فنجان قهوة
عالم يحكمه الأطفال
نظرة الأطفال إلى الحياة تغيرت كثيراً خلال السنوات الماضية، فلم يعد منظر قوس قزح يثير خيالهم، ولم يعودوا يشعرون بالسعادة وهم يقطفون الأزهار البرية ويضمونها في باقة يقدمونها لبعضهم بعضاً، وبات كل همهم هو المال. وإذا أوقفت طفلا أمريكيا في الطريق وسألته عن عنوان تقصده في الشارع، مثلاً، فإنه يقول لك: “أجيبك إذا دفعت لي دولاراً”، والوضع لا يختلف في معظم العواصم الأوروبية، حيث بات الأطفال يدركون، منذ نعومة أظفارهم، ان المال يمثل قيمة كبيرة
وقبل مدة أجرى عدد من الباحثين استبياناً بين طلاب المدارس الأمريكية دون العاشرة من العمر، شمل ما يزيد على 3500 طالب، حول أفضل الأشياء في العالم في نظرهم، فجاء المال في المرتبة الأولى، والشهرة في المرتبة الثانية، والأخلاق ورضا الله في المرتبة العاشرة بعد كرة القدم والغناء وألعاب الكمبيوتر وتمضية إجازة على شاطئ البحر.
وفي الاستفتاء المماثل الذي أجري في السنة الماضية لم يرد المال على ألسنة الأطفال على الإطلاق، أما في هذه السنة فإنه احتل المرتبة الأولى، ويعلل الأخصائيون الذين شاركوا في الدراسة ذلك إلى أن أجهزة الإعلام الأمريكية، والمجتمع بشكل عام، يسهمان في نشر ثقافة المال حتى بين الأطفال، فبرامج التلفزيون تكثر من المسابقات في ساعات البث، والمشاركون يربحون مبالغ كبيرة، والمحلات التجارية تمنح خصومات لجامعي الكوبونات، وكل هذه الأشياء تجعل الطفل يتصور أن هدف البشر جميعاً في الحياة هو الحصول على المال، وأن عملية الحصول عليه ليست صعبة، ويستطيع هو شخصيا المشاركة فيها عن طريق بعض الكوبونات أو المشاركة في برنامج تلفزيوني، ولذلك يضع المال على رأس قائمة الأشياء التي يحبها.
والأشياء العشر التي يعتبرها أطفال أمريكا أسوأ أشياء في العالم هي: الذين يسكرون حتى الثمالة، والنفايات، والكتابة على الجدران، والحروب، والاشخاص الذين يثيرون ذعر الآخرين، والخاطفون. وفي الاستبيان الذي أجري في السنة الماضية كان الأطفال أكثر براءة وإنسانية فاحتل المرض المرتبة الأولى في هذه الفئة، وبعده التسوق برفقة الأهل باعتباره مثيراً للضجر، ثم الكوابيس التي يشاهدها الطفل في منامه.
وشمل الاستبيان سؤالاً موجها للأطفال يقول: لو قدر لك أن تحكم العالم، فما هي الأشياء العشر التي ستفعلها؟ وجاءت الأجوبة: منع الكذب وتناول المشروبات الكحولية والشجار والمخدرات والسرقة وحيازة الأسلحة والسكاكين وزيادة العطل المدرسية وزيادة الملاعب وتوزيع الأيس كريم والحلوى والشوكولا على الأطفال مجاناً.
واحتل الانجيل المرتبة الأولى في قائمة “الأكثر شهرة في نظرك” بعده هاري بوتر، ومغني البوب بويانس وسانتا كلوز.
وليست لدينا دراسات إحصائية في باقي دول العالم، خارج الولايات المتحدة عن الأشياء التي يحبها الأطفال أو يكرهونها، أو عن الأشياء التي سيفعلونها لو حكموا العالم، ولكنني أتصور انها لن تبتعد كثيراً عن الأشياء التي ذكرها أطفال أمريكا، لأن المؤثرات التي كونت هذه الاتجاهات لديهم عالمية، فكل تلفزيونات العالم تهتم حاليا بالمسابقات، والعديد من المحلات التجارية الكبيرة تعمل بنظام الكوبونات.
ولو وجهنا الأسئلة إلى الكبار أيضاً لاحتل المال المرتبة الأولى في قائمة اهتماماتهم، ولكن لو وجهنا إليهم السؤال الأخير، وهو: ما الذي سيفعلونه لو قدر لأحدهم أن يحكم العالم فإنه قطعاً لن يطالب بمنع الأشياء التي يطالب الأطفال بمنعها، مما يدفعنا إلى التساؤل: ألا يكون العالم أفضل لو حكمه الأطفال؟
أبوخلدون