الفصل الثالث عشر : صدفة ..
كان شعور ساره بالسعادة لا يوصف بسبب خطبة اخيها .. فها هو حلم كان بالأمس مستحيلا .. يتحقق فجأة .. ودون مقدمات .. وهذا اعطى ساره املا في ان يتحقق حلمها يوما ما ...
قررت العائلتان إقامة حفل الزفاف في شهر اغسطس .. بناء على رجاء خاص من ساره لهيا .. فهي لم تكن ترغب في السفر هذا العام تجنبا لرؤية خالد .. فرؤيته قد تفتح جروحا بالكاد بدأت تلتئم .. كما انها لا ترغب في السفر دون شقيقتها شيماء وصديقتها هيا .. فسواء كانت ستتزوج في اغسطس ام بعده فإنها لن تقدر ان ترافقهم في السفر لأنها ستكون منشغله بالإعداد للزواج ..
،،،،،
لم يبق سوى ثلاثة ايام على حفلة عرس شيماء .. وكانت الاستعدادات قائمه على قدم وساق .. فالكل منشغل بعمل شيء ما ... والكل مرتبك ومتوتر.. وعمت حالة طوارىء في العائله كلها .. ففي الغد سيقيمون ليلة حناء .. ويجب ترتيب المنزل وإعداد اصناف الحلويات وتنسيق باقات الورود وإعداد مجلس العروس وغيره وغيره من امور ..
كانت هذه الترتيبات والإعدادات ممتعه للجميع .. بالرغم من كثرتها وصعوبتها إلا أنها ايام لا تنسى .. تحمل في طياتها الكثير من اللحظات الجميله والمواقف الطريفه التي يجد الإنسان لذه خاصه في استراجعها في ذاكرته المره تلو الأخرى ..
الشيء الوحيد الذي كان يعكر صفو هذه اللحظات هو سفر شيماء بعد العرس مباشره .. وستعيش في الخارج لفتره طويله .. وبالتالي لن يتمكن اهلها من رؤيتها إلا على فترات متباعده ...
بالرغم من سعادة ساره لزواج اختها وخطوبة صديقتها إلا انها كانت تشعر بالحزن والوحده حين تخلو بنفسها .. وذلك لسببين .. اولهما فراق اختها شيماء .. وثانيهما انشغال هيا وابتعادها الاضطراري عنها ..
لم تكن ساره تلوم هيا لابتعادها عنها .. فهي تعرف بأنها لو كانت مكانها لخصصت كل وقتها إما للاستعداد للزواج او للحديث مع خطيبها الذي احبته طوال عمرها .. ولكنها لم تستطع قهر شعورها بالغيره من شقيقها محمد الذي اخذ منها اعز صديقاتها .. ولم يترك مكانا لها ..
،،،،،
اقيم حفل زفاف شيماء وقد كان حفلا ضخما حضره الكثير من الناس .. وكانت شيماء وردة يانعه بفستانها الأبيض الجميل و مكياجها البسيط ... فلم تستطع ساره مغالبة دموعها التي انهمرت حالما رأت اختها تتمايل بفستانها الجميل .. كانت دموعها دموع فرح وفخر بهذه الأخت الغاليه ..
مرت مراسيم الزواج بسلام وانصرف العروسان وسط زغاريد الأهل و التمنيات لهم بالسعاده .. وقد كان يوما طويلا ومرهقا بالنسبة لساره التي غطت في نوم عميق حالما وضعت رأسها على الوساده ..
سافر العروسان في اليوم التالي بعد الغداء مباشره .. وشعرت ساره بالملل من البقاء وحيده دون شقيقتها او صديقتها .. فاتصلت بشقيقها محمد تسأله إن كان قادرا على اخذها إلى السوق او إلى اي مقهى لتغير جو الملل الذي تشعر به .. فوافق محمد على طلبها وخاصة انه لم يخرج معها منذ يوم خطبته لهيا ..
وبعد ساعة كان محمد وساره جالسين في المقهى يتناولان المرطبات والحلوى .. ويتبادلان اطراف الحديث .. وفجأه إذ بشخص يدخل إلى المقهى .. وبرفقته فتاه .. شعرت ساره بيد جليديه تمتد إلى قلبها تعتصره .. وشحب لونها .. فآخر من كانت تتوقع رؤيته هو خالد .. ومعه فتاه !! ترى من تكون هذه الفتاه ؟! اتراها زوجته .. شعرت ساره بطعنة الغيره تضرب قلبها .. فأشاحت وجهها عنه بكره .. فهي لا تريد ان تتخيله متزوجا ..
قاد خالد رفيقته إلى طاوله بعيده في الطرف الآخر من المقهى .. ولكنها مقابله لطاولتهم مباشره .. وقد كان يبدو متماسكا .. وكأنه لم يعرفها قط .. او انه يراها للمرة الأولى في حياته .. هكذا فكرت ساره في نفسها .. إلا ان الواقع كان مخالفا لذلك .. فقد كان خالد مرتبكا .. مصدوما .. فهو لم يتخيل ان يراها هنا .. ود لو كان بإمكانه الفرار من المكان .. لو أنه فقط رأها قبل ان تراه .. لكن انسحب من المكان بهدوء دون ان تشعر بوجوده .. ولكن للأسف .. فهي رأته قبل ان يراها .. فلم يكن امامه إلا التظاهر بالهدوء والتوجه إلى طاولة ما ..
تظاهر خالد بالانشغال بقائمة الطعام وهمس لأخته مريم : ساره هنا
مريم : احقا؟ اين ؟!
خالد : خلفك مباشره .. لا تلتفتي رجاء .. لا اريد لفت انتباهها ..
مريم : هل ترغب في ان نخرج من هنا ؟!
خالد : لا .. لا داعي لذلك .. سأحاول تجاهل وجودها وعدم النظر باتجاهها ..
مريم : لا بأس ولكن إن رغبت بالانصراف أخبرني
...
كان وجه خالد شاحبا .. ليس لأنه مرهق او متعب .. ولكن لأنه لمح نظرة كره في عيني ساره .. إنها تكرهه .. آلمه ذلك بشكل كبير .. فآخر ما كان يريده هو ان تكرهه ساره .. ود لو كان بإمكانه الذهاب إليها ضارعا .. طالبا الصفح والعفو .. ود لو كان بإمكانه ان يشرح لها ظروفه .. وأن يطلب منها ألا تتركه .. ولكن .. إن هي علمت بحاله فستشفق عليه .. و هو لا يريد شفقتها .. لا يريدها ان تبقى معه بدافع الشفقه .. لن يحتمل ذلك ..
اخذ خالد يختلس النظرات إليها .. حتى لا تنتبه إلى نظراته .. فكان يشيح بنظراته بارتباك بعيدا عنها كلما التقت اعينهما .. وكأنه لص ضبط بالجرم المشهود .. إلا ان اختلاس النظرات لم يكن كافيا له .. اراد ان يقترب اكثر .. اراد ان يراها عن كثب .. فقرر فجأة ان يتجه لطاولتها ويسلم على محمد .. ولكن .. كيف .. فمحمد لم يره وهو يدخل إلى المقهى؟! فسيكون الموقف محرجا إن هو اتجه مباشرة إليه قائلا : مرحبا انا هنا جئت لألقي التحيه .. سيكون من الأسهل أن يتصل به ويخبره بوجوده اولا .. فسارع للاتصال به ...
محمد : الو ؟؟
خالد : الو .. مرحبا ..
محمد : اهلا بالصديق العزيز .. لقد تفاجأت حين رأيت اسم المتصل .. فأنت لم تحادثني منذ ان كنا عند احمد الشهر الماضي .. اين اختفيت يارجل ؟!
خالد : في الحقيقه لقد كنت مشغولا ببعض الأمور .. كيف حالك ؟! وماهي آخر اخبارك ؟!
محمد : انا بخير والحمدلله .. وانت كيف حالك ؟!
خالد : على احسن مايرام .. لقد لمحتك من بعيد فأحببت ان اسلم عليك..
محمد : انت هنا ؟! اين ؟!
خالد : خلفك مباشره ..
محمد : يالها من صدفة جميله ... سآتي لأسلم عليك ..
خالد : لا داعي لذلك .. سأتي انا إليك .. ونهض كلاهما والتقيا في منتصف الطريق بين الطاولتين .. واخذا يتحدثان لبعض الوقت .. وأنظار خالد متجهه نحو ساره ..
كانت ساره متوتره وهي تنتظر عودة شقيقها .. فهي لم تكن تعلم بأنه يرى خالد وان العلاقة بينهما وثيقه لدرجة تبادل المكالمات الهاتفيه .. فبقيت تنتظر عودة شقيقها بصبر لتسأله عن هوية الفتاة التي برفقة خالد بطريقة غير مباشره .. فبادرته بالسؤال حال عودته
ساره : أليس هذا صديقك الذي رأيناه في لندن في الصيف ؟!
محمد : نعم إنه خالد صديقي ..
ساره : يبدو مختلفا بعض الشيء ..
محمد : صحيح؟! لم ادرك ذلك .. ربما لأنك رأيته في الخارج بملابس عاديه .. وهنا يرتدي الثياب الوطنيه ..
ساره : ربما .. هل تلك التي برفقته زوجته ؟!
محمد : خالد ؟! لا .. إنه ليس متزوجا .. وإلا لكان دعاني لزواجه .. قد تكون شقيقته ..
شعرت ساره بالراحه حين تأكدت بأنه ليس متزوجا .. وكأن حملا ثقيلا قد انزاح عن كاهلها .. فأخذت تثرثر بسعادة مع شقيقها وتتظاهر بعدم الاهتمام بتواجده في المكان .. بينما كان خالد صامتا ، مكتئبا وحزينا .. فلاحظت شقيقته الأمر وطلبت منه الانصراف اكثر من مره .. إلا انه كان يرفض في كل مره فهو لا يريد ان ينصرف قبلها .. إنه يريد ان يبقى حيث هي .. ينظر إليها من بعيد .. ولو لبضع دقائق أخرى .. فقد لا تتكرر صدفة اللقاء مرة أخرى ..
ولكن شعورا قاتلا بالغيرة كان ينتابه .. فهاهي ساره تضحك وتتحدث مع محمد بانطلاق وانشراح .. تمنى لو انه هو من يسمع صوتها العذب .. تمنى لو انه هو وحده من يضحكها .. تمنى لو انه هو وحده من يأسر نظراتها .. من يلمس يداها الرقيقتان ..
ياإلهي لم يعذب نفسه بالبقاء في المكان لفترة أطول .. لم لا يهرب من المكان؟! عليه ان ينصرف في الحال قبل ان يقدم على تصرف أخرق قد يندم عليه لبقية حياته .. فقال لأخته ..
هيا بنا يامريم .. لم اعد اطيق البقاء أكثر ..
مريم : حسنا .. هيا بنا .. كان يجب ان نخرج من هنا منذ بعض الوقت ..
وخرج خالد ومريم من المقهى .. فانطفأ بخروجهما حماس ساره وانطلاقها في الحديث .. مخلفا وراءه حالة من الكآبة والحزن .. فشعر محمد بتغير مزاج اخته في الحال .. فسألها عما اصابها فجأه .. فقالت له : لا شيء .. ولكني اشعر ببعض الإرهاق من يوم امس .. مارأيك ان نغادر ونعود للمنزل ؟!
محمد : حسنا هيا بنا إذن ..
يتبع ...