Abady Elfe
اشكرك على حضورك و تعليقك الطيب اخي الكريم
++++++++++++++++
تأخرت في وضع الجزء الأخير لعدة اسباب منها
نقل القصة الى منتدى آخر دون اذني !!
نعم ضايقني الامر قليلا ولكن من الناحيه الايجابيه
فأنني اجده دافع للاستمرار في الكتابه و تشجيع .
:::: تتمة القصه ::::
ارتبك الشاب ، وأخفض رأسه ، يا للإحراج! ، يا لماضيه المعلن المفضوح..
رأى السيد لورنس توتر الشاب فأقترب منه وربت على كتفه :- ” أعلم أنك لازلت مدهوشا بهذا القصر…نعم..أنا نفسي لم أكن لأصدق أني أعيش مع عائلتي في مكان كهذه “ترك السيد لورنس الشاب واتجه نحو ساحة القصر ،
أشعل أنوارها ، و بسط ذراعيه متفاخرا بقصره :- ” اعترف أيها الشاب…لا تنكر الأمر…للقصر سحر خاص..كنت تتمنى أن تمتلك مثلها..
كنت تود أن تصبح مثلي..وتعيش الحياة التي عشتها..”تنفس السيد لورنس بعمق ، كأنما يشتم الروائح العطرة الباقية من ذكرياته ،كأنما يستحضر ماضيه ليعيشها في واقعه الآن..كان توماس يراقبه ، وتملك قلبه شعورا غريبا..أهو الحسد؟..الغيرة؟..للسيد لورنس ذكريات جميلة..أنه فخور بما أنجزه لنفسه ولأسرته…بينما هو..كان على العكس تماما..رجل فاشل!قاطع السيد لورنس تفكيره :- ” أتعلم ما أتوق إليه الآن؟…الموسيقى!..متعة حياتي…تعال معي إلى القاعة الحفلات..تعال وانظر كم كانت حياتي مدهشة ومميزة..”لم يفهم توماس مقصده ، أكان كلامه عفويا؟ ، أم يريد إغاظته؟ ..تبعه بخطى سريعة ، لم يرد أن تلهيه جدران القصر و ثرياتها ،
قاده السيد إلى ردهة على يمنيهما ،توقفا أمام بوابة حمراء عملاقة ، دفع السيد لورنس البوابة ، ودخلا معا ..قاعة الاحتفالات..كان حلم توماس في يوما ما..ها هو في وسطها..لم لا ترقص فراشة قلبه؟..ألانه أضحى مظلما وكئيبا؟لكن الظلمة لم تستمر..سرعان ما أضاء السيد لورنس أنوار القصر..وأنيرت الدنيا من حولهما..وكان أول ما وقعت عليه عينا توماس..هو خياله المنعكس على أرضية القاعة..
استطاع أن يرى نفسه بوضوح..رأى جبينه المقطب..
وابتسامته الباهتة..رأى اضطرابه و توتره…رأى نفسه الحقيقية..ودون أن يرفع عينيه عن بلاطة القصر..تمكن من رؤية السيد لورنس خلفه..يتمايل بخطوات راقصة..قائلا:- ” يعجبني صمتك وهدوءك..الآن وبعد دقائق سوف تعزف الموسيقى “أجال توماس بعينيه لما حوله ، كانت القاعة خاليا تماما ، لا شيء يمكن ذكره ووصفه..سوى نقوش الملائكة على الأسقف والأعمدة ، والثريات البلورية ، لا حد سواهما في القاعة..ذعر حين تناهى لسمعه ألحان هادئة ، فما كان من السيد لورنس إلا أن أمسك بذراعيه..و تسمر توماس في مكانه..وسكن نفسه..هدوء السيد لورنس جعله هادئا مثله..تأمل سيده وملامح وجههعلم أن لورنس يفعل شيء نفسه من وراء نظارته السوداء..إن له ابتسامته الغريبة..وتقاطيع وجهه مريبه..كانا ينصتان إلى الموسيقى مجهولة المصدر..الموسيقى نفسه الذي يستمع إليه توماس في منزله كل ليلة..وكما لو أن القاعة ضجت فجأة بالفرق والراقصون حولهما..وخيل له أنه رأى جانيت زوجة السيد لورنسوطفليه آرثر و ريتشارد..وابنته الصغيرة جوزفين..جميعهم واقفين يحدقون به كما يحدق بهم..- ” لازالوا يتذكرونك كما تتذكرهم “طرف عيني توماس ، ووجد نفسه واقف أمام لوحة زيتية..وضع السيد يده على كتف توماس وتابع قائلا:- ” أميرتي جانيت ، إنها في العالم الآخر الآن
لكنها بلا شك مرتاحة هناك كما كانت مرتاحة هنا معنا ،هي من اقترحت لي أن ابني قصري في هذه القرية وعملت بنصحها ..والآن كما ترى لا يوجد إنسان اسعد مني بوجود هذا القصر..رغم أن لي قصور أخرى في المدينة لكن هذا القصر المفضل لي ولزوجتي وأبنائي..لو لم تبنى هنا ما كنا عرفنا سكينة هذه القرية و هدؤها و سحر طبيعتها“قطب توماس جبينه ، ذكره هذا الحديث بزوجته نيكول ، وحينما كانا في بداية تعارفهما ..تذكر حينما كان شعرها الكستنائي منسدلا ،
تجلس على المقعد الخلفي لدراجته و يأخذها ليريها القصر ،ابتسم توماس لمجرد تذكره تلك الأيام ، كم كان حالما وساحرا ،وصادقا حين أخبرها انها إذا تزوجته سوف يسكنها في قصر مثله ،وسيجعلها أميرته وهو فارسها ، كالقصص الخيالية ..لكن الآن مرت عشرون سنة ..
لازلت تنتظره أن يكون فارسا حقيقيا قبل ان يبني لها قصرا..أدرك توماس ما هو أشد حزنا وإيلاما..
انه لم يكن واقع في حبها ذلك الوقت..بل هو واقع في حب القصر وسيده..
وكان يحتاج إلى عائلة ليصبح هو نفسه السيد لورنس..ونيكول أحبته بعفويه..وتزوجته حتى تساعده في تحقيق حلمه…حلمه وحده !+++++++++
بدأ السيد لورنس يتحدث عن أبنائه :” لقد ربيتهم بيدي..انهم ورثي الحقيقيون..ليس بالمال فقط..اني سعيت لأجعلهم أشخاصا يعتمدون على أنفسهم..لقد حصل كليهما على شهادة الدكتوراه في جامعة راقية..تخصص آرثر في التجارة..بينما حصل ريتشاد على عمل ذو منصب عالفي الهندسة..و جوزفين كانت لها صوتا خلابا وأذن موسيقية تكتب الأغاني وتؤلفالألحان تباع بسعر غال..أنهم عبقريون وفنانون مثلي تماما“غصة أخرى !
الشعور المتزايد بالقهر بدأ يشتعل في جوانح توماس ، لقد صنعالسيد لورنس أبنائه بنفسه ، غرس فيهم أفكاره هو نفسه ، وعلمهم مواهبهواهتماماته هو ، وكانوا في الصورة يبدوان مثله تماما ، في وقفته ، وملامحوجهه ، وجوزفين بدت رقيقة كوالدتها ..تساءل عن السر وفكر بصوت عال :-” أولاد راقيون مميزون..كيف استطعت أن تربي أولادك هكذا؟ ..”أجابه السيد لورنس بفخر :- ” لقد تعبت كثيرا في تربيتهم..لا يغرك هذا المال والجاه..لم أشأ أن أدللهموامنحهم الرفاهية المطلقة.. ..لقد ساعدني العلم والشهادة في حياتي..وأدركت أنهاستكون سندا لهم في حياتهم..اخترت لهم هواياتهم بنفسي واستخدمت كل الوسائللأحببهم فيه..أردت ان أجمع بين العمران والتجارة ..فجعلت حياة آرثر كلها تجارة ،لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم إلا عن التجارة والتسويق ، والأمر نفسه مع ريتشاد ،كان ميالا للشعر ، لكني طمست كل الكتب الأدبية في مكاتب قصوري ، واهتممتبالجانب الآخر من الفنون و رغبته في الرسم ، علمته الرسم بقلم أدبي ، كنتاشجعه بأن يرسم مشاعره بدلا عن كتابتها وكنت حازما وشديدا في ذلك..وجوزفينحبيبتي لم أواجه اية مشكلة في تربيتها ، لقد ولدت بصوت جميل وبحس فني ،وأوليت لزوجتي الإهتمام بها ، كلما أردت رؤيتها أجدها مشغولة بالتأليف والتلحين، وكان ذلك يسعدني..لم أقاطعها في حياتي..لم أكن اتحدث معها كثيرا لأني لم ارد انافسد متعتها..هاهي الآن أصبحت كالكناري ..شابة جميلة مستقلة ..لقد كبرواجميعهم وارتحلوا إلى المدينة ..آه بالمناسبة دعني أريك صورهم
اللاتي أرسلت الي منذ سنتين..اجلس في هذا المقعد وسأعود في لحظات“أطاعه توماس ، وبمجرد أن غادر السيد لورنس قاعة الاحتفالات ،بدأت أفكار توماس تأكله شيئا فشيئا..الحزم والشدة هما اللتان أنشأ آرثر و ريتشاد و جوزفين على هذا النحو..وتوماس كان حنونا مع أبنائه ..لم يفرض رأيه على احد منهم..وأكبر ابناء توماس الذي يبلغ عشرون عاما يحلم بمزرعة..يحلم لأن يصبح مزارعا فلاحا…عكس أحلام والده..لم يكن بمقدور توماس سوى أن يتفهم ميول أبنائه الستة..لقد ولدوا مختلفين عنه..و هو لا يمتلك ذكاء لورنس ليقنعهم بطريقة أخرى عن ماهو الأفضل لهم برأيه..لو كان لديه عبقريته لأصبحوا جميعا أطباء ومهندسون وفنانون ، لكنه توماس شخص عادي ..لم يميزه حنانه وتساهله بشيء..الحزم والشدة وشيء من القسوة هو ما كان يفترض لأبنائه ان ينشأوا عليه.عاد السيد لورنس يحمل بيده حافظة صور كبيرة :- ” في الماضي كان يصعب علي أن أميز بين حافظات الصور والكتب في المكتبة ،أما الآن فأني أعرفها من رائحتها ..”جلس السيد ملتصقا بتوماس ، اشتم توماس رائحته الزكية ، و رأى وجهه عن قربلأول مرة ، لكن لازال وجهه مخفي الملامح ، مختبيء خلف نظارة غريبة ،وابتسامتة صغيرة مريبة ..فتح السيد لورنس الحافظة وبدأ يقلب في صفحاته:- ” كما قلت لك سابقا ، هذه الصور أرسلت لي منذ سنتين ..لذا لا تتفاجأ بأشكالهمالحديثة..هذا ابني آرثر..وتلك زوجته وابنيه التوأمين..هذا ريتشاد و فريقعمله ..هذه جوزفين ..إنها الآن في الخامسة والعشرون ولم تتزوج بعد..تريد أنتكون حياتها بنفسها دون ان تعتمد على أحد…أنهم الثلاثة في المدينة ..ارسلتهمإلى هناك في فترة مراهقتهم حتى يكملوا دارستهم وينموا مواهبهم على أيديمختصصين..اني اتذكر اليوم عندما اجتمعت بهم الثلاثة وأخبرتهم بقراري..كنتاعلم ان قراري هذا لن يعجبهم في باديء الأمر..كنت أرى امتعاضهمونفورهم ..لكني علمت أنهم سيغيرون رأيهم حين يجربوا حياة المدينة..وصدقظني..لقد أحبوا المدينة كثيرا..وما عاد بمقدورهم فراقها..كانوا يأتون لزيارتنا أناوزوجتي في أيام العطلات…ومن ثم انقطعت زيارتهم واتصالاتهم فجأة..أخبرنيصديقي في المدينة بزواج آرثر..وجوزفين فسخت خطبتها من الشخص الذياخترته لها… أما ريتشاد فقد ألف كتابا شعريا…وعادوا جميعهم دفعة واحدة إلىالمنزل بمجرد أن علموا بمرض والدتهم…أرأيت يا توماس؟…اشغلتهم الحياة لكنهم لم ينسوا والدتهم؟..”تنهد لورنس..واتسعت ابتسامته..وتابع بلهجة بعيدة عن التفاخر الذي اعتاده توماس:” لكنهم رجعوا إلى معشوقتهم المدينة بعد أن تحسنت أمهم..لم يعلموا أن تحسنها كان بسبب وجودهم..فبمجرد أن غادرونا توفيت عزيزتي جانيت..رأيت الصغاريالثلاثة في جنازة والدتهم…كان هذه آخر مرة أراهم فيها….ولم اعد اعرف عنهم أي شيء..أي شيء.. منذ ذلك اليوم…انهم فقط يرسلون الخادم لينظف القصر و يزيدهبريقا لأنهم يعرفون ان متعتي تكمن في وجودي في هذا القصر“قام توماس فجأة ، قطب حاجبيه ، وتعرقت جبينه ،قال بصوت خافت هامس مفكر:” إذا..أنت الآن…وحيد!”ابتسم السيد لورنس بسخرية، ولم يجب..وقف توماس يفكر في كل ما قاله..وقف يفكر في أبنائه الستة.. و زوجته نيكول..انهم حوله..انهم معه…لكنه أراد حياة أخرى..رفع السيد لورنس رأسه وقال:-” ان ما اتمناه الآن ..هو أن أبكي وأبكي بشدة….لكني لا أستطيع!”وأزاح السيد لورنس النظارة الغريبة ..ولم يرى توماس سوى فراغ فيمحجريه
لم يكن له عينين !!!!!وقف لورنس :-” كنت أبكي كثيرا في الماضي كلما آلمني قلبي..كلما تذكرت أبنائي وزوجتي..كلما تذكرت مكانتي وسمعتي…..كنت أبكي وأبكي..في كل ليلة..وعلى صورهم وذكراهم…وكان الدمع يحرق خداي و يؤلمني و أظل أبكي…سمئت البكاء…سمئت الدموع…ففقأت عيني بيدي هاتين…رجل مثلي لا يجب ان يبكي..انا لست حزينا..انا سعيد في حياتي…لقد فعلت ما وجب انا أفعل….انا أكثر رجال سعادة ..”شعر توماس بحرقة في قلبه ، لكنه خجل ان تدمع عيناه أمام شخصنسي ملمس الدموع..لورنس ليس سوى أسير لذكرياته..انه بالفعل سعيد كونه يعيش بلا عينين..يرى حياته في مخيلته حية صاخبة كما كان في السابق..انه واقف هناك مبتسما..يشعر بالأضواء تنار..ويستمع إلى الموسيقى الكلاسيكية..ويرى جوزفين تغني لهوآرثر وريتشاد محاطون بالناس..وتقبل زوجته جانيت وتأخذ بيده ويتراقصان على انغام الموسيقى..هذا عالم لورنس الآن..وتوماس يراقبه بعينين جامدتين….لقد اراد ان يعيش حياة السيد لورنس وقد حدث فعلا..يرى ما يراه لورنس في مخيلته ويسمع ما يستمع اليه..ابتسم توماس..ترك لورنس في عالمه لوحده..وغادر القصر بهدوء…بعدها..توقفت الموسيقى عن العزف..و اغلقت الأنوار في القصر فجأة..وتلاشت الأطياف..وسكنت الريح..ولم يعد توماس يشعر بهم..
- تمت-