سَمْرَاءُ قَلْبِي
قصيدة من ديوان سمراء قلبي
للشاعر الكبير الدكتور/عزت سراج
ـــــــ
هَتَكَتْ حِجَابَكَ وَاسْتَبَتْكَ عُيُونُهَا
سَمْرَاءُ تَدْفَعُ ـ بِالْيَقِينِ ـ ظُنُونُهَا
يَسْبِي الْعُقُولَ جَمَالُهَا مَفْتُونَةً
وَرَعَى الْقُلُوبَ حَنَانُهَا وَحَنِينُهَا
مَلْفُوفَةٌ مَصْفُوفَةٌ مَحْبُوكَةٌ
مَسْبُوكَةٌ بِالْمِسْكِ فَاحَ جَبِينُهَا
مَبْهُورَةٌ مَمْهُورَةٌ مَغْرُورَةٌ
فِي كِبْرِهَا ، رَدَّ الأُسُودَ عَرِينُهَا
مَعْشُوقَةٌ مَمْشُوقَةٌ فِي قّدِّهَا
تَرْمِي بِصَائِبَةِ السِّهَامِ جُفُونُهَا
مُتَوَقِّدٌ بِالنَّارِ مَلْبَنُ جِسْمِهَا
حُلْوُ الْمَجَسَّةِ فِي النُّعُومَةِ لِينُهَا
تَمْشِي عَلَى الأَعْنَاقِ ثَابِتَةَ الْخُطَى
وَتَعُودُ دَامِيَةَ النِّبَالِ عُيُونُهَا
تَقْتَاتُ مِنْ وَرْدِ الرِّيَاضِ خُدُودُهَا
وَيَغَارُ مِنْ رُمَّانِهَا زَيْتُونُهَا
يُسْقَى مِنَ الْكَافُورِ عَذْبُ رُضَابِهَا
وَيَذُوبُ فِي تُفَّاحِهَا لَيْمُونُهَا
ضَنَّتْ بِمَرْشَفِهَا الشَّهِيِّ شِمَالُهَا
وَتَجُودُ بِالْكَأْسِ الْكُمَيْتِ يَمِينُهَا
كَمْ كَاشَفَتْكَ ضُلُوعُهَا وَقُطُوفُهَا
عِنْدَ الْوِصَالِ وَظَلَّلَتْكَ غُصُونُهَا
وَدَعَاكَ دَافِئُ حُضْنِهَا مُتَعَانِقًا
وَسَبَاكَ بِالْعَسَلِ الْمُغَمَّسِ تِينُهَا
تَتَدَافَعُ النَّظَرَاتُ نَحْوَكَ مُلْهَمًا
فَيَرُدُّ ظَاهِرَ وَجْدِهَا تَضْمِينُهَا
تَخْطُو الْهُوَيْنَى كَالْغَزَالِ تَلَفُّتًا
وَتُصِيبُ مَجْرُوحَ الْفُؤَادِ طُعُونُهَا
أَخَذَتْكَ خُطْوَتُهَا شَرِيدًا هَائِمًا
خَلْفَ التِّلالِ وَعَلَّقَتْكَ شُؤُونُهَا
إِيقَاعُهَا الْمَنْشُودُ شَدَّكَ نَحْوَهَا
وَرَمَاكَ خَلْفَ ظِلالِهَا مَوْزُونُهَا
مِنْ أَلْفِ عَامٍ تَسْتَبِيحُكَ قَانِعًا
عِشْقًا فَمَرَّتْْ بِالْعَشِيقِ قُرُونُهَا
لَمَّا أَنَاخَ الرَّكْبُ بَعْدَ هَجِيرَةٍ
عِنْدَ الدِّيَارِ تَقَاذَفَتْكَ فُنُونُهَا
أَقْبَلْتَ غَيْرَ مُقَدِّرٍ إِدْبَارَهَا
فَغَوَاكَ بَعْدَ نِفَارِهَا تَزْيِينُهَا
وَعَرَفْتَ لَكِنْ قَدْ جَهِلْتَ مُرَادَهَا
غَمُضَتْ فَخَانَكَ ذَاهِلاً تَبْيِينُهَا
كَمُلَتْ فَكَانَ النَّقْصُ فِي إِكْمَالِهَا
حَسُنَتْ فَفَاتَكَ عَامِدًا تَحْسِينُهَا
عَلَّمْتَهَا شَرْقًا فَلَمَّا أَغْرَبَتْ
عَذُبَتْ وَجَادَتْ بِالْعَذَابِ مُتُونُهَا
دَانَتْ لَكَ الأَلْحَانُ مُذْ بَادَلْتَهَا
كَشْفًا بِمَخْبُوءٍ ، فَدِينُكَ دِينُهَا
تَتَزَاحَمُ الأَفْكَارُ حَوْلَكَ سَاهِرًا
فَتَعُودُ وَحْدَكَ يَعْتَرِيكَ دَفِِينُهَا
وَتَظَلُّ طُولَ نَهَارِهَا لا تَرْعَوِي
وَتَبِيتُ لَيْلَكَ يَسْتَعِيدُكَ طِينُهَا
تَتَخَلَّقُ الأَحْلامُ تَحْتَ كِعَابِهَا
وَتَبُوحُ بِالأَسْرَارِ ـ ثَمَّ ـ لُحُونُهَا
وَتَظُنُّ حُلْمَكَ فِي الْوِصَالِ حَقِيقَةً
فَيُرَاقِصُ الأَطْيَافَ فِيكَ رَنِينُهَا
أَرَضِيتَ أَنَّكَ عَاشِقٌ أَسْيَافَهَا
وَرَضِيتَ أَنَّكَ فِي الْهَوَى مَطْعُونُهَا
وَرَضِيتَ أَنَّكَ فِي الْمُرُوجِ سَنَابِلٌ
حَبَّاتُهَا تَحْتَ الرَّحَى وَطَحِينُهَا
أَتْلَفْتَ رُوحَكَ بَاكِيًا مُتَوَحِّدًا
وَعَشِقْتَ أَنَّكَ ـ رَاضِيًا ـ مَسْجُونُهَا
سَجَنَتْكَ بَيْنَ وُعُودِهَا وَوَعِيدِهَا
وَسَعِدْتَ أَنَّكَ فِي السُّهَادِ سَجِينُهَا
شَدَّتْكَ تَحْتَ الْحَاجِبَيْنِ رُمُوشُهَا
وَرَمَاكَ فَوْقَ الْمُقْلَتَيْنِ هَتُونُهَا
وَرَحَلْتَ تَضْرِبُ فِي الْبِحَارِ عُبَابَهَا
وَجَفَاكَ فِي الْمَوْجِ الْعَمِيقِ سَفِِينُهَا
رَجَعَ الْوَجِيعُ وَلَمْ تُرِدْ إِرْجَاعَهُ
وَبَقِيتَ وَحْدَكَ تَعْتَرِيكَ شُجُونُهَا
قَاتَلْتَ حَتَّى كُنْتَ أَنْتَ قَتِيلَهَا
وَمَضَى عَلَى طَيْفِ الْمُنَى سِكِّينُهَا
يَا مُوقِنًا بِالْعَفْوِ جِئْتَ مُصَفَّدًا
مُسْتَسْلِمًا وَقَدِ اسْتَبَاكَ فُتُونُهَا
كَمْ رَاوَدَتْكَ يَمَامَتَانِ عَلَى الرُّبَى
وَدَعَاكَ بَيْنَ ضُلُوعِهَا حَسُّونُهَا
فَجَرَيْتَ تَسْبِقُكَ الْمُنَى مَلْهُوفَةً
وَتَعُودُ نَفْسُكَ ظَاهِرًا مَكْنُونُهَا
كَمْ عَذَّبَتْكَ النَّفْسُ خَاشِعَةَ الصَّدَى
وَأَمَاتَ مَسْرُورَ الْحَيَاةِ حَزِينُهَا
مَسْكُونَةٌ بِالْعِشْقِ شَبَّبَ نَارَهَا
وَأَبَاحَ مَهْجُورَ اللَّظَى مَسْكُونُهَا
تَبْكِي النَّهَارَ جَرِيحَةً مَوْجُوعَةً
وَتَنَامُ يَضْحَكُ فِي الْمَسَاءِ أَنِينُهَا
وَيَبُوحُ بِالأَسْرَارِ صَادِقُ عِشْقِهَا
وَيَهُزُّ أَعْمَاقَ الشُّعُورِ سُكُونُهَا
فَأَبَيْتَ إِلا أَنْ تَكُونَ مُعَذَّبًا
وَرَضِيتَ أَنَّكَ فِي الْخَيَالِ قَرِينُهَا
يَلْهُو بِقَلْبِكَ طَيْفُهَا مُتَدَاعِيًا
فَوْقَ الْفِرَاشِ وَيَصْطَفِِيكَ جُنُونُهَا
يَا قَـاتِلاً بِاللَّحْظِ دُونَ سِهَامِهِ
قَتْلاكَ سَالَ مِنَ الدِّمَاءِ سَخِينُهَا
يَكْفِيكَ أَنَّكَ بِالْمَحَبَّةِ مَالِكٌ
قَلْبِي وَأَنِّيَ بِالْوَفَاءِ يَقِينُهَا
لَيْلَى هِيَ السَّمْرَاءُ بَاتَتْ فِي دَمِي
وَأَنَا عَلَى دَرْبِ الْهَوَى مَجْنُونُهَا
قصيدة من ديوان سمراء قلبي
للشاعر الكبير الدكتور/عزت سراج