الجزء العشرون (طعنة)
ارتدت غادة أجمل ثيابها، و وضعت بعضاً من مساحيق التجميل على وجهها، و بالطبع لم تنسى أن تهذب شعرها على نحو رائع، لقد بدت جميلة للغاية و كأنها نجمة سقطت من السماء.
ألقت غادة نظرة فاحصة على مظهرها في المرآة، و همست لنفسها قائلة:ياه يا غادة..كم أنت فاتنة و جميلة..أخيراً ستبتسم لك الحياة..ستحققين كل أحلامك..ستودعين الأحزان إلى الأبد..نعم إلى الأبــد..
اتسعت ابتسامة غادة مع حروفها الأخيرة بينما سرح فكرها في ثوب الزفاف الأبيض و القفص الذهبي...و ربيع فارس أحلامها الأزلي و الأبدي..
أطلقت غادة ضحكة جذلة و هي تسأل نفسها:أ سيفرح ربيع بالخبر؟..نعم لا بد أنه سيكون في قمة السرور..أخيراً يا غادة..
دارت غادة حول نفسها في سعادة جامحة، و هي تطلق ضحكات قصيرة، و..
<غادة..ماذا دهاك؟... هل أنت بخير يا ابنتي؟!>
توقفت غادة بغتة و التفتت إلى والدتها و قد احمرت و جنتاها خجلاً، و أجابت بصوت متلعثم:لا شيء يا أمي..أ...أنا بخير..
اقتربت والدتها و قد بدا عليها القلق و سألت باستنكار:غادة..هل أنت بخير حقاً؟!..من أنا إذاً..؟
نظرت إليها غادة في ذهول و أجابت بسرعة:أمي أنا بخير حقاً..أ ظننتي فقدت عقلي؟!..كل ما في الأمر أنني أشعر بالسعادة اليوم..
تنهدت الأم الحنون و عقبت:الحمد لله..ظننت أن طلاقك للمرة الثانية قد أصابك بـــ...الحمد لله..الحمد لله..
ابتسمت غادة و هي تطمأن أمها قائلة:لا تقلقي علي يا أمي فابنتك قوية..
غمغمت الأم قائلة في أسى:لا توجد امرأة قوية يا ابنتي و إن حاولت أن يظهر عليها ذلك..
اتسعت ابتسامة غادة و هي تقترب نحو والدتها..و من ثم قبلت كفيها و هي تقول:كلا يا أمي..المرأة قوية بجمالها..بذكائها..و بكيدها..
رمقتها والدتها بنظرة مليئة بالحنان و هي تعقب قائلة:أتظنين؟
أومأت غادة برأسها إيجاباً و هي تقول:بالتأكيد يا والدتي..انظري إلي فأنا خير مثال على هذا..
تنهدت الأم في أسى و هي تقول:ما فائدة القوة إن لم تجلب لصاحبها السعادة..عادل كان..
قاطعتها غادة في حدة:عادل...عادل..إلى متى يا أمي؟..متى ستفهمينني؟..عادل ماضي و انقضى..ما عاد له أي وجود في قاموس حياتي..و لا في طياتي مشاعري..
رمقتها الأم بنظرات غمرها الشك..لكنها آثرت أن تغادر غرفة غادة في هدوء و صمت، و أغلقت باب حجرة غادة خلفها..
أطلقت غادة زفرة حارة و هي تردد: ليتك تعلمين يا أمي؟..أنا أضعف كثيراً مم أبدو..لكنني أردت أن تطمأني علي..لعلك تنسين انفصالي عن عادل..ترى ماذا ستكون ردة فعلك لو علمت أنني أنا من طلب الانفصال..؟
حركت غادة رأسها بقوة و هي تتمتم:يا إلهي..لماذا يصر هذا الاسم على تحطيم البسمة على شفتي..عادل..كلا لن أسمح لأحد ما أن يسلبني حبي..لن أتنازل عن أحلامي و حياتي لمجرد ماضي..
انطلقت غادة إلى درج في خزانتها، و فتحت أحد أدراجه، و من ثم أخرجت صندوقاً عتيقاً، نفخت فيه فانجلى عنه الغبار و فتحته في حماس، تلمست محتوياته في بطء و قد ارتسمت على وجهها علامة الظفر، و بسرعة وضعته في حقيبتها و ارتدت عباءتها الضيقة و رمت غطاء خفيف على وجهها، و مضت مسرعة..
ركبت غادة السيارة و أمرت سائقها بأن يتوجه نحو أحد المراكز التجارية، و ما أن وصلت حتى صرفت سائقها، تماماً كما في المرة السابقة، و ظلت تنتظر دقائق، و ما أن لاحت لها سيارة ربيع من بعيد حتى اتسعت ابتسامتها و هي تغمغم:أخيراً..
وقفت سيارة ربيع أمامها، و فتح زجاج نافذتها ببطء ليطل منه ربيع و قد زين ثغره بابتسامة جذابة قائلاً:تفضلي يا أميرتي..
دارت غادة حول السيارة و من ثم دلفت داخلها، و ما أن ألقت بجسدها فوق المقعد المجاور لمقعد ربيع حتى هتف هذا الأخير قائلاً و قد أدار محرك سيارته:كيف حالك يا أميرتي..؟
ابتسمت غادة و هي تقول:أميرتك لم تكن أفضل حالاً من اليوم..
انطلق ربيع بسيارته و هي يعقب:حقاً؟...كم أنا سعيد بسماع هذا يا أميرتي..
ترددت كلمته الخيرة في ذهنها...أميرتي..و رجعت بها الذكريات نحو الوراء..نحو عادل..لطالما نادها بأميرتي..أميرتي الفاتنة...تنهدت غادة و هي تحرك رأسها بقوة لعلها تتخلص من تلك الذكريات التي باتت تزورها كثيراً، فألقى عليها ربيع نظرة جانبية و هو يعقب:ماذا بك يا غادة؟..
-......................
-أميرتي هل أنت على ما يرام؟
-ربيع هل لي أن اطلب طلباً؟
-طلباتك أوامر يا أميرتي؟
-كف عن هذا يا ربيع..
-ما الأمر؟
-فقط لا تناديني بأميرتي..لقبني بما شئت.إلا هذا اللقب..
-و لم..؟
ارتسم هذا السؤال في ذهنها..و همست لنفسها:نعم..لم ؟..لم لا أريد أن أسمع هذا الاسم..علي أن أواجه الواقع بقوة..علي أن أتجاهل ذكرى عادل و أقاومها..لن أسمح له بأن يتدخل في حياتي..و إن ذكرتني به الكلمات و المواقف..ما بيني و بين عادل انتهى..ترى هل تؤلمني ذكراه؟..
-غادة..هل تسمعينني؟
تنبهت غادة لصوت ربيع..فأطلقت ضحكة جذلة و هي تعقب قائلة:أتعلم..سمني بما شئت..حتى لو بأميرتي..
-ما بك اليوم يا سحر الشرق؟!
-أشعر بالسعادة..هذا كل شيء..
-أ ما عاد حبك لي يعذبك؟!..
-من العذاب ما هو ألذ من الشهد..
-أنت فعلاً مختلفة اليوم..يبدو أن غادتي قد عادت إلي..
-لطالما كانت بجوارك بروحها و إن سرح عقلها..
توقفت السيارة أمام ذلك المطعم الذي جمعهما قبل الفراق و في لقائهما الأول بعد العودة و الوفاق، دلفت غادة المطعم و هي تتأبط ذراع ربيع، مما جعله يردد قائلاً و هو يحمل تلك الابتسامة الجذابة:لابد أنك تخفين شيئاً ما..ماذا هناك يا درتي؟
حملت غادة ابتسامة واثقة على ثغرها و هي تجيبه:أنتم هكذا أيها الرجال..عديمو الصبر..
-ما دام الأمر كذلك هل ستعذبينني بالانتظار..؟
-سأموت حينها..ربيع أنت قلبي..فكيف لي أن أعذب قلبي؟
-إن كنت أنا قلبك..فأنت روحي ذاتها..و أروع شيء حدث في حياتي بأسرها..حبي الأول..و الأخير..
أطرقت غادة رأسها خجلاً و هي تشعر بسعادة غامرة.
استقر الاثنان في جناح خاص، و استترا بالحواجز الموجودة في المطعم، عندها أشاحت غادة ذلك الغطاء الخفيف الذي كان على وجهها فهتف ربيع قائلاً:يا إلهي..إنك تزدادين جمالاً في كل مرة..
توردت وجنتا غادة و هي تجيبه قائلاً: أنت أيضاً يا ربيع تزداد وسامة في كل مرة
-ربما لأن حبي لك يزداد مع كل ثانية ..
-لن يستطيع أحد ما مجاراتك في الحديث..
-لأن أحدهم لم يظفر بشابة رائعة مثلك..
مع حروفه الأخيرة لامست كفه يد غادة، فأغمضت تلك الأخيرة عينها و هي تهمس:قل أنه ليس حلماً..
-إنه ليس حلما يا غادة..افتحي عينيك يا أميرتي..فبنظراتك تنبض الحياة..
فتحت غادة عينيها و أدارت بصرها فيما حولها إلى أن وصلت إليه فتعلق بصرها به، عندها هتفت لنفسها:أنا لم أخطأ..ربيع يستحق التضحية..يستحق الحب..نعم هو من يقدرني..هو من يقدر غادة..
-أتوق شوقاً لسماع المفاجأة التي وعدتني بها يا غادتي..
تنبهت غادة بصوته فابتسمت، و أسرعت تفتح حقيبتها، و من ثم أخرجت تلك العلبة التي دستها فيها و فتحتها أمامه و هي تهمس في دلال:أتذكرها..؟
ابتسم ربيع و هو يخرج الخاتم من تلك العلبة و عقب قائلاً:بالطبع..إنه الخاتم الذي قدمته لك يوم أن خطبتك..
تراجعت للخلف في ثقة و هي تقول:يبدو أن التاريخ يعيد نفسه..
بدت علامات التوتر على ربيع و هو يسألها:ماذا تعنين..لم أفهم؟
-عجباً يا ربيع..و أنا التي أقول أنك أذكى الذين قابلتهم قاطبة..
-ربما..لكنني لم أستطع أن أخمن مقصدك..
-عزيزي ربيع..أخيراً سيجتمع الشمل..و سألقاك في النور..بلا خوف..و بلا شعور بالذنب..
-غادة..هلا أوضحت..؟
-سأسهل عليك..حبنا سينتهي نهاية سعيدة..
سألها ربيع بحذر: و ما هذه النهاية؟
-خمن؟
-الزواج؟!
-أحسنت..ما رأيك بهذه المفاجأة..؟
ارتفع صوت ربيع و هو يقول:أ تعنين أنك تركت عادل؟
-فعلت هذا من أجلك..و من أجل حبنا..
ضرب ربيع قضيته بسطح المنضدة و هو يهتف:لم لم تخبريني قبلاً..
-ربيع اهدأ الأمر لا يستحق هذا الانفعال..يفترض بك أن تكون مسرور جداً..
حاول ربيع أن يتمالك نفسه و هو يقول:جننت يا غادة..لابد أنك جننت دون شك..
-جننت؟..ماذا دهاك يا ربيع ؟..ألم تقل أنني حبك الأول و الأخير..
نظر إليها ربيع نظرة مطولة و من ثم أشاح بوجهه بعيداً عنها و هو يقول:عندما عدت طلبتك صديقة..لا زوجة..
-و ما الفرق دام السبب واحد..الحب..
تطلع إليها ربيع مجدداً و هو يقول:غادة لا أستطيع الزواج منك..
-لم..لم يا ربيع..؟
-.................
-أخبرني بالله عليك..
-...................
-أجبني إن كنت تحبني حقاً..
أشاح ربيع بوجهه و هو يجيبها قائلاً:غادة..أنا أب لطفلة لم تتجاوز من العمر بضعة أشهر..
أنا متزوج..متزوج يا غادة..
***********************************