المشهد الأول
هناك تحت أشعة الشمس الدافئة ....
حيث اكتست الطبيعة بأبهى حلة وازدانت بأبدع وشاح تلاقت فيه بهجة الزمان مع ضحكات الخمائل وإشراق الورود ..
تمتد على طول الروابي أكاليل زمردية تناثرت على أطرافها لوحة فنية من ألوان الزهر ...
وساقية المياه العذب تترقرق براقة من بين تلك الحشائش والزهور ...
هناك فقط لا مجال للضجيج أن يبعث بأصواته إلى أذنيه ...
ولا تعرف من بين الأغصان أي أنيس إلا فراشات تجوب بين الورود ...
وعلى الرياض المتألق بلونه السندسي الأخضر ..
استلقى معاذٌ على ظهره شاخصاً عينيه نحو زرقة السماء وصفائها تاركاً أنسام الهواء تدغدغ وجنتيه لتزيح عن كاهله ما أثقله من الهم والكرب
وتخفف عنه شيئاً مما ناله من الشحوب والضنى ...
لم يكن قد صعد معاذٌ إلى ذاك السهل منذ أن فقد أخاه الصغير رواد في إحدى ليالي اكتمال القمر قبل 5 سنوات
في رعونة صغره كان هذا المكان الملاذ الوحيد الذي يحتمل شقاوة لعب الأخوين معاذ ورواد ويحتضنهما بكل حنان ورقة
أحب معاذ يومها أن يترنح بين أمواج الذكريات التي تنبعث من نفسه و يعيد إلى ذاكرته لحظاتٍ أرهقها الشوق وآلمها طول الفراق ...
تذكر طفولته الغضة إذ كان هو و رواد من أسعد الناس وأيامهما البهيجة المرحة التي قضياها معاً
ثم تلك السويعات الجميلة التي شهدتها نسمات ذلك الروض وأشجاره وأزهاره
ثم تذكر ميلاد هذا الشقاء في قلبه و التفت حوله وأخذ يرقب البلابل التي لم تفتأ تتنقل بين الأغصان تلاعب بعضها في تغريد غير منقطع ...
يتأملها فينة ويحدثها فينة أخرى :
" أيتها البلابل السعيدة على الأغصان البعيدة ...
كان لي مثلكم في هذي الربا بلبل جميل الطالع ...
عذب الصوت ...
غيبه عني الدهر منذ حين
فأخذ يحلق في الجو منطلقاً إلى البعيد ولم يعد!
أوليس منكم من يدري في أي الرياض حط رحاله أوعلى أي غصن أقام عشه ؟
وهل فيكم من يحدثني عنه أهو حي لا يزال يخفق بجناحيه ويغرد فوق الأغصان أم نكبه الدهر فطرحه وأضناه "
وبينما هو في غمرة انتشائه بلهيب الماضي ونسيم الحاضر
قطع صفو ذاك السكون صوتٌ يناديه جعله يفيق من غفلته التي غرق بها تحت تأثير النسيم العليل ...
رفع رأسه وقلبه يخفق بشدة وأخذ يجول بنظره يمنةً ويسرة باحثاً عن مصدر الصوت ...
يتبع ... ^_*