(( قصة عن عقوق الوالدين الجزء الثاني ))
تبا له من ولد عاق كيف هانت عليه أمه أن يودعها في دار للعجزة ؟ أين السهر ؟ أين المعاناة ؟ أين الصبر ؟ أين الحنان ؟ أين الرعاية ؟ ... لقد ذهب كل هذا أدرياج الرياح ، أمك التي بذلت كل مافي وسعها من أجلك يكون هذا جزاءها من ولدها الوحيد ؟! فتبا لك ألف مرة
وذهب مرة لزيارة أحد أصدقائه ليبث له شكواه ، وقال لصديقه وهو يندب حظه العاثر : تصور يا أخي ما أن أودعت والدتي دار العجزة ورعاية المسنين حتى لا مني الكثير من الأهل والأقارب والبعيد والقريب ممن أعرفهم ، فأجابه صديقه مندهشا : ماذا تقصد بوالدتك التي أودعتها دار العجزة ؟! هل هي أمك التي حملتك ؟ أمك فلانة التي ربتك صغيراً ورعتك كبيرا ؟ أم لديك أم غيرها ؟ قال : بل هي أمي فلانة !! فما العجب في ذلك ؟ وقد افتتحت الحكومة هذه الدار لأمثالها . فقال صديقه : يا سبحان الله ... اللهم أرفع مقتك وغضبك عنا ... هل ضقت بوالدتك ذرعا ةأنت صاحب المال والجاه والثروة الواسعة التي آلت إليك بسبب دعواتها لك بالتوفيق ، عد إلى رشدك يا رجل واستغفر الله واذهب إلى أمك وقبل قدميها ، واسأل الله التوبة والمغفرة ، واطلب الصفح منها ، وعد بها إلى البيت وهيئ لها من يقوم بخدمتها ورعايتها ، واعمل على سعادتها وراحتها ، أما إن كان الذي فعلته رغبة حرمكم المصون ، فلم أعلم أنك مطية بين الرجال ، بل عرفتك رجلاً .
ولما سمع من صديقه هذا الكلام الصادق ضاق وهاج وماج وقال : يا أخي إن كنت ستزيد من آلامي فأنا في غنى عن معرفتك . فقال له صديقه : هذا لا يشرفني من ابن عاق مثلك فصداقة أمثالك عار . ومرت الأيام وأمه ملقاة في دار للعجزة لا أحد يزورها ، وهي تعاني من آلام الكبر والمرض و القهر ، واشتد عليها المرض ، ولم يزرها مرة واحدة ، نقلت إلى المستشفى ، ولم يرق له قلبه لها وحثه أقرباؤه وأبناؤه لزيارتها وهي في المستشفى فأبى واستكبر وأخذته العزة بالإثم ، واشتد عليها المرض ، واقترب الوعد الحق وعلم العاق أن أمه تعاني سكرات الموت ، فهل فاق وتاب و أناب ؟ أبدا ، بل شد رحاله وغادر البلاد فجأة دون علم أحد ، وبعد أن تأكد أنها ودعت الدنيا بما فيها من مآس ودفنت في قبرها ، عاد راجعا ، ولكنه رجع ليجني ثمر ما زرع ، ويا شر ما زرع ، لقد زرع العقوق والعصيان و فماذا سيجني ؟ وماذا ستكون النتيجة ؟ ... لا شك أنه سيجني البؤس والشقاء .
لم تمر إلا أيام معدودة قبل أن يجف قبر أمه ، تعرض فلذة كبده وأحب أبنائه إلى قلبه إلى حادث مروري مروع راح ضحيته الابن ، وكان هذا الحادث عبارة عن خنجر غرس في قلب الأب ، ولم يمر عام على هذا الحادث الأليم ، إلا ويتعرض ولده الثاني وساعده الأيمن في تجارته وأعماله لمرض عضال جعله ملازماً للسرير ، وأخذه والده وجال فيه أرجاء العالم ، يبحث له عن شفاء ولكن دون جدوى ، ولحق الابن الثاني بأخيه ، وبقي الأب وحيدا ، فقد كسر جناحاه، وساءت حالته النفسانية ، وضاقت عليه الأرض بما رحبت ، وبارت تجارته وأخذ موظفوه يسرقونه ، وأخذ يجني ثمار زرعه وها هو يرى حياته تتصدع أمام عينه ، وها هي العقوبة تطل عليه في كل يوم وكل ساعة وكل لحظة ، والله أعلم بمصيره في الآخرة . إنها الحكمة الإلهية والعدل الإلهي .
(( نــهــايــة القــصــة ))
أرجو أن تكونو قد استفدتم من هذه القصة الحقيقية بما فيها من فوائد وعبر .