لم أسأل نفسي ـ في البداية ـ لماذا اختار الاتحاد الدولي لكرة القدم الفيفا حكما فرنسيا لإدارة مباراة مصر وليبيا في الجولة السادسة من التصفيات المؤهلة لنهائيات كأس العالم لكرة القدم بألمانيا عام2006 ؟
راج خبر طاقم التحكيم الفرنسي, وتعاملنا معه علي أنه أمر لايلفت النظر ولايستحق التوقف والتدقيق, ولكن حدث أن اكتشفت أن مباراة مصر وليبيا ـ ودون غيرها من المباريات ـ كانت وحدها التي قام الاتحاد الدولي بتعيين حكم أوروبي لإدارتها.. بينما تقرر أن يدير اللقاءات الأخري حكام من القارة الافريقية.. ولاشك أن هذا بدا وكأنه لغز لايمكن أن يمر هكذا دون بحث أو تفتيش!
الحكاية بدأت من موقع الفيفا علي شبكة الانترنت, الذي كنت أحاول من خلاله رسم صورة لوضع الفرق العربية الستة التي تلعب في المجموعات الافريقية الخمس, وفرص كل منها ـ وبالأخص مصر ـ في التأهل للنهائيات في ألمانيا, ووسط صفحات الموقع العديدة.. كانت هناك مساحة لمباريات الجولة القادمة ـ وعددها خمس عشرة مباراة ـ وكلها محددة باليوم والساعة والحكام الذين سيتولون ادارتها, وجنسية كل منهم.
مباريات الجولة تنطلق غدا حيث تقام ثمان منها, ثم تقام سبع أخري يوم الأحد ـ من بينها مباراة مصر ـ وكان طبيعيا عندما تكون المباراة التي تخصنا تعايش وضعا استثنائيا, بأن يتولاها حكم يحمل جنسية من قارة أخري, في حين أن لقاءات كل الفرق الأخري ستكون بقيادة حكام افارقة.. أن يطرح التساؤل نفسه: لماذا هذه المباراة تحديدا؟
حملت السؤال اللغز ورحت أحاول أن أجد له اجابة علي موقع الفيفا, واعترف بأن الاجابة لم تكن موجودة برغم مشقة وعناء البحث.. أتاح لي البحث فقط الكثير من البيانات عن اريك بولا.. كان أهمها انه من مواليد مدينة شارليو في8 ديسمبر عام1963.. وهو متزوج ويهوي السباحة والمشي, وقام بالتحكيم في الاوليمبياد الأخيرة حيث أدار مباراة العراق وباراجواي في الدور قبل النهائي.. ويعتز كثيرا بمباراة مانشستر يونايتد الانجليزي وشتوتجارت الألماني في دوري الأبطال الأوروبي عام2003, ويصفونه بأنه يحب فرض شخصيته في الملعب, وانه تم اختياره ضمن الحكام الستة والاربعين المرشحين من قبل الاتحاد الدولي لإدارة نهائيات كأس العالم في ألمانيا, ويعتبرونه من أبرز الحكام في قائمة الاتحاد الأوروبي.
وحملت سؤالي إلي الدكتور فيكان جزميجان عضو مجلس ادارة الاتحاد المصري, الذي كان يستعد للسفر إلي السنغال بعد أن اختاره الاتحاد الدولي كمنسق لمباراة السنغال وليبيريا في هذه الجولة من التصفيات, شرحت للدكتور فيكان الموضوع كله فما كان إلا أن طلب منحه بعض الوقت ليعاود الاتصال بي, وبالفعل كانت لديه الاجابة وراح يشرح قائلا إن الاتحاد الدولي بدأ في تطبيق عملية تبادل للحكام الذين تم ترشيحهم لإدارة نهائيات كأس العالم بحيث يدير أحد الحكام ـ أو أكثر ـ إحدي المباريات خارج قارته مما يعطيه قدرا من الخبرة قد لاتتوافر له من خلال المباريات التي يتولي ادارتها في قارته, ويتم اختيار إحدي المباريات من خلال الاتحاد القاري ليسندها الاتحاد الدولي لحكم من خارج القارة, وقام الاتحاد الافريقي بترشيح مباراة مصر, وقام الاتحاد الدولي بإسنادها للفرنسي إريك بولا, وفي المقابل قام الاتحاد الأوروبي بترشيح مباراة كرواتيا وايسلندا في التصفيات الأوروبية المؤهلة لنهائيات كأس العالم, وهي المباراة التي تتساوي في مستواها ووزنها مع مباراة مصر وليبيا, وقرر الاتحاد الدولي اسنادها إلي حكم جنوب افريقيا جيروم داميان.
الفكرة ولاشك تستحق الاحترام والتقدير باعتبارها لاتمثل فقط وسيلة للتواصل وتبادل الخبرات, ولكنها تعد ـ أيضا ـ نوعا من الإعداد العملي للحكام قبل أهم وأكبر أحداث كرة القدم علي مستوي الكون.
أعود للمباريات التي تقام في اطار هذه الجولة وأقول ان مباراة مصر وليبيا ليست وحدها التي سوف تحظي منا بكل الاهتمام, بل هناك مباراتا كوت ديفوار مع بنين, والكاميرون مع السودان اللتان تعنيان لنا الكثير أيضا, باعتبار أن بقاء منتخب مصر منافسا علي بطاقة المجموعة لايتوقف فقط علي فوزه في كل مبارياته, بل يستند كذلك علي نتائج الآخرين وضرورة تعثرهم.. خاصة منتخب كوت ديفوار.
مباريات المجموعة الثالثة التي تلعب فيها مصر تقام كلها بعد غد, وهو نفس اليوم الذي يلعب منتخب عربي آخر وهو المنتخب الجزائري الذي يواجه رواندا في المجموعة الرابعة, بينما تواجه المغرب منتخب غينيا. وتواجه تونس منتخب مالاوي غدا.. والحقيقة أن الفرق العربية لاقت نوعا من الظلم صنعته القرعة التي تسببت في تركيز الـمنتخبات الستة المشاركة في ثلاث مجموعات فقط.. منها المجموعة الثالثة التي تضم مصر وليبيا والسودان, والمجموعة الخامسة التي تضم تونس والمغرب ـ بطل ووصيف كأس الأمم الافريقية الأخيرة ـ بينما تلعب الجزائر في المجموعة الرابعة في حين لاتضم المجموعتان الأولي والثانية أي فرق عربية وكلها من الفرق السمراء.
تركيز الفرق العربية بهذه الصورة سوف يجعل احتمال وصول أكثر من منتخب عربي افريقي لنهائيات كأس العالم ضعيفا ـ إن لم يكن مستحيلا ـ هذا إن لم تحدث مفاجآت ولايتأهل أحد بالمرة, وهذه ليست المشكلة الوحيدة بل كان ذلك التركيز له أثر آخر حيث سيؤدي هذا الوضع إلي حرمان بعض الفرق من التأهل لنهائيات كأس الأمم الافريقية بالقاهرة عام2006, حيث تؤهل التصفيات لنفس البطولة وفق النظام الجديد الذي يطبق لأول مرة ـ وعلي ذلك تبدو فرصة المنتخب السوداني ـ مثلا ـ مستحيلة في التأهل لأمم افريقيا, ولو كان الفريق في مجموعة أخري لأصبح ذلك واردا أو ممكنا, ولو كان قد لعب في المجموعة الأولي التي تضم كلا من: توجو, وليبيريا, والكونغو, ومالي, والسنغال, وزامبيا.. ربما اتيحت له الفرصة للعودة لكأس الأمم بعد غيابه عنها من عام1976.. أي مايقرب من30 عاما!
المفاجأة المدوية قد تحدث ـ فيما يخص التأهل لنهائيات كأس الأمم الافريقية ـ في المجموعة الخامسة التي تضم كلا من: المغرب, وغينيا, وبوتسوانا, وكينيا, وتونس, ومالاوي فالمجموعة تتصدرها المغرب بتسع نقاط, تليها غينيا بثماني نقاط, ثم كينيا وبوتسوانا برصيد ست نقاط, ثم تونس خمس نقاط, ومالاوي ثلاث نقاط.. والمغرب تبدو صاحبة حظ أوفر في بطاقة التأهل لنهائيات كأس العالم حيث سيلعب منتخبها ثلاث مباريات علي أرضه أولا غينيا ـ وهو أحد القوي الجديدة في كرة القدم الافريقية ـ ولو فاز بها لقطع مسافة كبيرة نحو ألمانيا, حيث سيلعب علي أرضه من جديد أمام مالاوي, وبوتسوانا, ويلعب مع كينيا وتونس خارج ملعبه. والمفاجأة التي قد تحدث بسبب الصراع الرهيب في المجموعة بابتعاد منتخب تونس عن المراكز الثلاثة الأولي فلا يتأهل ـ وهو حامل اللقب ـ إلي نهائيات كأس الأمم في مصر.. الحكم بالقطع مبكرا, ولكن مفاجآت كرة القدم علمتنا أنها بلا حدود, والمنافسة في هذه التصفيات بالغة القوة والشراسة لسببين الأول: تطور كرة القدم الافريقية السريع في السنوات الأخيرة وظهور قوي جديدة تريد اثبات جدارتها علي مستوي القارة. والثاني: إد
راك الجميع أن التصفيات هذه المرة ليست تصفيات عادية لأنها تؤهل لبطولتين ـ كأس العالم وكأس الأمم ـ ولهذا يقاتل الجميع ليحصل علي شيء ولايخرج خالي الوفاض.. وربما إن هذا الأمر تحديدا هو الذي سيجعل كأس الأمم الافريقية التي تستضيفها مصر أقوي البطولات في تاريخ المسابقة منذ اقامتها علي الاطلاق.
أعود للفرق العربية من جديد وأقول أن فرصة وجودها متاحة بقوة في المجموعة الخامسة من خلال المغرب, ومن بعدها تونس, وفي المجموعة الثالثة من خلال مصر وليبيا باعتبار أن المنتخب الليبي يملك عددا من النقاط يفوق مايملكه كل من منتخبي الكاميرون ومصر, وهو نظريا لديه فرص لابد أنه سيسعي لتدعيمها لعل وعسي.
مباريات الجولة السادسة سوف تدفع ملامح المجموعات الخمس في اتجاه يجعلها تبدو أكثر وضوحا, فهناك من سيعرف إن كان سيواصل سباق المنافسة بنفس الهمة والحماس.. أم لا؟ وهناك من سيزداد اقتناعا بأنه بات أقرب إلي ألمانيا أكثر من أي وقت مضي.. وهناك من سيكتفي بمواصلة السباق ليكون ضمن من يلعب في كأس الأمم بمصر, أو يجعلها مجرد إعداد لها.. فمن أي حزب من هؤلاء سنكون؟! لننتظر حتي نري