: أبا عامر والله ما بك من بأس ولو كان الذي بك بعين أحدنا ما ضره.. فقال: واللات والعزى لو كان الذي بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعون.. أليس قال لأقتلنك..!! والله لو بصق علي لقتلني.. فأصمت منهم كل من كان ينطق..!!
وما هم إلا بائل من مخافتي ** وآخر منهم ظل بالريق يشرق
وباء أبيّ بالصفقة الخاسرة ** وضيع الدنيا والآخرة
وهلك في طريقهم إلى مكة ولا يجني الظالم إلا على نفسه..
ومن ينزوا في أرض تسوخ فإنه ** على قدر ما ينزو يغوص ويغرق
شجاعة أعجزت قولي ** وفخري أن يلم بها لماما
ولولا إحتقار الأسد شبهتها به ** ولكنها معدودة في البهائم
كل الذي قلت شيء من شجاعته ** ما زدت إلا لعلي زدت نقصانا
فمن رام من شجاعة المختار كل الأخبار.. فدونه نزح البحار وما هذه كلها إلا إيماض برق باختصار..!!
ألفاظها نمت على مضمونها ** وصدورها دلت على الإعجاز
قولوا لأشباه الرجال تصنعا ** إلا تكونوا مثله فتقنعوا
معشر الإخوة:
أما إنه لولا الإيمان مقرونا بهذا الخُلق.. ما قام لله ناصح وما نفح عن الإسلام منافح.. إن الشجاعة ليست منازلة في الحروب فحسب..!!((الشجاعة)) تكليف يلتزم المسلم أداءه في السلم والحرب.. الأمر والنهي عن المنكر في عالم ضال((شجاعة)).. الدعوة إلى الإصلاح في أمة فاسدة النظم((شجاعة)).. الثبات أمام الشبهات والشهوات((شجاعة)).. فعل أوامر الله والكف عن نواهي الله((شجاعة)).. الدفاع عن النفس والمال والعرض والدين والمظلوم((شجاعة)).. ثبات المسلمة أمام شبهات أدعياء تحرير المرأة((شجاعة))..
هكذا كوني ولا تخشي أذى ** من أحب الشهد قاس الأبرا
الإنفاق في السراء والضراء وكظم الغيظ والعفو عن الناس((شجاعة)).. المجاهدة على ذلك كله((شجاعة))..
وكل شجاعة في المرء تغني ** ولا مثل الشجاعة في الحكيم
معشر الإخوة:
بهذا الخُلق نصر الإسلام على يدي أبي بكر رضي الله عنه يوم الردة.. والإمام أحمد رحمه الله يوم المحنة..
وإن لم يسر نجل السري بسيره ** فلا بدع إن طال العدى إنه دعي
هذا الخُلق هو الذي ترجم معنى لا إله إلا الله في قلب عبدالله رضي الله عنه ابن رأس النفاق أبي.. حين بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بأبيه ودعاه.. فخمر أنفه وقال: غبر علينا ابن أبي كبشة إليك عنا فقد آذانا نتن حمارك.. فغضب عبدالله لله.. وفي ظلال قول الله..(لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ).. أتى رسول الله وقال: يا رسول الله والذي أكرمك بالهدى ودين الحق لإن شئت لآتيتك برأسه.. حاله:
وإني لأرجوا أن أنال بقتله ** من الله أجرا مثل أجر المرابط
فقال صلى الله عليه وسلم:..... لا...... ولكن بر أباك وأحسن صحبته.. والحال:
فما البحر الخضم يعاب يوما ** إذا بالت بجانبه القرود
هذا الخُلق مع الإيمان هو الذي حرك الغيرة في قلب الشيخ المحاربي.. حين رأى منكرا على الحجاج لا يسعه السكوت عليه.. فأنكر عليه وهو يستشعر أن أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر.. فقال له: أسكت وأغرب والله لقد هممت أن أخلع لسانك فأضرب بها وجهك..
فقال الشيخ بعزيمة جبارة لو ** حملت أحدا لما شعرت له بكلال
سبحان الله إن صدقناك أغضبناك وإن غششناك أغضبنا الله.. ولا والله الذي لا إله إلا هو.. لغضب الأمير أهون من غضب الله..(وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ) ثم مضى.. وحاله:
فما دحضت رجلي ولا زل مقولي ** ولا طاش عقلي يوم تلك الزلازل
وما أنا ممن تقبل الضيم نفسه ** ويرضى بما يرضى به كل مائق
هذا الخُلق مع الإيمان هو الذي جعل عبادة في فتنة القول بخلق القرآن يصدع ويقول: كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود.. ثم كان حجة يفهم من يقول بذلك القول.. حين دخل يوما على الواثق وقال: يا أمير المؤمنين أعظم الله أجرك في القرآن..!! قال: ويلك القرآن يموت..!! قال: يا أمير المؤمنين كل مخلوق يموت.. ثم موه عليه ومخرق.. قال: بالله يا أمير المؤمنين من يصلي بالناس التراويح إذا مات القرآن..
فأعاد الحر منهم حائرا ** وثنا منهم المنطيق مفحما
سيرت سفنهم في بحره ** فهوت في قعره والتطما
سدت الطريق وأغص بالريق ويئس من الساحل الغريق..!!
وإن رغمت أنوف من أناس ** فقل يا رب لا ترغم سواه
وما كانت كِلام السيف يوما ** لتبلغ مثل ما بلغ الكلام
هذا الخُلق مع الإيمان هو الذي جعل دعاة القيم يزدرون حطام الدنيا وينظرون بشفقة ورثاء لمن يلهث ورائها كخادم لسيده..
تراه يشفق من تضييع درهمه ** وليس يشفق من دين يضيعه
حداه في درهمه أعز عندي من وحيد أمه كل المنى في ضمه وشمه.. فرفعوا أصواتهم إنما هذه الحياة الدنيا متاع.. من هؤلاء شاعر مسلم شجاع استنفر فوجب عليه النفير.. لما سمع يا خيل الله اركبي وبالجنة ابشري.. خرج مجاهدا في سبيل الله أمسكت به زوجته وهي تبكي وتقول: كيف تخرج وتتركني..؟! إلى من تدعني..؟! فكر وتأمل ورأى أن لا عذر له فولى وهو يغالب عواطفه.. يقول:
باتت تذكرني بالله قاعدة ** والدمع ينهل من شانيه سبلا
يا بنت عمي كتاب الله أخرجني ** كرها وهل أمنع الله ما فعلا
فإن رجعت فرب الكون أرجعني ** وان لحقت بربي فابتغي بدلا
ما كنت أعرج أو أعمى فيعذرني ** أو ضارع من ضنا لم يستطع هولا
ثم مضى شجاعا آثر الله ورسوله والدار الآخرة وجعل الدنيا دابة يركبها يستخدمها ولا يخدمها حداءه..
اختر لنفسك منزلا تعلوا به ** أو مت كريما تحت ظل القسطل
موت الفتى في عزة خير له ** من أن يعيش أسير طرف أكحل
عبد الله...........
من يرضى بالعير يهجر كاهل الفرس ** أتطلب جيفة الغربان يا خير الشياهين
خذها رافعيا إذا رأيت أمة فتنت بدنياها.. فاعلم أنها أمة جبانة مأكولة مفلولة.. فلو شهرت السيف الماضي.. لقاتل في يدها بروح ملعقة.. ولو رعدت بالأسطول المهول.. لصلصل كآنية المطبخ..
أسود لدى الأبيات عند نسائهم ** ولكنهم عند الهياج نقانق
إذا أبصروا شخصا يقولون جحفل ** وجبن الفتى سيف لعينيه بارق
فلا رحم الله امرأ باع دينه ** بدنيا سواه وهو للحق رامق
.. .. .. .. .. ........
هذا الخُلق مع خوف الله هو الذي جعل القاسم ابن محمد رحمه الله أحد الفقهاء السبعة يقول لمن سأله عن شيء لا يعلمه: لا أعلمه.. لا أحسنه.. فجعل يقول الرجل: إني أرسلت إليك لا أعرف غيرك..!! فقال القاسم: لا تنظر إلى طول لحيتي وكثرة الناس حولي.. والله لا أحسنه.. ووالله لأن يقطع لساني أحب إليّ من أن أتكلم بما لا علم لي به..
نأى بأعطافه من خوفه ورسا ** بأصله وسما بالأنف والراسي
فقال شيخ من قريش كان بجنبه: إلزمها فوالله ما رأيتك في مجلس أنبل منك اليوم..!!
تحكي السماء إذا أنوارها لمعت ** برج ببرج ونبراسا بنبراس
كم شارب عسلا فيه منيته ** وكم تقلد سيفا من به ذبحا
(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ)..
هذا الخُلق مع القرآن هو الذي جعل الشيخ ابن باز رحمه الله أسد إذا علم بظلم يقع على المسلمين أو عدوان على شريعة رب العالمين..
الحلم شيمته ولكن حينما ** يعصى الإله فإنما هو ضيغم
فلا يغرنك وجه راق منظره ** فالنصل فيه المنايا وهو بسام
يقول المجذوب رحمه الله: حينما كان الشيخ للجامعة الإسلامية صدر حكم بقتل أحد الدعاة في بلد ما فاعترى الشيخ ما يعتري المؤمن من غم في هذه النازلة التي تستهدف الإسلام.. فنفسه تخذل عنه يقول المجذوب: فكلفني بصياغة برقة لحاكم ذلك البلد.. قال: فكتبتها بقلب منذر يقطر غيرة وغضبا وجئت بها وكلي يقين أنه سيدخل على لهجتها من التعديل ما يجعلها إلى لغة المسئولين المنذرين.. لكنه حطم كل توقعاتي..!! فأقرها جميعا ثم قال أضف إليها قول الله..(وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً).. وأرسلت الرسالة وقضى الله قضاءه وقد أدى الشيخ ما عليه رحمه الله.. وحالـه:
وما كل نفس تحمل الذل إنني ** رأيت احتمال الذل شأن البهائم
ولا خير في العيدان إلا صلابها ** ولا ناهضات الطير إلا صقورها
ولا عجب يا معشر الإخوة فقد نقل عنه أنه قال يوما: والله منذ عقلت إلى اليوم ما أعلم أني عملت عملا لغير الله..
تعود صدق القول حتى لو أنه ** تكلف قولا غيره لا يجيده
فرحمه الله.............
هذا الخُلق مع الحق هو الذي جعل شابا مسلما يدخل في جموع النصارى.. ليفحم كبيرهم حين وقف يتحدث عن عيسى عليه السلام ويضعه في منزلة الله ويقول: من قال آمنت بعيسى إله لم يضره شيء ولم يتعرض لأذى..!! واستمر بعقول الناس ويداعب خيالهم وآمالهم بتعاليل لا تطفىء الغليل..!!
كلام كل ما فيه هراء ** وأشخاص الحكاية أغبياء
فقل أين التصامم والعماء ..؟! لكن أعذب الأصوات عند الحمير صوت الحمار.. عندما انتهى قام الشاب المسلم الشجاع وسأله قائلا: هل فعلا أنت تؤمن حق الإيمان بأن من قال آمنت بعيسى إله لا يضره شيء..؟! قال القس: نعم..!! فأخرج الشاب كأسا استجلس بها الراكب واستركب بها الجالس وقال: إن في هذه الكأس سما نوعه كذا ودرجة تأثيره كذا أرجوا أن تثبت لنا بطريقة عمليه تترجم صدق إيمانك بما قلت وتشرب بما في داخل هذه الكأس..؟!
فمحا بنور الحق آية ليلهم ** وتطايروا كالحمر لاقت قسورا
اتضح الحق.. والقس افتضح .. إسود وجه.. وأربد وهدد وأرعد.. ثم لان الجعد وسكن الرعد.. وحاله:
لا مساس.. لله الأمر من قبل ومن بعد.. كالسامري يقول إن حركته دعني .. فليس علي غير إزاري..!!
كذلك يعلوا الحق والحق واضح ** ويسهل كعب الزور والزور عاثر
هذا الخُلق مع الإيمان هو الذي جعل المهلب يعرض عن من شتمه وأقذعه وبهته بما ليس فيه.. ولما قيل له: لما لا ترد عليه..؟! قال: لا أعرف مساوئه وأخشى الله أن أبهته بما ليس فيه..!!
ومن الناس اسود خدر**ومن الناس ذباب وطنين
وهذا الخُلق مع إيمان كالجبال هو الذي حرك سيف الله ليث الإسلام وفارس المشاهد.. أبا سليمان خالد رضي الله عنه فدمر جيش مهران الفارسي مع نصارى العرب بأكمله.. دون أن يخسر جنديا واحدا..!!
يستسهل الصعب إن هاجت حفيظته ** لا يشاور إلا السيف إن غضبا
لما إلتقى جيش الإسلام بجيش الفرس مع النصارى العرب قال أحد نصارى العرب لمهران الفارسي: دعنا وخالدا نحن العرب أعلم بقتال العرب.. فقدمه مهران الفارسي ليتقي به..
وكيف يجيء البغل يوما بحاجة ** تسر وفيه للحمار نصيب
ولكن...........؟!
وإذا الحمار بأرض قوم لم ** يروا خيلا قالوا أغروا محجل
بلغت المقالة خالدا رضي الله عنه فعزم على أن يلقن المغرور درسا لكل مغرور ويخبره أي رجال حرب هم المسلمون.. وفي أناة القطاة ووثوب الأسد قام عاشق المفاجأة من لا ينام ولا ينيم.. ولا يبالي أوقع على الموت أم وقع الموت عليه.. وقال: إني حامل عليه بعينه ومينه..!!
فما كان إلا الليث انهوه الطوى ** وما كان إلا السيف فارقه الغمد
خرج إليه في جريدة من الخيل وهو مشغول بتسوية صفوف جيشه وجيشه منشغل بالنظر إلى خالد.. ما عسى أن يفعل أمام عشرات الآلاف وبينا هم غارقون في دهشتهم.. إذ انقض خالد في أسلوب صاعق مفاجىء كالبرق الخاطف والرعد القاصف والريح العاصف.. على المغرور فاختطفه من بين يدي جيشه كأنه ذباب..
ذباب طار في لهواته ليث ** كذاك الليث يلتهم الذباب
حمله على فرسه كما يحمل الصبي الرضيع ليرجع به إلى المسلمين.. وحاله:
فلو كنت حر العرض أو ذا حفيظة ** غلبت ولكن لم تلدتك الحرائر
ثم قال له خالد نفس مقالته: نحن العرب أعلم بقتال العرب.. ثم قده بالسيف ورماه على الجسر وقال: هكذا فاصنعوا بهم.. لله در أبي سليمان.. إنتضح بحره فأغرق..!! وقدح زنده فأحرق..!! فصار حيهم ميتا وهذرهم صمتا وجبالهم لا ترى فيها عوجا ولا أمتا.. لم يتحملوا الصدمة فلاذوا بالفرار..!!
وضاقت الأرض حتى صار هاربهم ** إذا رأى غير شيء ظنه رجلا
فركبهم المسلمون يقتلون ويأسرون ويسبون وهرب من هرب منهم إلى الحصن ثم نزلوا على رأيه فدمر جيشهم بأكمله ولم يخسر من جيشه..!!
لا يغمد السيف إلا بعد ملحمة ** ولا يعاقب إلا بعد تحذير
بعض المواقف يا رجال حرائر ** والبعض يا ابن الأكرمين إماء
ما جاء سيف الله من خمارة ** ما أنجبته الليلة الحمراء
حالـه:
أناضل عن دين عظيم وهبته ** عطاء مقل مهجتي وحياتيا
فممتثل لله أسلم وجهه ** يقول أنا وحدي سأحمي دينيا
بظهري ببطني بالذراع بمقلتي ** بجنبي بعظم الصدر حتى التراقيا
على ذروة التوحيد تخفق رايتي ** وتحت روابيها تصب دمائيا
بمثل هذا الشجاعة في إيمان بالله ترتفع راية الله.. في أرض الله.. وعندها يفرح المؤمنون بنصر الله.. لا توهمه بعيدا إنما الآتي قريب..!
لكن النصر لا يأتي ** جزافا بائنا عن مقصدي
لكنه بالصبر والإيمان**لا الفعل الردي
يا قوموا إن الله أكبر**من جموع المعتدي
فامضوا على نهج الرسول**وعزمه المتوقدي
تجمل أيها الآسي**وبث الخير في الناسي
وقرب فارس الإيمان**واطرد فارس اليأسي
ليزرع دربنا وردا**ويتحفنا بريحاني
ويقطع مارد الأشواك**في رفق وإحساني
ويسقي من معين الوحي ** عذبا كل ظمآني