موضوع شغل الكثيرين قديما و حديثا ، و تنوعت و تعددت فيه الاجتهادات , فمن قائل بأن الرجل أفضل من المرأة , و قائلة بأن المرأة أذكى من الرجل .. و قائل بأن الرجل أعقل من المرأة ، و قائلة بأن المرأة ضحية غرور الرجل .. و قائل يتمسك بقول الله عز وجل " الرجال قوامون على النساء " لفرض قوامته على النساء حتى و لو لم يعرف معنى القوامة ، و أخرى تحاول بكل ما أوتيت من قوة نفي " إن كيدكن عظيم ".




و المستعرض لباق القائمة فلن يتنتهي به المقام أبدا .. و لكن
سؤال يطرح نفسه : ما فائدة معرفة الفرق بين الرجل و المرأة ؟ مالعائد علينا من فهم طبيعة الرجل و المرأة ؟
الكثير من الاجتهادات سالفة الذكر تشابهت في قاسم مشترك بينها , و هو الميل لأحد الطرفين , و ربما يكون ذلك مقبولاً إذا كان الميل لأحد الطرفي بريئا من الجور على الطرف الآخر .. و لكن استقراء الواقع يقول أن الميل لأحدهما لا يخلو من المساس بالآخر.
و من هنا استوقفتني المعارك الفكرية و الثقافية و الاجتماعية التي لا تنتهي محاولة تغليب أحد الطرفين على الآخر أن أدقق النظر .. فوجدت أن الأمر لا يخرج عن إحدى نظريتين , و أن الناس انقسموا بشأن هذا الأمر إلى مدرستين:
مدرسة تتبنى نظرية تفوق أحد الجنسين على الآخر و جوهر عقيدتها هو الصراع بين الرجل و المرأة ( و أتباعها كثيرون .. رجالا و نساءا و كل ينظر للصراع من زاويته الخاصة ).
و مدرسة أخرى تتبنى نظرية تساوي الجنسين في البشرية , و جوهر عقيدتها هو التكامل بين الطرفين .

المدرسة الأولى أخذت من كلا الطرفين ظاهره ..
فالرجل قوي ، و المرأة ضعيفة ( من زاوية الرجل ) .
المرأة قائد ، و الرجل تابع (حتى و لو كان الظاهر غير ذلك .. من زاوية المرأة)
الرجل عنيف ، و المرأة رقيقة
الرجل خشن ، و المرأة ناعمة
الرجل جاف (جاد) ، و المرأة حنونة (عطوفة) ...... إلى آخر السلسلة الطويلة من الأوصاف .
و خلص أتباع هذه المدرسة إلى قناعة بسيطة مفادها أن الصفات المتناقضة تؤدي بالضرورة إلى مواقف متناقضة , و من ثم فالصراع حتمي و لا مهرب منه .
و من هنا انحاز الأتباع من الرجال إلى ما يخصهم من صفات و أسبغوا عليها لباس الكمال , و على الطرف الآخر لم تجد النساء أي مشقة في التغني بالصفات الجميلة التي تفرضها المقارنة بين النقيضين فرضا.
و أخذ كل طرف من الطرفين يبحث في أرض الواقع عما يؤيد نظريته و يثبت نظرته .. فوجدا الكثير ..
و ربما كان نموذج سي السيد (الرجل :السيد أحمد عبد الجواد و المرأة: أمينة في ثلاثية نجيب محفوظ ) هو النموذج الأشهر و المرجعية التلقائية لمريدي هذه المدرسة , و هو نموذج فيه من المغالطة و التحريف و سوء النية و سوء توظيف الإعلام له ما الله به عليم حتى جعل هذا النموذج من وصف الرجل الشرقي سبة و إهانة و من المرأة المطيعة لزوجها مرأة مسكينة مغلوبة على أمرها .. و تلك قضية أخرى أتحفظ على الخوض فيها الآن و ليكن لنا معها و قفة أخرى توازيها أهمية .

و لكن .. هل يمكن قياس هذه القضية (قضية الرجل و المرأة) على مقياس الصواب و الخطأ ؟
هل يمكن معايرتها على معيار ما ينبغي و ما لا ينبغي ؟
الإجابة أظنها صعبة ..
و لكني أظن أننا في غنى عن البحث عنها.. فهناك ما هو أهم و أجل و أعظم

أين الخطأ ؟ و كيف الفهم؟ و ما هو الحل ؟
لم أجد مهربا أفضل من القرآن أفزع إليه متلمسا الخروج من هذا النفق الضيق المظلم ..
فوجدت - و يا نعم ما وجدت - .. رأيت رب العالمين يخاطب الذكر و الأنثى نفس الخطاب في الآية الواحدة ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا , إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) . فمناط التكريم هو التقوى و ليس الجنس أو النوع .
و مررت بالكثير من الآيات التي أظنكم جميعا تعرفونها و ربما تحفظونها عن ظهر قلب حتى استوقفتني الآية الكريمة ( و في أنفسكم أفلا تبصرون ) .. فهل من الممكن أن نجد القول الفصل في هذه القضية من خلال هذه الآية؟ فأخذت أبحث حتى وجدته..
نظرت إلى أصغر وحدة في تركيب الإنسان ألا و هي الذرة فوجدت جنسين نواة و إلكترون ( و بضدها تتميز الأشياء)
نواة في المركز .. يدور حولها إلكترون في مدار ثابت
نواة موجبة الشحنة الكهربية .. و إلكترون سالب
نواة تتركز بها معظم كتلة الذرة .. و إلكترون خفيف
و على ذلك فظاهر الأمر التناقض .. و لكن لنغوص قليلا أعمق من السطح
نواة لم تتذمرمن اختلاف شحنتها عن الإلكترون ( و كذلك الإلكترون ) .. بل كان الاختلاف سببا في تجاذبهما.
اختلاف الشحنة و الكتلة بين الجنسين كان سببا لثبات الذرة و استقرارها و " سكونها".
قوة جذب النواة تعادلت مع القوة الطاردة المركزية لمدار الإلكترون فأبقته في مداره لا يبعد عن النواة فينفرط العقد.
ماذا حدث عندما تدخل الإنسان و قام بتعجيل حركة الإلكترونات و اللعب في كتلة و شحنة النواة ؟ الإنفجار الذري و النووي !!
و المقارنة متطابقة تمام التطابق بين الرجل و المرأة من ناحية .. و النواة و الإلكترون من الناحية الأخرى .. و لا يهم هنا من فيهما هو النواة و من الإلكترون !
تناقض الصفات لا يعني بالضرورة حتمية الصراع .. بل العكس تماما.

و لم ينته الأمر عند ذلك فالآية الكريمة معين لا ينضب .. فقلت دقق البحث أكثر فوجدت اعجاز الخلاق العليم يتجلى في الجنسين بشكل لا يستطيع انكاره جاحد .. و لا يستطيع المراء فيه متحزلق
و المثل هنا يعرفه جيدا من درس الطب , فالجهاز العصبي للإنسان من الناحية الوظيفية يتركب من قسمين : الجهاز العصبي الإرادي و الجهاز العصبي اللاإرادي
الجهاز العصبي (اللاإرادي) بدوره ينقسم إلى قسمين سيمباثاوي و باراسيمباثاوي و من دون الدخول في التفاصيل التي ربما لا تعني الكثيرين أقول أن الجهازين الأخيرين ( السيمباثاوي و البارسيمباثاوي) في ظاهرهما تمام التناقض فأحدهما مسئول عن انقباض العضلات و الآخر عن انبساطها . أحدهما مسئول عن انقباض الأوعية الدموية (لزيادة ضغط الدم) و الآخر عن انبساطها ( لخفض الضغط).
أحدهما مسئول عن زيادة نسبة السكر في الدم , و الآخر عن خفضها
أحدهما عن زيادة معدل ضربات القلب , و الأخر عن تخفيضها
أحدهما عن زيادة تقلصات المعدة و الأمعاء , و الآخر عن انبساطها
أحدهما عن زيادة افراز الأعضاء ذوات الإفراز , و الآخر عن تحجيمها
و يكفي هذا القدر .. هل هناك تناقض أكبر و لا أوضح من ذلك؟
و لكن !!!
انظروا إلى حكمة الخلاق العليم , فهما يعملان في منتهى التناغم على أداء الوظائف المنوطة بكل منهما على الوجه الأكمل و يكون أحدهما مكملا للآخر و ليس مناقضا له .. كيف؟
إذا استثير الأول فزاد الضغط عن الحد قام الآخر بإعادته إلى رشده , و أيضا إذا انخفض الضغط عن الحد نشط الآخر فعمل على رفعه
إذا استثير أحدهما فزاد معدل انقباض القلب إلى الدرجة التي تهدد بتوقف القلب قام الآخر فأعاده إلى صوابه , و إذا بطء النبض إلى الدرجة التي تهدد وصول كمية كافية من الدم للمخ قام الآخر بتنشيط القلب
إذا نشط أحدهما و أربك المعدة و الأمعاء استحث ذلك الآخر أن يعيد الأمور إلى نصابها , و العكس بالعكس
و على ذلك فظاهر الأمر التناقض و لكن حقيقية الأمر تمام التكامل و التجانس و التناغم
لدرجة أن هذا التفسير هو المعني الحرفي لكلمة Paradoxical الذي تستخدم لوصف عمل هذين الجهازين و هي تعني أمرا ظاهره التناقض أو التعارض و لكن باطنه تمام التكامل و التوافق.

و على ذلك فيمكن أن تكون خشونة الرجل لتناسب الكد في معترك الحياة .. و نعومة المرأة هي السكن في البيت .. و بذلك لا تكون الخشونة عيبا .. و لا النعومة نقيصة
جدية الرجل للحصول على العيش و لاستدامة الحياة .. و لين المرأة لتلطيف الحياة و تجميلها , و بذا لا تكون الجدية زيادة .. و لا اللين نقصا
و بتعميم نفس المقياس على باق الصفات لوجدنا غاية التكامل .. و لكننا نأبى أن ننظر إلا إلى السطح
فعندما يقول الحق عز و جل " و لهن مثل الذي عليهن بالمعروف , و للرجال عليهن درجة" فنستطيع الآن أن نفهم أن التكليفات و الحقوق واحدة للطرفين .. و الدرجة هنا ( و هي نفسها القوامة) تعني للرجل حق القيادة و ليس معناها بالضرورة حق "التفوق" . و هذه مسألة تنظيمية لأمور الحياة حيث أن الصفات الجسمية و الذهنية التي حبا الله بها كل من الجنسين تؤهله للقيام بدوره خير قيام في إطار التكامل بينهما .
أما إن أصررنا على تبادل الأدوار فمن الطبيعي جدا أن تختل المعادلة كلها و أن ننتهي إلى نهاية واحدة حتمية ألا و هي "ا لإنفجارات الذرية الأسرية و الاجتماعية " .


__________________


شـاركـونـا الحـــوار