هل الصراع في الشرق الأوسط بداية النهاية للأمبراطورية الأميركية ؟
جوناثان ف. لاست
اقتربت النهاية. وبالطبع تلك أخبار سيئة. أما الأخبار الجيدة فالنهاية بالنسبة للأمبراطورية الاميركية على الرغم من أنها كانت دائما ومنذ وقت بعيد وشيكة بيد أنها لم تأت حتى الآن. وتلك هي سنة الحياة ، فجميع الامبراطوريات مآلها في النهاية إلى زوال. وقد استمر حكم اليونانيين لمدة 450 عاما أما الرومان فقد بسطوا سيطرتهم على مساحة أكبر من العالم لمدة تربو على 500 عام. واستمرت الامبراطورية البريطانية للمملكة التي لا تغيب عنها الشمس من منتصف القرن السادس عشر إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وكانت تلك الامبراطورية الانكليزية هي آخر امبراطوريات العالم القديم التي طويت صفحة أمجادها. كما غيبت الحربان العالميتان الأولى والثانية الكثير من الامبراطوريات في أوروبا. أما الامبراطورية الاميركية المعاصرة فكما يذكر نيال فيرغوسن في كتابه (صعود وهبوط الامبراطورية الاميركية) أنها نوع غير عادي من الامبراطوريات. وأول ما يسجله من ملاحظات أنها تتميز بغناها الهائل إلى جانب تفردها وتفوقها من الناحية العسكرية. وعلى الرغم من ذلك فمغامراتها العسكرية محدودة ، وحتى عندما تقوم بها تأتي النتائج معاكسة تماما للأهداف التي وضعت لها. ويشير فيرغسون إلى أن الولايات المتحدة لا ترسل أعدادا ضخمة من قواتها إلى أراض بعيدة لاستعمارها ورغما عن ذلك تظل امبراطورية.
وباستقراء للتاريخ وبسط صفحاته أمام أعيننا وبمتابعة جميع الامبراطوريات السابقة نصل إلى حقيقة مفادها أنه سيأتي اليوم الذي تنتهي فيه الامبراطورية الأميركية ، ويبقى السؤال : كيف سيحدث ذلك؟
كنا قد اعتدنا في السابق على إجابة وهي : الإتحاد السوفيتي والقنبلة النووية. فكل حقبة زمنية تضع لنفسها الخطوط العريضة لنهايتها. وخلال الحرب الباردة كنا نحن الطرفان نخاف من الدمار المؤكد والمحرقة النووية. ومثل هذا الفكر صورته لنا الكثير من الأفلام السينمائية مثل (اون ذا بيتش و فيل - سيف و ذا داي افتر) ، الا أن حركة تجميد الخوف النووي قد ولدت ، وتبعها أن توقفت دقات مؤقت العد التنازلي.
وبعد عام 1989 تحول التركيز إلى الصين مع ظهور كتب مثل الصراع القادم مع الصين الذي كتبه ريتشارد بيرنشتاين وروس هونرو وكتاب الصين التي تستطيع أن تقول لا لزانغ زانغ وآخرين. الا أن الصين الآن يبدو أنها أصبحت أكثر اتساعا إلى درجة تفوق بسط السيطرة والحكم عليها. وحتى إذا أمكن إخضاعها للحكم فالصينيون على امتداد التاريخ كانت طموحاتهم إقليمية أكثر منها عالمية.
وفي أعقاب 11 سبتمبر انصبت مخاوف العالم على الارهاب. فهل سيكمن الخطر القادم الذي سيحمل معه نهاية الامبراطورية الاميركية في قنبلة نووية في مرفأ بالتيمور او ربما في وباء ينشره سلاح بيولوجي ؟ وربما تكون شرارة صغيرة في الشرق الاوسط - كاختطاف جندي اسرائيلي مثلا - تتحول إلى مواجهة عالمية وصراع للحضارات. وقد تكون تلك هي الحرب العالمية الثالثة التي تحمل النهاية في طياتها.
والمؤكد ان الأحداث الأخيرة غير مشجعة على الاطلاق ، ولكن قبل أن نفرط في كيل المديح لأميركا هناك سببان يدعوان للتساؤل ما إذا كانت الامبراطورية الأميركية ستدوم طويلا ، وأنها قد تتمدد إلى حدود بعيدة. أولهما أن امبراطوريتنا ليست استعمارية بما تحتويه الكلمة من معنى ، وليس لنا سوى القليل للغاية من المساحات التي نملكها خارج حدودنا الثابتة. فليس هناك مستعمرات يمكن أن تثور ضدنا كما أننا لا نمتلك أرضا أو موارد مادية يمكن أن نخسرها أي ليس لدينا ما يمكن أن يسلب منا.
والسبب الآخر أن أميركا هي ايديولوجية وليست بناء جغرافيا أو عرقيا. فالولايات المتحدة كما يذكر فيرغسون هي مستورد للبشر. فنحن نغري النخبة في العالم بالقدوم إلينا بجامعاتنا ومراكزنا التجارية وبالمستوى المعيشي المتقدم.
وباستقراء التاريخ يبدو ان السببين الرئيسيين لنهاية الامبراطوريات هما الأحداث الخارجية ( كالحروب او الأوبئة) أو التآكل من الداخل. والواضح ان سيطرتنا على جوانب السبب الأول يشوبها قدر كبير من الوهن. وعلى الرغم من قدرتنا على التصرف بمسؤولية وحكمة في أمور السياسة الخارجية إلا أننا لا يسعنا أن نتجنب الصراعات أو نتفادى التعرض لهجمات. بيد أن السبب الآخر يظل على نحو واسع تحت سيطرتنا وقدرتنا على إدارته.
وإذا ما أفلسنا اقتصادنا بأنفسنا وجعلنا من أميركا وجهة اقل جذبا سواء بعدم توفير الحماية الجيدة لأنفسنا أو ببذل تضحيات مفرطة باسم الأمن عندئذ فنحن نعرض امبراطوريتنا الصغيرة للخطر. وتظل الطريقة المؤكدة للمحافظة على أي امبراطورية ان تعرف مسؤولياتها ومكانتها في العالم.
كاتب عمود بصحيفة فيلادلفيا انكوايرر
خدمة كيه ار تي خاص بـ (الوطن)
http://www.icaws.org/site/modules.php?name=News&file=article&sid=7763