السلام عليكم
جميع ماذكرتم في هذا الموضوع من روايات فهو مردود وكذلك ماسأذكره أنا بعد قليل وذلك لأّن القرآن الكريم تكفّل ربّ العزّة والجلالة بحفظه فقال عزّ من قائل إنا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون فلا يمكن لأحد أن يُنقّص منه أو يزيد فيه حرفاً واحداً وهو معجزة نبيّنا صلّى الله عليه وآله وسلّم الخالدة ، والذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه تنزيل من حكيم حميد .
والواقع العملي للمسلمين يرفض تحريف القرآن لأن كثيراً من الصحابة كانوا يحفظونه عن ظهر قلب ، وكانوا يتسابقون في حفظه وتحفيظه إلى أولادهم على مرّ الأزمنة حتّى يومنا الحاضر
وكما ورد في كتب الشيعة روايات عن التحريف كذلك ورد في كتب السنة مايثبت ذلك فليس للسنة الحق بالتشنيع على الشيعة بسبب تلك الروايات
وحتّى يتبينّ لك أيها القاريء إنّ هذه التّهمة ، « نقص القرآن والزياده فيه » هي أقرب لأهل السنّة منها لأهل الشيعة سوف أذكر هذه الروايات:
أخرج الطبراني والبيهقي
أن من القرآن سورتين ـ إحداهما هي :
بسم الله الرحمن الرحيم إنّا نستعينك ونستغفرك ونُثني عليك الخير كلّه ولا نكفُركَ ونَخلعُ ونتركُ من يفجرك .
والسورة الثانية هي :
بسم الله الرحمن الرحيم ـ اللّهم إياك نعبدُ ولك نُصلّي ونسجد إليك نسعى ونحفد ، نرجو رحمتك ونخشى عذابك الجدّ إن عذابك بالكافرين ملحقُ .
وهاتان السّورتان سماهما الراغب في المحاضرات سورتي القنوت وهما مّما كان يقنتُ بهما سيدنا عمر بن الخطّاب وهما موجودتان في مصحف إبن عبّاس ومصحف زيد بن ثابت (جلال الدين السيوطي في الإتقان وكذلك في الدر المنثور ) .
أخرج الإمام أحمد بن حنبل في مسنده .
عن أبي بن كعب قال : كم تقرأون سورة الأحزاب ؟ قال : بضعاً وسبعين آية ، قال : لقد قرأتها مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم مثل البقرة أو أكثر منها وإن فيها آية الرّجم ( مسند الإمام أحمد إبن حنبل 5 / 132 ) .
وأنت ترى أيها القاريء اللّبيب ، أن السّورتينّ المذكورتين في كتابي الإتقان والدر المنثور للسيوطي واللتين أخرجهما الطبراني والبيهقي واللتين تسميان بسورتي القُنوت لا وجود لهما في كتاب الله تعالى .
وهذا يعني أن القرآن الذي بين أيدينا ينقص هاتين السّورتين الثابتتين في مصحف إبن عباس ومصحف زيد بن ثابت كما يدّل أيضاً بأنّ هناك مصاحف أخرى غير التي عندنا
أمّا الرواية الثانية التي أخرجها الإمام أحمد في مسنده والتي تقول بأن سورة الأحزاب ناقصة ثلاثة أرباع ، لأن سورة البقرة فيها 286 آية بينما لا تتعدّى سورة الأحزاب 73 آية . وإذا إعتبرنا عدّ القرآن بالحزب فإن سورة البقرة فيها أكثر من خمسة أحزاب بينما لا تعد سورة الأحزاب إلا حزباً واحداً .
وقول أبي بن كعب : « كنتُ أقرأها مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم مثل البقرة أو أكثر » وهو من أشهر القرّاء الذين كانوا يحفظون القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو الذي إختاره عُمر (البخاري 2 /252 ) ليُصلّي بالنّاس صلاة التراويح . فقوله هذا يبعث الشكّ والحيرة كما لا يخفى .
ـ وأخرج الإمام أحمد بن حنبل في مسنده (مسند الإمام أحمد بن حنبل 5 /131 ) عن أبي بن كعب قال : إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال :
« إنّ الله تبارك وتعالى أمرني أن أقرأ عليك القرآن فقال فقرأ : لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب ، فقرأ فيها : « ولو أن إبن آدم سأل وادياً من مال فأعطيه لسأل ثانياً فلو سأل ثانياً فأعطيه لسأل ثالثاً ، ولا يملأ جوف إبن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تابَ ، وأن ذلك الدّين القيّمُ عند الله الحنفية غير المشركة ولا اليهودية ولا النصرانية ومن يفعل خيراً فلن يكفره » .
ـ وأخرج الحافظ بن عساكر في ترجمة أبي بن كعب إن أبا الدّرداء ركب الى المدينة في نفر من أهل دمشق فقرأ فيها على عمر بن الخطاب هذه الآية :
إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية ولو حميتم كما حَمُو لفسدَ المسجد الحرام فقال عمر بن الخطاب من أقرأكم هذه القراءة ؟ فقالوا :
أبي بن كعب ، فدعاه فقال لهم عمر إقرأوا ، فرأوا : ولو حميتم كما حموا لفسد المسجد الحرام فقال أبي بن كعب لعمر بن الخطاب ، نعم أنا قرأتهم فقال عمر لزيد بن ثابت أقرأ يازيد ، فقرأ زيد قراءة العامة فقال عمر : اللّهم لا أعرف إلا هذا ! فقال أبي بن كعب :
والله ياعمر إنّك لتعلمُ إنّي كنتُ أحْضر ويغيبون وأدنوا ويحجبون ، وولله لئنْ أحْبْبتَ لألزمنّ بيتي فلا أحدث أحداً ولا أُقرأ أحداً حتّى أموت ، فقال عمر اللّهم غفراً ، إنّك لتعلم إن الله قد جعل عندك علماً فعلّم الناس مَاعلمتَ .
قال ومرّ عمر بغلام وهو يقرأ في المصحب :
النّبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أبٌ لهم فقال : ياغلام حكها ، فقال هذا مصحف أبي بن كعب فذهب إليه فسأله فقال له : إنّه كان يُلهيني القرآنُ ويُلهيكَ الصّفقُ بالأسواق (تاريخ دمشق للحافظ بن عساكر 2 /228 ) .
وروى مثل هذا إبن الأثير في جامع الأصول وأبو داود في سننه ، والحاكم في مستدركه .
وأترك لك أخي القاريء أنْ تُعلّقَ في هذه المرّة بنفسك على أمثال هذه الروايا التي ملأتْ كتب أهل السنّة والجماعة ، وهم غافلون عنها ويشنّعون على الشيعة الذين لايجوجد عندهم عشر هذا .
والأعظم من ذلك كله أن مثل هذه الروايات موجودة في صحيح البخاري ومسلم وإليكم بعضاً منها:
فقد أخرج الإمام البخاري في صحيحه (صحيح البخاري 4 /215 ) في باب مناقب عمّار وحذيفة رضي الله عنهما عن علقمة قال : قدمتُ الشام فصلّيتُ ركعتين ثم قلتُ : اللّهم يسّر لي جليساً صالحاً ، فأتيت قوماً فجلستُ اليهم فإذا شيخٌ قد جاء حتّى جلس الى جنبي قلتُ من هذا ؟ قالوا : أبو الدرداء ، قلتُ إنّي دعوتُ الله أن ييسرّ لي جليساً صالحاً فيسّرك لي ، قال مّمنْ أنت ، فقلتُ من أهل الكوفة ، قال : أو ليس عندكم إبن أمّ عبدٍ صاحبُ النّعلين والوساد والمطهرة ، وفيكم الذي أجاره الله من الشيطان على لسان نبيّه صلّى الله عليه وآله وسلم ، أوليس فيكم صاحبُ سرّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، الذي لايعلمُ أحد غيرهُ ، ثم قال كيف يقرأ عبدالله والليل إذا يغشى فرأت عليه والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلّى والذكر والأنثى قال والله لقد أقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من فيه الى فيَّ .
ثم زاد في روايى أخرى قال مازال بي هؤلاء حتّى كادوا يستنزلوني عن شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (صحيح البخاري 4 /216 ) .
وفي رواية قال : والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلّى والذكر والأنثى قال : أقرئنيها النُّبي صلى الله عليه وآله وسلم من فاهُ الى فيَّ فما زال هؤلاء حتّى كادوا يردّوني (صحيح البخاري 4 /218 ( باب مناقب عبدالله بن مسعود ) )
فهذه الروايات كلّها تفيد بأن القرآن الذي عندنا زيد فيه كلمة « وما خلق » .
ـ وأخرج البخاري في صحيحه بسنده عن أبن عباس إن عمر بن الخطاب قال : أن الله بعث محمدا صلى الله عليه وآله وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل الله آية الرجم فقرأناها وعقلناها ووعيناها ، فلذا رجم رسول الله صلّى الله علية وآله وسلّم ورجمنا بعده ، فأخشى إن طال بالنّاس زمانٌ أين يقول قائلٌ : والله مانجدُ آية الرّجم في كتاب الله فيضلّ بترك فضيلة أنزلها الله ، والرّجمُ في كتاب الله حقٌ على من زنى إذا أُحْصِنَ من الرّجال والنّساء إذا قامتْ البيّنة أو كان الحبل والإعتراف ، ثم إنّا كنّا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله إلا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفرٌ بكم أن ترغبوا عن آبائكم أو إن كفْراً بكم أنْ ترغبوا عن آبائكم (صحيح البخاري 8 /26 ( باب رجم الحبلى من الزنى إذا أحصنت ) ) .
ـ وأخرج الإمام مسلم في صحيحه (صحيح مسلم 3 /100 ( باب لو إن لإبن آدم واديان لإبتغى ثالثاً.) ( في باب لو أن لإبن آدم واديين لأبتغى ثالثاً ) .
قال : بعث أبو موسى الأشعري الى قرّاء أهل البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرأوا القرآن ، فقال : أنتم خيار أهل البصرة وقراءهم فأتلوه ولا يطولنّ عليكم الأمل فتقسوا قلوبكم كما قستْ قلوب من كان قبلكم ، وإنّا كنّا نقرأ سورةً كنا نشبّهُها في الطّول والشدّة ببراءة فأنسيتها غير إني قد حفظت منها لو كان لأبن آدم واديان من مال لإبتغى وادياً ثالثاً ولا يملأ جوف إبن آدم إلاّ التّراب .
وكنا نقرأ سورة كنا نشبهها بحإدى المسبحات فأنسيتها غير إني حفظت منها يا أيها الذين آمنوا لما تقولون مالا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة (نفس المصدر السابق) .
وهاتان السورتان المزعومتان اللتان نسيهما أبو موسى الأشعري إحداهما تشبه براءة يعني 129 آية والثانية تشبه إحدى المسبحات يعني عشرون آية . لاوجود لهما إلا في خيال أبي موسى ، فإقرأ وأعجب
فإذا كانت أهل السنةوالجماعة مسانيدهم وصحاحهم مشحونة بمثل
هذه الروايات التي تدعي بأن القرآن ناقص مرّة ، وزائد أخرى فلماذا هذا التشنيع على الشيعة الذين أجمعوا على بطلان هذا الإدعاء .
وإذا كان الشيعي صاحب كتاب « فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب » وهو المتوفي سنة 1320 هجرية كتب كتابه منذ مايقرب مائة عام ، فقد سبقه السني في مصر صاحب كتاب « الفرقان» بما يقارب أربعة قرون كما أشار الى ذلك الشيخ محمد المدني عميد كلية الشريعة بالأزهر ( رسالة الإسلام العدد الرابع من السنة الحادية عشر ص 382 و382 ) .
والمهم في كل هذا إن علماء السنّة وعلماء الشيعة من المحققين قد أبطلوا مثل هذه الروايات وأعتبروها شاذة وأثبتوا بالأدلة المقنعة بأن القرآن الذي بين أيدينا هو نفس القرآن الذي أنزل على نبيّنا محمّد صلّى الله عليه ؤاله وسلّم وليس فيه زيادة ولا نقصان ولا تبديل ولا تغيير .
فكيف شنع أهل السنة والجماعة على الشيعة من أجل روايات ساقطة عندهم ، ويبرؤون أنفسهم ، بينما صحاحهم تثبت صحة تلك الروايات ؟
وإني إذ أذكر مثل هذه الروايات بمرارة كبيرة وأسف شديد ، فما أغنانا اليوم عن السكوت عنها وطيها في سلّة المهملات ، لولا الحملة الشعواء التي شنها بعض الكتاب والمؤلفين ممن يدّعون التمسك بالسنة النبوية ومن ورائهم دوائر معروفة تمولهم وتشجعهم على الطعن وتكفير الشيعة خصوصا بعهد إنتصار الثورة الإسلامية في إيران ، فإلى هؤلاء أقول : إتقوا الله بإخوانكم ، وإعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ، وإذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً .





























