~((الـفـصـل الأوّل))~
أبـي: قم توضئ واذهب للمسجد وصلي
صلاة السنة واقرأ القرآن قبل الإقامة..
والكسل يغمرني: حـاضر حــاضر.
فذهبَ وهو يتخيّل كيف سيوبخني إذا عاد
واكتشف أنني لم أذهب، لأنه اعتاد واعتدتُ على صراخه الدائم، ولم أكترث
من مُسَبِّبات الأمراض لديه من مشاكلنا الأسريّة الأبديّة ومن متاعب عمله
(رغم محبته للعمل لأنه اعتبر العمل ملجأً يُفرغ سموم مشاعره فيه ولزملائه)
واستكمل أخي مصاعب
الحياة عليه، فهو لا يعاونه على مصاريفنا
(أنا وأمي وأختي) لأنه يرفع شعار "عــاطلٌ عـن العمل"
لم يكمل الدراسة، كيف سيعمل وهو من دون شهادة
كان في البيت كالحمل الثقيل، يأكل ويشرب وينام..
والسجائر تتسارع إلى فمه من وقت لآخر
وقد كان أبي من النوع العاطفي، لا يفكر بمصلحة الشاب
بل كان يخاف من أن يصيبه مكروها إذا طرده من البيت
كما كان يقول.. ولا أنسى السُمعة التي يحرص
عليها أبي أين ما ذهب..
فحرمه من المصروف فترة ثم تراجع بقبلة من أخي على رأسـه
وبمواعيده الكاذبة كمثل: ســأحرص على صلاتي..
عاد أبي من المسجد فاعتدلت من أمام التلفاز وتوقف أبي
وهو يحدق بي، فأجبته في قلبي قبل أن يسألني
بصوت خافت: صــــليت؟
شجاع، مرتبك: ذهبتُ لغرفتي ولم أجد ثوبـًا مكويـًا..
سكتَ قليلاً: صلي’ صلي.. صلي وإلا ستدخل النار!
صمتُ كالعادة.. أتى وجلس بقربي
وأخذ جهاز التلفاز وضغط على الرقم واحد
وبدأ يشاهد الأخبار، ثم ردد: لا إله إلا الله
حسبي الله ونعم الوكيل، لا حول ولا قوة إلا بالله
وهو يشاهد عدد القتلى في فلسطين والعراق وأفغانستان
ثم وجه لي: أترى ماذا يحدث في العالم؟
أنت في بلاد الأمن والاطمئنان الدائم بإذن الله
فلمَ لا تصلي وتحمد الله على النعمة التي تعيش فيها؟
شعرت بالذنب فطأطأت رأسي وأنا أستمع بحرقة..
وهو يتحدث رفع يده فكتم الصوت بجهاز التلفاز..
فقد شعر أنني أؤنب نفسي على إهمالي لصلاتي
فاستغلها فرصة لعله يؤثر فيني ويصلحني
وبدأ يتكلم جاهداً عن تارك الصلاة وعن أهوال القيامة
حتى توقف أخيراً بقوله: لن يرتح قلبك أبداً إذا لم تصلي..
فتوقفَ وقال: الله يوفقك. ثم ذهب لغرفته.
لم أنسى ما ذكرته للتو، فقد غيرتُ مجرى حياتي
إلى ما يرضي والديّ من بعد ربي..
لكنني لم أطبق ما قاله أبي في ذاك الحين
وليس بعد أكثر من عشر سنوات.. فقبْلَ أن
أتزوج بسنتين أدركت أنني جاهلٌ متكبر، غرتني الدنيا
وتناسيتُ ما نصحني به أبي ونسيتُ أمر ديني
فلو لم يهدني ربي لبقيت على جهلي وتفاهتي.
يــُتبـع...