الذي يعرف كل شيء عني !
كم جرّبتُ الهرب من ذلك الكوخ القذر !
الذي عَمَرته و أطلت عَمارته زمنا من الدهر ،
ذو البناء الرديء ،
و الجدران الملطخة بالأحداث و الصور !
ذلك الكوخ البعيد عن سوق البشر !
أخرج وقد عقدت العزم على الترحال و السفر ،
فأصطدم ببرد قارس و ضباب متجهم ينذر بالمطر !
و أمشي هائما على وجهي ، باحثا عن كوخ آخر..
فقد مللت القديم و قتلني فيه الضجر.
وفي رحلتي أجد بيوتا و بيوتا مختلفة ألوانها ،
و أشكالها تخدع البصر !
أدخلها كلها و أرتاح لها في البدء ،
لكني سرعان ما أخرجها وقد صبغت مزاجي بالكدر..
هناك شيء ما لا أتحمله في كل ركن فيها !
بل كل ركن فيها غريب عليّ و لا يعرف اسمي !
لا يعرف الطبق الذي أحب ،
و لا يحفظ من قصصي ما تيسّر !
فأخرج خائبا إلى البرد و الخواء ،
و بيدي قطعة سرقتها بحذر !
و أمنّي نفسي الكسيرة بالعودة إلى كوخي ،
و خبز كوخي و قهوة كوخي..
فعلى الأقل سأضيف إليه بعض القطع الجديدة ،
و لعله بها يُسر.
إنه كوخي.. أنا من بنيته بيدي !
إنه الذي يعرف كل شيء عني
و يعرف ما كنت أهمس بالسر !
إنه الكوخ الذي جمعت خشبه عودا عودا..
منذ نعومة الظفر !
إنه المكان الذي سأغمض فيه عيني ذات يوم
و منه أحمل إلى القبر !
إنه شخصيتي..
إنه أنا !
رفعت خالد
" نحاول - عبثا - الهرب من شخصياتنا و تقليد أخرى و قد سحرنا سنا بريقها..
لكنها ليست لنا و لم تكن يوما لنا و لن تكون..
إنها بيوت لأهلها..
و لا بيت لنا إلا أكواخنا المتواضعة التي نزينها من حين لآخر بقطع..
بعضها سرقناه من بيوت أخرى ! "