يوسف القرضاوي والشيعة .
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرحيم .
العلَّامة يوسف القرضاوي مِنْ أكابِرِ أهلِ العِلم في العصر الحالي ،مؤلفاتُه لا تخلو مِنها مكتبة ،وخُطبهُ ومُحاضراتُه بَلَغتْ القاصي والدَّاني ،هو الفقيهُ واللغوي والأديب والمُفكِّر ،فحريٌّ أنْ يُسمَّى القرضاوي ببحر العلوم ،ثُمَّ هُو المُناضِلُ والمُجاهِد ،فهو كفردٍ مِنَ "الإخوان المُسلمين" قد اعتُقِل مرَّاتٍ عِدَّة مُنذُ العهدِ الملكي في مصر ،واشهرُها في عهدِ الرئيس جمال عبد الناصِر -عفى اللهُ عنه- عام 1954 ،فكتبَ القرضاوي حينها ملحمتهُ الشهيرة "ملحمة الإبتلاء" ،التي أعلنَ فيها أنَّهُ لا يتراجعُ عنْ مُعتقدِه ،وعن عقيدتِه مهما فُعِل بِه ،فقال:
تَاللهِ ما الطُّغيانُ يهزِمُ دعوةً ، يومًا وفي التَّاريخِ برُّ يميني
ضعْ في يديَّ القيد ألهِب أضلُعي ، بِالسَّّوطِ ضعْ عُنُقي على السكينِ
لنْ تستطيعَ حِصارَ فِكري ساعةً ، أو نزعَ إيماني ونورَ يقيني
فالنورُ في قلبي وقلبي في يدي ، ربِّي .. وربِّي ناصري ومُعيني
سأعيشُ مُعتصِمًا بِحبلِ عقيدتي ، وأموتُ مُبتسِمًا ليحيا ديني
وقدْ برزَ القرضاوي ،كفقيهٍ مُيسِّر ،وعالِمٍ مُتسامِح ،ومُفكِّرٍ واعٍ ،يدعو إلى وحدةِ الصف ،والبُعدِ عنْ كُلِّ ما يُشتِّتُ ويُفرِّق ،فالعدو واحِد ،والمصلحةُ العامَّة واحِدة ،والقاعِدةُ تقول : "نتعاونُ فيما اتَّفقنَا عليه ،ويعذُرُ بعضُنا بعضًا فيما اختلفنا عليه" .
جآءت أزمة "الشيعة" الأخيرة ،وصدرَ مِنَ القرضاوي حديثٌ لم يكُن بِحُسبانِ "الشيعةِ" أن يصدُر ،واعتقَدوا أنَّهُم مهما تمادوا فَإنَّ القرضاوي سيبقى "صامِتًا" ،حذَّرَ القرضاوي مِنَ "التبشير" الشيعي ،ذلِك التبشير الذي بدأ يغزو العالم الإسلامي السُنِّي بشكلٍ مُنظَّم مدعومٍ مِنَ "الحكومة" الإيرانية بِكُل الوسائل ،وظهرَ بِشكلٍ فاضِح في دولٍ لمْ تعرِف "التشيُّعَ" قط ،أحسَّ القرضاوي بِالخطر ،فاليدُ التي يمدُّها لِلمُنظماتِ الشيعية ،تُقابِلُها تِلك "المنظمات" بِمزيدٍ مِنَ "التجاوزات" .
لمْ يُعجب حديث القرضاوي الشيعة ،فالإنتشار الشيعي "مِنْ مُعجزات أهلِ البيتِ عليهم السلام" !.
هوجِمَ القرضاوي بِشدة من الشيعة ،حتَّى أولئك الذينَ كانت تربطهم صداقات "قوية" مع الشيخ ،والقرضاوي الذي كان رمزًا للفقهِ المُعتِدل اصبحَ رمزًا للفقه الطائفي ،وبعدَ أن كانَ "مُناضِلًا" يقِفُ ضد الصهاينة ،أصبحَ ماسونِيا يخدِمُ الأجندة الصهيونية !،ومِنْ كبارِ "النواصِب" المُعادينَ للأئمة ولأهل البيتِ عليهم السلام .
هل يُعقل أنْ تصريحًا "واحدا" من القرضاوي يُظهِر هذا الكم مِنَ الردود المُتعصبة ؟،أيُ خطأ وقعَت فيه الأبواق الإيرانية بعدَ هذه الردود ؟،فهي قدْ جعلتِ القرضاوي والسائرين على منهجه "التقاربي" يُعيدون النظر في مسألة التقريب هذه ،وقرَّبتِ القرضاوي إلى الأطراف "المُتحفظة" مِنْ أهل السنة ،والبيان الذي وقَّعَ عليه 29 عالمًا وداعية يقفون فيه مع القرضاوي ،يُظهِرُ هذا الأمر ،رُغم وجود خِلاف فقهي ومنهجي كبير بينَ كثير من الموقِّعين وبين القرضاوي ،وغير هذا البيان هُنالِك عشرات الكلِمات والمقالات ألقاها وكتبها "المُتحفظون" يؤيدون مِنْ خلالها القرضاوي ويدعمونه في موقفه في مواجهة الأبواق الإيرانية .
معاشِرَ الشيعةِ إنَّ القرضاويَ لمْ يتحدَّثْ بِذلِك الحديث إلَّا وسيلُ خطاياكُم-أو قُلْ خطايا مُنظماتِكُم- قد بلغَ الزُّبى ،فمِنْ مُمارسةِ القتل والإرهاب بِحقِّ أهلِ السُنَّةِ في العِراق وإقصائهم ،وصولًا إلى إختراق مُجتمعاتٍ سُنية بشكلٍ مُنتظِم ،فهل أبقيتُمُ لِلتقارُبِ بِأفعالِكُم أملًا ؟،إنَّكُم تهدمونَ سائرِ أُسُسِ التقريبِ والتَّفاهُم ،ثُمَّ تطلبونَ من الآخرين أن يسكتوا ويتغاضوا ،فأيُّ وقاحةٍ تتميزون بِها ؟.
إنَّ على الإخوةِ الشيعة ألَّا يُبالِغوا في الإعتدادِ بِحجمِ قوَّتِهم أو زيادةِ عددِهم ،فضلًا عن مُمارسة الإستفزاز المقصود وغيرِ المقصود بِالإساءةِ والتَّطاول على الرموز الإسلامية بِدءً بِأصحابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّم وزوجاتِه ،وإنتهاءً بِعُلماءِ السُنَّةِ الكِبار ،فهذا ليسَ مِنْ مصلحةِ الشيعةِ عمومًا ،فهُم أقليَّةٌ في المُجتمعات الإسلامية ،وقطرةٌ في مُحيطِ أهلِ السُنَّة ،وحريٌّ بِعُقلاءِ الشيعةِ وكِبارِهم أنْ يُلجِموا الرعاع المُتعصبين ،والغوغاء المُتطرفين ،حتَّى لا يتَّسِعَ الشق على الراقِع ،ورحِمَ اللهُ امرئً عرفَ قدرَ نفسِه !.
جمعَ اللهُ القلوب والصفوف ،وأصلحَ النِّيات والعقول .
اصلحَ اللهُ الحال .