(الشبكة الإسلامية)
د. حافظ الكرمي مراسل لندن

يظهر أن السياسة العالمية قد بدلت حركتهم فجأة بعد 11 سبتمبر وخلال عصر الدوت كوم ( الذي يبدو الآن كزمن ساحر غابر ) كانت أمريكا تندفع إلى الأمام ، وكانت الشيوعية - المنافس الكبير الأخير للديمقراطية الليبرالية- قد انهارت تماما كالفاشية والملكية قبلها، وكان الاقتصاد الأمريكي في عز صعوده ، وبدت المؤسسات الديمقراطية وكأنها تتقدم في أنحاء العالم كله ، وقيل أن التكنولوجيا تقرب القرية العالمية أكثر إلى بعضها بعضا بطرق قللت من أهمية الدول القومية التقليدية 0
اليوم اختلف كل شيء ؛ فالولايات المتحدة دخلت الحرب ضد طالبان والقاعدة في أفغانستان بعد أن عانت هجمة ناجحة غير مسبوقة على أراضيها ، وتستنفر الآن أعدادا كبيرة من المسلمين لمعارضة الولايات المتحدة ، ويطلب من بلدان حول العالم أن تختار أحد جانبي الصراع وأصيب الاقتصاد بالركود في الولايات المتحدة والخارج ، في الوقت الذي ترمي فيه الاعتبارات الأمنية الرمل في حركة الاقتصاد المعاصر0
ما الذي يحدث هنا ؟
هل نرى بداية " صدام حضارات " تستمر لعقود تضع الغرب في مواجهة الإسلام المواجهة التي تمتد بوحشية من المستنقع الأفغاني لتصل تدريجيا إلى مناطق أوسع من العالم ؟
هل ستتحول التكنولوجيا ذاتها - التي بدت وكأنها تعزز الحرية كالطائرات وناطحات السحاب ومختبرات الأحياء - ضدنا بأساليب لن تستطيع في النهاية وقفها ؟
أم أن المواجهة الحالية ستتراجع ويعود العالم القديم ذو الاقتصاد العالمي المتداخل إلى وضعه فور الانتهاء من أسامة ابن لادن وطالبان ، وطي صفحة شبكة ما يسمى الإرهاب؟

قبل 10 سنوات جادلت بأننا بلغنا "نهاية التاريخ" ولم أعن بذلك أن الأحداث التاريخية قد تتوقف ، لكن ما عنيته هو أن التاريخ الذي يفهم على أنه تطور المجتمعات الإنسانية - من خلال أشكال مختلفة من الحكومات - قد بلغ ذروته في الديمقراطية الليبرالية المعاصرة ورأسمالية اقتصاد السوق إن وجهة نظري هي أن هذه الفرضية ما تزال صحيحة ؛ رغم الأحداث التي تلت 11 سبتمبر فالحداثة التي تمثلها الولايات المتحدة وغيرها من الديمقراطية المتطورة ستبقى القوة المسيطرة في السياسة الدولية ،والمؤسسات التي تجسد مبادئ الغرب الأساسية في الحرية والمساواة ستستمر في الانتشار عبر العالم .
إن هجمات 11 سبتمبر تمثل حركة ارتجاعية عنيفة يائسة ضد العالم الحديث الذي يبدو وكأنه قطار شحن سريع لمن لا يريد ركوبه 0
لكننا بحاجة لأن ننظر بجدية إلى التحدي الذي نواجهه وذلك لأن وجود حركة تملك القوة لإحداث خراب هائل في العالم الحديث - حتى وإن مثلت عددا قليلا من الناس فحسب - يطرح أسئلة حقيقية حول قدرة حضارتنا على البقاء 0
والأسئلة الأساسية التي يواجهها الأمريكيون - وهم يزحفون باتجاه هذه "الحرب" على الإرهاب - هي : ما مدى عمق هذا التحدي الأساسي ؟
وما نوع الحلفاء الذين نستطيع تجنيدهم ؟
وما الذي ينبغي علينا عمله للتصدي له ؟

يجادل صامويل هانتينغتون - عالم السياسة البارز - في هذه الصفحات بأن المواجهة الحالية قد تتحول إلى صدام حضارات وهي إحدى المواجهات التي تنبأ قبل عدة سنوات بأنها سترهق عالم ما بعد الحرب الباردة . وفي الوقت الذي تؤكد فيه إدارة بوش بأن النضال الحالي هو ضد الإرهاب وليس حربا بين الغرب والإسلام فإن هناك مسائل حضارية واضحة تلعب دورا فيه ولقد نزع الأمريكيون للاعتقاد بأن المؤسسات والقيم الديمقراطية والحريات الشخصية وسلطة القانون والرخاء المستند إلى حرية الاقتصاد تمثل تطلعات لا بد أن يشاطرهم فيها الناس حول العالم في النهاية إذا توافرت لهم الفرصة وهم ميالون للظن بأن المجتمع الأمريكي له جاذبيته للناس من جميع الثقافات 0 ويبدو الملايين من المهاجرين من بلدان في أنحاء العالم كله ، الذين يتذمرون من بلدانهم ويودون الانتقال إلى امريكا وغيرها من المجتمعات المتقدمة وكأنهم يشهدون على هذه الحقيقة0
لكن أحداث ما بعد 11 سبتمبر تتحدى هذه النظرة فمحمد عطا والعديد غيره من الخاطفين الآخرين كانوا أناسا متعلمين عاشوا ودرسوا في الغرب 0 ولم يستطيع الغرب إغراءهم بل إن النفور مما شاهدوه كان لدرجة أنهم كانوا راغبين بالانقضاض بالطائرات على بنايات ، وقتل الآلاف من الناس الذين عاشوا بينهم .
والقطعية الحضارية هنا كما هي بالنسبة إلى أسامة بن لادن وأتباعه من الأصوليين الإسلاميين قد تبدو كاملة : هل قصر النظر الحضاري لدينا يجعلنا نظن أن القيم الغربية هي قيم عالمية محتملة ؟
هناك أسباب للاعتقاد بأن القيم والمؤسسات الغربية تلقى قبولا كبيرا لدى الكثير من شعوب العالم غير الغربية إن لم نقل جميعها 0
وهذا لا يعني نفي العلاقة التاريخية بين كل من الديمقراطية والرأسمالية مع المسيحية ، أو حقيقة أن الديمقراطية تملك جذورها الثقافية في أوربا ؛فكما أشار الفلاسفة من أليكسيس دي توكوفيل و هيجل إلى فريدريك نيتشه فإن الديمقراطية الحديثة نسخة علمانية للمبدأ المسيحي في المساواة الإنسانية عالميا0
إلا أن المؤسسات الغربية كالأساليب العلمية، التي وإن كانت قد اكتشفت في أوربا فإن لها تطبيقات عالمية 0
فهناك آلية أساسية تشجع على لقاء طويل الأجل ، يتجاوز الحدود الثقافية اقتصاديا في المقام الأول والقوى ومن ثم في عالم السياسة ، وأخيرا (وفي المقام الأبعد) حضاريا .
وما يدفع هذه العملية إلى الأمام في المقام الأول هو العلم الحديث والتكنولوجيا التي تعتبر إمكاناتها على خلق الثروة المادية وسلاح الحرب هائلة إلى الحد الذي يوجب على المجتمعات الأخرى أن تقدم على التفاهم معها 0
إن تكنولوجيا الموصلات ، أو الطب العضوي لا تختلف بالنسبة إلى المسلمين أو الصينيين عما هي عليه للأمريكيين والحاجة لاستيعابها تتطلب تبني مؤسسات اقتصادية معينة تشجع النمو كالأسواق الحرة وسيادة القانون 0
وتزدهر اقتصاديات الأسواق التي تقودهاالتكنولوجيا الحديثة استنادا إلى الحريات الفردية ، أي نظام يقوم فيه الأفراد وليس الحكومات أو رجال الدين على اتخاذ القرارات المتعلقة بالأسعار أو نسب الفائدة0
وبدوره ينزع النمو الاقتصادي نحو إنشاء ليبرالية ديمقراطية ليس بصورة حتمية ولكن غالبا ما يحدث ذلك بقدر يجعل العلاقة بين النمو والديمقراطية أحد "قوانين" العلم السياسي القليلة ، المقبولة عامة ، فالنمو الاقتصادي يولد طبقة وسطى لها حقوق ملكية ، ومجتمعا مدنيا معقدا ، وحتى مستويات تعليمية أعلى للمحافظة على القدرة على التنافس . وتخلق هذه العوامل مجتمعة أرضا خصبة تنمو فيها مطالب المشاركة السياسية الديمقراطية التي تأخذ شكلا مؤسساتيا ضمن الحكومات الديمقراطية في نهاية المطاف 0
والحضارة ، والمعتقدات الدينية ، والعادات الاجتماعية ، والتقاليد الثابتة هي الحلقة الأخيرة والأضعف في مسلسل التحول . والمجتمعات تمقت التخلي عن القيم ، التي تدق جذورها عميقا . وسيكون من السذاجة الشديدة الظن بأن الثقافة الأمريكية الشعبية - مهما كانت درجة إغرائها -ستسود العالم قريبا 0
والحقيقة أن انتشار ماكدونالدز وهوليوود حول العالم أشعل سخطا عارما ضد أسس العولمة المنتظرة0
وبينما تبقى الفوارق الثقافية في المجتمعات المعاصرة فإنها تميل لأن توضع في صندوق ، منفصلة عن السياسة ،وتنسب إلى عالم الحياة الخاصة . والسبب في ذلك بسيط : إذا كانت السياسة ترتكز على شيء كالدين فإنه لن يكون هناك سلم اجتماعي لأن الناس لا يستطيعون الاتفاق على القيم الدينية الأساسية ( ! )إن العلمانية هي تطور حديث نسبيا في الغرب كان الأمراء والرهبان والمسيحيون يفرضون المعتقدات الدينية على رعاياهم ويلاحقون المعارضين . وقد نشأت الدول الديمقراطية العلمانية الجيدة نتيجة الصراع الديني الدموي في أوروبا في القرنين الـ 16 وال 17 حين ذبحت المجموعات المسيحية بعضها بعضا - دونما رحمة - وقد أصبح الفصل بين الدين والدولة أحد مكونات الحداثة المعاصرة بسبب الحاجة للسلم الاجتماعي ، وهي أطروحة مذهلة جادل بها الفلاسفة من أمثال هوبز ولوك ، ضمن تقليد عظيم وصل ذروته في إعلان الاستقلال والدستور الأمريكي 0
ويقترح منطق الحداثة الأساسي هذا أن القيم الغربية ليست نتاجا حضاريا اعتباطيا للمسيحية الغربية ؛ لكنها تجسد مسارا عالميا أكبر . والسؤال الذي نحتاج لطرحه عندئذ هو: هل هناك ثقافات أو مناطق في العالم ستقاوم أو تثبت أنها منيعة على عملية التحديث ؟
وسيكون من الصعب إذا نظرنا إلى آسيا رؤية عوائق حضارية أمام التحديث : كان رئيس وزراء سنغافورة السابق لي كوان يو ، يجادل بأن هناك قيما آسيوية تدعم الاستبداد ، وليس ديمقراطية ناجحة 0 لكن السنوات الأخيرة شهدت انتقال كوريا الجنوبية وتايوان إلى ديمقراطية ناجحة مع زيادة ثرائهما وبالطبع فإن الهند أضحت ديمقراطية منذ استقلالها عام 1948 ورست أخيرا على مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية التي قد تساعد على تخليصها من الفقر أيضا . وفي أمريكا اللاتينية والدول الشيوعية السابقة في أوروبا فإن المعوقات الثقافية أقل بروزا ؛ فالمشكلة بالنسبة إليهم هي الفشل في تحقيق التحديث على الأرض ، بدل النقمة على الهدف ذاته وأفريقيا الواقعة جنوب الصحراء لديها العديد من المشاكل من الإيدز ، إلى الحرب الأهلية ، والحكومات الرثة ؛ لكن من الصعب رؤية كيف تمنع التقاليد الثقافية المتنوعة هناك التحديث ، إذا استطاعت هذه البلدان لملمة نفسها في نواح أخرى 0
إن الإسلام هو الحضارة الرئيسية الوحيدة في العالم التي يمكن الجدال بأن لديها بعض المشاكل الأساسية مع الحداثة ومع كل الحنكة التي تتمتع بها المجتمعات الإسلامية فإنها يمكن أن ( تتبجح ) بوجود ديمقراطية عاملة واحدة فقط في تركيا( !! ) وهي لم تشهد أي إنجازات اقتصادية مثل كوريا أو سنغافورة ومع ذلك فإنه من المهم أن نكون أكثر دقة في تحديد أين تكمن المشاكل الأساسية 0

من المشكوك فيه أن يكون هنالك شيء موروث في الإسلام يجعله معاديا للحداثة فالإسلام كالمسيحية والهندوسية والكونفوشية أو أي ديانة أخرى من الديانات الكبرى أوالتقاليدالحضارية عبارة عن نظام شديد التعقيد تطور بطرق متعددة ، مع مرور الوقت وأثناء الفترة المشار إليها أعلاه حين كانت أوروبا ممزقة بفعل الحروب الدينية كانت المذاهب المختلفة تتعايش بسلام ، في ظل نظام الملل العثماني . وفي القرن الـ 19 وبداية القرن الـ 20 كانت هناك توجهات إسلامية ليبرالية مهمة في مصر وإيران وتركيا ، وأضحت جمهورية كمال أتاتورك أحد الأنظمة الأكثر علمانية في التاريخ الحديث0
ويختلف العالم الإسلامي اليوم عن غيره من الحضارات في وجه واحد مهم ؛ فهو وحده ولد تكرارا خلال الأعوام الأخيرة حركات أصولية مهمة ترفض - لا السياسات الغربية فحسب بل - المبدأ الأكثر أساسية للحداثة : التسامح الديني (! ) واحتفلت هذه المجموعة بهجمات 11 سبتمبر لأنها قهرت مجتمعا اعتقدت أنه مجتمع فاسد في جذوره . ولم يكن هذا الفساد يقتصر على الإباحية والمثلية الجنسية وحقوق المرأة فحسب - كما هي موجودة في الغرب - ولكنه نجم من وجهة نظرها من العلمانية نفسها .
وما يكرهونه هو أن الدولة في المجتمعات الغربية يجب أن تكرس التسامح الديني والتعددية ؛ بدلا من خدمة الحقيقة الدينية .
وبينما تجد شعوب آسيا - وأمريكا اللاتينية ودول المعسكر الاشتراكي السابق أو أفريقيا - الاستهلاكية الغربية مغرية وتود تقليدها لو أنها فقط استطاعت ذلك ، فإن الأصوليين مثل (الوهابيين السعوديين) وأسامة بن لادن أو طالبان يرون في ذلك دليلا على الانحلال الغربي0
وعليه فإن هذه ليست ببساطة "حربا" على الإرهاب كما تظهرها الحكومة الأمريكية بشكل مفهوم وليست المسألة الحقيقية كما يجادل الكثير من المسلمين هي السياسة الخارجية الأمريكية في فلسطين أو نحو العراق .
إن الصراع الأساسي الذي نواجهه لسوء الحظ أوسع بكثير وهو مهم ؛ ليس بالنسبة إلى مجموعة صغيرة من الإرهابيين ، بل لمجموعات أكبر كثيرا من الراديكاليين الإسلاميين ، ومن المسلمين الذين يتجاوز انتماؤهم الديني جميع القيم السياسية الأخرى ،إنها الأصولية الإسلامية التي تشكل الخلفية لحس أوسع من المظالم أعمق بكثير وأكثر انفصالا عن الحقيقة من أي مكان آخر .
وهذا النوع من الإسلاميين هو الذي يرفض تصديق أن المسلمين كانوا متورطين في الهجمات على مركز التجارة العالمي ، ويلقى اللوم بدل ذلك على إسرائيل . وقد يشكو من سياسة الولايات المتحدة لكنهم يفسرون تلك السياسة على أنها جزء من مؤامرة أكبرعلى المسلمين ؛ ناسين أن السياسة الخارجية الأمريكية قدمت الدعم في الماضي للمسلمين في الصومال والبوسنة وكوسوفا والشيشان ( !! )

المسلمون جميعا مستهدفون
وإذا سلمنا بأن الصراع الأساسي ليس مع الإرهابيين الفعليين فقط ولكن مع الأصوليين الإسلاميين الذين يرون العالم كصراع مانَوِي ( صراع بين النور والظلام ) بين المؤمنين والكفار فإننا لا نتكلم عن مجموعة صغيرة منعزلة من المتعصبين ..
لقد ولد أسامة بن لادن تعاطفا كبيرا عبر العالم الإسلامي منذ 11 سبتمبر بسبب وقوفه ندا للولايات المتحدة من سكان المناطق مدقعة الفقر في باكستان ، إلى المهنيين في بيروت والقاهرة ، والمواطنين الباكستانيين والجزائريين في بريطانيا وفرنسا .
ويقدر المختص بشؤون الشرق الأوسط دانييل بايبس عدد هؤلاء 10 إلى 15 بالمائة من العالم الإسلامي 0
لماذا ظهر هذا النوع من الأصولية الإسلامية فجأة من الناحية الاجتماعية ؟
قد لاتكون الأسباب مختلفة عن تلك التي حركت الفاشيةالأوربية في وقت مبكر من القرن الـ 20 .. فقد شهد العالم الإسلامي اجتثاث أعداد كبيرة من السكان من قراها التقليدية ، أو حياتها القبلية خلال الجيل الماضي . وقد تم تمدين الكثير منهم ، وتعرض هؤلاء لشكل أدبي آخر من الإسلام يدعوهم للعودة إلى شكل آخر أكثر نقاء من الدين تماما ، كما حاول متطرفو القومية الألمانية أن يعيدوا إحياء هوية عنصرية خرافية منذ زمن بعيد .
ولهذا الشكل الجديد من الأصولية الإسلامية جاذبية هائلة لأنه يزعم أنه يشرح فحوى خسارة القيم والارتباك الحضاري اللذين ولدتهما عملية التحديث ذاتها 0
وعليه فإنه قد يمكن توضيح الأمور بالقول إن الصراع الحالي ليس - ببساطة - معركة ضد الإرهاب ، ولا ضد الإسلام كدين ، أو حضارة ولكنه صراع ضد ( الفاشية الإسلامية ) أي العقيدة الأصولية غير المتسامحة التي تقف ضد الحداثة والتي انبثق حديثا في أجزاء عديدة من العالم الإسلامي !!

السعودية هي المتهم الأول عند فوكو ياما
وينبغي أن يوجه إصبع اتهام قوى بشأن صعود ( الفاشية الإسلامية ) نحو المملكة العربية السعودية فقد قدم الحكام السعوديون استثمارات جديدة هائلة لترويج مفهومهم الخاص للإسلام في الثمانينيات والتسعينيات ، خاصة بعد محاولة الاستيلاء على الحرم المكي الشريف عام 1979 التي تم إجهاضها .

الفاشية الوهابية !
ويمكن تصنيف الفكر الوهابي بسهولة على أنه إسلامية فاشية هناك كتاب دراسي إجباري للصف الـ 10 يشرح أنه "يجب على المسلمين أن يخلصوا لبعضهم بعضا ، وأن يعتبروا الكفار أعداءهم ( ! )" ولم يروج السعوديون هذه العقيدة في الشرق الأوسط فحسب ؛ بل في الولايات المتحدة أيضا ، حيث قيل إنهم أنفقوا مئات ملايين الدولارات على بناء المدارس والمساجد لنشر مفهومهم الخاص عن الإسلام .
وقد سمحت كل هذه الأموال القادمة من الخليج لأسامة بن لادن وأتباعه فعليا بشراء أفغانستان لأنفسهم واستخدامها قاعدة لتدريب جيل كامل من ( المتعصبين ) العرب .
وفي هذا المجال فإن الولايات المتحدة تلام أيضا لأنها هجرت (أفغانستان) بعد انسحاب الاتحاد السوفييتي ،ولأنها تخلت عن مسؤوليتها في إقامة نظام سياسي مستقر ومعاصر هناك .
ويتعلق السبب الأخير لانطلاق ( الفاشية الإسلامية ) في الثمانينيات والتسعينات مسائل جذرية ، كالفقر والركود الاقتصادي ، والسياسات السلطوية في الشرق الأوسط ، التي يعتبرها التطرف السياسي مواد للاشتعال .
وفي ضوء الاتهام المتكرر بأن الولايات المتحدة ، وغيرها من الدول الغربية كان يمكن لها أن تتحرك لتخفيف هذه المسائل بشكل مهم فإننا نصبح بحاجة إلى وضوح شديد في معرفة جذور هذه المسائل الأساسية وبالفعل فإن المجتمعات الخارجية من خلال المنظمات الدولية كالبنك الدولي ما فتئت تقدم المساعدة للدول الإسلامية ( ! ) منذ البداية ، كما فعلت الولايات المتحدة في تعاملاتها الثنائية مع دول مثل مصر والأردن ، ومع ذلك كان القليل جدا من هذه المساعدة مثمرا لأن المشكلة الأساسية هي مشكلة سياسية في العالم العربي الإسلامي نفسه ؛ ففرص الإصلاح الاقتصادي والسياسي كانت دائما موجودة ، لكن عددا قليلا من الدول الإسلامية - وجميع الدول العربية بشكل خاص - تبنت نوع السياسات التي تبنتها دول مثل كوريا الجنوبية وتايوان وتشيلي أو المكسيك ؛ لفتح بلدانها على الاقتصاد العالمي ووضع أسس التنمية المستدامة ولم تتطوع أي حكومة عربية للتخلي عن السلطة لمصلحة الحكم الديمقراطي كما فعلت الملكية الإسبانية بعد الدكتاتور فرانكو أو الوطنيين في تايوان أو الدكتاتوريات العسكرية المختلفة في الأرجنتين والبرازيل وتشيلي وغيرها من مناطق أمريكا اللاتينية ولم تكن هناك لحظة واحدة في أي من الدول الغنية بالنفط في الخليج استخدم فيها ثراؤها لتأسيس مجتمع صناعي مستقل بدل خلق مجتمع يقوم على أصحاب الدخول الفاسدين الذين تحولوا مع مرور الوقت تدريجيا إلى متعصبين إسلاميين هذا الفشل ، وليس أي شيء فعله العالم الخارجي أو لم يفعله هو السبب الجذري في ركود العالم الإسلامي 0
إن التحدي الذي يواجه الولايات المتحدة اليوم هو أكثر من مجرد معركة مع ( مجموعة صغيرة من الإرهابيين ) فبحر الفاشية الإسلامية الذي يسبح فيه (الإرهابيون) يشكل تحديا أيديولوجيا هو في بعض جوانبه أكثر أساسية من الخطر الذي شكلته الشيوعية كيف ستتقدم مسيرة التاريخ العريضة بعد هذه النقطة ؟
هل سيحصل الإسلام الراديكالي على مزيد من المؤيدين وأسلحة جديدة أقوى يهاجم بها الغرب ؟
من الواضح أننا لا نستطيع أن نعرف ، لكن بعض العوامل ستشكل مفاتيح لذلك .

أول هذه العوامل هو نتيجة العمليات الدائرة الآن في أفغانستان ضد طالبان والقاعدة ، وبعدها صدام حسين في العراق .
وبالرغم من رغبة الناس في الاعتقاد بأن الأفكار تعيش أو تموت نتيجة استقامة أخلاقياتهم الداخلية فإن القوة لها شأن كبير ؛ فالفاشية الألمانية لم تنهزم بسبب تناقضاتها الأخلاقية الداخلية ، بل ماتت لأن ألمانيا احتلت وتحولت إلى أنقاض بفعل قصف جيوش الحلفاء .
وقد كسب أسامة بن لادن شعبية هائلة لنجاحه في الهجوم على البرجين التوأمين وإذا ما علق مجازا على عمود كهربائي في ميدان عام من قبل القوات الأمريكية مع من حماه من طالبان فإن جاذبية حركته ستقل كثيرا .
وبالعكس إذا استمرت المواجهة العسكرية بشكل غير مؤثر فإن ( الفاشية الإسلامية ) ستحصل على مزيد من التأييد 0

التطور الثاني والأهم ينبغي أن يأتي من داخل الإسلام نفسه فعلى المجتمع الإسلامي أن يقرر ما إذا كان يريد أن يصل إلى حل سلمي مع الحداثة وخاصة فيما يتعلق بالمبدأ الأساسي حول الدولة العلمانية !! والتسامح الديني .
ويقف العالم الإسلامي اليوم على تقاطع الطرق نفسه الذي كانت تقف عليه أوروبا المسيحية أثناء حرب الـ 30 عاما في القرن الـ 17 فالسياسات الدينية تقود صراعات محتملة لا نهاية لها ليس فقط بين المسلمين وغير المسلمين ولكن بين الطوائف الإسلامية أيضا( كثير من التفجيرات الأخيرة في باكستان نتجت عن خلافات سنية شيعية ) .
وفي عصر الاسلحة البيولوجية والنووية يمكن لذلك أن يقود إلى كارثة على المجتمع .
إن هناك بعض الأمل في ظهور فكر إسلامي أكثر ليبرالية بسبب المنطق التاريخي الداخلي ( للعلمانية السياسية ) فالحكم الديني الإسلامي جذاب للناس في حالته التجريدية فقط ، أما بالنسبة إلى أولئك الذين اجبروا فعليا على العيش في ظل مثل هذه النظم في إيران أو أفغانستان - مثلا - فقد عانوا دكتاتوريات خانقة لا يملك زعماؤها - كالآخرين -حلولا لكيفية التغلب على الفقر والركود .
يجب على المسلمين المهتمين بصيغة إسلامية أكثر ليبرالية أن يتوقفوا عن لوم الغرب على أنه يرسم الإسلام بريشة عريضة جدا ، وأن يتحركوا لعزل ( المتطرفين ) بينهم ، وتقويض شرعيتهم وهناك بعض الدلائل على أن ذلك يحصل الآن فالمسلمون الأمريكيون يستيقظون الآن ؛ ليكتشفوا مدى تأثير (الوهابية) داخل مجتمعاتهم نفسها . ويحتمل أن يدرك الذين يعيشون في الخارج منهم هذه الحقيقة ،إذا تحول المد بشكل واضح ضد الأصوليين في أفغانستان0

تحريض على الإسلام
إن الصراع بين الديمقراطية الليبرالية الغربية والفاشية الإسلامية !!ليس صراعا بين نظامين حضاريين يتمتعان بقابلية البقاء نفسها ، ويستطيع كلاهما ركوب العلم والتكنولوجيا وخلق الثروات ، والتعامل مع التنوع الموجود في عالمنا المعاصر. وفي هذه المجالات كافة فإن المؤسسات الغربية تسيطر على الأوراق كلها ولذلك فهي ستستمر في الانتشار في أنحاء العالم على المدى الطويل لكن الوصول إلى هذا المدى الطويل يتطلب أن نبقي أحياء على المدى القصير .
ولسوء الحظ فإن التقدم التاريخي ليس حتميا وهناك القليل من النتائج الجيدة عدا القيادة والشجاعة والتصميم على خوض المعركةدفاعاعن القيم التي تجعل المجتمعات المعاصرة الديمقراطية ممكنة 0


الثلاثاء : 15 / 1 / 2002