48] روى الدولابي في " الكنى " (1/189) عن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف قال : رأيت عمر أحرق بيت رويشد الثقفي حتى كأنه جمرة أو حمة وكان جارنا يبيع الخمر . وسنده صحيح . ورواه عبدالرزاق عن صفية بنت ابي عبيد كما في " الجامع الكبيرة " (3/204/1) وأبو عبيد في " الأموال " (ص 103) عن ابن عمر ، وسنده صحيح أيضاً .
[49] يعني باب القصر ، والقصة رواها عبد الله بن المبارك في " الزهد" (179/ 1) من " الكواكب الدراري " تفسير (575ورقم 513ـ 528ط) وأحمد (رقم 390) بسند رجاله ثقات .
[50] متفق عليه من حديث أبي هريرة ، وهو مخرج في " صحيج أبي داود " (557و558) ( تنبيه ) : إن حديث الجمعة حديث آخر من رواية ابن مسعود مرفوعاً ، أخرجه مسلم دون البخاري .
[51] قلت : هذا وإن كان هو المعقول ، لكن السند بذلك لم يصح عنه صلى الله عليه وسلم ، فإن فيه أبا معشر نجيح المدني وهو ضعيف لسوء حفظه ، بل حديثه هذا منكر كما بينته في " تخريج المشكاة " (1073) التحقيق الثاني .
[52] يشيير إلى حديث ابن عباس " لعن الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج " رواه أبو داود وغيره ، ولكنه ضعيف السند ، وإن لهج بذكره كثير من السلفيين ، فالحق أحق أن يقال وأن يتبع ، وممن ضعفه من المتقدمين الإمام مسلم فقال في " كتاب التفصيل " :
" هذا الحديث ليس بثابت ، وأبو صالح باذام قد اتقى الناس حديثه ، ولا يثبت له سماع من ابن عباس " .
نفله ابن رجب في " الفتح " كما في " الكواكب " (65/82/1) .
وقد بينت ضعف هذا الحديث في " الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السئ في الأمة " رقم (225) وقد ذكرت هناك أن الحديث صحيح لغيره ، إلا اتخاذ السرج ، فإنه منكر لم يأت إلا من هذا الطريق الضعيف .
وقد وقفت الآن على خطأ فاحش حول هذا الحديث ، فجاء في كتاب "القول المبين " لأحد أفاضل العلماء المعاصرين السلفيين ما نصه (ص 79) :
= " وهذا الحديث وإن كان في إسناده عند أصحاب السنن مقال ، فإن إسناده عند الحاكم خال من هذا المقال ، لأن طريق الحاكم غير طريقهم " !
قلت : والحديث مدراه عند الحاكم وغيره على أبي صالح عن ابن عباس ، وقد قال الحاكم عقبه (1/374) :
" أبو صالح هو باذام ولم يحتجا به " .
قلت : وهو ضعيف عند جمهور الأئمة ، ولم يوثقه إلا العجلي وحده كما قال الحافظ في التهذيب " ، والعجلي معروف بتساهله في التوثيق كابن حبان ولم نجد للحديث طريقاً آخرى لنشد عضده به بعد مزيد البحث عنه .
ولعل المشار إليه ، عني بكلامه بعض الشواهد التي ذكرتها هناك لكن هذه ليس فيها ذكر السراج أصلاً ، فهو وهم على وهم .
[53] وفي المجلة نفسها مقال آخر في تحريم البناء على القبورمطلقا فانظر ( مجلد سنة 1930ص359وـ364) .
[54] سورة النساء الآية 115.
[55] سورة ق ، الآية 37 .
[56] سورة الكهف ، الآية 21.
[57] انظر إن شئت المطولات من كتب علم الأصول وخاصة " الإحكام " لابن حزم .
[58] أخرجه البخاري ومسلم ، وهو مخرج في " إرواه الغليل " (رقم 285) .
[59] مخطوط في المكتبة الظاهرية بدمشق ، وهو كتاب عظيم جداً جمع نفائس نادرة من كتب العلماء المتقدمين ورسائلهم التي لم يطبع أكثرها فيما علمت ، وأنا الان في صدد إخراج هذه الكتب والرسائل في فهرس خاص أضعه لمجلدات هذا الكتاب الموجودة في المكتبة وفي غيرها إن وفقت لذلك . ثم تم الاستخراج المذكور من مجلدات المكتبة ، فعسى الله أن يوفق للإطلاع على غيرها واستخراج ما فيها من الكنوز
[60] قلت وحكاهما أيضاً ابن الجوزي في تفسيره " زاد المسير " (5/123ـ طبعة المكتب الإسلامي ) دون أن يرجح أحدهما على عادته .
[61] قلت : هذا الحديث صحيح مخرج على الصحيحين فلا يحن تصديره بقوله " روي " لأنه يدل على الضعف في اصطلاح العلماء كما بينته في " صلاة التروايح " (ص63ـ64) فتنبه .
ثم إن الحديث مخرج عندي في " صحيح أبي داود " (461) و(الإرواء) (263) .
[62] سورة طه ، الآية 14.
[63] لقوله صلى الله عليه وسلم " … فان ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله ". وهو حديث صحيح وإن رغم أنف صاحب "الأضواء " ! انظر " المشكاة " بتخرجي (163) .
[64] يشير إلى ما ذكره في أول الصفحة الأولى من الصفحتين المشار إليهما وهو قوله :
" وعن الحسن أنه اتخذ ( يعني المسجد) ليصلى فيه أصحاب الكهف إذا استيقظوا ".
قال الآلوسي :
" وهذا مبني على أنهم لم يموتوا بل ناموا كما ناموا أولاً وإليه ذهب بعضهم ، بل قيل : إنهم لا يموتون حتى يظهر المهدي ويكونوا من أنصاره . ولا معول على ذلك وهو عندي أشبه شئ بالخرافات ".
[65] هو الشيخ أبو الفيض أحمد الصديق الغماري في كتبابه المسمى " إحياء المقبور من أدلة استحباب بناء المساجد والقباب على القبور "! وهذا الكتاب من أغرب ما ابتلى به المسلمون في هذا العصر ، وأبعد ما يكون عن البحث العلمي النزيه ، فان المؤلف يدعي ترك التقليد والعمل بالحديث الشريف ! فقد التقيت به منذ بضعة أشهر في المكتبة الظاهرية ، وظهر لي من الحديث الذي جرى بيني وبينه أنه على معرفة بعلوم الحديث ، وأنه يدعو للاجتهاد ، ويحارب التقليد ، محاربة لا هوادة فيها ، وله ذلك بعض المؤلفات كما قال لي ، ولكن الجلسة كانت قصيرة لم تمكني من أن أعرف اتجاهه في العقيدة ، وإن كنت شعرت من بعض فقرات حديثه انه خلفي صوفي ، ثم تأكد من ذلك بعد أن قرأت له هذا الكتاب وغيره ، حيث تبين لي أن يحارب أهل التوحيد ، ويخالفهم في عقيدتهم مخالفة شديدة ، ويقول البدعة الحسنة ، وينتصر للمبتدعة ! ولم يستفد من دعواه الاحتهاد إلا الانتصار للاهواء وأهلها ، ما يفعل مجتهدوا الشيعة تماماً! وإن شئت دليلا على ما أقول ، فحسبك برهاناً على ذلك هذا الكتاب " . . . المقبور" ! فإن قبر كل الأحاديث المتواترة في تحريم البناء المساجد على القبور الذي قال به الأئمة الفحول بلا خلاف يعرف بينهم ، فهو والحق يقال : جرئ ، ولكن في محاربة الحق ! كيف لا وهو يرد كل ما ذكرناه من الأحاديث واتفاق الأئمة دون أي حجة ، اللهم إلا اتباع المتشابه من النصوص كآية الكهف هذه شانه في ذلك شأن المبتدعة في در النصوص المحكمات بالمتشابه ، نعوذ بالله من الخذلان وسيأتيك من كلامه بعض الأمثلة الأخرى على ما ذكرنا ، والله المستعان .
[66] حديث صحيح كما تقدم .
[67] سورة سبأ الآية 13.
[68] وانطر ص( 40)
[69] تاريخ ابن جرير (5/22ـ223) وتاريخ ابن كثير (9/74ـ75)
[70] قلت وإنما لم يسم الحافظ ابن عبدالهادي السنة التي وقع فيها ذلك لأنها لم ترد في رواية ثابتة على طريقة المحدثين ، وما نقلناه عن ابن جرير هو من رواية الواقدي وهو متهم ، ورواية ابن شبة الآتية في كلام الحافظ ابن عبد الهادي مدارها على مجاهيل ، وهم عن مجهول ! كما هو ظاهر ، فلا حجة في شئ من ذلك ، وإنما العمدة على اتفاق المؤرخين على أن إدخال الحجرة إلى المسجد كان في ولاية الوليد ، وهذا القدر كاف في إثبات أن ذلك كان بعد موت الصحابة الذين كانوا في المدينة حسبما بينه الحافظ لكن يعكر عليه ما رواه أبو عبدالله الرازي في مشيخته (218/1) عن محمد بن الربيع الحيزري :" توفي سهل بن سعد بالمدينة هو ابن مائة سنة وكانت وفاته سنة إحدى وتسعين وهو آخر من مات بالمدينة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . لكن الجيزري هذا لم اعرفه ثم هو معضل ، وقد ذكر مثله الحافظ بن حجر في " الإصابة " (2/87) عن الزهري من قوله فهو معضل أيضاً أو مرسل ، ثم عقبه بقوله :" وقيل قبل ذلك ، وزعم ابن أبي داود أنه مات بالإسكندرية " ، وجزم في " التقريب " أنه مات سنة 88 فالله أعلم .
وخلاصة القول أنه ليس لدينا نص تقوم به الحجة على أن أحداً من الصحابة كان في عهد عملية التغيير هذه ، فمن ادعى خلاف ذلك فعليه الدليل ، فما جاء في شريح مسلم " (5/13ـ14) أن ذلك كان في عهد الصحابة ، لعل مستنده تلك الرواية المعضلة أو المرسلة ، وبمثلها لا تقوم حجة ، على أنها أخص من الدعوى ، فإنها لو صحت إنما تثبت وجود واحد من الصحابة حينذاك ، لا ( الصحابة ) .
وأما قول بعض من كتب في هذه المسألة بغير علم :
" فمسجد النبي صلى الله عليه وسلم منذ وسعه عثمان رضي الله عنه وأدخل في المسجد ما لم يكن منه ، فصارت القبور الثلاثة محاطة بالمسجد لم ينكر أحد من السلف ذلك ".
فمن جهالاتهم التي لا حدود لها ـ ولا أريد أن أقول : إنها من افتراءاتهم ـ فإن أحدا من العلماء لم يقل إن إدخال القبور الثلاثة كان في عهد عثمان رضي الله عنه ، بل اتفقوا على أن ذلك كان في عهد الوليد بن عبد الملك كما سبق ، أي بعد عثمان بنحو نصف قرن ولكنهم يهرفون بما لا يعرفون ذلك لأن عثمان رضي الله عنه فعل خلاف ما نسبوا إليه ، فإنه لما وسع المسجد النبوي الشريف احترز من الوقوع في مخالفة الأحاديث المشار إليها ، فلم يوسع المسجد من جهة الحجرات ، ولم يدخلها فيه ، وهذا عين ما صنعه سلفه عمر بن الخطاب رضي الله عنهم جميعاً ، بل أشار هذا إلى أن التوسيع من الجهة المشار إليها فيه المحذور المذكور في الأحاديث المتقدمة كما سيأتي ذلك عنه قريباً .
وأما قولهم :" ولم ينكر أحد من السلف ذلك ".
فنقول : وما أدراكم بذلك ؟! فإن من أصعب الأشياء على العقلاء إثبات نفي شئ يمكن أن يقع ولم يعلم ، كما هو معروف عند العلماء ، لأن ذلك يستلزم الإستقراء التام والإحاطة بكل ما جرى ، وما قيل حول الحادثة التي يتعلق بها الأمر المراد نفيه عنها ، وأنى لمثل هذا البعض المشار إليه أن يفعلوا ذلك لو استطاعوا ، ولو أنهم راجعوا بعض الكتب لهذه المسألة لما وقعوا في تلك الجهالة الفاضحة ،
= ولو جدوا ما يحملهم على أن لا ينكروا ما لم يحيطوا بعلمه ، فقد قال الحافظ ابن كثير في تاريخه (75ج9 ) بعد أن ساق قصة إدخال القبر النبوي في المسجد :
" ويحكي أن سعيد بن المسيب أنكر إدخال حجرة عائشة في المسجد كأنه خشي أن يتخذ القبر مسجداً ".
وأنا لا يهمني كثيراً صحة هذه الرواية ، أو عدم صحتها ، لأننا لا نبني عليها حكماً شرعياً ، لكن الظن بسعيد بن المسيب وغيره من العلماء الذين أدركوا ذلك التغيير ، أنهم أنكروا ذلك أشد الإنكار ، لمنافاته تلك الأحاديث المتقدمة منافاة بينة ، وخاصة منها رواية عائشة التي تقول :" فلولا ذاك أبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً "
فما خشي الصحابة رضي الله عنهم قد وقع ــ مع الأسف الشديد ـ بإدخال القبر في المسجد ، إذ لافارق بين أن يكونوا دفنوه صلى الله عليه وسلم حين مات في المسجد ـ وحاشاهم عن ذلك ـ وبين ما فعله الذين بعدهم من إدخال قبره في المسجد بتوسيعه ، فالمحذور حاصل على كل حال كما تقدم عن الحافظ العراقي ، وشيخ الإسلام ابن تيمية ، ويؤيد هذا الظن أن سعيد بن المسيب أحد رواة الحديث الثاني كما سبق ، فهل اللائق بمن يعترف بعلمه وفضله وجرأته في الحق أن يظن به أنه أنكر على من خالف الحديث الذي هو رواته ، أم أن ينسب إليه عدم إنكاره ذلك ، كما زعم هؤلاء المشار إليهم حين قالوا " لم ينكر أحد من السلف ذلك "
والحقيقة أن قولهم هذا يتضمن طعناً ظاهراً ـ لو كانوا يعلمون ـ في جميع السلف ، لأن إدخال القبر إلى المسجد منكر ظاهر عند كل من علم بتلك الأحاديث المتقدمة وبمعانيها ، ومن المحال أن ننسب إلى جميع السلف جهلهم بذلك ، فهم ، أو على الأقل بعضهم يعلم ذلك يقيناً ، وإذا كان الأمر كذلك فلا بد من القول بأنهم أنكروا ذلك ، ولو لم نقف فيه على نص ، لأن التاريخ لم يحفظ لنا كل ما وقع ، فكيف يقال : إنهم لم ينكروا ذلك ؟ اللهم غفرا .
ومن جهالتهم قولهم عطفاً على قولهم السابق :
وكذا مسجد بني أمته دخل المسلمون دمشق من الصحابة وغيرهم والقبر ضمن المسجد لمن ينكر أحد ذلك " !
إن منطق هؤلاء عجيب غريب ! إنهم ليتوهمون أن كل ما يشاهدونه الآن في مسجد بني أمية كان موجوداً في عهد منشئه الأول الوليد بن عبد الملك ن فهل يقول بهذا عاقل ؟! كلا لا يقول ذلك غير هؤلاء ! ونحن نقطع ببطلان قولهم ، وأن أحداً من الصحابة والتابعين لم ير قبراً ظاهراً في مسجد بني أمية أو غيره ، بل غاية ما جاء فيه بعض الروايات عن زيد بن أرقم بن واقد أنهم في أثناء العمليات وجدوا مغارة فيها صندوق فيه سفط ( وعاء كامل ) وفي السفط رأس يحيى بن زكريا عليهما السلام ، مكتوب عليه : هذا رأي يحيى عليه السلام ، فأمر به الوليد فرد إلى المكان وقال : اجعلوا العمود الذي فوقه مغيراً من الأعمدة ، فجعل عليه عمود مسبك بسفط الرأس . رواه أبو الحسن الربعي في فضائل الشام (33) ومن طريقه ابن عساكر في تاريخه ( ج2ق9 /10) وإسناده ضعيف جداً ، فيه إبراهيم بن هشام الغساني كذبه أبو حاتم وأبو زرعة ، وقال الذهبي " متروك " . ومع هذا فإننا نقطع أنه لم يكن في المسجد صورة قبر حتى أواخر القرن الثاني لما أخرجه الربعي وبن عساكر عن الوليد بن مسلم أنه سئل أين بلغك رأس يحى بن زكريا ؟ قال : بلغني أنه ثم ، وأشار بيده إلى العمود المسفط الرابع من الركن الشرقي ، فهذا يدل على أنه لم يكن هناك قبر في عهد الوليد بن مسلم وقد توفي سنة أربع وتسعين ومائة .
= وأما كون ذلك الرأس هو رأس يحى عليه السلام فلا يمكن أن إثباته ، ولذلك اختلف المؤرخون اختلافاً كثيراً ، وجمهورهم على أن رأس يحيى عليه السلام مدفون في مسجد حلب ليس في مسجد دمشق ، كما حققه شيخنا في الإجازة العلامة محمد راغب الطباخ في بحث له نشره في مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق (ج1ص 41ـ 1482) تحت عنوان " رأس يحيى ورأس زكريا" فليراجعه من شاء .
ونحن لا يهمنا من الوجهة الشرعية ثبوت هذا أو ذاك ، سواء عندنا أكان الرأس الكريم في هذا المسجد أو ذاك ، بل لو تقينا عدم وجوده في كل من المسجدين ، فوجود صورة القبر فيهما كاف في المخالفة ، لأن أحكام الشريعة المطهرة إنما تبنى عل الظاهر ، لا الباطن كما هو معروف ، وسيأتي ما يشهد لهذا من كلام بعض العلماء ، وأشد ما تكون المخالفة إذا كان القبر في قبلة المسجد ، كما هو الحال في مسجد حلب ، ولا منكر لذلك من علمائها !.
واعلم أنه لا يجدي في رفع المخالفة أن القبر في المسجد ضمن مقصورة كما زعم مؤلفوا الرسالة ، لأنه على كل حال ظاهر ، ومقصود من العامة وأشباههم من الخاصة بما لا يقصد به إلا الله تعالى ، من التوجه إليه ، والاستغاثة به من دون الله تبارك وتعالى ، فظهور القبر هو سبب المحذور كما سيأتي عن النووي رحمه الله .
وخلاصة الكلام أن قول من أشرنا إليهم أن قبر يحيى عليه السلام كان ضمن المسجد الأموي منذ دخل دمشق الصحابة وغيرهم لم ينكر ذلك أحد منهم إن هو إلا محض اختلاق .
[71] انظر " طبقات ابن سعد " (4/21) و " تاريخ دمشق " لا بن عساكر (8/478/2) وقال السيوطي في " الجامع الكبير " (3/272/2) : وسنده صحيح إلا أن سالماً أبا النضر لم يدرك عمر ، و" وفاء الوفاء " للسمهودي (1/343) و " المشاهدات المعصومية عند قبر خير البرية " للعلامة محمد سلطان العصومي رحمه الله تعالى (ص43) وهو مؤلف رسالة هداية السلطان ‘إلى بلاد اليابان " التي ادعى أحد الدكاترة أنها ليست له ، وإنما لبعض إخواننا! مع أنني تناولتها منه هدية مطبوعة حين زرته في مكة في حجتي الأولى سنة 1368هـ .
[72] عزو هذا إلى الصحابة لا يثبت كما تقدم (ص58ـ59) فتنبه .
[73] في هذا دليل واضح على أن ظهور القبر في المسجد ولو من وراء النوافذ والحديد والأبواب لا يزيل المحذور ، كما هو الواقع في قبر يحيى عليه السلام في مسجد بني أمية في دمشق وحلب ، ولهذا نص أحمد على أن الصلاة لا تجوز في المسجد الذي قبلته إلى قبر ، حتى يكون بين حائط المسجد وبين المقبرة حائل آخر ، كما سيأتي ، فكيف إذا كان القبر في قبلة المسجد من الداخل ودون جدار حائل ؟ ومن ذلك تعلم أن قول بعضهم : " إن الصلاة في المسجد الذي به قبر كمسجد النبي صلى الله عليه وسلم ومسجد بني أمية لا يقال إنها صلاة في الجبانة ، فالقبر ضمن مقصورة مستقل بنفسه عن المسجد ، فما المانع من الصلاة فيه ".
فهذا قول لم يصدر عن علم وفقه ! لأن المانع بالنسبة للمسجد الأموي لا يزال قائماً وهو ظهور القبر من وراء المقصورة ، والدليل على ذلك قصد الناس للقبر والدعاء عنده وبه والاستغاثة به من دون الله ، وغير ذلك مما لا يرضاه الله ، والشارع الحكيم إنما نهى عن بناء المساجد على القبور سداُ للذريعة ومنعاً لمثل هذه الأمور التي تقع عند هذا القبر كما سيأتي بيانه ، فما قيمة هذه المقصورة على هذا الشكل المزخرف ، إنما هي نوع آخر من المنكر الذي يحمل الناس على معصية الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وتعظيم صاحب القبر بما يجوز شرعاً ، مما هو مشاهد معروف ، وسبقت الإشارة إلى بعضه .
ثم ألا يكفي في إثبات المانع أن الناس يستقبلون القبر عند الصلاة قصداً وبدون قصد ، ولعل أولئك المشار إليهم وأمثالهم يقولون : لا مانع أيضاً من هذا الإستقبال لوجود فاصل بين المصلين والقبر ألا وهو نوافذ القبر وشبكته النحاسية فنقول لو كان هذا المانع كافياً في المنع لما أحاطوا القبر النبوي الشريف بجدار مرتفع مستدير ولم يكتفوا بذلك بل بنو جدارين بمنعون بهما من استقبال القبر . ولو كان وراء الجدار المستدير ! وقد صح عن ابن جريج أنه قال : قلت لعطاء : أتكره أن تصلي في وسط القبور ؟ أو في مسجد إلى قبر ؟ قال : نعم ، كان ينهى عن ذلك أخرجه عبد الرزاق في " مصنفه " (1/404) . فإذا كان هذا التابعي الجليل ( عطاء بن أبي رباح ) لم يعتبر جدار المسجد فاصلاً بين المصلى وبين القبر وهو خارج المسجد ، فهل يعتبر فاصلا النوافذ والشبكة والقبر في المسجد ؟!
فهل في هذا ما يقنع أولئك الكاتبين بجهلهم وخطئهم ، وهجومهم على القول بما لا علم لهم به ؟ لعل وعسى !
وأما المسجد النبوي الكريم ، فلا كراهة في الصلاة فيه خلافاً لما فتروه علينا ، وسيأتي تفصيل القول فيه في " الفصل السابع " إن شاء الله تعالى .
على أني لا أريد أن يفوتني أن أنبه القراء الكرام على أن أولئك الكاتبين يعترفون بكلمتهم السابقة في أن الصلاة في المسجد الذي فيه قبر غير محاط بمقصورة أنها صلاة مكروهة لانتفاء العلة التي من أجلها نفوا الكراهة عن الصلاة في مسجد بني أمية بزعمهم ، فهل لهم أن يجهروا للناس باعترافهم هذا ؟ أم هو شئ اضطرهم إلى القول به التهرب من معارضة الأحاديث السابقة علناً وإن كانوا لا يدعون الناس إلى العمل به لغاية لا تخفى على العقلاء ؟!
[74] مخطوط في المكتبة الظاهرية بدمشق .
[75] ثم رأيته قد توبع ، فقد وقفت على إسناد البزار للحديث في " زوائده " (ص 123ـ مصورة المكتب الإسلامي ـ) فإذا هو يقول : حدثنا إبراهيم عن المستمر العروقي ثنا محمد ثنا إبراهيم بن طهمان به ، وقال البزار " تفرد به إبراهيم عن منصور ، ولا نعلمه عن ابن عمر باحسن من هذا إسناداً ". وهذه متابعة لا بأس بها ، العروقي بالقاف ـ صدوق يغرب كما في التقريب ". فالعهدة في الحديث على ابن طهمان ، وجرى الهيثمي على ظاهر إسناده ، فقال في " زوائد البزار " :" قلت : هو إسناد صحيح ". ولعل قوله السابق " ورجاله ثقات " أدق لما ذكرنا من الغرابة ، ذلك لأن مثل هذه الكلمة لا تقتضي الصحة ، كما لا يخفى على من مارس هذه الصناعة ، لأن عدالة الر واة وثقتهم شرط واحد من شروط الصحة الكثيرة ، بل إن العالم لا يلجأ إلى هذه الكلمة معرضاً عن التصريح بالصحة ، إلا لأنه يعلم أن في السند مع ثقة رجاله علةى تمنع من القول بصحته ، أو على الأقل لم يعلم تحقق الشروط الأخرى فيه ، فلذلك لم يصرح بصحته ، وهذه مسألة مهمة طالما غفل عنها المبتدئون في هذا العلم الشريف وغيرهم ، ولذلك نبهت عليها في مقدمة " تمام المنة على فقه السنة للسيد سابق "
هذا ولو كنت متحتجاً بما ليس صواباً عندي لا حتججت على تصحيح بعض المعاصرين المقلدين للحديث بأن السيوطي ضعفه بالرمز إليه بالضعف في " الجامع الصغير " وقع ذلك في النسخة المطبوعة بمطبعة بولاق بمصر ، وفي النسخة التي عليها شرح المناوي وفي نسخة خطية في المكتبة الظاهرية (2329ـ عام) وغيرها ، ولكن لا أثق برموز ( الجامع الصغير ) لأسباب ذكرتها في المقدمة المذكورة آنفاً ، ثم في مقدمته كتابي " صحيح الجامع الغير وزياداته " و " وضعيف الجامع الصغير وزياداته " ( وقد تم طبعهما في المكتب الإسلامي ولكن على الرغم من ذلك ، فالتضعيف وارد عليهم ، لأنهم لا تحقيق عندهم ، بل هم مقلدون في كل شئ باعترافهم ، فغالب الظن أنهم يعتدون بتلك الرموز وعليه فالتضعيف المذكور حجة عليهم إن أنصفوا ".
[76] مخطوط ناقص الأول والآخر محفوظ في المكتبة الظاهرية ، ومنه نسخة كاملة في مكتبة الحرم المكي .
[77] وقد خرجت بعض الأحاديث الواردة فيذلك في " إرواء الغليل " (971و1129) .
[78] نقل السيوطي في " التدريب " عن ابن الجوزي " قال :
" ما أحسن قول القائل : إذا رأيت الحديث يباين العقول ، أو يخالف المنقول ، أو يناقض الأصول ، فاعلم أنه موضوع . قال : ومعنى مناقضته للأصول أن يكون خارجاً من دواوين الإسلام من المسانيد والكتب المشهورة ".
كذا في الباعث الحثيث " ( ص85من الطبعة الثانية ).
[79]" انظر إحياء المقبور " (47ـ48) .
ومن عجائب الجهل بالسنة أن بعض المفسرين المتأخرين احتج بهذه الآثارالواهية على جواز الصلاة في المقبرة بقصد الاستظهار بروح الميت أو وصول أثر ما من أثر عبادته(1) لا للتعظيم له والتوجه نحوه ! وهذا مع أنه لا دليل فيها على ما زعمه من الجواز ، فهو مخالف لعموم الأدلة الناهية عن الصلاة في المقبرة وما شابهها من المساجد المبنية على القبور ، ولهذا رد المناوي احتجاج المفسر المشار إليه بقوله :
" لكن خبر الشيخين كراهة (!) بناء المساجد على القبور مطلقاً ، والمراد قبور المسلمين خشية أن يعبد فيها المقبور لقرينة خبر : اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد ".
وقال الصنعاني في " سبل السلام " (2/214) معتقباً عليه أيضاً :
" قوله : ( لا لتعظيم له ) يقال : قصد التبرك به تعظيم له ، ثم أحاديث النهي مطلقة ، و لا دليل على التعليل بما ذكر ، والظاهر أن العلة سد للذريعة ، والبعد عن التشبه بعبدة الأوثان ، الذين يعظمون الجمادات ، التي لا تنفع ولا تضر ، ولما في إنفاق المال في ذلك من العبث والتبذير ، الخالي عن النفع بالكلية ، ولأنه سبب لإيقاد السرج عليها الملعون فاعله ، ومفاسد ما يبنى على القبور من المشاهد والقباب لا تحصر ".
قلت : وقولهن " الملعون فاعله " يشير إلى حديث ابن عباس الذي بينت ضعفه فيما سبق ( ص 43) ، فتنبه .
[80] رواه الدولابي (1/129) عنه ورجاله ثقات .