• 0
  • مالي خلق
  • أتهاوش
  • متضايق
  • مريض
  • مستانس
  • مستغرب
  • مشتط
  • أسولف
  • مغرم
  • معصب
  • منحرج
  • آكل
  • ابكي
  • ارقص
  • اصلي
  • استهبل
  • اضحك
  • اضحك  2
  • تعجبني
  • بضبطلك
  • رايق
  • زعلان
  • عبقري
  • نايم
  • طبيعي
  • كشخة
  • صفحة 3 من 5 الأولىالأولى 12345 الأخيرةالأخيرة
    النتائج 31 إلى 45 من 71

    الموضوع: قصة طويلة لكنها رااائعة

    1. #31
      التسجيل
      01-07-2005
      الدولة
      السعودية
      المشاركات
      64
      المواضيع
      3
      شكر / اعجاب مشاركة

      مشاركة: قصة طويلة لكنها رااائعة

      الجزء العشرون (طعنة)

      ارتدت غادة أجمل ثيابها، و وضعت بعضاً من مساحيق التجميل على وجهها، و بالطبع لم تنسى أن تهذب شعرها على نحو رائع، لقد بدت جميلة للغاية و كأنها نجمة سقطت من السماء.
      ألقت غادة نظرة فاحصة على مظهرها في المرآة، و همست لنفسها قائلة:ياه يا غادة..كم أنت فاتنة و جميلة..أخيراً ستبتسم لك الحياة..ستحققين كل أحلامك..ستودعين الأحزان إلى الأبد..نعم إلى الأبــد..
      اتسعت ابتسامة غادة مع حروفها الأخيرة بينما سرح فكرها في ثوب الزفاف الأبيض و القفص الذهبي...و ربيع فارس أحلامها الأزلي و الأبدي..
      أطلقت غادة ضحكة جذلة و هي تسأل نفسها:أ سيفرح ربيع بالخبر؟..نعم لا بد أنه سيكون في قمة السرور..أخيراً يا غادة..
      دارت غادة حول نفسها في سعادة جامحة، و هي تطلق ضحكات قصيرة، و..
      <غادة..ماذا دهاك؟... هل أنت بخير يا ابنتي؟!>
      توقفت غادة بغتة و التفتت إلى والدتها و قد احمرت و جنتاها خجلاً، و أجابت بصوت متلعثم:لا شيء يا أمي..أ...أنا بخير..
      اقتربت والدتها و قد بدا عليها القلق و سألت باستنكار:غادة..هل أنت بخير حقاً؟!..من أنا إذاً..؟
      نظرت إليها غادة في ذهول و أجابت بسرعة:أمي أنا بخير حقاً..أ ظننتي فقدت عقلي؟!..كل ما في الأمر أنني أشعر بالسعادة اليوم..
      تنهدت الأم الحنون و عقبت:الحمد لله..ظننت أن طلاقك للمرة الثانية قد أصابك بـــ...الحمد لله..الحمد لله..
      ابتسمت غادة و هي تطمأن أمها قائلة:لا تقلقي علي يا أمي فابنتك قوية..
      غمغمت الأم قائلة في أسى:لا توجد امرأة قوية يا ابنتي و إن حاولت أن يظهر عليها ذلك..
      اتسعت ابتسامة غادة و هي تقترب نحو والدتها..و من ثم قبلت كفيها و هي تقول:كلا يا أمي..المرأة قوية بجمالها..بذكائها..و بكيدها..
      رمقتها والدتها بنظرة مليئة بالحنان و هي تعقب قائلة:أتظنين؟
      أومأت غادة برأسها إيجاباً و هي تقول:بالتأكيد يا والدتي..انظري إلي فأنا خير مثال على هذا..
      تنهدت الأم في أسى و هي تقول:ما فائدة القوة إن لم تجلب لصاحبها السعادة..عادل كان..
      قاطعتها غادة في حدة:عادل...عادل..إلى متى يا أمي؟..متى ستفهمينني؟..عادل ماضي و انقضى..ما عاد له أي وجود في قاموس حياتي..و لا في طياتي مشاعري..
      رمقتها الأم بنظرات غمرها الشك..لكنها آثرت أن تغادر غرفة غادة في هدوء و صمت، و أغلقت باب حجرة غادة خلفها..
      أطلقت غادة زفرة حارة و هي تردد: ليتك تعلمين يا أمي؟..أنا أضعف كثيراً مم أبدو..لكنني أردت أن تطمأني علي..لعلك تنسين انفصالي عن عادل..ترى ماذا ستكون ردة فعلك لو علمت أنني أنا من طلب الانفصال..؟
      حركت غادة رأسها بقوة و هي تتمتم:يا إلهي..لماذا يصر هذا الاسم على تحطيم البسمة على شفتي..عادل..كلا لن أسمح لأحد ما أن يسلبني حبي..لن أتنازل عن أحلامي و حياتي لمجرد ماضي..
      انطلقت غادة إلى درج في خزانتها، و فتحت أحد أدراجه، و من ثم أخرجت صندوقاً عتيقاً، نفخت فيه فانجلى عنه الغبار و فتحته في حماس، تلمست محتوياته في بطء و قد ارتسمت على وجهها علامة الظفر، و بسرعة وضعته في حقيبتها و ارتدت عباءتها الضيقة و رمت غطاء خفيف على وجهها، و مضت مسرعة..
      ركبت غادة السيارة و أمرت سائقها بأن يتوجه نحو أحد المراكز التجارية، و ما أن وصلت حتى صرفت سائقها، تماماً كما في المرة السابقة، و ظلت تنتظر دقائق، و ما أن لاحت لها سيارة ربيع من بعيد حتى اتسعت ابتسامتها و هي تغمغم:أخيراً..
      وقفت سيارة ربيع أمامها، و فتح زجاج نافذتها ببطء ليطل منه ربيع و قد زين ثغره بابتسامة جذابة قائلاً:تفضلي يا أميرتي..
      دارت غادة حول السيارة و من ثم دلفت داخلها، و ما أن ألقت بجسدها فوق المقعد المجاور لمقعد ربيع حتى هتف هذا الأخير قائلاً و قد أدار محرك سيارته:كيف حالك يا أميرتي..؟
      ابتسمت غادة و هي تقول:أميرتك لم تكن أفضل حالاً من اليوم..
      انطلق ربيع بسيارته و هي يعقب:حقاً؟...كم أنا سعيد بسماع هذا يا أميرتي..
      ترددت كلمته الخيرة في ذهنها...أميرتي..و رجعت بها الذكريات نحو الوراء..نحو عادل..لطالما نادها بأميرتي..أميرتي الفاتنة...تنهدت غادة و هي تحرك رأسها بقوة لعلها تتخلص من تلك الذكريات التي باتت تزورها كثيراً، فألقى عليها ربيع نظرة جانبية و هو يعقب:ماذا بك يا غادة؟..
      -......................
      -أميرتي هل أنت على ما يرام؟
      -ربيع هل لي أن اطلب طلباً؟
      -طلباتك أوامر يا أميرتي؟
      -كف عن هذا يا ربيع..
      -ما الأمر؟
      -فقط لا تناديني بأميرتي..لقبني بما شئت.إلا هذا اللقب..
      -و لم..؟
      ارتسم هذا السؤال في ذهنها..و همست لنفسها:نعم..لم ؟..لم لا أريد أن أسمع هذا الاسم..علي أن أواجه الواقع بقوة..علي أن أتجاهل ذكرى عادل و أقاومها..لن أسمح له بأن يتدخل في حياتي..و إن ذكرتني به الكلمات و المواقف..ما بيني و بين عادل انتهى..ترى هل تؤلمني ذكراه؟..
      -غادة..هل تسمعينني؟
      تنبهت غادة لصوت ربيع..فأطلقت ضحكة جذلة و هي تعقب قائلة:أتعلم..سمني بما شئت..حتى لو بأميرتي..
      -ما بك اليوم يا سحر الشرق؟!
      -أشعر بالسعادة..هذا كل شيء..
      -أ ما عاد حبك لي يعذبك؟!..
      -من العذاب ما هو ألذ من الشهد..
      -أنت فعلاً مختلفة اليوم..يبدو أن غادتي قد عادت إلي..
      -لطالما كانت بجوارك بروحها و إن سرح عقلها..
      توقفت السيارة أمام ذلك المطعم الذي جمعهما قبل الفراق و في لقائهما الأول بعد العودة و الوفاق، دلفت غادة المطعم و هي تتأبط ذراع ربيع، مما جعله يردد قائلاً و هو يحمل تلك الابتسامة الجذابة:لابد أنك تخفين شيئاً ما..ماذا هناك يا درتي؟
      حملت غادة ابتسامة واثقة على ثغرها و هي تجيبه:أنتم هكذا أيها الرجال..عديمو الصبر..
      -ما دام الأمر كذلك هل ستعذبينني بالانتظار..؟
      -سأموت حينها..ربيع أنت قلبي..فكيف لي أن أعذب قلبي؟
      -إن كنت أنا قلبك..فأنت روحي ذاتها..و أروع شيء حدث في حياتي بأسرها..حبي الأول..و الأخير..
      أطرقت غادة رأسها خجلاً و هي تشعر بسعادة غامرة.
      استقر الاثنان في جناح خاص، و استترا بالحواجز الموجودة في المطعم، عندها أشاحت غادة ذلك الغطاء الخفيف الذي كان على وجهها فهتف ربيع قائلاً:يا إلهي..إنك تزدادين جمالاً في كل مرة..
      توردت وجنتا غادة و هي تجيبه قائلاً: أنت أيضاً يا ربيع تزداد وسامة في كل مرة
      -ربما لأن حبي لك يزداد مع كل ثانية ..
      -لن يستطيع أحد ما مجاراتك في الحديث..
      -لأن أحدهم لم يظفر بشابة رائعة مثلك..
      مع حروفه الأخيرة لامست كفه يد غادة، فأغمضت تلك الأخيرة عينها و هي تهمس:قل أنه ليس حلماً..
      -إنه ليس حلما يا غادة..افتحي عينيك يا أميرتي..فبنظراتك تنبض الحياة..
      فتحت غادة عينيها و أدارت بصرها فيما حولها إلى أن وصلت إليه فتعلق بصرها به، عندها هتفت لنفسها:أنا لم أخطأ..ربيع يستحق التضحية..يستحق الحب..نعم هو من يقدرني..هو من يقدر غادة..
      -أتوق شوقاً لسماع المفاجأة التي وعدتني بها يا غادتي..
      تنبهت غادة بصوته فابتسمت، و أسرعت تفتح حقيبتها، و من ثم أخرجت تلك العلبة التي دستها فيها و فتحتها أمامه و هي تهمس في دلال:أتذكرها..؟
      ابتسم ربيع و هو يخرج الخاتم من تلك العلبة و عقب قائلاً:بالطبع..إنه الخاتم الذي قدمته لك يوم أن خطبتك..
      تراجعت للخلف في ثقة و هي تقول:يبدو أن التاريخ يعيد نفسه..
      بدت علامات التوتر على ربيع و هو يسألها:ماذا تعنين..لم أفهم؟
      -عجباً يا ربيع..و أنا التي أقول أنك أذكى الذين قابلتهم قاطبة..
      -ربما..لكنني لم أستطع أن أخمن مقصدك..
      -عزيزي ربيع..أخيراً سيجتمع الشمل..و سألقاك في النور..بلا خوف..و بلا شعور بالذنب..
      -غادة..هلا أوضحت..؟
      -سأسهل عليك..حبنا سينتهي نهاية سعيدة..
      سألها ربيع بحذر: و ما هذه النهاية؟
      -خمن؟
      -الزواج؟!
      -أحسنت..ما رأيك بهذه المفاجأة..؟
      ارتفع صوت ربيع و هو يقول:أ تعنين أنك تركت عادل؟
      -فعلت هذا من أجلك..و من أجل حبنا..
      ضرب ربيع قضيته بسطح المنضدة و هو يهتف:لم لم تخبريني قبلاً..
      -ربيع اهدأ الأمر لا يستحق هذا الانفعال..يفترض بك أن تكون مسرور جداً..
      حاول ربيع أن يتمالك نفسه و هو يقول:جننت يا غادة..لابد أنك جننت دون شك..
      -جننت؟..ماذا دهاك يا ربيع ؟..ألم تقل أنني حبك الأول و الأخير..
      نظر إليها ربيع نظرة مطولة و من ثم أشاح بوجهه بعيداً عنها و هو يقول:عندما عدت طلبتك صديقة..لا زوجة..
      -و ما الفرق دام السبب واحد..الحب..
      تطلع إليها ربيع مجدداً و هو يقول:غادة لا أستطيع الزواج منك..
      -لم..لم يا ربيع..؟
      -.................
      -أخبرني بالله عليك..
      -...................
      -أجبني إن كنت تحبني حقاً..
      أشاح ربيع بوجهه و هو يجيبها قائلاً:غادة..أنا أب لطفلة لم تتجاوز من العمر بضعة أشهر..
      أنا متزوج..متزوج يا غادة..
      ***********************************

      .
      .

      .

    2. #32
      التسجيل
      01-07-2005
      الدولة
      السعودية
      المشاركات
      64
      المواضيع
      3
      شكر / اعجاب مشاركة

      مشاركة: قصة طويلة لكنها رااائعة

      الجزء الحادي والعشرين : القشة التي قصمت ظهر البعير ..

      للحظة تجمدت ملامح غادة ونظراتها ... توقف الزمن بالنسبة لها .. بينما حرك ربيع أنامله بعشوائية في توتر شديد .. وتعلقت عيناه ببقعة في الطاولة التي أمامه .. تحاشيا لأي ردة فعل من قبل غادة ..

      ثم قطعت الصمت ضحكة عصبية من قبل غادة وهي تلوح بيدها وتقول :
      - لا شك أنها مزحة سمجة ..
      قطب ربيع حاجبيه في ألم .. وقال :
      - يؤسفني أن أضعك في مثل هذا الموقف .. صدقيني يا غادة أنا لا أمزح .. هذه هي الحقيقة التي لطالما أخفيتها عنك .. آنا آسف ..
      نظرت إليه في استنكار وقد تجمعت العبرات غزيرة في مقلتيها .. أخذ صدرها يعلو ويهبط بينما لم تبارح عيناها وجهه .. مما زاد من ارتباكه .. قالت بضعف :
      - آسف ؟؟ على أي شيء تتأسف ؟؟ وبأي وجه حق تدفع بي إلى الهاوية ؟؟ آسف على تدمير حياتي ؟؟ آسف على استغلالي والتلاعب بي ؟؟ آسف على امتهاني وامتهان العلاقة المقدسة التي سعيت إليها رامية بكل شيء يقف في وجهها عرض الحائط ؟؟ خبرني عم تتأسف ؟؟ هل سبق أن رأيت القاتل يعتذر للمقتول ؟؟
      - ولكنني كنت صريحا معك .. ولم أطلب منك الزو......
      - كف عن المراوغة أيها الوقح .. أما زلت تبحث عن عذر ؟؟
      نظر ربيع إليها باستعطاف وحاول أن يقترب منها وهو يقول :
      - أرجوك يا غادة أن تفهميني .. ليس الأمر كما تتصورين .. لقد خلت أنني أحبها لكن عندما تزوجتها لم تفارقي مخيلتي للحظة .. أنا أتعذب معها .. ولكن ليس لي خيار .. إنها تملك ضدي الكثير ..
      بكت غادة بحرقة وارتفع نشيجها وهي تغطي وجهها بكفيها .. ولم تستطع التفوه بكلمة لدقائق .. تمنت لو تصفعه .. تمنت لو تنهي حياته كما أنهى حياتها برعونته وحبه الأجوف .. تمتمت بصوت مهتز خافت :
      - كيف سولت لك نفسك خداعي ؟؟
      - صدقيني أنا أحبك .. لكنني لم أرد من علاقتنا سوى الصداقة البحتة ..
      قاطعته صارخة وهي تتكئ على حافة المنضدة :
      - هل تظن نفسك في أمريكا ؟؟ كيف تتصور أن بمقدورك إقامة علاقة مع فتاة مخطوبة ؟؟ كيف تستنكر علي سعيي لتتويج صداقتنا بالزواج ؟؟
      - ............
      تغشتها أمواج الحب المجنون ثانية فتوسلت :
      - يحل لك يا ربيع الزواج بثانية ..
      أطرق قائلا :
      - لا أستطيع .. إن ذلك يعني تدمير أسرتين لا أسرة واحدة ..
      أحست بنار تأكل قلبها .. لقد أذلت نفسها ثانية من أجله ولم يبالي .. أي دناءة هذه ؟؟ لماذا تتمسك به بكل هذه الحماقة ؟؟ وهل ترضى لنفسها أن تكون زوجة لشخص بهيمي التفكير ؟؟
      نهضت بغتة فتشبث بها وهو يقول :
      - امنحيني فرصة .. دعيني أحكي لك أي ضغط أقع تحته ..
      طوحت بيده وهي تصرخ صرخة هادرة :
      - لا أريد أن أسمع قصتك أيها النذل ... لقد انتهى كل شيء ...
      استدارت بقوة راكضة إلى الخارج فناداها ربيع بلهفة :
      - غادة انتظري .. غادة ..
      ركض خلفها ... فوجدها تتصل بهاتفها على السائق خارج المطعم .. وجسمها كله يرتجف .. اقترب بخفة حتى كاد أن يلامسها .. وما إن أحست بأنفاسه حتى انتفضت بعنف فأجفل هو الآخر ثم عاود الاقتراب وهو يهمس :
      - حبيبتي .. ليس عدلا .. ألن تستمعي إلى ؟؟
      ضغطت على أسنانها بغيظ وتكلمت من بينها قائلة :
      - انظروا من يتحدث عن العدل .. ابتعد من هنا .. قبل أن تثير الريبة ..
      - غادة أ ...
      صرخت صرخة خافتة محملة بالقسوة ونفاذ الصبر قائلة في حسم :
      - ابتعد ...
      تراجع ربيع عدة خطوات للخلف .. ثم شملها بنظرة حزينة ... أغلق عينيه بعدها وهمس :
      - الوداع ...
      أشاحت بوجهها ... وهي تكتم شهقة عنيفة .. ثم عاودت النظر .. فرأته يبتعد .. ويمضي .. بقوامه الرشيق .. ومشيته الرائعة التي لمحت فيها شيئا من الانكسار هذه المرة ..
      يمضي وقد خلف وراءه كومة من بقايا إنسانة .. لم يبق لها من هذه الدنيا شيء سوى الألم والندم .. يمضي ببرود .. كممارس حاذق للتعذيب والتدمير ...
      خطت خطوة للأمام .. التمست فيها قلبها الذي غادر مبقعا الأرض بدمائه المهدرة .. ثم ارتدت وقد اغرورقت عيناها بالدمع .. حين تذكرت أنها لن تجد قلبا .. بل مجرد أشلاء تلفظ أنفاسها الأخيرة ..
      وحملتها السيارة إلى بيتها .. طريق مملوء بالجثث والمدافن .. محترق بالغش والخيانة .. مخضب بحمرة الدم وسواد المستقبل ..
      دارت رأسها التي لم تعد تتحمل أكثر .. وشعرت بأنها بالكاد ترى ما أمامها .. لكنها تماسكت حتى احتوتها غرفتها .. وهناك سقطت .. قريبا من الباب ..
      لم تدر كم بقيت .. لكنها حين استفاقت وجدت نفسها ما زالت وحيدة ... فعلمت أنه لم يدر عنها أحد ..
      لمت قدميها إلى صدرها .. وقد أصيبت بحالة من الذهول وجف الدمع من عينيها تماما .. أجل .. يكفيك يا عيني .. فما عاد في جسدي قطرة تذرف ..

      جالت ببصرها في الحجرة ... والتقت عيناها بعيني ذلك التمثال القابع فوق البيانو .. فسرت قشعريرة في كامل جسدها .. لكأنه يشمت بحالها .. تبا لهذا الحال ..
      استغفرت ربها .. ثم نهضت تجاه التمثال الذي كان يمثل ولدا أشقر الشعر يمسك بحمامة تفرد جناحيها ويدفعها نحو السماء لتطير ..
      همست لنفسها :
      - أتذكرين من أهداك هذا التمثال يا غادة ؟؟ أتذكرين ماذا قال لك يومها ؟؟ .......
      سرحت ببصرها وهي تمسك بالتمثال بكلتا يديها رغم صغره .. وتردد في أعماقها صوت ذو صدى عميق يقول :
      - معا .. ننطلق إلى الحرية ... ونحلق بجناح أبيض لجنة ملونة ..
      - ولن نعود من هناك أبدا .. صحيح ؟؟
      - بكل تأكيد ..
      تأوهت وهي تغمض عينيها .. تلمست طريقها إلى الشريط الذي يأخذها إلى تلك الجنة كلما سمعته .. فتحت جهاز .. فإذا بشريط آخر يقبع هناك .. سحبته وهي تتأمله باستغراب :
      - عجيب .. لم يسبق لي أن رأيت هذا الشريط من قبل .. من وضعه هنا ؟؟
      أعادته إلى مكانه .. وضغطت على زر التشغيل ..
      دار بكرات الشريط قليلا بصمت .. ثم تعالى صوت هادئ .. لطالما اشتاقت غادة لسماعه ...

      انه صوت رهف ..
      ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
      .
      .

      .

    3. #33
      الصورة الرمزية SAD ANGEL
      SAD ANGEL غير متصل عضوه مميزه في منتدى النثر
      التسجيل
      25-10-2004
      الدولة
      حدائق بابل المعلقة / في سوريا
      المشاركات
      174
      المواضيع
      19
      شكر / اعجاب مشاركة

      مشاركة: قصة طويلة لكنها رااائعة

      والله بجد القصة رووووووعة

      والله بتجنن وأحداثها مثيرة جدا جدا
      مشكور أخي أبو الدحم على ذوقك باختيار القصة ونقلها
      وناطرين البقية على أحر من الجمر:vereymad: لا تتأخر علينا الله يخليك
      لأنه الاحداث صارت مشوقة جدا جدا :vereymad:
      والله يعطيك العافية على جهودك بالنقل
      الملاك الحزين
      صلي على النبي ثلاث مرات كلما قرأت هذه :
      اللهم صلي على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم...

    4. #34
      التسجيل
      01-07-2005
      المشاركات
      134
      المواضيع
      5
      شكر / اعجاب مشاركة

      مشاركة: قصة طويلة لكنها رااائعة

      ناطرة الباقي

    5. #35
      التسجيل
      01-07-2005
      المشاركات
      134
      المواضيع
      5
      شكر / اعجاب مشاركة

      مشاركة: قصة طويلة لكنها رااائعة

      ناطرة الباقي
      وشكرا

    6. #36
      الصورة الرمزية SAD ANGEL
      SAD ANGEL غير متصل عضوه مميزه في منتدى النثر
      التسجيل
      25-10-2004
      الدولة
      حدائق بابل المعلقة / في سوريا
      المشاركات
      174
      المواضيع
      19
      شكر / اعجاب مشاركة

      مشاركة: قصة طويلة لكنها رااائعة

      ليه تتأخر علينا بالبقية يا أخ أبو الدحم!!!!!!!؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
      الله يسامحك ليه تعمل فينا هيك
      ناطرين التكملة :vereymad: لا تتأخر علينا الله يخليك
      تعبتنا وياك
      لكن مشكور على كل حال ومعذور كمان
      الملاك الحزين
      صلي على النبي ثلاث مرات كلما قرأت هذه :
      اللهم صلي على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم...

    7. #37
      التسجيل
      25-02-2005
      الدولة
      جدة غير .......... رياض شكل ..........
      المشاركات
      734
      المواضيع
      32
      شكر / اعجاب مشاركة

      مشاركة: قصة طويلة لكنها رااائعة

      قصة رائعة

      شكراً جزيلاً

      أنتظر البقية بفارغ الصبر
      سبحان الله وبحمده
      سبحان الله العظيم
      لا حول ولا قوة إلا بالله





    8. #38
      التسجيل
      01-07-2005
      الدولة
      السعودية
      المشاركات
      64
      المواضيع
      3
      شكر / اعجاب مشاركة

      مشاركة: قصة طويلة لكنها رااائعة

      الجزء الثاني و العشرين (حنين)
      ألقت غادة نظرة متعجبة على تلك البكرات التي ما زالت تدور،و أسرعت تخرج الشريط من المسجل ،لتقلبه بين يديها بشيء من الشك.تساءلت في أعماقها :منذ متى يبيت هذا الشريط هنا..؟
      تنهدت غادة بعمق حالما ظهرت صورة شقيقتها في مخيلتها..و همست لنفسها :يا ه يا رهف ..كم اشتقت إليك..و لصوتك..رؤيتي لتلك الأجهزة التي تحيط بك تخفيني..تقيدك..و تعذبني..إلى متى يا رهف؟..إنني أحترق ..و ببطء..ما هي إلا أيام و أستحيل إلى خيط دخان..أنا في أشد الحاجة إليك..يقتلني الحنين إلى أيامنا الغابرة..آه يا رهف..
      ألقت غادة نظرة أخرى على الشريط،و من ثم وضعته حيث كان بعد أن أعادته من إلى بدايته...
      جلست بجواره و كلها آذان صاغية،فدارت البكرات و تعالى ذلك الصوت الهادئ ناشراً في أنحاء الغرفة مزيجاً من الحنين..
      الشوق..
      الألم..
      (( السلام عليك و رحمة الله و بركاته..عزيزتي غادة..في البداية لا أخفيك أنني كنت قد تراجعت أكثر من مرة عن تسجيل هذا الشريط..ربما لأنني كنت قلقة من ردة فعلك..و ربما لأنني خشيت أن أفقدك..رغم أنني أشعر بذلك الآن..فأنت بعيدة عني..بيين و بينك مسافة بلا حدود..بلا نهاية..اقترب منك خطوة..فتتراجعين عني خطوات..رغم أن دماءنا واحدة..و أصولنا واحدة..تربينا معاً..و كبرنا معاً..ما الذي حدث؟..ماذا أصابنا؟..هل غيرنا الزمان كما تغير؟..لست أدري..لا أنكر أنني قد أسأت إليك يوماً..ولكن صدقيني كان ذلك رغماً عني..أخشى أن يأتي يوم ننسى فيه أننا أختان..
      صديقتان...
      أتذكرين يا غادة..أتذكرين طفولتنا؟..فتلك الأيام لا تنسى..حينها كنا نفكر بقلوبنا لا بعقولنا....إذا غضبنا سرعان ما نغفر..و إذا بكينا سرعان ما نضحك..
      رغم أنك كنت تصغرينني بسنة إلا أنك كنت معي ..فقد كتبنا حروفنا الأولى معاً..و تعلمنا الصلاة لله معاًاً..أذكر يومها كم كنت سعيدة بذلك الشرشف الأرجواني الذي أهدته لك جدتنا...رغم أنه كان كبيراً جداً عليك حينها..و أذكر أيضاً أن أمي كانت تضعه لك في درج في خزانتك..لكنك كنت في كل ليلة تخرجينه..و تحتضنينه..تحدثيه..و تلاعبينه..و كأنه دمية..لقد وعدته أن لا تتخلي عنه أبداً..لكنك خلفت وعدك..و أصبحت قطعة القماش الأرجوانية وحيدة..تذرف الدموع في ركن من أركان غرفتك..لم يا غادة؟..لم تتحول وعودنا إلى سراب ؟؟...لم تتحول أحلامنا إلى أوهام...؟
      أذكر مرة أنك أخبرتني بخوفك من الظلام...فلماذا رضيت بحياة لا تشع فيها نور الطمأنينة؟..و لا تلمع بين حنايا السعادة..؟
      هل أنت راضية عن وضعك أختي..لا تقولي لي مقولتك المعهودة..كل فتاة تستطيع أن تصبح عصرية..لا بتخليها عن ما ربيت عليه..بل بتحقيقها طموحاتها..بصمودها في وجه العاصفة..بثباتها على دينها..
      لقد اشتقت لغادة..تلك الفتاة الصغيرة البريئة..اشتقت لتلك الفتاة التي كانت تتفاخر علي بسرعة حفظها لسور من القرآن..اشتقت إلى تلك الفتاة التي كانت تضع مصروفها كله في صندوق التبرعات بالمدرسة..اشتقت إلى أختي..
      أنا واثقة أن بعض تلك الأعمال ما زالت في أعماقك..تحت طيات أفكارك..كل ما أنت بحاجة إليه هو إيقاظها..استعادتها..
      أرجوك يا غادة...أنا لا أطالبك بأكثر من المحاولة..فأنا أشعر بك..نعم أشعر بذلك الأنين الذي يتعالى داخلك..ربما هو أنين الماضي..و ربما كان أنين الحاضر..
      لماذا اختلفنا؟..لماذا تفرقنا؟..هل هي دروب الحياة؟..أم تعدد الأهداف؟..أم سوء الصحاب..؟
      ليس من العيب أن نخطئ..لكن من المؤسف أن نستمر في الخطأ..أسرعي أختي فباب التوبة مفتوحة..أسرعي قبل أن تشرق الشمس من مغربها..
      ما عسانا أن نكسب في هذه الحياة.. حب..زواج.. عمل.. أطفال.. أحفاد..ثم ماذا؟..
      مصيرنا أن نتدثر بالتراب...أن نسأل ..أن نحاسب..ثم نتجه نحو دار الخلود..إما جنة..و إما نار..عندها لن تنفع دموع..و لن تنفع أعذار..
      ما حياتنا إلا اختبار..إما رسوب..أو نجاح..
      قد تكون طريق النجاح شاقة في البداية..لكن ثمارها تستحق بذل الجهد..تستحق الصبر..تستحق المثابرة..
      غادة إنني أمد بيدي إليك..أمسكها و لنبحر معاً على سفينة السلام..أرجوك يا غادة أمسكها..تعلقي بها..فصورتك المتعبة..الضائعة..الباهتة.. تعذبني..كيف لا و أنت قطعة مني..
      أنت أختي..و حبيبتي..
      و صديقتي..
      سأدعو لك..
      و سأنتظرك يا أخيتي..
      و كلي أمل أنك ستأتين..
      ستعودين..
      أسرعي يا غادة..فالوقت يمضي سريعاً...
      ........................................
      ..........................................
      ........................................))
      انتهى الشريط..لكن غادة لم تبرح مكانها..و تساقطت دموع محترقة..تبحث في وجنيها عن قبور تدفن فيها...و بدأ صدرها يعلو و يهبط...و من بين شفتيها تفجرت الكلمات:أنا آتية يا رهف..نعم..لن يطول انتظارك يا عزيزتي..و لن يخيب أملك ..أنا قادمة..يا أختي...
      أسرعت غادة تلبس خمارها..و قلبها يرتجف بين ضلوعها في قسوة..لم؟..ليست تدري...و ما هي إلا ثوان حتى كانت تقبع في السيارة..أفكار شتى دارت في مخيلتها..ذكريا ت طفولة..و كلام عميق المعنى..و مشاعر متأججة..حائرة بين الصواب..و الخطأ..
      أخيراً وقفت السيارة أمام باب المستشفى ..و هرعت غادة تغادر السيارة..في شوق..و في حنين..و مضت تجوب دهاليز المستشفى..حتى وصلت إلى غرفة أختها..توقفت للحظات..و كأنها تسترجع كلمات رهف..
      سأنتظرك يا أخيتي..
      و كلي أمل أنك ستأتين..
      عندها عقبت غادة:لقد أتيت..أنا هنا يا رهف..
      و مع حروف كلماتها الأخيرة فتحت غادة باب الغرفة بقوة و هي تصرخ:رهف لقد أتيت..
      لكن صوتاً ناعماً -كانت تجلس صاحبته بجوار سرير رهف -أجابها:لم تخبريني بمرض رهف يا غادة؟..
      اقتربت غادة من صاحبة الصوت و هي تتمتم:سامية..كيف عرفت؟
      ألقت سامية نظرة حزينة على رهف و هي تجيب:والدتك أخبرتني..كنت أتمنى أن أكون بجوارها منذ دخولها المشفى..
      جلست غادة على طرف سرير رهف و هي تجيب:سامية..هوني عليك..
      ابتسمت سامية ابتسامة صفراء و هي تقول:لا تقلقي علي يا غادة..أنا بخير..حمداً لله على كل حال..
      تنهدت غادة بعمق و هي تعقب:لماذا تتهافت علينا المصائب نحن بالذات؟
      -غادة الله يصيب الناس بأنواع البلاء..لعلهم يصبروا و يحتسبوا فيكون لهم الأجر و الثواب..
      -انظري إليها يا سامية..إنها أقرب للشبح من الإنسان..ليتها تفيق؟
      -ستفيق بإذن الله..أدعي لها يا غادة..إنها بحاجة لدعواتك..
      -لا أظن..أشعر بأنها قد ماتت ..كل ما بقي منها جسد يتنفس..جسد بلا صوت..بلا إحساس..لن تعود..صدقيني..
      -استغفري الله يا غادة..و لا تيأسي من رحمة الله..استغفري الله يا غادة..فلا يعلم الغيب إلا الله..
      -استغفر الله..استغفر الله..
      -هل تفتقدينها؟
      -أكثر من ما يمكنك تصوره..أنا..
      قاطعها صوت هاتفها المحمول..فاستأذنت سامية ..و غادرت غرفة أختها و هي ترمق تلك الأرقام الغريبة التي ارتسمت على شاشة جهازها..
      و همست من أعماقها:أتراه ربيع؟..ربما كان هو؟..هل أرد؟
      ما زال الهاتف يرن بلا توقف..أخيراً استجمعت غادة شجاعتها و أجابت و هي تقول:ألو..
      أتاها صوت يقول:غادة..أين انتم..أتصل عليكم منذ مدة لكن لا من مجيب..هل حدث شيء..؟
      تلعثمت غادة و هي تقول: رائف..أ هذا أنت؟
      ***************************************
      .
      .

      .

    9. #39
      التسجيل
      01-07-2005
      الدولة
      السعودية
      المشاركات
      64
      المواضيع
      3
      شكر / اعجاب مشاركة

      مشاركة: قصة طويلة لكنها رااائعة

      الجزء الثالث والعشرون : ساميـــــــــــــة..</STRONG>
      عادت غادة إلى غرفة رهف وقد بدت عليها امارات الاكتئاب .. وجلست بصمت .. بينما تطلعت إليها سامية قائلة :
      - هل أنت على ما يرام ؟؟ دخلت بغير الوجه الذي خرجت به ..
      تمتمت غادة بخفوت وعينها ملتصقة بالأرض :
      - لا .. لا شيء ..
      - آمل أن تعتبريني كأختك ..
      رفعت غادة إلى سامية عينيها فأشاحت الثانية بنظراتها في خفر ..

      تنهدت غادة وهي تتأمل سامية بعينين متلألئتين .. شتان بينها وبين هذه الفتاة .. شتان بين وقاحة غادة وجرأتها وبين حياء سامية ورقتها .. وتساءلت في داخلها .. هل تفتقد شيئا من معالم الأنوثة بسبب ذلك ؟؟ لقد اعترف الجميع بأنها تضج بالحياة وتأسر القلوب بجمالها .. لكن هل أخلاقها كانت ستستميل الرجال لو لم توهب هذه الفتنة ؟؟

      اعتراها شيء من الخجل وعدم الرضى عن نفسها .. كيف أغفلت ذلك ؟؟ أم أن عصرية المرأة توجب عليها أن تخسر نعومتها الأخلاقية ؟؟

      عادت تتساءل : هل توجد في زماننا هذا فتيات تنطبق عليهن صفة العذراء في خدرها ؟؟
      واتجهت أصابع الإجابة فورا إلى تلك الجالسة أمامها .. لكن كيف استطاعت أن تحافظ على هذه الصفة وهي تعيش في نفس المجتمع الذي تعيش فيه الأخريات ؟؟

      شعرت بأن سامية تكسوها هالة من الغموض .. وتمنت لو تستطيع أن تجتاز هذه الهالة دون عناء لتجوب في داخل هذه الشخصية التي كانت رهف تحب التحدث عنها طوال الوقت وتصفها وكأنها آتية من عالم آخر .. حقا لقد كانت رهف مبهورة بها .. ايـــــــــــــــــــه .. يا رهف لقد أحسنت اختيار الصديقة المخلصة .. ليتك تعودي إلى وعيك لتريها كيف تجلس جوارك بصبر ..

      وجدت نفسها تقول فجأة :
      - سامية هل أستطيع أن أستشيرك في أمر ؟؟
      أجابت سامية بابتسامة واسعة :
      - بكل تأكيد ..
      تلكأت غادة قليلا ثم قالت :
      - اتصل أخي قبل قليل .. ولعلك تعرفين أنه مسافر لإكمال دراسته .. لكنه لا يدري شيئا عن رهف .. وقد .............
      - أسمعك ..
      - لقد كان يتساءل عن سبب غيابنا عن المنزل .. لكنني لم أخبره بالحقيقة .. ما رأيك ؟؟
      - بماذا ؟؟
      - هل أخبره بشأن رهف أم لا ؟؟
      - بل لا بد أن يعرف ..
      شحب وجه غادة .. فقد كانت تتمنى أن تؤيدها سامية في إخفاء الأمر عن رائف .. هتفت :
      - لكن ظروفه لن تسمح له بالمجيء .. كل ما هنالك أننا سنسبب له القلق وكفى ..
      - حسنا .. هل وضعت نفسك مكانه ؟؟
      - ماذا تقصدين ؟؟
      نظرت سامية إلى رهف بحزن وقالت :
      - جميعنا لا نعلم ما هو مصير رهف .. ولو حدث لها شيء لا سمح الله فان أخاك لن يغفر لك عدم إخباره ..
      نظرت غادة إليها نظرة تجمع ما بين الفزع والغضب قائلة :
      - ستبقى رهف بخير .. وستعود لنا أفضل مما سبق .. أتسمعين ؟؟
      احتفظت سامية بهدوئها وقالت دون أن تنظر إلى غادة :
      - يجب أن تنظري إلى الأمر بواقعية أكبر .. هل تظنين أن رهف لا تعني لي شيئا حتى أتوقع لها الشر ؟؟ إن رهف أعز صديقاتي على الإطلاق وقد كانت بمثابة السلوان لي في جميع الأوقات .. صدقيني لم نخف عن بعضنا شيئا يوما ما .. حتى أدق الأسرار ..

      لفتت العبارة الأخيرة نظر غادة فأخذت تحدق في سامية وهي تبحث عن الكلمات ثم قالت ببطء :
      - وهل .. هل حدثتك رهف بخصوصي ؟؟
      بانت على وجه سامية ملامح الأسى .. وفركت يديها وهي تتهرب من الإجابة ..
      لكن غادة كعادتها حاصرتها بنظراتها وإلحاحها قائلة :
      - أتخفين عني شيئا يا سامية ؟؟ أرجوك أخبريني ماذا قالت رهف عني .. فمنذ سقطت في غيبوبتها والألم يعتصر قلبي لشعوري بأنني السبب في ذلك .. سامية .. أنا .... رهف تركت لي ما يشبه الوصية .. لكنني ... أنا أريد أن أعرف المزيد .. سامية .... لقد فاض بي ..

      أجهشت غادة بالبكاء وقد خنقتها مشاعرها تجاه أختها .. فاقتربت سامية منها وأمسكت يدها مواسية ثم قالت :
      - هوني عليك .. ليس الأمر كما تتصورين .. إن قلب رهف رغم مرضه كبير .. كبير جدا .. أكبر مما تصورين .. اهدئي .............. وسأقص عليك كــــــل شيء ..
      .
      .

      .

    10. #40
      التسجيل
      01-07-2005
      الدولة
      السعودية
      المشاركات
      64
      المواضيع
      3
      شكر / اعجاب مشاركة

      مشاركة: قصة طويلة لكنها رااائعة

      الجزء الرابع و العشرون(ضياع)
      (لقد كنت بالنسبة لها أكثر من أخت..لقد أحبتك لدرجة أنك أصبحت شغلها الشاغل..كل ما في الأمر أنها كانت قلقة عليك كثيراً..لطالما حدثتني عن بعض تصرفاتك و هي تذرف دموعها...كنت أرى خوفها عليك يطل من كل ملامحها..حتى صوتها كان يعلوه القلق..أذكر أنها أخبرتني في مرة أنك تحملين شيئاً ما في أعماق قلبك..شيء ما أشبه بالبرعم الذي يبيت تحت طبقات شتى من الجليد..كانت تريد أن تحيل ذلك الجليد إلى ماء حتى تروي ذلك البرعم فيزهو و يكبر..)
      أشاحت غادة ببصرها بعيداً و هي تحاول إخفاء دموع تساقطت على وجنتيها..فربتت سامية على كتفها في حنان و هي تعقب :غادة ..قريباً سيأتي الربيع..و ستذوب الثلوج..
      التفتت غادة نحو سامية و حملت كفها بين يديها و هي تحاول رسم ابتسامة على وجهها الشاحب..ثم تطلعت إلى وجهه سامية مباشرة و هي تهمس: لقد ذابت يا سامية...لكنها استحالت إلى فيضان دمر كل شيء..و لم يعد لذلك البرعم وجود..
      -غادة..أشعر أن بداخلك ألف برعم و برعم...إن غاب واحد فسيزهر أحدها..
      -صدقيني كلهم ضاعوا..
      -كلا يا غادة ..أنا أشعر بأحدها الآن..
      - أين هو يا سامية؟..أين هو؟
      -قلبك يا غادة..
      -قلبي؟
      -أجل قلبك ..إنه يخفق..
      -إ نه يخفق منذ أن ولدت..فما الجديد..؟
      -إنه يخفق بقوة يا غادة..و كأنه يجدد دماءه..ينظر في حاضره و ماضيه..إنه يجدد حياته..إنه يولد ..
      -أنت تحاولين مساعدتي فحسب..
      -هذا برعم آخر..
      -ماذا تعنين؟
      -لقد بدأت تشعرين بأنك في حاجة إلى المساعدة..إلى يد تنتشلك من بحر العواصف الذي تعيشين فيه إلى بر الأمان..
      -سامية..انظري إلى الأمور بمنظار من الواقعية..أنا لا أطيق الابتعاد عن نمط حياة اعتدته و ألفته..لا أستطيع أن أغير صديقاتي..و حياتي..و عمري..
      -كيف تقولين ذلك و أنت لم تجربي..؟
      -أنا لا أحتاج إلى تجربة فاشلة..
      -في القديم كنا نظن أن الإنسان لا يستطيع الطيران..و ها هو اليوم يطير..
      -لأن عالمه قد تغير ..قد تطور...
      -بل لأنه سعى إلى تطوير عالمه و تحسينه..غادة الطريق شاقة لكنها ممتعة و لها ثمار الشهد..
      -أرجوك يا سامية..لا أريد أن أتحدث في هذا الموضوع..
      -و لكن..
      قاطعتها غادة في صرامة :هذا يكفي..
      -أنا آسفة إن كنت قد أزعجتك..
      -أنا من يجب عليها أن تعتذر..سامية أنا آسفة..لست أدري ما الذي حل بي مؤخراً..ربما هي الظروف التي أمر بها..
      -لا عليك..
      -سامية هل لي أن أطلب منك طلباً؟
      -بالطبع يا عزيزتي..ماذا تريدين؟
      -هل لي أن أكلمك من وقت لآخر؟
      -بالطبع..هذا يسعدني جداً...
      -لا أعرف كيف أشكرك يا سامية..
      -لا تقولي هذا يا غادة..أ تعلمين أنت تشبهين رهف كثيراً..
      -حقاً؟
      -نعم..طريقة حديثك...ابتسامتك...و عنادك..
      التفتت غادة نحو رهف و تلمست يدها في حنان و هي تهمس:أ رأيت؟..لست أنا الوحيدة التي تقول بأنك عنيدة..رهف أ تراك تسمعينني؟..أنا هنا بجوارك..رهف كم أحبك يا أختي..ربما اكتشفت هذا متأخرة جداً ...أنا نادمة على الأيام التي ضيعتها في فهم معنى الأخوة..استيقظي يا رهف...أنا في شوق غامر لحضنك ..بعيداً عن كل تلك الأسلاك التي تحيط بك..بعيداً عن هذه الغرفة الكئيبة..عن هذا المنى البشع..أريد أن احتضنك هناك..في منزلنا..في المكان الذي ربينا فيه..جمعنا فيه أحلى ذكرياتنا..لعبنا..ضحكنا..تخاصمنا..تعاركنا..و بكينا...و عفونا..متى تعودين إلى منزلنا؟..اشتقت لدفئك..و عبقك..و روحك...
      عافاك الله يا أختي..عافك الله يا رهف..
      **********************
      عادت غادة إلى منزلها...و مضت تصعد الدرج نحو غرفتها.و ما أن وصلتها حتى ألقت بجسدها على سريرها لتفرغ في وسادتها شحنات من الصراع الذي احتدم داخلها حتى لم يبقى لها من الدموع ما تذرفه...شعور بالضياع كاد يخنقها..يقيدها..لقد بدأت تفقد كل طعم للحياة..صور شتى حامت حولها..ربيع ..عادل ..رهف..
      اتجهت نحو البيانو..تلمست سطحه الخشبي بأناملها..و جذبت مقعدها لتجلس أمامه..و لم تشعر بنفسها إلا و هي تعزف..و تعزف..بكل كيانها...و بسرعة لا مثيل لها..و كأنها تحاول الهروب من تلك الضوضاء التي تخترق مسمعها..أصوات شتى قادمة من الماضي و كأنها خناجر طاعنة اتخذت من قلبها ملاذا و ملجأ..
      ((أنا قلقة عليك يا غادة.

      أرجو أن لا تنسي أنك مريضة بالقلب..و أن قلبك بحاجة للعناية أكثر مني..هلا تركتني..أريد أن أنام..

      سأحبك مهما فعلت..

      غادتي..هل جربت قراءة القران في أعماق الليل..أعلم أنك تملكين صوتاً عذباً..فهلا رتلت به القرآن..غادة جربي قراءته و لو مرة..ستشعرين بشيء عجيب ينساب في أعماقك

      غادة... كنت أراك تتغيرين..تبتعدين..كنت أشعر بك تذبلين بين أناملي.. و لكن لم يخطر ببالي أن أفقدك نهائياً..أ ما عاد لي مكان في قلبك..؟

      أنت لست غادة بالتأكيد..

      أنت كاذبة...

      لقد صدمتني..أطلقت علي رصاصة محكمة...دمرتني..حسبي الله و نعم الوكيل فيك..أعطيتك كل شيء..كل ما أملك..و في النهاية كان جزائي السم الذي زرعته بيدك في أحشائي..قطعت كل ما بيننا..و أحرقت كل جميل في علاقتنا...لقد انتهى كل شيء.

      أنت طالق يا غادة..

      أنا متزوج..متزوج يا غادة..

      آسف ؟؟ على أي شيء تتأسف ؟؟ وبأي وجه حق تدفع بي إلى الهاوية ؟؟ آسف على تدمير حياتي ؟؟ آسف على استغلالي والتلاعب بي ؟؟ آسف على امتهاني وامتهان العلاقة المقدسة التي سعيت إليها رامية بكل شيء يقف في وجهها عرض الحائط ؟؟ خبرني عم تتأسف ؟؟ هل سبق أن رأيت القاتل يعتذر للمقتول ؟؟

      أنت طالق يا غادة..

      أنا متزوج..متزوج يا غادة..))
      توقفت بغتة و أغلقت أذنيها بكفيها و هي تصرخ:يكفي..هذا يكفي..لم أعد أحتمل..
      تعالت الضحكات من حولها..فصرخت و صرخت ..لم أعد احتمل..ماذا تريدون مني؟..لقد أخذتم كل شيء..دعوني..اتركوني و شأني...و تعالى صراخها أكثر فأكثر..و تعالت الضحكات بدورها..و ازدادت الضوضاء من حولها..فدارت حول نفسها ..و اهتزت بقوة كوردة وسط العاصفة..و أي عاصفة؟..ألوان شتى اختلطت أمامها..شاحبة..بشعة..و محطمة..رسمت بفرشاة الحزن..بالخيانة..و بالغدر..
      توقفت غادة ..فإذا بها ترى نفسها أمام مرآتها..بصحبة و جوه كثيرة ..شامتة..ساخرة..فعادت تصرخ بشدة :اصمتوا..دعوني و شأني ..أتركوني..
      لكن تلك الوجوه لم تتوقف..بل ارتفع صوتها و هي تقول:يا ل غبائك يا غادة..أنت نكرة...لا شيء..بلا هوية..و بلا بصمات..
      فعادت تصرخ بدورها:كلا ..لن تسلبوني هويتي..يكفيكم ما أخذتموه مني..يكفي..ما عدت أقوى على الاحتمال..
      و مع آخر حروفها ألقت بذلك التمثال الذي كان يقف فوق البيانو على مرآتها..فتحطم الزجاج..و تناثر هنا و هناك..لكن صوت الضحكات تزايد أكثر فأكثر..
      عندها فقدت غادة سيطرتها على أعصابها..
      كسرت كل شيء أمامها..
      مزقت أوراقها الجامعية و ثيابها الثمينة..
      أفرغت قطن وسادتها هنا و هناك..و استحالت غرفتها إلى فوضى عارمة..
      و لم يتوقف ذلك الصوت..
      و لم تكف هي عن الصراخ لوهلة..
      فقد نفذت دموعها و لم يبقى لها سلاح سواه..
      حتى انهارت تماماً..
      لتسقط مغشياً عليها..
      وسط مئات الضحكات الشامتة..
      و الساخرة..
      *****************************
      .
      .

      .

    11. #41
      التسجيل
      01-07-2005
      الدولة
      السعودية
      المشاركات
      64
      المواضيع
      3
      شكر / اعجاب مشاركة

      مشاركة: قصة طويلة لكنها رااائعة

      الجزء الخامس والعشرون : وأخيرا ..</STRONG>
      فوجئت أم غادة برؤية ابنتها مغشيا عليها .. وأفزعتها أكثر الفوضى التي لحقت بغرفتها ..
      لم تستطع أن تخمن ما حدث .. بل إنها لم تجد وقتا للتفكير .. فأسرعت بالاتصال على الطوارئ .. ثم حاولت أن تيقظ غادة ببضع قطرات من العطر ..
      فتحت غادة عينيها بألم .. وكأنها لا ترغب في الاستيقاظ .. فشجعتها والدتها على النهوض والذهاب إلى غرفة رهف لأن غرفتها ليست صالحة حاليا لاستقبال الطبيب ..
      فيما بعد قالت غادة بأنها لا تذكر أنها نهضت وسارت على قدميها كل هذه المسافة ..
      جلست الأم بجانب ابنتها تبكي .. وهي تشعر بالعجز التام عن مساعدة هذه البنية الضعيفة .. دعت في قلبها أن يعود رائف ليشد من أزرها .. فالبيت من دون رجل بيت مائل ..

      وصل الطبيب .. وفحص غادة جيدا .. ثم قال :
      - يبدو أنها أصيبت بانهيار عصبي .. ضغطها منخفض جدا .. ألم تكوني معها ؟؟
      - لا يا دكتور .. كنت في الخارج عندما حدث لها ذلك ..
      - ألم تلاحظي شيئا غير عادي ؟؟
      - بلى.. وجدت زجاج مرآتها محطما .. والفوضى تعم حجرتها ..
      - هذا يؤكد أقوالي .. إن ذلك خطير يا سيدتي .. خصوصا إذا تكرر .. أرجو أن تسمحي لي بمتابعتها إن حدث ذلك مرة أخرى ..
      -هذا لطف منك يا دكتور .. أعدك أن أوافيك بأخبارها إن استجد شيء لا سمح الله .. ولكن لماذا أصابتها هذه الحالة ؟؟
      -أعتقد أنها تعاني من قلق وقلة في النوم .. أو أن لديها مشكلة تكتمها .. عليك ألا تسمحي لها أن تكثر من المهدئات والحبوب المنومة .. إلا بعد استشارة الطبيب .. تفضلي .. هذه ورقة العلاج .. والآن إلى اللقاء ..
      -شكرا لك يا دكتور ..
      جلست الأم تنتظر استيقاظ ابنتها وهي تفكر .. لم يعد لديها ما تفعله سوى الانتظار جوار الفراش .. كل يوم تستيقظ لتفطر على عجل ثم تتوجه إلى المشفى حيث رهف .. تسلم عليها وبعدها تتوجه إلى مسجد المستشفى ... لتصلي الضحى ثم تدعو لابنتها بالشفاء .. وتعود وقت الغداء لتجلس مع غادة قليلا ثم تخرج ثانية إلى المشفى ..
      يالها من حياة .. حتى عندما تعود إلى البيت لتأخذ قسطا من الراحة تجد ابنتها الثانية في غيبوبة .. هل ستفقدهم جميعا كما فقدت أباهم ؟؟

      بدأت غادة تتحرك ويتقلص جفناها .. إنها على وشك الاستيقاظ .. فتحت عينيها بإرهاق ونظرت إلى أمها ثم أسبلتهما ثانية .. فأمسكت الأم بيدها مشجعة وقالت :
      -هل أنت بخير يا حبيبتي ؟؟ ماذا حدث لك ؟؟
      -أممممممم
      -ارتاحي ..
      -أمي ..
      اقتربت الأم منها وهي تقول :
      -نعم يا صغيرتي ..
      -.... ماذا حدث ؟؟
      -أنا التي أسألك .. فقد وجدتك مغشيا عليك في حجرتك .. لماذا كسرت المرآة ؟؟
      قطبت غادة حاجبيها وقالت :
      -أنا ؟؟
      وفجأة تذكرت كل شيء .. وزمت شفتيها ثم قالت :
      -يبدو أنني أرهقت نفسي أكثر من اللازم ..
      -غادة .. هل هذا بسبب عادل ؟؟
      اجتاح الألم قلب غادة ثانية عند سماعها اسم عادل .. فلم تتمالك نفسها ووجدت دموعها تهمي ..
      -غادة حبيبتي .. لا يعني ذلك أنك فشلت .. كثيرات هن اللاتي يفسخن خطوبتهن أكثر من مرة .. لكنهن يتزوجن فيما بعد ويسعدن في حياتهن ..
      -ليس هذا ما يعذبني يا أمي .. أنا أبكي ندما .. لقد كنت حمقاء .. حمقاء جدا ..
      -لا تؤنبي نفسك هكذا .. إن عادل لم يعرف قيمتك .. فلماذا تعذبين نفسك من أجله ..
      -عادل لم يعرف قيمتي ؟؟؟ أرجوك لا تقولي هذا يا أمي .. أرجوك ألا تسيئي إليه .. أنت لم تعرفيه كما عرفته ..
      -ولكنه رغم ذلك تركك يا ابنتي ..
      -بل أنا التي تركته يا أمي ..
      اتسعت عينا الوالدة وهي تقول بذهول :
      -ماذا تقولين ؟؟
      -أجل .. ألم أقل لك كنت حمقاء .. لكن .. لقد انتهى كل شيء .. أواااه يا أمي .. أنا أتعذب .. أتعذب كثيرا ..
      أجهشت غادة بالبكاء .. فتقطع قلب والدتها عليها وأخذت تبكي معها .. بكت الاثنتان طويلا .. ثم راحت الأم تتحدث من بين دموعها قائلة :
      -ليتني أعرف ما تخبئينه عني .. كلكم هكذا .. لم يصارحني أحد منكم بتفاصيل حياته .. تعيشون بغموض .. تتعذبون .. ولكنكم لا تشكون لي .. ألست أمكم ؟؟ أين أنت يا رائف ؟؟ تعال وانظر إلى أختيك كيف تذبلان .. أو عساك تكون مثليهما ؟؟ ما أثقل الحمل بدونك يا أبا رائف .. تركتني وحيدة أعيل ثلاثة أطفال .. ورحلت أنت .. رحلت بعيدا جدا .. رحلت إلى عالم آخر .. رحمك الله يا أبا رائف .. كنت خير عون لي في كل شيء .. والآن .. ما حيلتي وأنا بلا رجل ؟؟ حتى ابني تركني وذهب ..
      ارتاعت غادة لكل هذا الزخم المكبوت من المشاعر .. لم تعتد من والدتها أن تتحدث عن معاناتها الشخصية .. فهي تخدم الجميع وتتفانى من أجلهم على حساب نفسها .. ولم يفكر أحد منهم يوما ما أن يهتم بآلامها هي .. بمشاكلها هي .. وكأنها آلة وليست بشرا .. لكنها لم تتذمر .. بل رضيت بقدرها وكتمت كل ذلك في قلبها .. وكانت تردد في أعماق الليل : ( إنما أشكو بثي وحزني لله )
      أسرعت غادة بتجفيف دموعها .. والتقطت كف أمها المعروقة لتقبلها وتقول :
      -كفاك يا أمي .. كفاك .. سامحيني لأني أثرت شجونك .. سامحيني لأني كنت أنانية .. لم أكن أفكر سوى بنفسي حين اتخذت قراراتي الغبية .. حين أهملت صحتي ودراستي .. حين عشت متوحدة في غرفتي .. لم أفكر بك .. كم أنا عاقة .. لذلك لم أوفق في حياتي .. أرجوك أن تغفري لي .. دموعك تعذبني أكثر .. كفى يا أمي أتوسل إليك ..
      كفكفت الأم دموعها .. وحاولت أن تبتسم وهي تقول :
      -رضي الله عنك يا حبيبتي .. لا تقولي بأنك لست موفقة .. فأنا أدعو لك دائما .. وأريدك أن تكوني ناجحة في كل شيء .. وترفعي رأسي بين الناس ..
      احتضنت غادة أمها وهي تبكي وتقول :
      -أنت أم طيبة ..
      *******************

      -هل أنت جاهزة يا غادة ؟؟
      التقطت غادة حقيبتها وأصلحت هندامها ثم ركضت إلى السلم وهي تصرخ :
      -أجل يا أمي .. لنذهب ..
      ركبتا السيارة وقالت الأم :
      -إلى المطار يا حسين ..
      ثم غرقت في أفكارها .. ولم تكن غادة ببعيدة كثيرا عما تفكر فيه والدتها .. كلتاهما انتظرتا هذه اللحظة طويلا .. ها هو رائف سيعود أخيرا ..
      -كم اشتقت إليك يا أخي .. أتمنى أن يصل بالسلامة ..
      ولما وصلتا .. أخذتا تبحثان بين المسافرين الكثر .. لكن دون جدوى .. ومن بعيد أقبل رجل طويل له جسد رياضي .. ولحية كثة .. يدفع عربة حقائب أمامه .. تطلعت غادة إليه بريبة .. ثم ما لبثت أن اتسعت عيناها بدهشة كبيرة وهي ترى ابتسامته :
      -رااااااائف .. انظري يا أمي ..
      بالطبع عرفت الأم ابنها قبل غادة لكنها كانت أيضا مندهشة فلم تتكلم ..
      -السلام عليكم ..
      -وعليكم السلام يا ولدي .. أهلا بك يا حبيبي ..
      قبل رائف رأس أمه .. ثم صافح غادة مراعاة لأنظار الناس .. وقال مداعبا :
      -لنترك الأحضان في البيت ..
      لم تكن غادة قد خرجت من دهشتها بعد لكنها قالت :
      -رائف .. لقد تغيرت كثيرا .. بالكاد عرفتك ..
      لم لحيته بقبضته وقال :
      -أمن أجل اللحية ؟؟
      -أجل .. منذ متى وأنت تربيها ؟؟
      أمسك بيدها ووضعها على عربة الحقائب وقال :
      -دعك من الأسئلة الفضولية الآن وادفعي لي العربة .. أريد أن أحادث أمي ..
      -يا سلام .. أنا أدفع لك عربتك .. حسنا .. إكرام الضيف ثلاثة أيام .. وبعدها سأريك النجوم في الظهر ..

      ضحك الجميع وهم يتوجهون نحو السيارة .. واشتركوا في حوار محموم .. وحين وصلوا لم يكن الكلام قد انتهى رغم طول المسافة ..
      لكن رائف ما كاد يرى البيت حتى خيم عليه الوجوم ..
      هبط من السيارة ببطء .. ثم همس :
      -هل هي هنا ؟؟
      ردت عليه غادة وهي تشاركه حزنه :
      -لا .. إنها بالمشفى منذ سقطت في غيبوبتها .. ونحن نزورها كل يوم ..
      -أريد أن أذهب إليها ..
      ربتت الأم على كتفه وقالت :
      -لنؤجل الزيارة .. عليك أن ترتاح قليلا فركوب الطائرة لثمانية عشر ساعة ليس بالأمر الهين ..
      أذعن رائف لأمه وارتقى السلم .. وكانت أمه قد جهزت له حماما .. وبخرت له حجرته .. فقالت غادة :
      -الله الله .. ما كل هذا التدليل .. ألا يحق لي أن أغار ؟؟
      قرصت الأم غادة في ذراعها وقالت :
      -أنت لا تشبعين أبدا .. هيا لنتركه الآن ..
      شيعهما رائف بنظراته .. ثم أخذ حماما على عجل .. وراح في سبات عميق ..


      .
      .

      .

    12. #42
      التسجيل
      01-07-2005
      الدولة
      السعودية
      المشاركات
      64
      المواضيع
      3
      شكر / اعجاب مشاركة

      مشاركة: قصة طويلة لكنها رااائعة

      الجزء السادس و العشرون (حوار)

      تقلبت غادة في سريرها مرارا طلباً للنوم و لكن بدون جدوى..لذا فقد نهضت من سريرها و فتحت درجاً في مكتبها و أخرجت منه بعض الأقراص المنومة التي كانت قد خبأتها حتى لا تراها والدتها..و همت أن تتناولها لولا أن شيئاً ما جذبها..فألقت غادة بالأقراص على سطح مكتبها..أرهفت سمعها..شعرت بشيء من الراحة ينساب في حناياها..و جذبها ذلك الصوت فسارت قدماها على عجل دون أن تشعر..بينما ارتفع ذلك الصوت العذب الهادئ أكثر فأكثر..فأحاطت غادة سكينة وهدوء لم تظفر بها مسبقاً...بينما بدأ قلبها يخفق بسرعة..لم؟..إنها لا تدري؟...أطلت الدموع من عينيها..كيف ؟..إنها أيضاً لا تدري..كل ما كانت تعيه أنها اقتربت من مصدر الصوت..ذلك الصوت الذي كان يحلق حراً قوياً كطير جارح...أصابها ..أين ؟...و متى؟..كلها أسألها تحتاج إلى إجابة..و فجأة توقفت قدمها..أمام غرفة أخيها رائف..و أسندت ظهرها إلى باب غرفته الذي كان مفتوحاً و قد أغمضت عينيها في استسلام..بينما تابع هو ترتيله دون أن يشعر بوجودها..
      ((و قلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا*يرسل السماء عليكم مدرارا*و يمددكم بأموال و بنين*و يجعل لكم جنات و يجعل لكم أنهارا *مالك لا ترجون لله وقارا*و قد خلقكم أطوارا))
      سألت نفسها..فما لكم لا ترجون لله وقارا..فما لكم لا ترجون لله وقارا..و قد خلقكم أطوارا..لم أفعل هذا بنفسي؟..ماذا دهاني؟..ما أنا إلا تراب..و مصيري أن أستودع التراب..الكل سيتركني..الكل سيمضي بعيداً عني..و سأبقى وحدي..بلا أنيس..كيف غفلت عن ذلك؟..و لقد خلقكم أطوارا..كيف تناسيت أن بعد شبابي هرم..و بعد قوتي ضعف..لم خنت نفسي؟..لم أذللتها؟..لم لم أرجو لله و قارا؟..ماذا جنيت؟..آذيت أختي و تسببت في نومها على فراش ليس بفراشها..أبكيت أمي..جعلتها تذوق طعم الخيبة مرات عدة..أقلقت رائفا..و طعنت عادلا..بل طعنت نفسي بحقيقتي..آه..هذا لا يحتمل..
      <<غادة..منذ متى و أنت هنا؟..لم أشعر بوجودك>>
      رسمت غادة ابتسامة باهتة على شفتيها و هي تحدق في رائف..لقد تغير..ذلك البريق الذي يطل من عينيه..ذلك الهدوء الذي يغلفه..ذلك النور الذي يشع من وجهه..نعم لقد تغير..
      نهض رائف من كرسيه و اقترب منها و هو يلوح بيده أمام عينيها في قلق..
      فأشاحت هي ببصرها و قد أطلقت ضحكة مرحة..فضحك بدوره و هو يقول :ماذا دهاك يا فتاة..؟
      -أمرك يثير فضولي..
      -لم؟
      -شكلك..طريقة حديثك..حركاتك..كلك..
      -أمممم..ألا تروقك لحيتي...؟
      -إنها أكثر ما يثير عجبي..رائف..ماذا حدث؟
      -ببساطة..لقد تغلغل النور في جوانحي..لقد تحولت إلى شخص آخر...أو بالأصح لقد ولدت من جديد..
      -لقد تغيرت بالفعل..لا أصدق أنك لم تعد رائفاً الذي غادرنا منذ سنتين..لقد بت أكثر نضجاَ..
      -حتى أنت يا غادة لقد تغيرت..
      -أنا؟
      -نعم أنت..لقد أصبحت شاحبة..حزينة..لم أعد استشف تلك الابتسامة المرحة التي كنت تنشرينها هنا و هناك..
      -رائف..أشعر بأنني أهوي من قمة جبل..أهوي نحو القاع..أصرخ و لا أحداً يسمعني..و كأنني أعيش بفردي في هذا العالم..
      اقترب رائف من غادة و هو يمد يده إليها..و من ثم قال:غادتي لقد عدت..و لن أدعك تسقطين أبداً..كل ما أطلبه منك أن تتشبثي بيدي..أن تستجمي قوتك..و تعززي إيمانك و ثقتك بالله عز وجل..
      تلمست غادة يده الممدودة..احتضنتها بين كفيها و هي تهمس:ماذا لو جذبتك معي نحو القاع؟
      مسح رائف دموعاً تدلت على وجنتي غادة و هو يجيبها:أنا واثق بأنك لن تفعلي..نحن إخوة يا غادة..و لن يستطيع أحدنا أن يلحق الضرر بالآخر..
      أشاحت غادة بوجهها بعيدا و هي تقول:أنت تجهل أي فتاة صرت..تجهل من هي غادة..لقد بت بارعة في تحطيم القلوب..في نشر الرماد..صدقني ...لقد بت شخصاً آخر..لكنه شخص يحتضر..و ببطء..
      زفر رائف بحرارة..و قد ازداد قلقه على أخته..فأدار و جهها نحوه بكفه و هو يقول:غادة أ تخفين شيئاً عني؟
      -بل أشياء يا رائف..
      -هل لي أن أشاطرك إياها؟
      -قلب المرآة بئر من الأسرار..و بئري مطمور تحت كثبان رملية لا حدود لها...
      -أ هو عادل؟..لقد علمت بانفصالكما..
      -رائف هلا عفيتني؟
      -أريد أن أساعدك..أنت أختي..و حقيبة أسراري..أ نسيت..؟
      -كيف لي أن أنسى..
      -هل تريدني أن أكلم عادل بشـ
      -إياك أن تفعل..
      -ليس من العيب أن نخطئ..لكن من العيب أن نستمر في الخطأ..
      -ما ينتابني ليس له أي علاقة بعادل..
      -غادة..أعلم أنه لا يحق لي أن أسأل لكن هل ؟..هل تحبينه؟
      -.........................
      -غادة أنا آسف ما كان علي أن أسألك سؤالاً كهذا..
      -رائف هل شعرت يوماً بالضياع..هل شعرت بأنك سجين لم و لماذا و لا أدري..
      -كل إنسان تقابله ظروف..
      -ليس هنالك أقسى من ظروفي..
      -مشكلتك يا غادة أنك لا تنظرين أبداً لمن هم دونك..
      -ذلك لأنه لا أحد دوني..
      -ربما كنت أجهل أي ظروف تعنين لكنني واثق بأن هناك من يعيش أقصى منها..الحياة دوارة يا غادة..مغامرة كبيرة..و خطيرة..اسأليني أنا عن ذلك..
      -رائف...هل مررت بظروف قاسية أنت أيضاً؟
      -نعم..و لكنها أثرت علي إيجابا يا غادتي حتى بت أفتخر بها..
      -أتعني أنها لها علاقة بما أنت عليه الآن..
      -نعم..و لله الحمد..
      -ما هي؟
      ضحك رائف بدوره و هو يقول:قلب الرجل يا آنسة بئر أسرار أعمق بكثير من بئر المرآة..
      ضحكت غادة و هي تعقب:هكذا إذن..
      -واحدة بواحدة..كما أن هناك شيء آخر نسيت أن أقوله لك..
      -ما هو؟
      -لن تستطيعي أن تجذبينني إلى القاع أبداً يا ذكية..أنسيت أنني قوي البنية..
      ضحكت غادة فرمقها رائف بنظرة مطولة..
      سألته:رائف..ماذا هناك؟
      -تبدين جميلة و أنت تضحكين..كم اشتقت لهذا الصوت المرح...
      احمرت وجنتي غادة و أشاحت ببصرها بعيداً و هي تقول:أنت تقول ذلك لأنك أخي..
      -أنا لا أعرف مصطلح المجاملة يا فتاة..و ما في قلبي على طرف لساني..
      -أ تعني أن لي مكان في قلبك..
      -بل أنت جزء منه يا غادة..
      -يبدو أن الغربة قد علمتك المجاملة..؟
      -كلا لم تفعل..و لن أسمح لها أن تفعل..لا أنكر أنها علمتني الحنين و الشوق..لقد ذقت أياماً أمر من العلقم..الوحدة..الغربة..الضعف.. مصطلحات أدخلتها الغربة جبراً في قاموسي..صورتكم لم تفارق بالي قط..أنت و والدتي..و رهف
      -صحيح ألا ترغب بزيارة رهف؟
      -أنني أتوق لذلك..
      -إذن سأجعل حسين يجهز السيارة..
      -ما رأيك أن أقلك أنا إلى هناك..
      -لكنك لا تملك سيارة..
      -لقد استأجرت واحدة قبل ساعات..
      -كلا سنذهب مع حسين..
      -لم؟..دعيني أريك شيئاً من مهارتي في القيادة..
      -رائف لا أريد أن أضيع في طرقات المدينة..
      -غادتي..أني أحفظ الشوارع و الطرقات عن ظهر قلب..أنسيت أنني قد ربيت هنا..و عشت معظم حياتي هنا..
      -ألم تنسك شوارع بريطانيا الفسيحة شوارعنا؟
      -لن تستطيع غربة سنتين أن تمحي عمراً بأسره..
      -رائف سأعترف لك بأمر خطير..
      -ما هو يا آنسة غادة..؟
      -كم أنا فخورة بك..
      -لا أصدق هذه أول مرة تمتدحينني فيها..
      -لا تفرح..فلن أكررها..
      -لقد اشتقت إليكم كثيراً..إلى المرح..الجو العائلي..إلى كل شيء..لا أصدق أنني هنا..لقد مضى وقت طويل...
      -معك حق..على كل سأمضي لارتداء ملابسي و كتابة وصيتي..
      -ألا تثقين بي..؟
      -آخر مرة سمعت فيها عبارتك تلك كانت عندما اصطدمت بعمود النور..
      -لا أذكر ذلك..
      -أنا واثقة بأنك ستحاول أن لن تتذكر..أنا ذاهبة.. دقائق و أنتهي..
      همت غادة بالمغادرة لولا أن رائفاً أوقفها قائلاً:غادة انتظري؟
      توقفت غادة و التفتت نحوه و هي تسأل:ما الأمر يا أخي؟
      مضى رائف نحو خزانته و أخرج منها كيساً و حمله بيده و هو يقول:غادة..هل لي أطلب منك طلباً..؟
      -أنت تأمر يا أروع أخ في العالم؟
      -ألن تعتبريه تدخلاً في أمورك الخاصة؟
      -لقد عانيت كثيراً في السنتين السابقتين..كنت بحاجة إليك..و ما زلت..كنت على استعداد أن أضحي بأي شيء حتى أراك..أسمعك..و أحكي لك..أنت أخي..درعي..و رفيق طفولتي..لطالما تحملت عني عقاب والدتي..لطالما حميتني..دافعت عني..فلتأمرني يا أخي..أنا خادمتك..
      -غادتي..لم و لن تكوني خادمتي..أنتي أختي..و هذا يشعرني بسعادة تطاول السحاب..و لا أريدك إلا أختي..
      مد رائف بالكيس نحو غادة ..فسألته في استنكار:ما هذا؟
      -غادة..بما أنني سأصتحبك معي فهلا..
      -ما الأمر؟
      -غادة حجابك البارحة لم يرق لي..و بما أنك لا تملكين غيره حسب ظني فلقد اشتريت لك آخر..
      -رائف؟
      -غادة أنت درتي..و ما كنت لأجعل درتي عرضة لأنظار..أخاف عليك من النسمات..فكيف لا أخاف عليك من نظرات الرجال..
      -رائف أنت تبالغ..اسمعني..
      -ألا يحق لي أن أحمي درتي من الأذى..من المهانة..من الذل..غادة أنت لست لوحة للعرض..لست دمية باستطاعة أي شخص أن يلهو بالنظر إليها..هذا طلبي يا غادة..فهلا حققته لي..
      ************************************

      في أمان الله
      .
      .

      .

    13. #43
      التسجيل
      01-07-2005
      الدولة
      السعودية
      المشاركات
      64
      المواضيع
      3
      شكر / اعجاب مشاركة

      مشاركة: قصة طويلة لكنها رااائعة

      الجزء السابع والعشرون : ما رأيك؟</STRONG> ؟
      أخذت غادة الكيس من يد رائف وهي تتحاشى النظر إليه .. ثم أسرعت إلى غرفتها دون كلمة .. فتبسم رائف وعاد لحجرته ..

      جلست غادة في حجرتها تنظر إلى الكيس دون أن تفتحه ... إن نفسيتها الثائرة المتمردة تجعلها تشعر بالغضب من أي شخص يحاول تغييرها .. وقد عودت نفسها على الاستقلال في كل شيء .. حتى في اتخاذ القرارات .. وقلما كانت تستشير أحدا .. لقد عاشت حياتها وهي تشعر بأنها قوية ومتفردة ...
      أما الآن .. فقد بدأت تشعر بالخور يداهمها ... وبأنها لا تستطيع المتابعة دون يد تسندها ... لكأنها صارت عمياء تحتاج لمرشد ...
      قالت لنفسها بصوت منخفض :
      - لعلني كنت مخطئة إذ وضعت نفسي في قارورة تمنع الآخرين من لمسي أو الاقتراب مني وتمنعني من التحرك بحرية وانطلاق ... حتى لا تخدش قارورتي ... كم كنت غبية حين فهمت الحرية بهذا الفهم المعوج ... والآن .. ها قد تحطمت الزجاجة الهشة التي كنت أخدع نفسي بها .. ظننت أنها ستحميني من كل العواصف ... وإذا بها تتهشم عند أول صدمة ...
      ابتسمت وأخذت نفسا عميقا .. ثم قالت :
      - لا بأس .. أشعر وكأنني كنت فرسا برية متوحشة ... ثم روضت .. لكن دون لجام ..
      نهضت وهي تحمل الكيس بين يديها .. ثم أفرغت محتوياته والتقطت الكاب ووضعته على جسدها وهي تنظر إلى المرآة ... كان فضفاضا جدا وقد خلا من أي نقش أو تطريز .. إلا أنه كان مريحا للنظر وذو قماش بارد ناعم ..
      - لا بأس بشكلي به .. كنت أحسب الحجاب الشرعي سيجعلني مسخا ..
      وسمعت صرخة رائف وهو يقول :
      - أهذه دقائقك يا غادة ؟؟
      فأسرعت بارتداء الكاب ثم ألقت على نفسها نظرة رضا مشوبة بالحرج ... وبعدها رحلت ..

      ***********************
      في حجرة رهف كانت تتصاعد أنفاسها الرتيبة .. وقد أسبلت عيناها في سلام ...
      اقترب رائف ببطء ... وجلس على الكرسي الذي بجوار الفراش بعد أن قربه أكثر .. ثم التقط يد رهف ... وفي تلك اللحظة .. بكى ...
      نظرت غادة إلى أخيها الحنون بألم ... ما أصعب أن يبكي الرجل ..
      لم تتمالك نفسها هي الأخرى فاستدارت لتخفي دموعها .. بينما أخذ صدر والدتها يئز من خلفها ...
      رفع رائف بصره إلى والدته المكلومة ... فتعالت شهقاتها وهي تقول بصوت ضعيف :
      - من يواسيني فيها ؟؟ لقد بدأت أفقد الأمل ..
      أغمض رائف عينيه .. كم تحرقه هذه العبارة .. أيترك رهف ترحل وهو ينظر إليها دون حراك ؟؟
      أيترك ذلك القلب المرهف المعطاء دون مساعدة ؟؟ لماذا يشعر بالعجز ؟؟ ألأن الجميع من حوله عاجز ؟؟ ولكن الله لا يعجزه شيء .. وهو يملك أن يعيد رهف إلى أحبائها في طرفة عين .. فلم اليأس ؟؟
      فتح عينيه وقد تسرب بعض الأمل إلى قلبه .. ونهض ليحتضن والدته ويجلسها مكانه وهو يقول :
      - أماه لا تيأسي من رحمة الله .. ادعي لها فدعاء الأم مستجاب .. ولن يخيب الله رجائك .. صدقيني ..
      - هل ستعود يا رائف .. كن صادقا أرجوك .. لا أريد أن أتشبث بخيوط وهمية ..
      - الله وحده يعلم يا أمي ... لكنك يجب أن تتشبثي بالأمل مهما كان ضعيفا ... ومن أحسن الظن بالله أعطاه الله على قدر ظنه ... عن إذنك الآن .. أريد أن أتحدث إلى الطبيب ..
      ودار حوار طويل تناهى إلى مسامع غادة وأمها .. لكنه كان بالإنجليزية .. لذا قالت الأم لغادة :
      - ماذا يقولان ؟؟؟
      - بالكاد أفهم يا أمي .. لكنني أظن أنهما يتناقشان حول مدى أهمية بقاء رهف هنا ..
      وعاد رائف وقد اعتلاه بعض الهم .. لكنه تماسك أمام والدته قليلا وقال :
      - الطبيب يقول انه بإمكاننا نقلها للبيت لأنها ستتلقى عناية أكبر هناك بين أهلها ..
      هتفت غادة :
      - ولكن ..
      نظر رائف إلى غادة خلسة نظرة أفهمتها أن تصمت .. فبترت عبارتها وهي تنظر إلى رهف بحزن ..
      وقالت الأم :
      - ومتى سيكتب لها الخروج ؟؟
      - اليوم إن شئت يا أمي ..
      - هذا أفضل .. فأنا لا أشعر بأنها مرتاحة هنا ...
      - إذن سأخبر الطبيب بموافقتك ..
      خرج رائف فلحقت غادة به .. وما إن أغلقت الباب خلفها حتى قالت :
      - رائف ماذا قال لك الطبيب ؟؟
      استدار رائف وألقى عليها نظرة ثم أرخى عينيه وهو يقول :
      - أظنك قد فهمت .. لكنني خشيت أن تتحدثي أمام أمي .. فتفهم هي الأخرى ..
      حملقت غادة في رائف وقد امتلأت عيناها بالدموع .. ثم أسندت يدها إلى الحائط وهي تتمتم :
      - إذن .. فلا أمل ؟؟
      - كلا .. أنا لم أقل ذلك .. لكن الطبيب يقول بأنه ليس في مقدورهم فعل شيء لها بعد الآن .. ووجودها في المشفى لا داعي له ..
      - ما الفرق ..
      - فرق كبير يا غادة .. فالطب هو الذي عجز فقط ... لكن هناك من لا يعجزه شيء .. لا تنسي ..

      ******************
      مضت عدة أيام عاد فيها الاستقرار إلى البيت ..
      قلما كانت غادة تخرج في تلك الفترة .. فليس هناك سوى الذهاب إلى الجامعة والعودة منها ..
      بينما تفانت والدتها في العناية برهف .. وكانت شغلها الشاغل ...

      دخل رائف ذات يوم على غادة في حجرة الجلوس فوجدها تتحدث إلى سامية بالهاتف .. وسرعان ما أغلقت السماعة إذ لم تكن تحب أن يستمع إليها أحد ..
      جلس رائف أمامها ووضع إحدى قدميه على ركبة الأخرى .. وتظاهر بالشدة وهو يقول :
      - مع من كنت تتحدثين يا بنت ؟؟
      تجاوبت غادة معه وهي تتظاهر بالخوف والارتباك وقالت :
      - مع مع .. مع سديكتي ..
      - هههههههه .. اسمعي جئت لأستشيرك في أمر ..
      - ما هو يا حضرة القاضي ؟؟
      - فكرت في أن آخذكم معي إلى بريطانيا .. أنت تكملين دراستك بينما تعالج رهف .. فربما يستطيعون فعل شيء لها هناك..
      - أممممممم .. إنها فكرة غريبة وصعبة .. لكنها ليست مستحيلة ..
      ثم غمزت بعينها وهي تقول :
      - أشك في أنك تفعل ذلك لمصلحتنا .. كل ما تريده هو أن تأنس بنا فقط ..
      - يالك من سيئة .. لا أخفيك أن الوحشة شيء مريع وقاتل .. وقد جعلتني أفكر في الزواج كثيرا لكن أ ...
      بتر عبارته حين سمع شهقة غادة ورأى عينيها تتسعان فجأة .. فقطب حاجبيه وقال :
      - ماذا هناك ؟؟ هل رأيت جنيا ؟؟
      قفزت غادة من مكانها وهي تقول :
      - بل خطرت ببالي فكرة مدهشة .. اسمع .. لدي عروس تفوق كل المقاييس التي قد تضعها .. تلك التي كنت أتحدث إليها قبل قليل .. إنها تتمتع بمواصفات تتناسب مع شخصك الكريم بشكل مذهل و ....
      أخذت غادة تصف فتاة الأحلام وهي ترفع يدها وتخفضها وتأتي بحركات تمثيلية مضحكة بينما راح رائف يراقبها بهدوء .. ثم تسللت يده إلى شيء ما و ...
      سلاشششششششش ..
      تسمرت غادة في مكانها وهي تنظر مبوهتة إلى يد رائف التي تحمل الكاميرا .. ثم صرخت بغيظ وهي تقول وسط ضحكات رائف :
      - لم فعلت هذا ؟؟؟ هااااااااه ... تبا لقد أفسدت علي فرحتي ...
      ثم ألقت بجسدها على الأريكة بينما استمر رائف يضحك حتى كاد أن يستلقي وهو يقول :
      - ستكون صورة رائعة بحق .. وسأريها للعروس يوم الزفاف وأقول لها : هذه غادة أثناء وصفها لك ...
      طوحت غادة بإحدى الوسائد تجاه رائف ثم غادرت الغرفة وهي تقول :
      - لا تحلم بأن أخطبها لك .. حتى تقبل قدمي اعتذارا ...
      شيعها رائف بنظرات الوداد .. ثم همس لنفسه :
      - أخيرا عدت يا غادة ..... الحمد لله ..

      ************************************************

      .
      .

      .

    14. #44
      التسجيل
      01-07-2005
      الدولة
      السعودية
      المشاركات
      64
      المواضيع
      3
      شكر / اعجاب مشاركة

      مشاركة: قصة طويلة لكنها رااائعة

      sad angel
      ftm ftm
      الوردة السوداء
      اشكركم على متابعتكم وردودكم
      اتمنى ان تعجبكم التكملة
      وآسف على التأخير
      .
      .

      .

    15. #45
      التسجيل
      01-07-2005
      المشاركات
      134
      المواضيع
      5
      شكر / اعجاب مشاركة

      مشاركة: قصة طويلة لكنها رااائعة

      اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو الدحم
      sad angel

      وآسف على التأخير
      وين اصرفها هذي?!!!

      بس يلا بسامحك عشان كسرت خاطري بس
      يعطيك العافية .القصة روعة .ورائف اروع
      ومشكور اويد بس مو طول علينا مرة ثانية.
      اختكم فطوم:flowers1:

    صفحة 3 من 5 الأولىالأولى 12345 الأخيرةالأخيرة

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •