الفصل الأول:
ضحكتْ حتى طفرتْ من عينيها دمعات، و اكتفى هو بأن رفع حاجبه الأيسر استغراباً دون أن ينطق بكلمة.
دارتْ حول نفسها و التفّتْ معها تنورتها السوداء الفضفاضة، و حين كادتْ أن تتعثّر ضجّت الغرفة بضحكاتها مرة أخرى.
ضربَ كفاً بكف و نَهَرَها دون أن يشعر بابتسامته:
_ يا مجنونة! نحن في جنازة! تمالكي نفسكِ قبل أن يسمعكِ أحد.
عضّت على شفتها السفلى، و لمعتْ عينيها الكبيرتين ببريقٍ يعرفه كما يعرف عدد أصابع يديه.
_ أوه، تبدوا غاضباً. اصفعني ان شئت، فعندها فقط قد أصدق أنني لستُ في حلم!
_ اطمئني، لستِ في حلم. بل أنا و أنتِ في منزل والدكِ العزيز، رحمة الله عليه، و لا يزال هنالك عشرات الضيوف بالأسفل، لذا..
تقدّم خطوتين و قبض على ذراعها بقوة، ثم تابع كلامه مبتسماً دون أن تتغيّر نبرة صوته الحادة: أخفضي صوتكِ لو سمحتِ.
طبعتْ قبلة خاطفة على خده، و رسمتْ شفتيها أعذب ابتسامة استطاعت تصنّعها، ثم همستْ كالهرّة: حاضر يا بعلي العزيز!
انسلّت من قبضته بخفة، و رمتْ بنفسها في أقرب مقعد مُطلقة تنهيدة سرور حارة و النشوة تكاد تطمس ملامح وجهها الأسمر.
_ خمسة ملايين دولار! هل تصدق يا (بيلي)؟ أنا لا أصدق! أصبحتُ مليونيرة..
أعادتْ نطق آخر كلمة بتلذّذ، و كأنها تتذوقها حرفاً حرفاً: "مليونيرة".. "مليونيرة". لا تزال هذه الكلمة غريبة على مسمعي، و لا أدري ان كنتُ سأعتاد على تكرارها.
_ هذه هي صدمة الثراء المفاجىء. ستتجاوزينها يا حلوتي.
تورّد خَدّيْها المكتنزين و هي تكتم ضحكتها: هل رأيت وجه زوجة أبي و شياطينها الصغار حين قرأ المحامي الوصية؟ بل حتى (جورج) - طبيب العائلة الهادىء المسالم - رمقني على الفور بنظرة حادة كشفرة خنجر! آه، لو كان بمقدور النظرات أن تقتل..
_ و ما شأنه هو؟ هل كان له نصيب من الميراث انْتَزَعْتِهِ منه لا سمح الله؟ و بمناسبة الحديث عن القتل.. متى ستبدأ اجراءات التحقيق برأيك؟
لوّحتْ بيدها بازدراء، كما لو كانت تطرد ذبابة طائشة عن وجهها: ربما بعد انتهاء مراسيم الجنازة ببضعِ أسابيع، من يدري؟ ليس هذا ما يهمني الآن.
رفع حاجبه الأيمن هذه المرة باستغراب، و سألها بطريقة شبه مسرحية: ألا يهمكِ اكتشاف هوية قاتل والدكِ يا مدام (لورا)؟
نظرتْ (لورا) إلى عينيه بثبات قائلة: أؤكد لك أنني لن أتقلّب في فراشي ليلاً لو خطرتْ فكرة هوية القاتل في بالي. و على أية حال..
عاد ذلك البريق المألوف يلمع في عينيها الحالكتي السواد، و وجد (بيلي) نفسه يحبس أنفاسه دون أن يعرف السبب.
غمزتْ له و أطراف أصابعها تعبث بخصلات شعرها القصير الأجعد الفاحم السواد، ثم قالت بكل بساطة: أنا أعرفه.
هتفَ قبل أن يتمالك نفسه: القاتل؟!
_ طبعاً.
صمتْ لدقيقة أو أكثر، ثم سألها بنبرة باردة امتزجتْ فيها الريبة بالملل: هل هذه احدى مزحاتك السخيفة؟
هزّتْ كتفيها بلا مبالاة، و اتّجهتْ إلى المرآة لتعيد تصفيف شعرها.
_ لا تصدقني ان شئت. لكنني أعرف من فعلها و كيف و لماذا. و أنوي الإحتفاظ بهذه المعلومات لنفسي... حالياً على الأقل.
التفتتْ نحوه ببطء، و خطر له في تلك اللّحظة وحدها أنها أجمل و أخطر مخلوقة وقعتْ عليها عيناه.
_ هل تحب أن نزيد من ثروتنا يا حبيبي؟