ينصر دييينك يا راااقل 
...
حيَّاكِ اللهُ أختي الفاضلة شجون ، على الرحبِ و السَّعَة ^^
====
القائل هو :
ابن زريق البغدادي
420 هـ / 1029 مـ
أبو الحسن علي (أبو عبد الله) بن زريق الكاتب البغدادي
شاعر قتله طموحه ، يعرفه دارسو الأدب ومحبوه ، لكنهم لايعرفون له غير هذا الاثر الشعري الفريد يتناقله الرواة، و تُعنى به دواوين الشعر العربي
فإذا ما تساءلنا عن الشاعر ، و عن سائر شعره ، فلن نظفر من بين ثنايا الصفحات بغير بضعة سطور ، تحكي لنا مأساة الشاعر العباسي (ابن زريق البغدادي) الذي ارتحل عن موطنه الأصلي في بغداد قاصدا بلاد الأندلس
عله يجد فيها لين العيش وسعة الرزق ما يعوضه عن فقره .. و يترك الشاعر في بغداد زوجة يحبها وتحبه كل الحب ، و يخلص لها و تخلص له كل الاخلاص ، من أجلها يسافر و يهاجر و يغترب ، و في الأندلس يجاهد الشاعر و يكافح من أجل تحقيق الحلم لكن التوفيق لا يصاحبه ، و يمرض ، و يشتد به المرض ثم تكون نهايته في الغربة ..
((ذ كر ابن السمعاني لهذه القصيدة قصة عجيبة فروى:
أن رجلا من أهل بغداد قصد أبا عبد الرحمن الأندلسي وتقرب إليه بنسبه فأراد أبو عبد الرحمن أن يبلوه ويختبره فأعطاه شيئا نزراً فقال البغدادي إنا لله وإنا إليه راجعون سلكت البراري والقفار والمهامه والبحار إلى هذا الرجل فأعطاني هذا العطاء النزر فانكسرت إليه نفسه فاعتل ومات وشغل عنه الأندلسي أياما ثم سأل عنه فخرجوا يطلبونه فانتهوا إلى الخان الذي هو فيه وسألوا الخانية عنه فقالت إنه كان في هذا البيت ومذ أمس لم أبصره فصعدوا فدفعوا الباب فإذا هو ميت وعند رأسه رقعة فيها مكتوب:
لا تعذليه فإن العذل يولعه
قد قلت حقا ولكن ليس يسمعه
وذكر أبياتا من القصيدة غير تامة
قال فلما وقف أبو عبد الرحمن على هذه الأبيات بكى حتى خضب لحيته وقال وددت أن هذا الرجل حي و أشاطره نصف ملكي و كان في رقعة الرجل منزلي ببغداد في الموضع الفلاني المعروف بكذا و القوم يعرفون بكذا فحمل إليهم خمسة آلاف دينار وعرفهم موت الرجل ))
ويضيف الرواة بعدا جديدا للمأساة ، فيقولون إن هذه القصيدة التي لا يُعرف له شعر سواها وُجدت معه عند موته سنة 420 من الهجرة ، يخاطب فيها زوجته ، و يؤكد لها حبه حتى الرمق الأخير من حياته
ويترك لنا-نحن قراءه من بعده- خلاصة أمينة ، لتجربته مع الغربة و الرحيل ، من أجل الرزق ، و في سبيل زوجته التي نصحته بعدم الرحيل فلم يستمع لها
وهو في ختام القصيدة نادم .. حيث لم يعد ينفع الندم أو يجدي .. متصدع القلب من لوعة وأسى حيث لا أنيس و لا رفيق معين
و المتأمل في قصيدة ابن رزيق البغدادي لابد له أن يكتشف على الفور رقة التعبير فيها ، و صدق العاطفة وعمق التجربة
فهي تنم عن أصالة شاعر مطبوع له لغته الشعرية المتفردة ، و خياله الشعري الوثاب، و صياغته البليغة المرهفة
يقول ابن زريق البغدادي في مستهل قصيدته مخاطبا زوجته :
لا تَعذَلِيه فَإِنَّ العَذلَ يُولِعُهُ .. قَد قَلتِ حَقاً وَ لَكِن لَيسَ يَسمَعُهُ
جاوَزتِ فِي لومه حَداً أَضَرَّ بِهِ .. مِن حَيثُ قَدرتِ أَنَّ اللوم يَنفَعُهُ
فَاستَعمِلِي الرِفق فِي تَأِنِيبِهِ بَدَلاً .. مِن عَذلِهِ فَهُوَ مُضنى القَلبِ مُوجعُهُ
قَد كانَ مُضطَلَعاً بِالخَطبِ يَحمِلُهُ .. فَضُيَّقَت بِخُطُوبِ الدهرِ أَضلُعُهُ
يَكفِيهِ مِن لَوعَةِ التَشتِيتِ أَنَّ لَهُ .. مِنَ النَوى كُلَّ يَومٍ ما يُروعُهُ
ما آبَ مِن سَفَرٍ إِلّا وَأَزعَجَهُ .. رَأيُ إِلى سَفَرٍ بِالعَزمِ يَزمَعُهُ
كَأَنَّما هُوَ فِي حِلِّ وَمُرتحلٍ .. مُوَكَّلٍ بِفَضاءِ اللَهِ يَذرَعُهُ
إِنَّ الزَمانَ أَراهُ في الرَحِيلِ غِنىً .. وَلَو إِلى السَدّ أَضحى وَهُوَ يُزمَعُهُ
تأبى المطامعُ إلا أن تُجَشّمه .. للرزق كداً وكم ممن يودعُهُ
وَما مُجاهَدَةُ الإِنسانِ تَوصِلُهُ .. رزقَاً وَلا دَعَةُ الإِنسانِ تَقطَعُهُ
قَد وَزَّع اللَهُ بَينَ الخَلقِ رزقَهُمُ .. لَم يَخلُق اللَهُ مِن خَلقٍ يُضَيِّعُهُ
لَكِنَّهُم كُلِّفُوا حِرصاً فلَستَ تَرى .. مُستَرزِقاً وَ سِوى الغاياتِ تُقنُعُهُ
وَالحِرصُ في الرِزقِ وَالأَرزاقِ قَد قُسِمَت .. بَغيٌ ، أَلّا إِنَّ بَغيَ المَرءِ يَصرَعُهُ
ثم يلتفت ابن رزيق التفاتة محب عاشق إلى بغداد ، حيث زوجته التي تركها دون أن يستمع إلى نصيحتها ، إنها مملكته التي أضاعها ولم يحسن تدبيرها :
أستَودِعُ اللَهَ فِي بَغدادَ لِي قَمَراً .. بِالكَرخِ مِن فَلَكِ الأَزرارَ مَطلَعُهُ
وَدَّعتُهُ وَبوُدّي لَو يُوَدِّعُنِي .. صَفوَ الحَياةِ وَأَنّي لا أَودعُهُ
وَكَم تَشبَّثَ بي يَومَ الرَحيلِ ضُحَىً .. وَأَدمُعِي مُستَهِلّاتٍ وَ أَدمُعُهُ
لا أَكُذبُ اللَهَ ، ثوبُ الصَبرِ مُنخَرقٌ .. عَنّي بِفُرقَتِهِ لَكِن أَرَقِّعُهُ
إِنّي أَوَسِّعُ عُذري فِي جَنايَتِهِ .. بِالبينِ عِنهُ وَجُرمي لا يُوَسِّعُهُ
رُزِقتُ مُلكاً فَلَم أَحسِن سِياسَتَهُ .. وَكُلُّ مَن لا يُسُوسُ المُلكَ يَخلَعُهُ
وَمَن غَدا لابِساً ثَوبَ النَعِيم بِلا .. شُكرٍ عَلَيهِ فَإِنَّ اللَهَ يَنزَعُهُ
وفي ختام القصيدة يتحدث ابن زريق عن واقع الحال مع الغربة ، بين الأسى واللوعة ، والندم والألم، وهنا ينفسح المجال للتأمل ، وينطلق اللسان بالحكمة التي تفجرها التجربة ، ويشرق القلب بالدموع :
اِعتَضتُ مِن وَجهِ خِلّي بَعدَ فُرقَتِهِ .. كَأساً أَجَرَّعُ مِنها ما أَجَرَّعُهُ
كَم قائِلٍ لِي ذُقتُ البَينَ قُلتُ لَهُ .. الذَنبُ وَاللَهِ ذَنبي لَستُ أَدفَعُهُ
أَلا أَقمتَ فَكانَ الرُشدُ أَجمَعُهُ .. لَو أَنَّنِي يَومَ بانَ الرُشدُ اتبَعُهُ
إِنّي لَأَقطَعُ أيّامِي وَأنفقُها .. بِحَسرَةٍ مِنهُ فِي قَلبِي تُقَطِّعُهُ
بِمَن إِذا هَجَعَ النُوّامُ بِتُّ لَهُ .. بِلَوعَةٍ مِنهُ لَيلى لَستُ أَهجَعُهُ
لا يَطمِئنُّ لِجَنبي مَضجَعُ وَ كَذا .. لا يَطمَئِنُّ لَهُ مُذ بِنتُ مَضجَعُهُ
ما كُنتُ أَحسَبُ أَنَّ الدهرَ يَفجَعُنِي .. بِهِ وَلا أَنَّ بِي الأَيّامَ تَفجعُهُ
حَتّى جَرى البَينُ فِيما بَينَنا بِيَدٍ .. عَسراءَ تَمنَعُنِي حَظّي وَتَمنَعُهُ
قَد كُنتُ مِن رَيبِ دهرِي جازِعاً فَرِقاً .. فَلَم أَوقَّ الَّذي قَد كُنتُ أَجزَعُهُ
بِاللَهِ يا مَنزِلَ العَيشِ الَّذي دَرَست .. آثارُهُ وَعَفَت مُذ بِنتُ أَربُعُهُ
هَل الزَمانُ مَعِيدُ فِيكَ لَذَّتُنا .. أَم اللَيالِي الَّتي أَمضَتهُ تُرجِعُهُ
فِي ذِمَّةِ اللَهِ مِن أَصبَحَت مَنزلَهُ .. وَجادَ غَيثٌ عَلى مَغناكَ يُمرِعُهُ
مَن عِندَهُ لِي عَهدُ لا يُضيّعُهُ .. كَما لَهُ عَهدُ صِدقٍ لا أُضَيِّعُهُ
وَمَن يُصَدِّعُ قَلبي ذِكرَهُ وَإِذا .. جَرى عَلى قَلبِهِ ذِكري يُصَدِّعُهُ
لَأَصبِرَنَّ على دهر لا يُمَتِّعُنِي .. بِهِ وَلا بِيَ فِي حالٍ يُمَتِّعُهُ
عِلماً بِأَنَّ اِصطِباري مُعقِبُ فَرَجاً .. فَأَضيَقُ الأَمرِ إِن فَكَّرتَ أَوسَعُهُ
عَسى اللَيالي الَّتي أَضنَت بِفُرقَتَنا .. جِسمي سَتَجمَعُنِي يَوماً وَتَجمَعُهُ
وَإِن تُغِلُّ أَحَدَاً مِنّا مَنيَّتَهُ .. فَما الَّذي بِقَضاءِ اللَهِ يَصنَعُهُ
و أعتذر للإطالة ، و لكن القصة مؤثرة ، و القصيدة ممتلئة بالمشاعر الجياشة ، لم أستطع الإكتفاء بمجرد الإقتباس
====
مَن القائِل :
أبكي و أضحكُ والحالاتُ واحدةٌ .. أطوِي عليها فؤاداً شفّهُ الألمُ
فإن رأيتَ دموعي و هي ضاحكةٌ .. فالدمعُ من زحمةِ الآلامِ يبتسمُ
و في الجَوَانِحِ خَفَّاقٌ متى عَصَفَتْ .. بهِ الشُّجُونُ تَلَوَّى و هو مضطَرِمُ