كيف تكون سيد نفسك؟..
في تجربة شهيرة أجريت في الولايات المتحدة الأمريكية توصل الباحثون من خلالها إلى الحقيقة العلمية التالية :إن قوة الإرادة والقدرة على التحكم في النفس يؤديان إلى السعادة والنجاح في الحياة..
تعتمد التجربة على تخيير أطفال في سن الرابعة بين أخذ قطعة حلوى مباشرة أو أخذ قطعتين بعد وقت معين وعندما عاد الباحثون إلى هؤلاء الأطفال بعد أن صاروا كباراً تبين لهم أن نسبة المجموعة الذين يشعرون بالسعادة منهم أكبر في المجموعة التي اختارت فيها الأطفال أخذ قطعتين من الحلوى فيما بعد وأنهم أكثر نجاحاً واستقراراً في حياتهم المهنية والعاطفية ..
وسنتحدث هنا عن بعض المبادئ التي تساعد الإنسان على أن يكون سيد نفسه بدلاً من أن يكون عبداً لها وأن يتحكم بمشاعره بدلاً من أن تتحكم به وتقيده..
لقد خلق الله العواطف في نفوسنا من أجل وظيفة معينة وهي حماية الإنسان من الأخطار والحفاظ على وجوده والارتقاء بهذا الوجود والارتقاء بهذا الوجود هذه العواطف تلعب دورها الإيجابي عندما تأتي بالوقت المناسب والشدة المناسبة أما إذا أتت بشكل أقل أو أكثر من المطلوب فعندها ستلعب دوراً سلبياً في حياة الإنسان ..
إن الإنسان الذكي عاطفياً لا يتجاهل عواطفه ولا يكبتها وإنما يفهمها ثم يتفاعل معها بطريقة إيجابية خلاقة ،إن تجاهل الإنسان لعواطفه يمنعها من تأدية وظيفتها وهذا يشبه إطفاء جرس إنذار الحريق عندما يشب حريق بدلاً من الاتجاه إلى إطفاء الحريق.
أما كبت العواطف فيؤدي بالإنسان إلى مزيد من التوتر والاحتقان وينعكس سلباً على صحته النفسية والجسدية وهذا يشبه الذي يغلق منفذ البخار في الوعاء الذي يغلي فيه الماء..
هناك قاعدة أساسية في الذكاء العاطفي تقول : نحن لا نستطيع أن نقرر عواطفنا ولكننا نستطيع أن نقرر ماذا نفعل حيالها ومما لاشك فيه أن الناس مختلفون في تركيبهم العاطفي ومهمة الذكاء العاطفي مساعدة الإنسان على فهم تركيبته العاطفية والتعايش معها بحيث يحقق أكبر قدر ممكن من السعادة لنفسه ولمن حوله ..
هناك في الذكاء العاطفي قاعدتان أساسيتان تساعد المرء في إدارة عواطفه والتعامل معها بطريقة صحيحة..
أولاً:إدراك العاطفة...
إن الإنسان الذكي عاطفياً هو إنسان يدرك عواطفه أي يعرف ما الذي يشعر به ولماذا يشعر..وما علاقة ما يشعر به بطريقة تفكيره وأفعاله..
ثانياً :التعامل مع العاطفة بطريقة إيجابية خلاقة ..
أي توجيه هذه العاطفة السلبية وإدارتها بحيث لا تؤثر على حياتنا أو يوم منها..
فمثلاً عندما تخرج من المنزل غاضباً لسبب ما ولديك عمل هام يجب إنجازه فالإنسان الذكي عاطفياً يدرك أن هذه المشاعر السلبية ستؤثر في طريقة إدارته للعمل وقد يدرك أن –ربما - السير لبعض الوقت قد يفيد في إراحة الأعصاب وتنقية الذهن..وكل منا يعرف ما يريح أعصابه ويجعله يسترخي..
إن أول خطوة نحو الحكم بالعواطف هي تسمية هذه العواطف فنحن لا نستطيع التعامل بذكاء مع موضوع ما إذا لم تكن لدينا الكلمات المناسبة لوصفه والذين يجهلون قراءة عواطفهم يعيشون تحت رحمتها..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كيف نستطيع التحكم بمشاعرنا؟..
ذكرنا أن الشعور ينجم عن نمط معين من التفكير ونضيف أيضاً أن الشعور يؤدي إلى سلوك معين ،إن العلاقة ما بين هذه العناصر الثلاثة علاقة متبادلة ذات اتجاهين ..
التفكير الشعور السلوك..
نحن نستطيع أن نعمل الذكاء العاطفي وأن نتحكم في مشاعرنا إما بالتدخل ما بين التفكير والشعور أو ما بين السلوك والشعور..
أما التدخل بين التفكير والشعور فيكون بتغيير نمط التفكير أي تغيير الزاوية التي ننظر بها للأمور..فنحن عندما نغير طريقة تفكيرنا في أمر ما تتغير مشاعرنا نحوه وبالتالي يتغير سلوكنا تجاهه..
إن الإنسان الذكي عاطفياً يقرأ مشاعره دائماً ويسأل نفسه عن نمط التفكير الذي أدى إلى هذه المشاعر وهل يوجد نمط تفكير آخر أو طريقة أخرى في التعامل مع الأمور يمكن أن تؤدي إلى مشاعر أكثر إيجابية وسيصبح لديه الكثير من البدائل أي سيصبح قادراً على صنع المشاعر التي يريدها..
ونستطيع هنا أن نفهم لماذا فجر الإسلام الطاقات الهائلة في نفوس المسلمين الأوائل عندما فهموه على حقيقته ..فالمؤمن هادئ النفس واثق الخطوة وهو عندما يأخذ بالأسباب ويتوكل على الله لا يمكن أن توتره أي مشكلة توتراً زائداً عن اللزوم لأنه يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه ..
قال تعالى:"قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَلِ المُؤْمِنُونَ.."
وما أروع هدي النبي عليه الصلاة والسلام في ذلك حين قال:"يَا غُلامْ إِنِّيْ أُعَلِّمُكَ كَلِمَات احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ ، احْفَظِ الله َتَجِدْهُ تِجَاهَكَ وَإِذَا سَأََلْتَ فسأَلِ الله وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِالله ،وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَو اجتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنفَعُوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلًّا بِشَيءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَك..وَ إِنْ اجتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَضُرُوكَ إِلَّا بِشَيءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَليكَ .رُفعت الأَقلامْ وجَفَتْ الصُّحُفْ " حديث حسن صحيح رواه الترمذي..
إن المسلم لا يسخط حين تنزل به المصيبة ولا يقول (لماذا أنا؟؟..) لأنه يعرف أن الحياة ابتلاء وأنه سيؤجر إذا صبر واحتسب كما قال عليه الصلاة والسلام "عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير ،إن أصابته ضراء صبر فكان ذلك خيراً له وإن أصابته سراء شكر فكان ذلك خيراً له " حديث صحيح رواه مسلم..
إن الزاوية التي ينظر بها المسلم إلى الأمور تجعله أذكى الناس عاطفياً وأكثرهم قدرة على تجاوز المشاعر السلبية وتوليد المشاعر الإيجابية في نفسه وفي من حوله.
أما إعمال الذكاء بين السلوك والشعور فيتجلى باتباع سلوك معين من أجل السيطرة على شعور ما .
إن العبادات في الإسلام ما هي إلا سلوك معين فرضه الله علينا لصنع مشاعر معينة في نفوسنا وتحديد النشاط من خلال شعورنا بالاتصال بالله عز و جل فالصلاة تشعر الإنسان بالراحة بالقرب من الله وبالتالي تجعله أكثر قدرة على اتباع أوامره وقد حضنا الله على الخشوع في الصلاة إذ أنه من دون هذا الخشوع تفقد الصلاة تأثيرها في حياة المسلم قال عليه الصلاة والسلام:"مَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلَاتُهُ عَنِ الفَحشَاءِ وَالمُنْكَرِ لَمْ يَزددْ مِنَ اللهِ إِلا بُعْدَاً."ويستطيع كل منا إن يبدع عشرات الأفكار والطرق لتقليل المشاعر السلبية وزيادة المشاعر الإيجابية إما بتغيير طريقة التفكير أو بتغيير السلوك .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طريق سيادة النفس ليس معبداً...
حين يقتنع الإنسان بوجوب تغيير عادة سيئة أو اكتساب عادة جيدة فإن عليه أن يعرف الأمور التالية..
1- لكل شيء ثمن فلا يمكن للإنسان أن يغير شيئاً دون أن يدفع جهداً نفسياً في ذلك ويتناسب الجهد مع حجم التغيير الذي يريد أن يحدثه الإنسان في نفسه ..
2- التغيير مؤلم في البداية لكنه يحقق سعادة كبيرة في النهاية ،يفشل الكثيرون في تغيير أنفسهم لأنهم يعتقدون أن المعاناة التي ستصادفهم في البداية ستستمر مع مرور الزمن والحقيقة أن هذه المعاناة مؤقتة وستتبعها سعادة كبيرة .
3- النكس أثناء عملية التغيير ليس فشلاً ، كثير من الناس يعارضون عملية التغيير ليس لأنهم لا يريدون التغيير ولكن لأنهم حاولوا فظنوا التغيير مستحيلاً هناك مثل انكليزي يقول :" ليس هناك فشل وإنما هناك توقف عن المحاولة "..والنكس يعتبر خطوة على طريق النجاح ولكن شرط أن يفكر الإنسان بكل جدية لماذا فشلت وأن يغير شيئاً في أسلوب تعامله مع نفسه أنا إذا استمر بالأسلوب نفسه فسيحصل على النتائج نفسها.. وكل هذا مرهون برغبة الإنسان في التغيير ومدى جديته وقناعته بالكسب الذي سيحققه هذا التغيير
وطبعاً وجود الأصدقاء يساعد الإنسان ويشعره بالدعم المعنوي كما يمنحه فرصة لتبادل التجارب والخبرات مع أشخاص يمشون معه في نفس الطريق..
وأخيراً لا بد من التذكير بأن على المسلم وهو يهم بالتغيير أن يطلب العون من الله وأن يوقن الإجابة وأن لا يمل ولا يتوقف عن الدعاء قال تعالى:" وَإِذَا سَألكَ عِبَادِيْ عَنِّي فَِإنِّيْ قَرِيبٌ أُجِِيبُ دَعوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعَانِ فَليستجيبُوا لِي ولْيُؤمِنُوا بِي لَعلَّهُم يَرْشُدُونْ."
ـــــــــــــــــــــــــــ
المشاعر أولاً..
لقد اعتدنا إهمال المشاعر في حياتنا اليومية وأحاديثنا وإن إهمال الجانب العاطفي يحرمنا من التمتع من أجمل شيء في حياتنا وهي المشاعر فالإنسان دون مشاعر يتحول إلى آلة صماء والمشاعر التي تعطي الحياة تجددها وألوانها وأبعادها إذ تصبح الحياة دونها مملة رمادية مسطحة وهي أهم مصدر نستقي منه معلوماتنا أي هي النافذة التي نطل من خلالها على ذواتنا وهناك قاعدة في الذكاء العاطفي تقول أن كل شعور يحمل في داخله معلومة فالإنسان الذي يشعر بالسعادة أثناء قيامه بعمل ما سيعرف أن هذا العمل يناسبه أكثر من غيره وأنه سيبدع فيه أكثر من غيره وهذه المعلومة المهمة ما كان ليحصل عليها الإنسان لولا المشاعر ومن خلاله نستطع أن نعرف ما يهمنا وما لا يهمنا وأن نقارن بين أولوياتنا وسلم مبادئنا واهتمامنا وبالتالي نعرف كم نحن بعيدون أو قريبون عما نؤمن به .
وأخيراً إن مشاعرنا هي هويتنا فالإنسان يتميز عن غيره بمشاعره وبمقدار ما يدلل المرء مشاعره وينميها ويهتم بها بمقدار ما يشعر بذاته واستقلاله .
يـــــــــــــتـــــــــبـــــــــــع..............