الفصل الحادي والعشرون
خرج من مكتب أبيه محتملا ً أحمالا ً ينوء بها عقله، كان أبوه قد جلا كل شيء أمام عينيه، قد رصف العثار التي تخدد طريقه، علمه أشياء كثيرة... صدمه... وبقوة... بالحقيقة، كشف له أوهامه وهواجسه.
قصد غرفته وهو يفكر بصورة سعد التي صارت مشروخة الآن في ذهنه، سعد الذي كان كاملا ً في عينيه يتبدى الآن ناقصا ً، مهزوزا ً... سعد الذي كان في نظره مستغنيا ً عن البشر، يتبدى الآن محتاجا ً إليه هو ليغذي رغبة حقيرة وشهوة مريضة.
أهذا أنت يا سعد؟ أهذا أنت فعلا ً؟ هل كنت مخدوعا ً بك إلى هذه الدرجة؟ هل كنت تعبث بي طوال الوقت؟ هل تؤمن بكل ما أخبرتني به حقا ً؟ هل أحببت حقا ً في طفولتك؟ ما أخبرتني به هناك على الشاطئ أحقيقة هو أم خيال؟ لا... لا... حقيقة... ما زالت نبرات صوتك وأنت تحكي لي تتردد في أذني، لا يمكن أن يكون كل ذلك كذبا ً... لقد لمست الألم حقا ً في تلك الليلة على الشاطئ.
ولكن لا... الليلة تعلمت أشياء كثيرة، لقد فتح لي والدي فتحا ً جديدا ً، لقد نقل لي معرفة جديدة، لا... لا يمكن أن أثق بعاطفتي بعد اليوم، ربما أنت ممثل يا سعد، ربما أنت مثل هؤلاء الذين يبكونني أحيانا ً في الأفلام، ربما أنت ممثل وأنا وحدي جمهورك... لا لست وحدي ربما هناك مئات تخدعهم وتحكي لهم كل يوم قصة حبك... ربما لست المخدوع الوحيد في حياتك... ربما أنا آتي في نهاية صف طويل.
وتبدى له في هذيانه صف طويل يقف أمامه في بيداء قاحلة، وسعد يتبدى في نهاية الصف يسحب أيديهم واحد بعد الآخر ليؤدي أمامهم الدور الذي يجيده، نفض رأسه بقوة وقال لنفسه ولكن ما الذي يجعل أبي على حق في كل ما قاله؟ هو لم يلتق بسعد؟ لم يره؟ هل يعقل أن يعرف كل شيء عنه من بضعة ورقات ومن كلامي أنا؟ مستحيل... لا يمكن... حتى المحللين النفسيين يحتاجون إلى رؤية المريض، الجلوس معه، السماع منه، لا... أبي استخدم العقل بإفراط في قياس كل شيء يختص بسعد، أبي عامله بعقلية رياضية لا تقبل إلا البراهين والإثباتات، ولكن لم َ؟ هل هو يغار منه؟
يغار من سعد؟ ربما... الأب يسعد بأن يعتبره أبنائه قدوة لهم، أن يكون هو صانعهم، معلمهم، ربما غار أبي من علاقتي بسعد فقلله في عيني... نعم... أليس ما فعله أبي مشابه لما فعله معي سعد في طريق النهضة؟ أبي استعرض علي ثقافته وعلمه... كلاهما فعل بي ذلك... كلاهما جذب ضعفي بقوته... ولكن لا... ما هذه السخافة؟ حديث أبي منطقي... لم يجاوز المنطق أبدا ً... ولكن ما يدريني؟ أنا كنت منهار نفسيا ً أمامه فتقبلت كل ما قاله بسهولة، لم أناقشه في شيء، كما أفعل مع سعد، أصمت وأتقبل كل شيء ثم عندما أنفرد أبدأ بالاستسقاء فكريا ً... آه... آه... خلاص... خلاص، ما بي أفكر... تعبت... أبي أنام.
طيب... لحظة... لحظة... ليه ما أرتب أفكاري وأطلع بنتيجة، ليه ما أركز في الأحداث وأحاول استنتج منها رأي خاص بي، ليس رأي سعد، ولا رأي أبي، وإنما رأيي أنا، حمد... طيب... ممتاز... من أين أبدأ؟
ما أدري... ترتيب الأفكار صعب جدا ً، فكل شيء يفر من ذاكرتي؟ هل أبدأ بعلاقتي مع سعد من البداية؟ أم أبدأ بكلام أبي وأراجعه بهدوء وأقارنه بسعد كما عايشته؟ نعم... هذا أسهل وأسلم.
هل سعد مغرور فعلا ً؟ ربما هناك جزء من الغرور في أفعاله وأقواله وخاصة رده المتعالي على القراء، ولكن لو كان مغرورا ً لما أعترف بأن فتاة أفضل منه، أليس هو خالد؟ ألم يقل بأن خالد يمثله؟ وخالد يقر بأن نورا أفضل منه، خالد هرب من قوة نورا وسيطرتها، فر من هزيمته أمامها، فكيف يقبل سعد إذا كان مغرورا ً أن يقر بأن فتاة تفضله وتتفوق عليه؟ مستحيل... إذن الغرور لا يفسر كل شيء؟ هل العُجب بالنفس يفسره كما قال أبي؟
سعد معجب بنفسه... نعم، ممكن أن يكون ذلك صحيحا ً؟ ولكن هل هذا كافي ليخبرني بأسراره الخاصة؟ لا... لا يمكن، وخاصة أن مثل هذه الأسرار قد تقلل قيمته في نظري، ما أخبرني به سعد ليس دلالة على العجب بالنفس بل هو دلالة على الانكسار والضعف.
إذن كيف نظر أبي للموضوع؟ أوجد أمامه قطع متناثرة وقام بتركيبها فقط؟ نعم... صحيح... لو أحضرت سعد إلى أبي وأجلسته معه لساعة كاملة، هل كان أبي سيقول الذي قاله؟ هل كان سيستنتج الذي استنتجه؟ لا أظن.
عدت من جديد للتخبط، لا يوجد مقياس... لا أدري بكلام من آخذ؟ بكلام أبي، بكلام سعد، لا أدري... بدأت أشك في كل شيء، لا حول ولا قوة إلا بالله... من جديد... من جديد، ركز يا حمد، ركز.
لأبدأ بالأسئلة المهمة، كيف أخبرني سعد بحكاية حبه ولم َ؟ هل وجد في شبه من أخيه بدر؟ أبي نفى هذا ودلل على أن سعد عرض علي الانضمام إلى كتابة الرواية بدون حتى أن يراني، طيب... أبوي نظر للموضوع بشكل عام بدون ما ينتبه للتطور الزمني للعلاقة، صح... صح، ممتاز... هذه نقطة مهمة، أبي أغفل التطور الزمني لعلاقتي بسعد، علاقتي بسعد ما كانت في يوم وليلة، بل مرت بمراحل عدة، التطور الزمني مهم جدا ً، لأن المشاعر تتغير خلاله.
التطور الزمني للعلاقة... ممتاز، طيب من جديد... في البداية تعرف علي سعد بالرسالة التي أرسلتها له، هذه الرسالة ربما داعبت غروره، هنا يكون كلام أبي في هذه النقطة صحيح، ثم التقيت بسعد للمرة الأولى كان لقاء ً عاديا ً، لم َ طلب مني السفر للقائه؟ لا يوجد شيء يدل على أن سعد حاول إبهاري في تلك الرحلة، إذن لا يمكن أن يكون عجبه بنفسه هو السبب، ما السبب يا ترى؟ لأكمل... ثم ماذا؟ لقاء طريق النهضة... اها... ما تفسير ذلك؟ هل كان يحاول استعراض معارفه أمامي؟ ولكن لم َ لم يفعل ذلك عندما كنت عنده هناك في الشرقية؟ لم َ أحتاج إلى أن يأتي هنا ويقطع هذه المسافة؟ نعم... أبي لم يفسر ما الذي يأتي بسعد للرياض؟ هل غاب عنه هذا؟ أم أنه تجاهله لأنه لم يجد له تفسيرا ً؟ حسنا ً... لأعد من جديد للخط، لم َ جاء سعد ولم َ قال ما قاله في طريق النهضة؟ هل العجب كاف ٍ كتفسير؟ مستحيل... هناك شيء مفقود... لأكمل ما الذي دعاه لأخباري بحبه؟ ربما يكون بدأ يرى في أخيه بدر مع الوقت... لا يلزم أن يكون أحس بذلك من البداية، ربما بدأت علاقتنا بغرور منه، ثم بدأ ينظر لي كصديق، ثم كأخ بديل لأخيه الذي مات.
آه... يا ربي وش هالحوسة؟ أبي أنام... تعبت... تعبت، أف... ليكن سعد ملاكا ً، ليكن شيطانا ً، لم َ أشغل نفسي بهذا كله؟ أتحدى أن يكون سعد يفكر بي الآن ولو للحظة؟ لم َ أشغل نفسي بهذا؟ سبحان الله... أتعب نفسي بلا فائدة... سأنام الآن... سأتوقف عن التفكير، تكفي هذه السخافة، هذه المهزلة، الحمد لله... كأنه لا يوجد إلا سعد في دنياي، الحق على أبي أصلا ً، لم فرغ نفسه وضيع ليلة كاملة ليقرأ سعد ويفسره لي؟ كأني إذا فهمت سعد حلت مشاكلي، وصرت أفضل، بدلا ً من أنشغل بسعد علي أن أنشغل بنفسي، سبحان الله... كم الأوقات التي أصرفها في التفكير بالآخرين؟ ماذا قالوا؟ ولم َ قالوا؟ وأحاول تفسير ذلك بجهد وتعب؟ لم َ؟ لم َ لا أنشغل بنفسي؟ أصلحها وأرتقي بها؟ طيب خلاص... خلاص... لا تفتح قصة ثانية، نم الحين وأذكر الله... لا تفكر بشيء.
ولكن كيف ما أفكر بشيء؟ لازم أفكر... المخ ما يكون فاضي، طيب فكر بشيء غير هالدوشة، أممممممم، فكر... فكر بالبر، يا سلام... تخيل رمل... صعيد من الرمل، وأنا مستلقي عليه، مغمض العينين، والرياح تهب خفيفة لتذرو علي بعض الرمال، صمت تام يعم الكون، بجانبي شجرة عرفج صغيرة، في أصلها ثقب صغير، الآن تخرج سحلية رأسها منه بحذر وتتلفت، هذا هو عالمها البسيط، رمل وشجرة العرفج والطيور، هي تخاف من الطيور ومن الحيوانات الأقوى والأكبر، وتفر منها بالغريزة، لا تحاول دراسة نفسيات الطيور، ولا يهمها التطور الزمني في علاقتها بالضب، لا يهمها أي شيء غير قوت يومها، أما هذه العلاقات المعقدة فلا تهمها، آآآآآ... انتبه لا ترجع للدوشة من جديد، خلك في دربك، ايوه... السحلية تطلع من الجحر الذي في أصل العرفج، ثم تنزلق على الرمال بحركتها المتمايلة الناعمة، تترك أثرا ً صغيرا ً وتغيب خلف كثيب قريب، من جديد وحيد أنا في هذا الكون، قبل قليل كانت السحلية هنا تؤنس وحدتي والآن رحلت؟ إلى أين ذهبت؟ هل ستعود؟ ربما لا، ربما يقتلها مروان كما قتل أختها العام الفائت عندما كنا في روضة ( الخفس)، مروان يكره السحالي، مروان !!! آه... أين أنت أيها العزيز؟ آآآ... لا... مهوب وقته... مروان بعدين، كمل طريقك... لا توقف... أيوه... سحلية ثانية تخرج رأسها من الجحر، ربما هي الأنثى، تنتظر ذكرها الذي خرج طلبا ً للرزق، أمممم، صحيح... السحالي لا تعمل بشكل جماعي، السحالي من المخلوقات التي يعمل كل فرد منها لوحده، هناك مخلوقات تعرف مبدأ وقيمة التعاون، مثل البشر، النمل، النحل، الضباع، وهناك مخلوقات لا يمكن أن تقوم بعمل جماعي منظم، مثل الغنم، الأبل، والسحالي... يا ليلة السحالي الطويلة ذي... الظاهر ما فيه نوم إلى الفجر، أقوم أشوف لي شيء أسويه أحسن.
* * *
الأحد.
يومان... يومان الآن... عاشهما في موج محتدم... موج يعصف به في الداخل والخارج... هل هما يومان؟ لا... ربما أكثر... الآن مساء الأحد... وهجمة الموج بدأت على شاطئ منعزل... فيما بين الخميس والجمعة... هناك بدأ الموج يسحبه... وعندما فر إلى هنا... بعيدا ً عن الشاطئ... وبعيدا ً عن كل شيء... وظن أنه نجا وجلس يلعق جراحه، فاجأه موج أعتى وأشد.
والموج يتهادى به الآن... أدرك أنه غاب وانعزل في داخله طويلا ً... طويلا ً جدا ً... وخاصة عندما وجد بريده مكتظ برسائل مجروحة ورسالة يتيمة من سعد.
مجروحة... كأنها لم تكن... لقد فارقها مساء الأربعاء وهو يخبرها بأنه سيتغيب غدا ً أي يوم الخميس وسيكون موجودا ً الجمعة، لم يخبرها حينها أنه ذاهب للقاء سعد، سعد الذي صار اسمه بينهما ( تابو) لا يجرؤ على ذكره.
ولكنه عاد الجمعة متعبا ً منهوكا ً... يبحث عن فراشا ً يحتضنه، فألفى الموج يترصد له وراء باب مكتب أبيه، ليكتسحه مرة أخرى مساء السبت، وهاهو في مساء الأحد ينظر إلى رسائل مجروحة التي تلونت عناوينها ( خميس بدونك)، ( الجمعة... انتظرتك)، ( أين أنت؟ سبت بلا طعم)، ( الأحد... يدي على قلبي) ورسالة سعد الوحيدة ( الفصل الأول... رأيكم؟).
قصد الرسالة الأولى... سرح بين كلماتها الجميلة... المشكولة... بدت له كأنها ورود ملونة تتهادى على باقي أمواجه التي هدأت أخيرا ً، ثم رسالتها الثانية التي حملت عتابا ً رقيقا ً على إخلافه موعده، وانتظارها له حتى يأس منها الليل والوسن... أما الرسالة الثالثة... فكانت رسالة مرهقة متعبة... بتعبها وإرهاقها الذي أخلف سهرها في الليلة الفائتة من أجله، كما حملت الرسائل تساؤلا ً عنه وعن حاله... وأين هو؟ أما الرسالة الأخيرة... والتي يشير وقت إرسالها إلى ساعة مضت، فكانت تحمل مزيجا ً فريدا ً من العاطفة القوية، والقلق، والحيرة... كانت الرسالة تخبره أشياء أكبر... وأكثر من حروفها القليلة... كان ما بين السطور يخبره بأكثر مما قالت السطور.
تألم لما فعله بمجروحة... هذه الطيبة، الرقيقة، التي لا تتلون، هذه البسيطة التي لا تعرف التطور التاريخي، ولا تحاول تحليل أي شيء يخصه، فتح صفحة الإرسال... وتوقف كثيرا ً أمام بياض الصفحة القوي الذي يعشي عينيه ويمنعه من الكتابة، فرت الكلمات منه كسرب آرام جفول، كتب بإرهاق ( أنا بخير... أنا آسف... سأعود لأكتب لك ِ) تأمل حروفه العجفاء... ولكنه لم يجد خيارا ً آخر فأطلقها لتهيم في الفضاء السيبري.
تبقت رسالة سعد، أو فصله... كيف سيقرئه؟ بل كيف سيقرأ أي شيء لسعد بعد اليوم؟ كيف سيفهم ما يريد؟ كيف سيفرق بين ما هو حقيقة وبين ما هو متخيل؟ كيف سينجو إن ولج هنا من سطوة الحروف، ومن زخرفها، هل سيستطيع سعد النفاذ مرة أخرى إلى دواخله... هل سينجح مرة أخرى في خداعه؟ هل خدعه؟ آه.
فتح الرسالة وترك الفصل ينبسط أمامه، سيسكر الآن... هو متأكد من هذا، سيسقيه سعد من رحيق حروفه حتى يتعتعه الثمل، سحب نفسا ً باردا ً عميقا ً إلى جوفه وبدأ يقرأ.
* * *
(
... كنت أضحك من أعماقي عندما تحاول خالتي العجوز تقليد حركات أخوتي لتوصل لي أمرا ً تريد قوله...
... لم أفهم نقصي إلا بعدما تعلمت القراءة وصرت أتحير أمام ألفاظ ( قال)، ( صرخ)، ( همس) في عالمي الصامت...
... النظرة، اللمسة، والحرف، هذه مكونات لغتي التي تبدو لي كافية جدا ً...
... كنت أتكور في حضنها، أدفن رأسي في صدرها الذي أنهكته السنون والأطفال الذين تعاقبوا عليه، هناك كنت أنسى العالم كله...
... كانت قصة طويلة، مضحكة، ومتعبة، تصور ومعرفة معنى كلمة ضوضاء، كانت الكلمة تبدو لي جميلة الشكل، خلطت في البداية بينها وبين الوضوء لوجود تشابه في الحروف، ثم ظننت عندما عرفت أنها تربط بالأصوات أنها صوت الماء المتساقط من المتوضئ، هاهاه...
... كنت متسائلة، ولذلك عندما كتبت لي اسمها على ورقة ( حفيف)، أعجبني رسمه كثيرا ً، سألتها عن معناه فهزت كتفيها بمعنى أنها لا تعرف، فيما بعد علمت أنه اسم لصوت، هههههه، يا لحظي الرديء...
... أحببت خطها الجميل، تساءلت أي قلب يمكن أن يوشي الصفحة هكذا، كنت أمضي بين الصفحات المليئة بالهذر عندما توقفت عند ورقتها، رائعة... جميلة، لا بد أن أعرف من هي...
... كتبت لي اسمها ( منى)، ضحكت بقوة حالما قرأته، أشارت لي متسائلة عن سبب هذا الضحك الغريب، كتبت لها كنت أخشى أن يلقي بي حظي كالعادة إلى فتاة اسمها ذو معنى صوتي، ( رنين) مثلا ً...
)
* * *
انتهى الفصل... هكذا... فعلها سعد مرة أخرى، سحبه من جديد إلى عالم صامت يموج بكل شيء، عالم من الألوان والروائح، عالم ذو ملمس، عالم جميل... تمنى أن لو منحه سعد أكثر، لو أنه وسع له في السرد ليعيش أكثر مع هذه الفتاة الجميلة، الحية، هذه الفتاة التي تكاد تقفز من النص بقوتها، بروعتها، بروحها... أحبها... لا غرابة في ذلك كما أحب خالد من قبلها.
تذكر فتاة مجروحة الكئيبة، فجرت مقارنة سريعة في ذهنه، أحس بعدها بالألم... هكذا هي الحياة دوما ً... مجروحة الطاهرة، البريئة، تتراجع وتهزم أمام سعد القوي، سعد ذو الأقنعة والوجوه العديدة.
كيف يفعلها؟ تساءل حمد؟ كيف ينظر سعد دوما ً للأشياء من الزاوية الأجمل؟ كيف تكون لديه أفضل زاوية للصورة الواحدة التي نرقبها كلنا؟ كيف يفهم القارئ، فيمنحه ما يريد؟
غادر الجهاز... بل الغرفة كلها، بل المنزل بأسره، وجعل يتقلب في الشوارع المظلمة، يحمل معه كلمات سعد، وبقايا من حروف مجروحة، مجروحة التي ستجرح غدا ً عندما يجتمعون، ربما جرحت الآن وهي تقرأ فصل سعد بين يديها، ربما ستنطوي في ظلام الليل، وهي تحدق في حروفه وحروفها، تخيل دمعة تنفك من إسار أهدابها الجارحة لتحط على خدها، أحس بكراهية في صدره لسعد، لقوته، لحروفه، لفصله.
عاد إلى المنزل عندما لفظته الطرق، عاد والموج يهدر ولكنه هذه المرة ويا للعجب كان موجه هو.
* * *