۞ فوائد الرضاعة الطبيعية صحياً ونفسياً للأم والطفل ۞
أولاً : فوائد الرضاعة الطبيعية للحالة الصحية والنفسية للأم :
لقد أسفرت الدراسات الطبية الحديثة ، والتحاليل المعملية والكيماوية عن أهمية الرضاعة الطبيعية للأم من الناحيتين : الصحية ، والنفسية :
فمن الناحية الصحية :
1-عندما تمنح الأم ثديها وليدها ليرضع ، فإن هناك ثلاث مشاكل تُحَلُّ في التو واللحظة :
فأول ما يخافه الطبيب ويخشاه ( نزيف الأم الداخلي ، وتأخر عودة الرحم إلي حجمه الطبيعي ، وانفصال المشيمة ).
فماذا لو احتضنت الأم وليدها ، ومنحته ثديها ؟
إن هناك هرموناً يسمي ( أوكسيتوسين oxytocin )سوف يزيد إفرازه وعندئذ سيعود الرحم إلي وضعه الطبيعي في أقل وقت ممكن ، " ولولا ذلك لأصيب الرحم بالانتان ،والالتهابات المتكـررة ، كمـا أن ذلك مما يساعـد على حصـول حمى النفاس .
وهذه الانقباضات الرحمية ـ التي يحرضها الرضاع ـ سوف توقف أي ميل للنزيف الداخلي .
ثم هي تمنع بذلك حمي النفاس ، وعندئذ يصبح سقوط المشيمة أمراً يسيراً ... وهكذا تُحل مسائل الأم الشائكة .
2-ومن أهم ما تجنيه الأم لقاء رضاعها لوليدها أن تصير منيعة ضد ( سرطان الثدي )...هكذا تؤكد دراسات الباحثين في جامعة كاليفورنيا علي الأمهات المرضعات .
3-وإرضاع الأم لوليدها يعين كثيراً علي تقويم ظهرها عقب الولادة ، ويعمل علي تقوية عضلات البطن ، مما يفيدها في استعادة لياقتها البدنية ورشاقتها .
4-وتؤدي الرضاعة الطبيعية إلى تأخير التبويض أثناء فترة الرضاعة ، وهذا يوفر الحمل طبيعياً بلا ضرر ولا مجهود ، وتستطيع المرأة خلال ذلك العناية بنفسها ، واستعادة صحتها بعد مجهود الحمل والولادة .
5-وتعتبر الرضاعة الطبيعية فرصة الأم الذهبية للتخلص من مخزون الطاقة والتشحم المتراكم أثناء الحمل .
فالمعروف أن وزن المرأة يزيد كثيراً أثناء حملها استعداداً لمهمة الإرضاع عقب الولادة ، وهنا : فإن امتنعت الأم عن رضاع طفلها تراكمت الطاقة المخزونة بجسمها ، فزادت سمنتها سمنة ، وبدانتها بدانة .
6-تنشط الرضاعة الطبيعية الجهاز الهضمي للأم ، وتحمله علي الحصول علي المواد الغذائية لنمو المولود .
وأما من الناحية النفسية :
فإن إرضاع الأم لوليدها يمنحها إحساساً فريداً بالأمومة ، وهو إحساس ممتع وعميق ـ تقدره حق قدره من لم يرزقها الله بولد ـ حيث تحس الأم بمزيج رائع من الراحة والسلام ، فقد أدت مهمتها ولم تحرم فلذة كبدها مما هيأه الله له ، وذلك يضفي عليها راحة البال والاستقرار النفسي الذي ينعكس علي الطفل والأسرة بأكملها .
ثانياً فوائد الرضاعة الطبيعية للحالة الصحية والنفسية للطفل :
لقد أثبتت الدراسات الطبية الحديثة أهمية الرضاعة الطبيعية من الناحيتين :
الصحية، والنفسية للطفل :
فمن الناحية الصحية :
يتميز لبن الأم بفوائد كثيرة ، وخصائص تفوق ألبان الحيوان ، والألبان الجافة الصناعية ، أهمها ما يلي :
1-تعتبر الرضاعة الطبيعية هي أفضل وقاية من أمراض التلوث ، وذلك لأن لبن الأم هو الغذاء الأوحد المعقم بطريقة ربانية تتضاءل وتعجز أمامها جميع طرق التعقيم المتعارف عليها في دنيا الصناعة ، حيث إنه يخرج من الأم إلي الطفل مباشرة .
2-لبن الأم يتطور يوماً بعد يوم من حيث الكمية ، والتركيب بما يتناسب مع نمو الطفل ، جاء في التفسير المسمي بـ ( في ظلال القرآن ) :" ومن تدبير المدبر الأعظم أن يزداد مقدار اللبن الذي يفرزه الثدي يوماً بعد يوم ، حتى يصل إلى حوالي ليتر ونصف في اليوم بعد سنة ، بينما لا تزيد كميته في الأيام الأولى علي بضع أوقيات .
ولا يقف الإعجاز عند كمية اللبن التي تزيد علي حسب زيادة الطفل ، بل إن تركيب اللبن كذلك تتغير مكوناته ، وتتركز مواده ؛ فهو يكاد يكون ماء به القليل من النشويات والسكريات في أول الأمر ، ثم تتركز مكوناته فتزيد نسبته النشوية والسكرية والدهنية فترة بعد أخــرى ، بل يوماً بعد يوم بما يوافق أنسجة وأجهزة الطفل المستمر النمو .
3-لبن الأم يحتوي علي جميع المواد الغذائية اللازمة للطفل من البروتينات والدهون وسكر اللبن والمعادن والأملاح والفيتامينات والأنزيمات ، ولذلك فإن" نمو الأطفال الذين يرضعون من أمهاتهم أسرع وأكمـل من أولئك الذين يرضعون من القارورة .
4-ثبت طبياً أن رضاعة الطفل من ثدي أمه تساعد علي سيلان لعابه ، ولهذا اللعاب تأثير كبير في إفراز العصارات المعدية ( أي عصارات المعدة ) .
5-أن لبن ( المسمار ) الذي تفرزه الأم في الأيام الأولي له فوائد كثيرة ، منها :
أ-أنه يعمل علي تنشيط الأمعاء لدي الطفل فيحدث اللبن المناسب لدي الطفل ، ويساعد علي عملية الإخراج الطبيعية .
ب-له قيمة غذائية كبيرة من حيث البروتين ، والغريب أن تكوينه بما يحويه من نسبة من البروتينات يتفق مع قدرة الوليد علي الهضم في الأيام الثلاثة الأولي من ولادته .
ج-يحتوي علي نسبة لا بأس بها من الأجسام المضادة التي تكسب الطفل المناعة ضد كثير من الأمراض مثل : الحساسية ، والنزلات المعوية ، والالتهاب الرئوي ، وبعض الأمراض المزمنة مثل : [البول السكري ] [ السرطان ] .
6-يتمتع لبن الأم بدرجة حرارة مناسبة تلائم أنسجة الطفل واحتياجاته الغذائية صيفاً وشتاءً .
وأما من الناحية النفسية :
1-" فإن الرضاعة الطبيعية ذات أهمية قصوى في تنمية شخصية وعواطف الوليد ، فبواسطة هذه الرضاعة تقدم الأم لطفلها عصارة قلبها ، وجسمها ولحمها ، وأعصابها مع اللبن ، وهي تحتضنه إلي صدرها قريباً من قلبها ، حيث يسعد بسماع دقاته الرقيقة التي تمنحه الطمأنينة والهدوء ، فينشأ متمتعاً بصحة نفسية كاملة ، خالياً من العقد النفسية ، والاضطرابات والتوتر .
2-" وقد أشارت كثير من الدراسات إلي أن الأطفال الذين أرضعوا من ثدي الأم يتميزون فيما بعد بكونهم أكثر التزاماً ، وأكثر ذكاءً ، وأكثر قدرة علي اتخاذ القرارات ، وأقل عرضة للميول الإجرامية .
3-الرضاعة الطبيعية تخلق علاقة نفسية واجتماعية بين الأم والوليد ، وبالتالي تمهد الطريق إلي أسرة متماسكة قوية البناء .
4-ولأن الحالة النفسية للمرضع تنعكس علي الرضيع فإن الإسلام راعي الحالة النفسية للأم ومن تقوم مقامها لكي تتم عملية الإرضاع علي الوجه الأكمل لها وتثمر غايتها المنشودة ألا وهي بناء روح الطفـل ونفسه وخلقه وكل كيانه ، وعلي سبيل المثال :" أنه أوجب علي الوالد إطعام الوالدة وكسوتها بالمعروف ، حتى تقوم بعملية الرضاعة بنفس هادئة راضية فينعكس ذلك علي صحة وليدها قال سبحانه :} وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ { (سورة البقرة ، من الآية رقم / 233.)
كل هذا الذي قرره أطباء العصر الحديث من أهمية لبن الأم ، قرره الإسلام منذ أربعة عشر قرناً ، فسبحان العليم الحكيم .
وللأسف الشديد ، فإنه كما خرجت المرأة الغربية للعمل ، وانصرفت عن الرضاعة الطبيعية ، فعلت مثلها المرأة المسلمة ، وحـذت حذوها شبراً بشبر وذراعاً بذراع ، وانتشرت تلك العادة بين نساء المسلمين انتشاراً كبيراً حتى بات الأمر يشكل خطورة كبيرة علي حياة الملايين من الأطفال وعلي صحتهم البدنية والنفسية .
ولقد تفاقمت تلك المشكلة حتى أن الأمهات الغير عاملات أصبحن يمتنعن عن إرضاع أطفالهن أنفة منهن واستكباراً ورغبة في الاحتفاظ بشبابهن وجمالهن إلي أطول فترة ممكنة ، ولجأن إلي الوسائل الصناعية التي خلَّفت آثاراً وأضراراً كثيرة علي الأم أولاً ،حيث تُحرم من الفوائد الجمة التي تعود عليها من الرضاعة الطبيعية ، والتي ذكرت من قبل ، وعلي الطفل ثانياً ، حيث تسفر الرضاعة الصناعية عن الكثير من الأضرار الصحية والنفسية والتي أبينها فيما يلي :
الآثار الصحية والنفسية للرضاعة الصناعية علي الطفل :
في البداية قد يقول البعض : إن هناك أمهات كثيرات من اللاتي يعملن مازلن يرضعن أولادهن رضاعة طبيعية ، وبالتالي لا داعي للتجني علي عمل المرأة وجعله سبباً في الإضرار بالطفل صحياً ونفسياً .
وللرد علي هؤلاء أسوق بحثاً قامت بإعداده محررة بالأهرام في 24/ 3/ 1974م .والتحقيق بعنوان ( ظاهرة تواجه الأم العاملة المصرية ) :" طفلها لا يجد الآن لبناً طبيعياً يرضعه ، لماذا ؟ وما هو الحل الذي يمنع شبه كارثة للطفل والأم معاً ؟
تقول : هل هو زواج المرأة العاملة في سن متأخرة ؟
هل هو تعقيد الحياة اليومية ؟
أم يكمن في حيرتها وربكتها أثناء العمل علي طفلها ؟
وهل هو سوء المواصلات وأثره في الأعصاب ؟
أم أن السبب : كل هذه العوامل مجتمعة ؟
ثم تواصل الحديث فتقول : إن المـرأة ترضع طفلها من خلال عقلها ، ومعني ذلك : أن الحالة النفسية ـ كما يقول الدكتور / فاروق قورة ، أستاذ طب الأعصاب بجامعة القاهرة ـ تعتبر عنصراً أساسياً لنجاح الرضاعة .
وطبعاً ، الأم العاملة العصرية تنام وتقوم وسط متاعب الحياة ، والوظيفة ، وتبدأ من الصباح يومها ، وبسبب متاعب العمل ، والعودة ، والذهاب للعمل ، ينتهي الأمر بجفاف اللبن نهائياً .
والضحية طبعاً هو الطفل .
وإذا لجأت إلي المهدئات ، وبخاصة بعد الولادة وفي أعقاب الحمل وإرهاقه المضاف لمتاعب العمل ، ترك ذلك أثره علي الطفل .
إذاً فمتاعب العمل تؤثر في نفسية المرأة ، وينتقل ذلك التأثير إلي الطفل مع اللبن وإذا حدث وجف اللبن أو قل فإما أن تلجأ الأم إلي استئجار مرضعة ، أو تلجأ إلي الوسائل الصناعية .
ودفع الوليد إلي مرضعة أجنبية لا تتوفر معه نسبة الحنان اللازمة لصحة الطفل .
" وقد يكون ابن الظئر ـ المرضعة ـ غير مناسب له ، بأن كان في مرحلة أكبر من سنه أو أصغر ، وحينئذ لا يحقق غرضه في تكوين بنيته علي أكمل وجه .
كما أن المرضعة الأجنبية قد تكون فاسدة الطبع فيؤثر ذلك في الطفل ، كما أشار الإمام الغزالي إلي ذلك فقال :" ينبغي أن يراقبه ـ أي ولده ـ من أول أمره فلا يستعمل في حضانته وإرضاعه إلا امرأة صالحة متدينة ، تأكل الحلال .
فإن اللبن الحاصل من الحرام لا بركة فيه ، فإذا وقع عليه الصبي انعجنت طينته من الخبث ، فيميل إلي ما يناسب الخبائث .
وأما بالنسبة للوسائل الصناعية في الرضاعة فإنها تؤدي إلى أضرار جسيمة علي الطفل صحياً ونفسياً ، وذلك كما يلي :
أولاً : آثار الرضاعة علي الطفل صحياً :
أثبتت الدراسات الطبية أن الرضاعة الصناعية ( بألبان مجففة أو ألبان حيوانية ) تسفر عن كثير من الأضرار الصحية علي الطفل ، وأهمها :
1-" تكثر لدي الأطفال الذين يرضعون من القارورة الوفيات المفاجئة التي تدعى " موت المهاد " وهذا النوع من الوفيات لا يُعرف لدي الأطفال الذين يلتقمون أثداء أمهاتهم .
2-" يتعرض الأطفال الذين يرضعون بالألبان المجففة أو بالألبان الحيوانية بواسطة القارورة إلي العديد من الأمراض مثل :
أ-أمراض الإسهال والجفاف وسوء التغذية .
ب-النزلات الشعبية والالتهاب الرئوي وحساسية الصدر والجهاز الهضمي والجلد.
ج-الكساح وتسوس الأسنان واضطرابات النمو والتطور .
د-فقر الدم ونقص فيتامين (أ) والذي يؤثر علي قوة إبصار الطفل .
هـ- التعرض لالتهابات بالمخ والتهابات مجري البول نتيجة نقص المناعة .
و-التهابات الأذن الوسطي مما يؤثر علي السمع والكلام ، والتحصيل العلمي .
ز-الإسهال المزمن وأمراض القولون المزمنة والبول السكري .
ح-النزلات المعوية المتكررة نتيجة التلوث .
أما الأطفال الذين يرضعون من الثدي ، فإنهم لا يعانون من هذه الأمراض إلا نادراً .
ونظراً لذلك فقد " أخذت هيئة الصحة العالمية تحذر من الأغذية والألبان المصنعة ، ومن بين تلك التحذيرات ما نشرته صحيفة (Arab News ) في عددها الصادر في 10فبراير 1981م عن هيئة الصحة العالمية تهاجم فيه أغذية الأطفال المصنعة ، وتتهم الشركات الغربية التي تبيع في كل عام بما قيمته ألفا مليون دولار من أغذية الأطفال بأنها تساهم في قتل الأطفال في البلاد النامية ؛ وذلك لأن الأغذية المصنعة والألبان المجففة تمنع الأم من الرضاعة ، واستعمال القارورة يؤدي إلى كثير من النزلات المعوية الخطيرة نتيجة عدم التعقيم ، ولذا فإن تقرير الصحة العالمية يدعو الحكومات وخاصة في البلاد النامية إلى محاربة هذه الأغذية المصنعة .
وتقول الأبحاث الطبية الحديثة : إن حوالي عشرة ملايين طفل يلاقون حتفهم نتيجة استخدام القارورة في دول العالم الثالث سنوياً ، وذلك نتيجة الإصابة بالنزلات المعوية وسوء التغذية التي تصاحب استخدام القارورة .
وفي تقرير لليونيسيف نشرته جريدة المدينة في 10 من ديسمبر 1983م ، جاء فيه أن أطفال الزجاجات هم أكثر عرضة لسوء التغذية بثلاثة أضعاف الذين يرضعون من أمهاتهم ، وفي مصر أظهرت دراسات مماثلة أن نسبة الوفيات هي خمسة أضعاف ما هي عليه عند الأطفال الذين يرضعون من الأثداء ، ونفس النسبة وجدت في الهند وتشيلي
ثانياً : آثار الرضاعة الصناعية ودور الحضانة على الطفل نفسياً:
إن " القول بأن كل صلة الأم بولدها تنحصر في الحمل والوضع هو نزول بالإنسان إلي مرتبة الحيوان ، فالإنسان يمتاز بطول حضانته لأطفاله ، وهي حضانة ليست غذائية فحسب كما هي في سائر الحيوان ، ولكنها خلقية وعقلية أيضاً في الإنسان ، وذلك من أهم الأسباب في تقدم البشرية ؛ لأنـه يورث الجيل التالي تجارب الأجيال السابقة ، بما يمكنه من متابعة الشوط ، وتوفير الوقت والجهد الذي يضيع في تكرار التجارب .
واعتماد المرأة العاملة علي الخدم وعلي دور الحضانة في رعاية وليدها لا يؤدي إلى كمال تنشئته ، لأن الإخلاص له والحرص علي ابتغاء الكمال من كل وجه لا يتوافر في أحد توافره في الأم ؛ لأن من وراء إخلاصها وحرصها غريزة الأمومة ، والحرص علي الواجب في الخدم وفي دور الحضانة ، لا يمكن أن يرتفع إلي مرتبة الغريزة مهما افترضنا فيه من السمو ، ومهما عملنا علي ترقيته إلي أقصى درجات الكمال ، ومهما تجاهلنا جنايات الخيانة والإهمال والإفساد التي لا تحصي شواهدها في واقع الحياة .
إن ارتباط الأم بطفلها أكبر بكثير من كونه ارتباطاً جسمياً يمكن للخادمات ولدور الحضانة مساعدتها فيه .
إنه ارتباط روحي لا يتحقق إلا بدوام بقاء الأم إلي جوار طفلها الصغير ، وكما يقول العقاد :" من الطبيعي أن يكون للمرأة تكـوين عاطفي خاص لا يشبه تكوين الرجل ، لأن ملازمة الطفل الوليد لا تنتهي بمناولته الثدي وإرضاعه ، بل لا بد إلي جانب ذلك من تعهد دائم ، ومجاوبة شعورية تستدعي كثيراً من التناسب بين مدارج حسها وعطفها ، وبين مدارج حس ذلك الطفل وعطفه ، وليس هذا الخلق مما تصطنعه المرأة وتتكلفه ، ثم تتركه باختيارها ، ولا سيما إذا قامت بحضانة الطفل , ولا شك أن المجاوبة الشعورية والحنان ضروريان للحضانة ، وتعهد الصغار أصل من أصول التربية الإسلامية .
ولكن في العصر الحاضر ، وكنتيجة للتيارات المعادية التي تعرضت لها الأسرة المسلمة ، وتلبية للنداءات الجوفاء التي تنادي بمساواة المرأة بالرجل في كافة المجالات والأعمال ، خرجت المرأة المسلمة إلي العمل ، وأهملت إرضاع ولدها ، واستبدلت القارورة بثديها ، ودور الحضانة بحضنها ، فنجمت عن ذلك أضرار نفسية أصيب بها الطفل ، ليظل متأثراً بها طول حياته .
ومن أخطر الآثار النفسية المترتبة علي الرضاعة الصناعية ، ودور الحضانة ما يلي :
1-تؤدي الرضاعة الصناعية إلي " الاضطرابات السلوكية والنفسية وقلة التحصيل والتركيز والذكاء .
2-أثبتت الأبحاث " أن الأطفال الذين يربون في الحضانات أو بعيداً عن أمهاتهم بصفة عامة تجمعهم صفات مشتركة ، ومن هذه الصفات :
أ-الغيرة الشديدة التي تنمو مع نموهم إلي أن تصبح نوعاً من الكره أو الحقد أو الحسد تجاه الآخرين بلا مبرر .
ب-الانطواء وعدم القدرة علي إقامة علاقات صداقة قوية مع الآخرين .
ج-القسوة الشديدة والشعور بعدم الانتماء تجاه والديهم ، وهو ما تشكو منه معظم الأمهات ، وكيف ينتظر الحنــان من مثل هذا الطفل ؟ إن فاقــد الشئ لا يعطيه .
فالحضانة ليست حلاً ، صحيح أنها دور غاية في الأناقة والنظافة ، وصحيح أن كل شئ معقم وجميل ، ولكن ، أين العاطفة ؟!
3-" وقوع أطفال الأم العاملة فريسة العادات السيئة التي تنقلها إليهم الحاضنات غير المؤهلات .
" إن الأطفال الصغار هم أول من يتضرر بخروج الأم للعمل خارج المنزل ، إنهم يفقدون الحنان والعطف ، فالأم إما أن تتركهم في رعاية امرأة أخري كالخادمة ، وإما أن تذهب بهم إلي دور الحضانة ، وفي جميع الحالات فهم يفقدون عطف الأمومة ، وفي ذلك خطر كبير علي نفسية الطفل ، وعلي مستقبله ، إذ ينمو وهو فاقد للحنان ، وفاقد الشئ لا يعطيه ، فيقسو علي أفراد مجتمعه فيعيش المجتمع عيشة الضياع والتفكك والقسوة ، ولا يخفي أن الآخرين لا يهتمون بتهذيب الطفل وتعويده علي الأخلاق الفاضلة كما يهتم به أهله ، وفي ذلك ما فيه من البلاء علي الطفل وعلي مجتمعه .
" فغياب الأم يعني بالنسبة إليه ـ إلي الطفل ـ النبذ والكره والهجران ، وغياب الأم بالنسبة إليه فقدان الأمن والسند ، وبذلك يشعر بالضياع والشقاء ، والقلق ، وحتى إذا حل محل الأم بديل عنها فالتنـاوب المتكرر لبديلات عن الأم يفقد الطفل شعوره بالأمن ، ويغرس في نفسه الشعور بالحيرة والارتباك والبلبلة .
وبهذا يصبح من المؤكد أن خروج المرأة للعمل ضار بها وبأولادها صحياً ونفسياً .