19
حين قَتَلنا الملل
هناك عدة أشياء في الحياة يكرهها صاحبانا تماما ، و يحاران في تفسيرها أيما حيرة. منها مثلا ظاهرة الامتحانات !
هل فكرت يوما في هذه الظاهرة اللزجة التي تستدعي منك كل هذا التحضير والتوتر ؟ والأهم إعمال فكرك وحرق خلايا عقلك الرمادية لتصبّ ما لا تفقه على الورقة وتخرج منتكسا مهزوما في أغلب الأحيان !
ماذا عن ظاهرة التصاق العلكة في كل مكان !.. وهو أمرلم يفهمه صاحبانا قط ، خاصة أنهما فحصاها مرار و تكرارا ولم يجدا أي أثر لصمغ أو لاصق ما !
والملل !.. هو أكثر ما يحيرهما و يجعلهما اممم.. ملولين ، حانقين ، غاضبين معظم الوقت !
وفي هذا الصباح الحار ، شديد الرطوبة استلقى الأول على الأريكة فاردا ذراعيه وقدميه ، مبعثِرا كل ما كان عليها إلى الأرض وهو يقول : أوووف ! هل تعلم يا صديقي.. صدق من قال : "لو كان الملل رجلا لقتلته !".. أتعلم ؟ لدي خطة رائعة لقتله فعلا !
قال له الثاني وهو يعبثُ بحشرة مسكينة - سيئة الحظ - كانت تقف على يده : يا أحمق بل هو.. " لو كان الفقررجلا لقتلته "..
نظر الأول إلى الثاني بحمق وأمسك شيئا ما من على الأرض و أرسله كصاروخ إلى رأس الثاني الذي تفاداه بصعوبة وهو يطلق "أووووووووووي!" ممطوطة طويلة.. وصاح بصاحبه : ماذا يا أحمق ؟ كدت تفتح رأسي بعلبتك المعدنية الصدئة هذه !
عاد الأول إلى جلسته وهو يتثاءب متضاحكا : نياهاهاها ! معذرة يا صديقي.. ولكنني ظننت للحظة مجنونة أنك الملل بعينه فقررت التخلص منك ! فأنت تبدو يا صديقي مثالا رائعا للملل.. أعني انظر لنفسك أنت حقا ذاك "الرجل" بشعرك المنفوش و قامتك الطويلة حد اعوجاج الظهر ! ونظاراتك التي فقدت أحد عدساتها واممم.. آه نسيت رائحتك ! متى كانت آخر مرة مست جسدك المياه يا أحمق ؟
نظر الثاني إلى صديقه بحيرة قبل أن يقول : أتعلم أنك تبدو لي مثالا رائعا للملل ؟ أعني.. انظر إلى نفسك تتمدد على الأريكة كشوال من السكر بلا نفع ، تمد يدك العجفاء إلى رأسك وتستخرج أشياء ما لقتل الوقت ، في حين تحلق ذبابة ما فوق رأسك لتكمل الصورة.. ألا ترى يا صديقي أنك مثال رائع للملل ؟
وهكذا اندمج كلاهما في سباب مقذع ، وشِجار عنيف جدا حتى سقط كلاهما فاقدا القدرة على الحركة وقد كممت الشرطة أيديهما. حينها ابتسم الأول للثاني وقال : أترى يا صديقي مدى نجاح خطتي ؟ كل ما علينا لقتل الملل هو أن يتظاهر كلانا أن الآخر هو "الرجل الملل" !