غبي و أغبى منه !
" سنستمتع كثيرا يا صاح ! "
وقفا ينظران بإمعان إلى شيء ما على الحائط...
كان إعلانا يتحدث عن مقاطعة بضائع اليهود و الأمريكان.. و كانا يهزان رأسيهما في نفس الوقت من شدة استغراقهما في القراءة !
انتهى الأول من قراءة الورقة و حرّك صديقه الثاني الذي كان على وشك البكاء من تأثير تلك السطور الثورية الملتهبة !.. ثم واصلا مشيهما في الشارع المكتظ ، و ما إن ظهر لهما أول دكان حتى هرولا ناحيته ليبتاعا.. زجاجتي "كولا" و كيسين من البطاطا المجففة !
وصلا الآن إلى بغيتهما.. "سينما النجوم". ابتسم الأول و غمز الثاني بعينه كأنه يقول "سنستمتع كثيرا يا صاح !"
- - -
اتخذا كرسيين وسط الصف الأوسط ، و قال الأول مستلقيا على كرسيه ، متظاهرا بالثقافة و سعة الفكر: " أفضل الأشياء من نصفها " ، فضحك الآخر ملء فمه ، ثم ملأه بقطع البطاطا المقلية و مضغها بوحشية قبل أن يتجشّأ قائلا: " ليس كذلك يا جحش ! بل المثل يقول (أجمل الأمور تكون في وسطها)... هههه ، متخلف ! ".
و كانا يقصدان " خير الأمور أوسطها " طبعا !..
توافدت حشود المشاهدين ، و مُلئت الأماكن الشاغرة و كثر الهرج و المرج ، و تطاوحت هتافات من قبيل " تعال يا كريم ، هذا مكان شاغر ! " و.. " يا سلاااااام ، انظروا من هنا ! إنه زغلول السمين ! ".. و.. " قلت لك هذا الكرسي محجوز.. لا تدفعني إلى تمزيق وجهك !! "..
أما هما فكانا صامتين كحملين ذبيحين ، ينظران حولهما و يجرعان آخر قطرات "الكولا" التي يدّخرها الآخرون للفلم !
انقطعت الكهرباء فجأة ، فساد الصمت ليشهق الأول برعب و يهمس في أذن الثاني:
- ماذا يحدث هنا بالله عليك ؟!
- اصمت يا أحمق ! لابد أنه عطل في الكهرباء ، و لابد أن هناك تقنيا سيصلحه وسط أكوام البشر هاته !
" ششششت ! "
و بدأ الفلم..
" كيف يشتغل الفلم و الكهرباء مقطوعة ؟ "
" شششششت ! "
" لا أدري.. ربما اخترعوا بديلا للكهرباء دون علمنا ! "
" شششششششت !.. الله !! "
و انتهيا هذه المرة ، مستسلمين للمشاهد التي تعرض أمامهما..
سيارة مكشوفة تشق الطريق السريع و عناوين تظهر من حين لآخر.. و...
" نياهاهاهاها !!
إنه الثاني و قد انفجر ضاحكا بغتة.. ليتبعه الأول :
" هيييهيهييهووو ! "
" !!! "
" شششت !.. من هذا الحمار ؟ "
" لماذا تضحك يا كلب ! "
و صوبت نحوهما العيون النارية من كل جهة !
نظر لهما الرجل النحيل الجالس قربهما و رفع نظارته الغليظة فوق أنفه أكثر قائلا :
- احم.. اسمحا لي ، لكن هذا فلم أكشن في بدايته.. و لا أرى سببا مقنعا لضحككما هذا ؟
توقف الأول عن القهقهة و بلع ريقه ليجيب:
- ههه.. غريب ! حسبته فلما آخر !..
- - -
قتلت عصابة مجرمين أفرادَ البطل الذي أصبح مسعورا ، يريد لينتقم منهم و يشرب من دماءهم.. لكنه وقع في أيدي العصابة لسوء الحظ ! و الآن هو مربوط إلى كرسي بقاعة مظلمة ، و قد أشبعوه ضربا بالسياط و صعقا بالكهرباء !.. و أخيرا يضع الرئيس - ذو الضحكة الشريرة - سكينا لامعة على رقبته و يقول بكلمات ممطوطة : (وداعا يا وسيم !)
و ما إن انتهت الجملة حتى قام الثاني من مكانه صارخا..
" أووووه.. أين المرحاااض ! "
" عليك اللعنة ، اصمت ! "
" آآه يا ابن الكلب ، سأقتلك حين ينتهي الفلم ! "
" النجدااا ! هوووو.. سأبول في سروالي يا رفاق !.. آآآي ! "
ضربت رأسه قنينة كولا فصرخ متألما ، و أمسك رأسه مصدرا صوتا حادا.. " سستسسسست !" ثم أجهش باكيا و قد أحس بسائل ساخن على رأسه !..
" قلت لك اجلس يا حمار !.. لا نرى شيئا ! "
تدخّل هنا الأول الذي يمسك بطنه من الضحك و دفع الثاني قائلا:
" اخرج يا بليد و اسأل عن المرحاض.. سيقتلونك إن بقيت هنا ! "
و مشى الثاني بين الصفوف ، ممسكا رأسه ، متذمرا و هو يلعن كل "المشاهدين الكرام" !
- - -
كان الأول غارقا في كرسيه يلتهم الشاشة الضخمة بعينيه الواسعتين لما سمع ركضا خلفه فالتفت ليجد الثاني يجري بين الصفوف كي لا يفوّت المزيد من لقطات الفلم.. و فجأة تعثر بكرسي ما فسقط و أسقط من على الكرسي ! ليقوم هذا الأخير مغضبا ، يصيح و يركل الثاني على بطنه !
قام الأول هنا بولع و ركض إلى حيث يُعتدى على صديقه التعيس.. فكثر الضجيج و انهال كل من في القاعة بالسب و الشتم على هذين الغبيين اللذان لا يعرفان معنى السينما ربما !
ثم تقدم رجال شداد غلاظ من الصفوف الخلفية إلى حيث تكوّم الناس ، و قاموا بعملية تأديب قاسية انتهت برمي الثنائي المزعج إلى الشارع !
- - -
محطمين ، مكتئبين كانا يرميان أنصاف خطوات بترنح السكران و تخبط المجنون !.. أحدهما يعرج بحدة و الآخر يمسك رأسه الدامي و يمطّ شفتيه من الألم !
قال الثاني بين أناته:
- يا للعجب.. قد زالت من قلوب الناس الرأفة !
- و الرفق بالحيوان !
- نعم.. آي !.. معك حق !.. قل لي ؟.. ما رأيـ... آآح !.. ما رأيك أن نكتري فلما من عند بائع الأفلام هذا ؟
- لنعوض فلم الليلة.. نعم ، فكرة ممتازة.. عندك عنوان ؟
- ممم !.. ما رأيك في "دامب أند دامبر" ؟
و اكتريا هذا الفلم "غبي و أغبى منه " لـ"جيم كيري" و "تجيف دانيالز"..
و واصلا عرجهما يتضاحكان.. وقد نسيا أن صيغة الفلم "دي في دي" و ليس لديهما إلا جهاز "في سي دي" ! !
تمت بحمد الله