ما زلتَ تضحك والأيامُ تعتكرُ
ما زلتَ تجذب أهواءَ الورى طرباً
وتُترع الدنَّ للعشّاق إن سكروا
ما زلتَ تسبح في الأجواء صافيةً
وتستفزُّ خيالَ القوم ما شعروا
وتملأُ الكونَ ألحاناً مُشعشعةً
وتُشعل الأُفُقَ الداجي فيزدهر
ما زلتَ تنظم للأجيال ملحمةً
فصولُها لبناتِ المجد تُبتَكر
ما زلتَ ترقص كالحسناءِ مُنبهراً
في هيكل من ضِرام الشوق يَنْضَفر
وتسكب الحُلْمَ في عين الكرى وَلَهاً
وتَستسرّ النجاوى وهْي تُعتصَر
حتى تقرَّب منك (العلمُ) في حَذَرٍ
كذلك الذئبُ خَتّالٌ ومُؤتمِر
رنا إليكَ وفي إشعاع نظرتهِ
حُمّى تلظّى بها الإصرارُ والظَّفَر
غزاكَ (صاروخُه) الجبّار مُبتدِراً
والغدرُ في طبعه عاتٍ ومُبتدِر
(سفينُه) حطَّ من بعد الضَّنى - سَغِباً -
عليكَ مبتهجاً أنيابه حُمُر
وسار فوقكَ مَزهوّاً ومُنتفِشاً
طاووسُه فَعَلاكَ الغَبْنُ والكَدَر
أرسى عليكَ شِباكَ الرصد مُشرعَةً
ما ذاك أولُ سارٍ غرّه النظر
سِهامُه في يديه شكّلتْ عَلَماً
لا تكترثْ فسهامُ البغي تنكسر
سلِ الغُزاةَ غزاةَ (البدر) إذ رحلوا
مستبشرين من الأحلام قد سخروا
سلهم وقد مخروا الآفاقَ ما أَبَهوا
للموت، والموتُ قيدُ اللَّحْظ ينتظِر
ماذا أصبتُم؟ وكم عانيتُمُو نَصَباً
أغايةُ العصر أن يفنى به البشر؟
لم يكفِهم من كمين الحرب ما نَصَبوا
في الأرض والبحر حتى استُعمِر القمر
قالوا لنا في مَجاني الحرب تجربةٌ
أمّا السلامُ ففيه العقلُ يُختصَر
قالوا سنكتشفُ الآفاقَ موغلةً
في البعد، هل ضمّنا للقُرب مُؤتَمَر؟
وهل حيينا حياةَ الخفض وارفةً؟
وهل وَرَدنا ليبقى بعدنا صَدَر؟
وهل عَمَرْنا فجاجَ الأرض قاطبةً؟
سلِ الصحارى يُجِبْكَ الشوكُ والمَدَر
وهل كفينا بني الإنسانِ حاجتَهم؟
سَلِ الأُلى في جحيم اليأس قد قُبِروا
سيلُ الدماء يروع الركبَ فارتدعوا
عن غيّكم ودعوا الأفلاكَ تنتشر
لا تربطوها بهذي الأرض إنَّ لها
عن أرضكم مَسْرحاً يحلو به السَّمَر
وسائلُ الفتك تكفي خنقَ كوكبكم
إذ يستجيب لها من شُؤمكم وَطَر
لا تستحثّوا الدراري أن تُبادركم
بحقدها فهو مَشبوب ومُستعِر
واستأصِلوا الظلمَ إمّا قرَّ طائرُكم
فالعدلُ خيرُ ثمارِ العقل تُدَّخَر
آمنتُ بالعلمِ لكنْ لا أباركهُ
إلا إذا عبَّ منه البدوُ والحَضَر
ولا أُشايعه للغيّ مُنتهِجاً
فموكبُ العِلم لا كِبْرٌ ولا بَطَر
آمنتُ بالعلم يذوي الداءَ يقهرُهُ
يُهدي الغذاءَ لمن أزرى به الخَوَر
أُريد عالمنا الأرضيَّ مُنْسكباً
به الأمانُ مُدَلّىً فوقه الثمر
يفيض بالمرح الموّارِ أجنحةً
خُضْراً وأفئدةً بالحبّ تأتزر
يرى به كلُّ فردٍ ما يقرُّ بهِ
عيناً وما يجتبيه السمع والبصر
يلقى به الطفلُ مَهداً دافئاً ويرى
فيه الأيامى ظلالاً ليس تنحسر
فما يُفيد صعودُ (الزُّهر) شامخةً
ونحن في حَمَآتِ الذلّ نندثر
وما العزاءُ إذا طافتْ لنا زُمرٌ
بالبدر وانتحرتْ من بؤسها زُمَر؟
وغرّد الصادحُ الشادي على قمرٍ
وأجهش المتعبُ المحسور يُحتضَر؟
يا (بدرُ) يا وحيَ شِعر العالمين فما
يثني عن الشِّعر جمرٌ فيكَ أو حجر
تظلّ رمزَ الضياء السمح، كيف لهم
أن يطمسوا صورةً تُجلَى بها الصُّوَر؟
سميرَ دنيا الهوى، عمرُ الهوى أبدٌ
فلا يُخالجه وَهْنٌ ولا كِبَرُ!