على ناصية الطريق فتاة تدور و تدور فيرتفع ثوبها و هي لا تزال تدور.. تدور و تدور بعنف دون مبالاة كما لو كانت عاصفة هوجاء تستشيط غضبا و لا احد يتجرا على إيقافها.. دارت و دارت حتى شعرت بالإعياء و انتابها صداع فاتكات على كتف جالسة دون تدري لمن كانت.. اتكأت لتسترجع أنفاسها و إذا بصاحب الكتف يستدير.. العين في العين ..السكون حوار و اليد ترتعش.. صاحب الكتف ينتصب كعمود النور تشع عيناه لمعانا و بريقا ..بريق كان قد انطفأ منذ سنوات أو ربما لم يوجد قبل اللحظة الآنية.. رفع يديه عاليا و قفز ثم دار رافعا ساقا كان ينساب كالحرير بخطواته اللينة و المدروسة في آن.. خطوات مصقولة كمنحوتة من منحوتات الإغريق.. كان يرقص بكل احساس بكل طاقاته الكامنة التي كانت تنظر لتتفجر .. كان دويا و انما دويا لطيفا تسر له العين و الاذن و كل الحواس.. دوي ينساب كما ينساب الحرير بين الايدي او كما ينساب الماء العذب في مجرى نهر.. ظل يرقص و يرقص و ظلت تتفرج مسحورة مشدوهة بجمال لم يقع بصرها عليه قبل الان ..جمال صاف بعيد عن الزيف ..جمال نزيه..
" لا أريد ان أدور بعد الآن.. علمني كيف ارقص علمني كيف اخطو.. علمني ..
أعطني من بريقك و اسمح لي ان أتذوق لذة الجمال التي ابدعت في هذه اللحظة الآسرة للقلب و للروح .. علمني كيف ارقص.. "
بريق ياسر القلوب و خفة تسحر الألباب.. لم يتوقف عن الرقص..و هب من مكانه بوثبة عالية كما لو كان يحلق.. مستجيبا لندائها...
القلب يخفق و يدفدف ..القلب كدفتا طبل.. رقصا و رقصا من الفجر إلى المغيب كانت تتعثر حينا و تسقط حينا و كان يرجع الى الورء كلما سقطت.. تتعدت السقطات سقطة تلو الاخرى ..الى ان ابتعد و يظل يبتعد و يبتعد حتى التهمه الضباب... و نهمه الظلام..
وحيدة على ناصية الطريق لا تجيد الرقص..حارت اتياس ام تواصل الرقص مرارا أترقص؟؟ و هي لا تجيد الرقص.. ؟؟..فلتحاول لاباس بامل و ان كان بعيد..
ظلت على تلك الحال ترقص و تسقط علها تتقن الرقص فيعود.. ترقص و تسقط الى ان اصابها الاعياء.. فاتكات على كتف جالسة دون تدري لمن كانت... اتكأت على امل ان تكون الكتف التي اتكات عليها اول مرة.. اتكات و كلها امال باستعادة ما حرمت منه قبل ان تروي الظمأ.. اتكات و أغمضت عينيها حتى لا ترى ما لا يسرها..و استدار صاحب الكتف و كان يتوق الى الرقص غير عابئ بدمائها التي تسيل جراء السقوط المتكرر .. ظلت تراقصه مغمضمة العينين و انتابها شعور انه ليس من تخاله .. حركاته ليست خفيفة رشيقة .. لمساته باردة كالثلج.. كانت ترقص عابسة يقودها الاضطرار لا الرغبة و لا السحر..و لا البريق الذي عهدته... ففتحت عينيها.. صدق شعورها لم يكن من تخاله ..لم يكن من سحرها لم يكن من خلب لبها بحركاته و ببريق عينيه الصادقتين البعيدتين كل البعد عن الزيف...
وحيدة على ناصية الطريق أجادت الرقص... تقفز هنا و هناك .. لكنه لم يعد.. عن بعد رات طيفه قابعا في الظلام و كلما ذهبت ناحيته و كلما حاولت ان تخبره انها اجادت الرقص كان يشيح وجهه عنها..
لماذا؟؟ا يتعال عنها؟؟
لماذا؟؟ ا انطفا بريقه..؟؟ ايكرهها؟؟ لماذا..؟؟
اسئلة عديدة و عديدة لا تجد لها اجابة تدور في ذهنها. .لماذا...؟؟ لماذا..؟؟...