:vereymad: العمليات الانتحارية: أزمة فكرية وأخلاقية تواجه الإسلام:vereymad:
سارع قادة المسلمين في بريطانيا، وبدون أي تردد، في شجب العمليات الانتحارية الأخيرة التي جرت في
بلادهم، وأضاف بعضهم اعترافاً بالعجز عن وقفها طالما أن الإنترنت والتلفزيون ينقلان مزيداً من صور مسلمين
يقتلون ويهانون في العراق وفلسطين. الجزء الأخير سيشاركهم فيه كثير من المسلمين خارج بريطانيا ويتوسعون
فيه بتحميل السياسة الخارجية للحكومتين الأمريكية والبريطانية مسؤولية تشجيع الشباب المسلم الغاضب على
الإرهاب.
لن يعني ذلك سوى شيء واحد هو أن العمليات الانتحارية سوف تستمر في لندن وغيرها، فلا شيء في الأفق يشير
إلى أن بريطانيا ستقرر التدخل لضم كشمير إلى باكستان، وأن الولايات المتحدة ستتخلى عن إسرائيل. سيبتسم
أحدهم الآن وسيقول: إذن ليدفعوا ثمن عنادهم وسياستهم الخاطئة.
ولكن ذلك خطأ كارثي لنا، فنحن من يدفع ثمن هذه العمليات الانتحارية المتعارضة مع ديننا وأخلاقنا ، أما هم
فلهم من القوة ما يكفي أن يتدبروا أمرهم، ويعززوا أمنهم، ويوحدوا صفهم وينبذوا من يرونه عدواً لهم، خارجاً عن
صف جماعتهم.
لقد حان الوقت أن نتخذ موقفاً حاسماً صريحاً ينبثق عن أعلى مؤسسات الفتوى ومجامع الفقه الإسلامي، يحرم
بصريح العبارة وبدون تبعيض واستثناء "العمليات الانتحارية" كافة، ليس لأن الغرب يريد ذلك منا أو لأن
الحكومات العربية اكتوت من نار هذه العمليات ، وإنما لأنها مخالفة مع نص وروح الإسلام ، وقد أفتى في ذلك،
بوضوح، علماء سلفيون أجلاء.
الجميع في بريطانيا يسأل: لماذا حصلت العمليات الانتحارية الأخيرة؟ كيف اخترقت الأفكار المتطرفة
مسلمين بريطانيين نشأوا فوق أرضها وتعلموا في مدارسها؟ وكيف يمكن أن تمنع عمليات أخرى؟ سوف يقلبون
كل حجر ويطرحون كل سؤال، بعضهم سيكون موضوعيا حصيفا يبحث عن أسباب الغضب الإسلامي وتململ الجيل
الثاني من المسلمين البريطانيين وحيرته ثقافيا واقتصاديا واجتماعيا. والبعض الآخر سيكون متعصبا مقيتا يصر
على أن المشكلة في الإسلام، وسيدعو إلى إقصائه هو وأتباعه عن الحياة العامة والمدارس.:vereymad:
سنرتكب خطأ لو سعدنا بالموضوعيين، وشتمنا المتحاملين، وهللنا وكبرنا للإنجليز الناقدين لحكومتهم، الذين
يصرخون الآن في وجهها "أنتم السبب بغزوكم للعراق وانسياقكم وراء الأمريكيين" فنترجم مقالاتهم ونبرز
تصريحاتهم، ثم نطمئن بعدها، فالمشكلة عندكم وليست عندنا.
الأفضل أن نترك الإنجليز والغرب كله يحزمون أمرهم، ويقلبون في مصابهم، ويعالجون قضاياهم، ويتحاورون في
جالياتهم المسلمة، ويقيمون سياساتهم الخارجية، بينما نلتفت نحن لهمنا، فالمشكلة مشكلتنا، والأزمة في بيتنا،
حتى لو انفجرت بعيدا تحت الأرض في قاطرات لندن.
يجب أن نعود إلى الموقف الملتزم بنص الشريعة وروحها، غير متأثرين بالظرف السياسي والتحليل
المصلحي، وهو ما فعله علماء السعودية الأوائل كالشيخين عبدالعزيز بن باز ومحمد بن عثيمين عندما أفتيا، بقوة
وحزم، محرمين العمليات الانتحارية، وتبعهما في موقفهما المفتي الحالي الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ،
وكان موقفهما هذا سابقاً لهجوم 11 سبتمبر، وبالتالي فلا مجال للخوض في موضوع الضغوط الأمريكية.
لقد كانت الدعوة إلى تشجيع ودعم هذه العمليات على أشدها في التسعينات، ذلك أننا اكتشفنا أخيرا سلاحا
ندمي به الإسرائيليين ونبث فيهم الرعب الذي نشروه حولنا، فتوالت العمليات الانتحارية المرعبة في طول إسرائيل
وعرضها، في النوادي والمقاهي والباصات، استهدفت الجنود والمدنيين على حد سواء، لم نلتفت للأطفال والشيوخ
والنساء الذين يسقطون قتلى ، كنا ولا نزال غاضبين، لم ننتبه إلى الطبيعة الغادرة للهجمات، ولا
للمخالفة الشرعية الصريحة في شبهة قتل النفس، لم ننتبه إلى التوجيه النبوي الصريح بأن المسلم لا يغدر ولا يقتل
غير المحارب ولا النساء والأطفال، أعمانا الغضب بينما كنا ننتشي بتحليلات أن إسرائيل تواجه أقسى تحد منذ
حرب أكتوبر، تنشر الصحف أخبار الخوف في إسرائيل والهجرة منها ونصدق، فنكتب موافقين في غباء على
خطأ استراتيجي وقع فيه الفلسطينيون:vereymad: ، ونقول الشعر نمجد أولئك الشباب والشابات، الذين خففوا عنا عبء
التثاقل إلى الأرض والانصراف إلى الدنيا.
ولكن الشيخين من أتباع مدرسة سلفية تعتمد على الدليل وصريح النص، وبالتالي لم يلتفتا، رحمهما الله، إلى كل
هذه التبريرات السياسية، مثلما فعل غيرهما "الأكثر إدراكا للواقع والأكثر فهما للمصلحة الإستراتيجية" - زعموا -
فرفضا الإفتاء بجواز هذه العمليات. كان الشيخ ابن عثيمين واضحا، إذ قال لمن استفتاه في حكم
هذه العمليات "رأيي في هذا أنه قاتل لنفسه وأنه سيعذب في جهنم"، بالطبع لم يعجب ذلك، الإسلاميين
المسيسين، ذلك أننا قدمنا ما اعتقدناه مصلحة سياسية مرجوة على الحكم الشرعي، وبالتالي وقعنا جميعا في
المأزق الحالي المتمثل في انتحاري يفجر نفسه في أبرياء كل يوم. لو رسمنا خطا بيانيا للعمليات الانتحارية، منذ
أن أصبحت السلاح المفضل للجهاديين، لرأينا كيف انحدرت أخلاقيا حتى انتهت إلى تفجير الأطفال في بغداد
وركاب آمنين في مواصلات لندن لا يعرفهم قاتلهم.
كم يكون حكيما لو يعود كل من أجاز العمليات الانتحارية إلى الموقف الأصولي الشرعي المحرم لها، حتى لو كان
الدكتور يوسف القرضاوي أوغيره يفتون بذلك، أو حركة مناضلة كحركة حماس تتبناها. لقد كان اللجوء إلى
هذه العمليات خطأ أخلاقياً كبيراً، والعودة عن الخطأ فضيلة.
إن إسلامنا يواجه أزمة أخلاقية من جراء هذه العمليات المحرمة، بعدما نجحت القاعدة والتيار التكفيري في هدم
هذا المحرم العظيم،
أولاً بإلغاء مرجعية كبار العلماء
ثم بإلغاء المرجعية السياسية لأولياء الأمر، بتكفيرهم وتفسيقهم،
ما أدى إلى فوضى شملت حتى التكفيريين والجهاديين أنفسهم. ذلك أن ما من كبير بينهم ولا يقدرون كبيراً خارج
دائرتهم، ومن ثم أخذت زمام المبادرة وسط الشباب الغاضب وتبوأت منصب الفتوى فيهم، وتقاسمت المسؤولية في
نشر فكرها و"فقهها" بين المقاتلين الصريحين في التكفير، والمتطرفين فكريا، المتلونين من غير حاملي السلاح،
وبالتالي يجب أن يبدأ علاج هذه الفتنة بالعودة إلى الشرع، وقول الله والرسول صلى الله عليه وسلم.
سوف تبقى بعد ذلك الاختلافات الحادة وغير الحادة بيننا وبين الغرب. ومن الخطأ أن يدعو أحد، مهما كان
براجماتيا أو صديقا للغرب، إخوانه المسلمين للقبول بالأمر الواقع، والرضوخ لشروطهم. لنختلف معهم،
ولنعارضهم، ونقاومهم، ولكن في إطار شرعي وأخلاقي صحيحين.
حتى لو خالف المسلمون البريطانيون النظام، وتظاهروا بعبثية المناهضين للعولمة، فإن تجاوزهم سيبقى مقبولا،
وأقصى ما يدفعونه هو قيمة زجاج محل كسروه وعدة أيام في السجن عقوبة. ولكن لن يتهم أحد دينهم، أو
يتوجس من وجودهم بين ظهراني الغرب. حرموا العمليات الانتحارية لله والإسلام قبل السياسة ومصالحها.:vereymad: :vereymad: :vereymad:
انتهى
منقول وبتصرف بسيط
للمزيد حول العمليات الإنتحارية وحكمها في الإسلام انظر كتاب:
الفتاوى الشرعية في القضايا العصرية
جمع:محمد الحصين
وكتاب الفتاوى المهمة في النوازل المدلهمة
جمع: محمد بن حسين القحطاني