النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمةاللة عليه

  1. #1
    التسجيل
    19-11-2002
    الدولة
    من أرض العروبة جزيرة العرب معقل الإسلام والمسلمين
    المشاركات
    470

    حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمةاللة عليه

    حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب


    --------------------------------------------------------------------------------



    تصحيح مفاهيم خاطئة عن حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في مصادر غير عربية



    إن حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ( 1115هـ - 1206هـ الموافق 1730م- 1793م ) بالجزيرة العربية كتب لها البقاء والقبول فكانت نواة لحكومة رشيدة آلت على نفسها تطبيق الشريعة الإسلامية بحذافيرها والاستنارة بالكتاب والسنة في سائر تصرفاتها فحالفها النصر والتأييد من الله تعالى فبقيت هذه الحكومة صامدة منذ بداية تأسيسها منذ قرنين من الزمان في وجه التيارات المعادية على الصعيدين المذهبي والسياسي ، كما أن دعوة الشيخ تعدت حدود الجزيرة فأثمرت ثمارها في عدد من البلدان على أيادي دعاة مرشدين وشيوخ مخلصين اقتبسوا من أنوارها واهتدوا بهديها فكانت حركة مباركة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ، وكأي حركة اصلاحية لم تسلم حركة الشيخ من سهام رميت بها في شخص صاحب هذه الحركة وعقيدته وكتاباته بداية من تلقيبها بلقب الوهابية التي تناقلتها الألسن وسارت بها الركبان حتى أصبحت علما تعرف بها وإن كانت غير مقبولة لدى مؤسسها وأصحابها ، ونهاية بالطعن في الدولة نفسها بمطاعن تنم عن حقد الحاقدين ومقالة سوء للشامتين .

    وقد كثرت هذه الكتابات لدى زمرة من عشاق البدعة والخرافات فتصدى لها أهل العلم من جميع ديار المسلمين فردوا على كل فرية بحجج بالغة وأدلة دامغة حتى صارت شبه المعاندين هباء منثورا .

    وبما أن معظم هذه الكتابات - معادية كانت أو موافقة - وردت باللغة العربية لم يكن هناك داع لإيرادها في هذا البحث فلذلك حرص كاتب هذه السطور على الإطلاع على بعض ما كتب باللغة الإنجليزية أو الأردية واختار منها ما كان مناسبا لإيراده في هذا المقال مع تفنيد جميع الشبه التي وردت فيها وذلك في ضوء ما ألفه الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - نفسه أو المدافعون عن حوزته من مشايخ المملكة أو غيرهم من أصحاب الفضل والعلم في سائر بلاد المسلمين .

    وليس بالإمكان في هذه العجالة استقصاء لجميع جوانب هذا الموضوع فأرجو من القراء أن يقبلوا عذري إذا وجدوا في هذا الجهد خللا غير مقصود ، ويدعو لي بالتوفيق والسداد إذا عادوا بعد قراءته بشيء من الفائدة والله هو الهادي إلى طريق الرشاد .



    أولا : ما ورد في موسوعة الأديان والأخلاق - هذه الموسوعة التي تعد من أوسع الموسوعات وأقدمها في الأديان والمذاهب باللغة الإنجليزية ، ذكر تحت عنوان الوهابية : أن خلافهم ينحصر في عشرة أشياء مع أهل السنة والجماعة وصاحب المقال هو المستشرق المعروف ( مارجوليث ) فقال :

    1- أنهم يثبتون لله صفات بدنية مثل الوجه واليدين إلى غير ذلك من الصفات .

    2- ليس للعقل اعتبار في المسائل الدينية التي يجب أن تحل في ضوء الأحاديث .

    3- إنهم لا يأخذون بالإجماع .

    4- إنهم ينكرون القياس .

    5- إنهم يعتقدون أن أصحاب المذاهب المتبوعة ليسوا بحجة ، والذين يتبعونهم غير مسلمين .

    6- أنهم يرون كل من لم يدخل في حزبهم كافرا .

    7- إنهم يعتقدون أنه لا يجوز الاستشفاع بالنبي ولا بالولي .

    8- زيارة الأضرحة والمشاهد لديهم حرام .

    9- الحلف بغير الله حرام .

    10- النذر لغير الله وكذلك الذبح للأولياء عند الأضرحة حرام .



    وقال إنه يشك في صدق نسبة المقولة الخامسة إليهم لأن الوهابية هم أتباع الإمام أحمد بن حنبل أحد الأئمة الأربعة . وقال في آخر مقاله أن السيد أحمد بن عرفان الشهيد ( 1831م ) جاء بفكرة الوهابية عنما حج عام 1824م فأخذها من مكة الكرمة . ( موسوعة الاديان والأخلاق James Encyclopaedia of Religion & Ethics .- Ed.By Hasting ( Edinburgh ) - 12 : 660-661 )

    إن ( مارجوليث ) صاحب هذا المقال يحتل منزلة عالية بين المستشرقين والعجب كل العجب في انه أورد كلام المعادين في حق الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - أو الوهابية بصفة عامة ولم يجد كذبا إلا في المقالة الخامسة ؟!

    ولنأخذ هذه الشبهات واحدا بعد الآخر بتعقيب يسير :

    1 - اعتقاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - في صفات الله تعالى مثل اعتقاد السلف تماما ، فإنهم يثبتون لله تعالى جميع ما وصف به نفسه سواء كانت صفات ذاتية مثل الوجه أو اليد او العين أو صفات فعلية مثل الرضا والغضب والنزول والاستواء بدون تكييف أو تعطيل أو تشبيه ، وعمدتهم في هذا الباب قوله تعالى : " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " ( الشورى : 11) ، وقولهم في الصفات مثل قولهم في ذات الله تعالى الذي لا يشبه ذوات المخلوقين .

    2 - أما قولهم إن أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - لا يقيمون للعقل وزنا فهذا غير صحيح وإنما يقولون إن العقل تابع للوحي مثل عمل البصر تماما ، فإن العين لا تعمل عملها إلا إذا اجتمع معها نور من الخارج سواء كان نور الشمس أو القمر او النجوم أو النور المستحدث ، وهكذا العقل فإنه يستنير بالوحي الإلهي فيعتمد عليه ، أما إذا افتقد الوحي فإنما يتخبط في الظلام ولذلك يختلف عقل المفكر عن عقل الفلسفي ، وعقل المؤرخ من المحاسب .

    3 - أما نسبة رد الإجماع إليهم فغير صحيح ، فإن الإمام أحمد يعتبر إجماع الصحابة هو الإجماع الحقيقي ، لأن عصرهم معروف بدءا وانتهاء ، قد شاهدوا التنزيل ، وعرفوا هدي الرسول بدون وساطة .

    والإجماع كما ذكر الإمام محمد أبو زهرة : نوعان إجماع على أصول الفرائض وهذا النوع من الإجماع مسلم به عند الجميع .

    والنوع الثاني : الإجماع على أحكام دون ذلك .. كإجماعهم على قتال المرتدين ونحو ذلك وهذا النوع من الإجماع قد اختلفت الرواية عن أحمد ، فمن العلماء من نقل عنه أنه قال : " من ادعى وجود الإجماع فهو كاذب " .

    وقال ابن القيم - رحمه الله - : قد كذب من ادعى الإجماع ولم يسغ تقديمه على الحديث الثابت ، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل : سمعت أبي يقول : " ما يدعي فيه الرجل الاجماع فهو كاذب ، لعل الناس اختلفوا ، ما يدريه ولم ينتبه إليه ، فليقل لا نعلم مخالفا " ، وننتهي من هذا إلى أن الإمام أحمد لا ينكر أصل الإجماع ولكنه ينفي العلم بوقوعه بعد عصر الصحابة . ( تاريخ المذاهب الإسلامية لمحمد أبي زهرة ص 532 ) .

    4 - ما قوله بأنهم ينكرون القياس فغير صحيح أيضا فإن الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - يرى رأي الحنابلة في باب القياس .

    قال أبو زهرة : " وأحمد قد روي عنه أنه قال إن القياس لا يستغنى عنه وأن الصحابة قد أخذوا به وإذا كان أحمد قد قرر مبدأ الأخذ به فالحنابلة من بعده قد عنوا وأكثروا من الأخذ به عندما كانت تجد لهم حوادث لا يجدون في المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حكما فيها " ( تاريخ المذاهب الإسلامية لمحمد أبي زهرة ص 532)

    5 - ما قوله إن اتباع المذاهب المتبوعة ليس بحجة والذين يتبعونهم صاروا غير مسلمين .

    6 - ذلك قوله بأن من لم يدخل معهم صار كافرا ، فكذب صراح أيضا . يقول الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في رسالة كتبها عند دخوله مع الأمير سعود بن عبد العزيز حين استيلائه على مكة في يوم السبت الثامن من شهر محرم عام 1218هـ : " أن مذهبنا في أصول الدين مذهب أهل السنة والجماعة وطريقتنا طريقة السلف ونحن في الفروع على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ولا ننكر من قلد أحدا من الأئمة الأربعة دون غيرهم لعدم ضبط مذاهب الغير " .

    ثم قال : " وما يكذب علينا سترا للحق وتلبيسا على الخلق حيث يوهم الناس بأنا نضع من رتبة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأن ليس له شفاعة وزيارته غير مندوبة وأنا لا نعتمد على أقوال العلماء وأنا نكفر الناس على الإطلاق وأنا ننهى عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا لا نرى حق أهل البيت ، فجوابنا على كل مسألة من ذلك " سبحانك هذا بهتان عظيم " فمن روى عنا شيئا من ذلك أو نسبه إلينا فقد كذب علينا وافترى . ( علماء نجد خلال ستة قرون لعبد الله بن عبد الرحمن بن صالح البسام 1/51 )

    7- أما قوله إنهم يعتقدون أنه لا يجوز الاستشفاع بالنبي ولا بالولي فإن صاحب المقال لم يدرك الفرق بين الشفاعة التي نفاها الشيخ وهي التي وجد فيها الشرك وبين التي أجازها وهي التي لا تتم إلا عن إذن له من الله بالشفاعة يوم القيامة ، حيث لا يشفع إلا لمن ارتضاه أيضا . ( كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب ، باب الشفاعة )

    أما إذا أراد الناقد أن الشيخ منع التوسل بالأنبياء والأولياء فإنه كثير من الناس لم يدركوا رأي الإمام أحمد بن حنبل في هذا الموضوع فنسبوا إليه وإلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب أشياء لم يقلها .

    قال الإمام ابن تيمية - رحمه الله - : " ونقل عن أحمد بن حنبل في منسك المروذي التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء ونهى عنه آخرون ، فإن كان مقصود المتوسلين التوسل بالإيمان به وبمحبته وبموالاته وبطاعته فلا نزاع بين الطائفتين ، وإن كان مقصودهم التوسل بذاته فهو محل النزاع ، وما تنازعوا فيه يرد إلى الله والرسول " ( مجموع فتاوى شيخ الإسلام 1/264 )

    8- أما زيارة الأضرحة والمشاهد فنشير إليها عند الكلام حول كتابات " غولدزيهر" الآتية .

    9- أما قولهم بان الحلف بغير الله حرام فإن الشيخ يعتقد ذلك حيث ثبت في الحديث الصحيح من رواية عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك " ( رواه الترمذي وحسنه وصححه الحاكم ) وقال ابن مسعود : " لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا " ( كتاب التوحيد باب قول الله تعالى " فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون ")

    10- وهكذا ما نسبوه إلى الشيخ من حرمة النذر لغير الله والذبح للأولياء عند الأضرحة فلا شك أن هذا هو دين الله الذي يدين به كل مسلم يؤمن بالله ورسوله . وقد عقد الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - في كتابه العظيم ( كتاب التوحيد ) بابا بعنوان : ( لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله ) وبابا بعده بعنوان : ( من الشرك النذر لغير الله ) ، وأورد فيهما الأدلة من الكتاب والسنة على بطلان الأمرين .

    ظهر هذا الكتاب بمجلدين باللغة الألمانية عام 1889/1890م ثم نقل إلى اللغة العربية عام 1967م . وقد خصص المؤلف فصلا كاملا يضم 96 صفحة بعنوان : " تقديس الأولياء في الإسلام " وتحدث فيه بإسهاب عن غلو المسلمين في نسبتهم الكرامات إلى الأولياء أحياء كانوا أو أمواتا ، كما ذكر أمثلة من الكتب الإسلامية ومن عمل العامة في تقديس الأضرحة والمشاهد ، وأراد بذلك الإثبات على أنه لم يكن هناك فرق بين المسلمين والنصارى في أمر تقديس الأولياء كما أورد الآيات والاحاديث التي تنكر هذا العمل وتندد به .

    قال المؤلف : بعد كل هذا وذاك ليست هناك حاجة لمزيد من الإيضاح بأنه لا يوجد هناك مجال في دين الإسلام الحقيقي لتقديس الأولياء لأن هذا شيء استحدث فيما بعد ، إن القرآن ينكر تقديس الأولياء وتعظيمهم إلى درجة إقرار الأحبار والرهبان أربابا من دون الله .

    ثم نقل قول " كارل هيز " عن فرقة الأولياء بصورة عامة أنه محاولة لسد حاجة الشرك داخل دين التوحيد وذلك لأجل ملء ذلك الفراغ الهائل الذي وجد بين الناس وبين إلههم " ( غولدزيهر ignaz Golozihar : Muslim Studies P.259 )

    وبعد أن ذكر المؤلف عشرات الأمثلة على تقديس العامة للأولياء وزيارتهم للأضرحة والمشاهد لسد حاجاتهم ، أورد عدة أمثلة لأشخاص كانوا ينكرون أي مظهر من مظاهر الشرك في تصرفات المسلمين ثم ذكر عن الموقف الصارم الذي قام به ابن تيمية في مسألة التوسل وشد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة .

    ثم قال : " وهذا كله يدل على أن هناك سوابق للوهابية في هذه المسألة وأن ما ظهر عندهم من مظاهر علنية إنما كان صدى لمعتقدات المسلمين القدامى ، ومن هذه الناحية قد يكون من المفيد - لأجل كتابة تاريخ الإسلام الديني والثقافي - جمع كل ما ورد من الوقائع ، قبل ظهور الوهابية ، بحيث تعتبر ردة فعل توحيدي ضد مظاهر الوثنية التي وردت من قبل الجاهلية أو من قبل الخارج ثم الربط بينها وبين المجتمعات التي ظهرت فيها " .

    ثم ذكر حادثا قبل ظهور الوهابية عام 1711م بمسجد المؤيد بالقاهرة حيث قام شاب في ليلة من ليالي رمضان وشدد النكير على من يقدس الأولياء ونادى بهدم المشاهد المقامة على قبور الأولياء وبالقضاء على تقاليب " المولوية " و " البخسية " كما نصح الدراويش أن يتعلموا بدل أن يرقصوا ، وقد قام هذا الشاب بهذا الخطاب عدة ليال ثم اختفى ، وقال كاتب هذه الرواية وهو حسن الحجازي الشاعر ( ف 1131م ) : أن الواعظ فر وقيل قتل . ( غولدزيهر ignaz Golozihar : Muslim Studies P.334-335 )

    والمقصود من إيراد هذا الكلام هو أن المستشرق الألماني المذكور كفانا مئونة الرد على ما رميت به الوهابية من هدم القباب أو منع زيارة القبور لأجل دعاء الاموات فإن الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم لا يجيز هذا و لا ذاك .

    مجلة الدعوة العدد 1754 ص 60-61



    اللهم انصر المسلمين المجاهدين في كل مكان نصرا عاجل غير آجل يارب العالمين ....



  2. #2
    التسجيل
    19-11-2002
    الدولة
    من أرض العروبة جزيرة العرب معقل الإسلام والمسلمين
    المشاركات
    470
    جانب الدعوة في شخصية الشيخ محمد بن عبد الوهاب
    عبد العزيز آل عبد اللطيف


    حـظـيـت دعـوة محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله- بدراسات كثيرة ، وبحوث مـتنوعة، سـواء كانت تـلـك الـدراســات والـبـحـوث في سيرة وترجمة صاحب هذه الدعوة، أو بيان مؤلفاته وآثاره العلمية، أو عرض لمنهجه في تقرير العقـيـدة، ومنها ما يتحدث عن أثر هذه الدعوة المباركة داخل الجزيرة العربية أو خارجها ، ونوعية هذه الآثار سياسية كانت أو علمية أو اجتماعية .. وغيرها.
    ومـع هـذا الـكم من الـدراسـات إلا أن هـنـاك جـوانـب مـهـمة لم تأخذ حقها من الدراسة والـتـحـلـيـل، وفي هذه المقالة سأتعرض لأحد هذه الجوانب المهملة من حياة الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب، وهو جانب الدعوة، وبيان فقهه للدعوة، وأساليبها.
    إن في كتب محمد بن عبد الوهاب عموماً ورسائله الشخصية (1) خصوصاً والتي يبعثها إلى البلدان والعلماء والأمراء؛ معالم مهمة يحتاج إليها الكثير من الدعاة إلى الله في هذا الزمان.
    1- يركز الشيخ محمد بن عبد الوهاب كثيراً على بيان وضوح هدفه وغايته من هذه الدعوة فهو يدعو إلى الله وحده لا شريك له، مخلصاً له الدين ، ويحرص أيما حرص على اتباع الحق مهما كانت الأحوال.
    يقول رحمه الله :
    ولست -ولله الحمد- أدعو إلى مذهب صوفي ، أو فقيه ، أو متكلم ، أو إمام من الأئمة الذين أعظمهم مثل ابن القيم ، والذهبي ، وابن كثير وغيرهم ، بل أدعو إلى الله وحده لا شريك له ، وأدعو إلى سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، التي أوصى بها أول أمته وآخرهم ، وأرجو أني لا أرد الحق إذا أتاني ، بل أشهد الله وملائكته وجميع خلقه إن أتانا منكم كلمة من الحق لأقبلها على الرأس والعين. (2)
    ويقول عن قوله تعالى ((قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا ومَنِ اتَّبَعَنِي وسُبْحَانَ اللَّهِ ومَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ)) [يوسف:108] »التنبيه على الإخلاص ، لأن كثيراً لو دعا إلى الحق ، فهو يدعو إلى نفسه« (3) .إن هذه الحقيقة البديهية وهي أن يدعو الشخص إلى الله لا إلى نفسه لا بد من استحضارها في جميع أحوالنا ، بالإخلاص ، وكم نغفل عن هذه الحقيقة ، فيدعو الشخص إلى ما هو حق وصدق في ذاته ، ولكن القصد هو مصلحة جماعة أو فرد أو نحوهما مما هو من حظوظ النفس ، وربما كان هذا القصد مشوباً بالإخلاص لله !! وقد يغيب عن الكثير أن هذه الدعوة لله وحده لا شريك له ، أياً كان هذا الشريك.
    ونلمس كما هو ظاهر من خلال النص الأول من كلام الشيخ ، حرصه على اتباع الحق والبحث عنه ونجده مرة أخرى -يقول- مخاطباً أحد سائليه : » وأنا أجيبك عن الكتاب جملة ، فإن كان الصواب فيه فنبهني وأرجع (أي وسأرجع) إلى الحق .. فالواجب على المؤمن أن يدور مع الحق حيث دار» (4)
    إن التجرد في طلب الحق ، واتباع الدليل والبرهان من أهم صفات الدعاة إلى الله السائرين على منهج سيد المرسلين محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- ، وكم يحزن المسلم عندما يرى دعاة قد تحكمت بهم قناعات وآراء بلا دليل أو برهان فلا يقبلون لها صرفاً ولا عدلاً . وهكذا ندرك أن الشيخ قد صدق مع الله ، وأخلص قصده لوجه الله ، واتبع الحق حيث دار ، ومن ثم وفقه الله ، وحظيت دعوته بالتمكين ، ونالت القبول في كثير من البلاد والعباد.
    2- وفق الله الشيخ محمد بن عبد الوهاب لاستعمال الحكمة في دعوته ، فنجده مراعياً أحوال الناس ، ومنازلهم ، ومدى قربهم من الحق أو عكسه ، ومن ثم يتنوع أسلوبه في الدعوة حسب حال المدعو ومكانته . فعندما يخاطب أمير العُيينة عثمان بن معمر -والذي ناصر الدعوة في أول أمرها- يخاطبه بأسلوب فيه ترغيب وتحبيب فيقول : » إني أرجو إن قمت بنصر لا إله إلا الله أن يظهرك الله تعالى ، وتملك نجداً وأعرابها«.(5)
    ويخاطب شيخه عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف الأحسائي بأسلوب تظهر فيه المحبة وصدق المودة فيقول له : » فإني أحبك ، وقد دعوت لك في صلاتي وما أحسنك لو تكون في آخر هذا الزمان فاروقاً لدين الله تعالى كعمر رضي الله عنه«.(6)
    أما عن أعداء هذه الدعوة السلفية ممن شرق بها ، فأظهروا العداوة والصد عن دين الله ، فنجد أن الشيخ يخاطبهم وبما يناسب حالهم بأسلوب فيه شدة وغلظة ، بعد أن استعمل معهم أسلوب اللين والملاطفة . يقول الشيخ مخاطباً أحد مراسليه عند الحديث عن خصومه : » هذا ابن إسماعيل والمويس وابن عبيد جاءتنا خطوطهم في إنكار دين الإسلام ، وكاتبناهم ، ونقلنا لهم العبارات ، وخاطبناهم بالتي هي أحسن وما زادهم ذلك إلا نفوراً« (7) ويقول عن عبد الحق المويس بالذات : » استدعيته أولاً بالملاطفة ، وصبرت منه على أشياء عظيمة« (8) فلما ظهرت عداوتهم ، ولم ينفع معهم الأسلوب اللين، استعمل الشيخ معهم الشدة والحزم ، فها هو يقول عن أحد خصومه الألداء وهو ابن سحيم : » لولا أن الناس إلى الآن ما عرفوا دين الرسول ، وأنهم يستنكرون الأمر الذي لم يألفوه ، لكان شأن آخر ، بل والله الذي لا إله إلا هو لو يعرف الناس الأمر على وجهه ، لأفتيت بحل دم ابن سحيم وأمثاله ، ووجوب قتالهم ، كما أجمع على ذلك أهل العلم كلهم ، لا أجد في نفسي حرجاً من ذلك« (9) ويخاطب ابن سحيم قائلاً له : » ولكن أنت رجل جاهل مشرك مبغض لدين الله ، وتلبس على الجهال« (10) لقد كان الشيخ رحمه الله حاد المزاج (11) وقد صرف حدته في مكانها الصحيح ، فجعلها في الانتصار لدين الله ، والغيرة على محارم الله ، والعداوة والبراءة من الشرك وأهله.
    3- ويظهر فقه الشيخ محمد بن عبد الوهاب لنفوس المخاطبين والمدعوين ، ويدرك ما قد يعتري النفس البشرية -أحياناً- من استعلاء ،واستكبار عن قبول حق جاء من شخص لا تميل إليه تلك النفس ، فيخاطب تلك النفوس ويوجهها إلى التضرع إلى الله وسؤاله الهداية فيما اختلف فيه من الحق ، ومرة يخاطبها بالرجوع إلى كتب أهل العلم دون الرجوع إليه ، ومرة ثالثة يرشدها إلى تدبر آيات القرآن الكريم.
    يقول رحمه الله مخاطباً أحد مراسليه : » وإن أردت النظر في أعلام الموقعين فعليك بالمناظرة في أثنائه بين مقلد وصاحب حجة ، وإن لقي ذهنك أن ابن القيم مبتدع (12) ، وأن الآيات التي استدل بها ليست هذا معناها ، فاضرع إلى الله ، واسأله أن يهديك لما اختلفوا فيه من الحق ، وتجرد ناظراً ومناظراً«. (13)
    ويقول في موضع آخر : » وبالجملة فالذي أُنكره الاعتقاد في غير الله مما لا يجوز لغيره ، فإن كنت قلته من عندي فارم به ، أو من كتاب لقيته ليس عليه عمل فارم به كذلك ، أو نقلته عن أهل مذهبي فارم به ، وإن كنت قلته عن أمر الله ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وعما أجمع عليه العلماء في كل مذهب فلا ينبغي لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يعرض عنه لأجل أهل زمانه أو أهل بلده«.(14)
    ويقول أيضاً : » إني أذكر لمن خالفني أن الواجب على الناس اتباع ما وصى به النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته ، وأقول لهم : الكتب عندكم ، انظروا فيها ، ولا تأخذ من كلامي شيئاً ، لكن إذا عرفتم كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي في كتبكم فاتبعوه ، ولو خالفه أكثر الناس«.(15)
    ويقول : » وإن صعب عليك مخالفة الكبر، أو لم يقبل ذهنك هذا الكلام فأحضر بقلبك إن كتاب الله أحسن الكتب ، وأعظمها بياناً وشفاء لداء الجهل ، وأعظمها فرقاً بين الحق والباطل ، والله سبحانه قد عرف تفرق عباده واختلافهم قبل أن يخلقهم ، وقد ذكر في كتابه ((ومَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ إلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وهُدًى ورَحْمَةً)) وأحضر قلبك هذه الأصول وما يشابهها في ذهنك ، واعرضها على قلبك فإنه إن شاء الله يؤمن بها على سبيل الإجمال«.(16)
    أرأيت إلى هذا التجرد التام في تبليغ ما هو حق ، وكمال النصح والإشفاق على المدعوين ، وانظر إلى إهماله ذاته من أجل دين الله ونصرته ، إضافة إلى سبره لأحوال النفوس وإدراك حقائقها وصفاتها.
    4- يلاحظ من خلال رسائله الشخصية أن الشيخ مهتم بما قد يراه نافعاً ومجدياً لمصلحة الدعوة فمن ذلك إثارة النخوة في نفس المخاطب ، فهو يحاول إقناع مخاطبه بقوله : » إن لك عقلاً ، وان لك عرضاً تشح به ، وإن الظن فيك إن بان لك الحق أنك ما تبيعه بالزهايد " (17) ويستثير همم أهل شقراء ضد خصوم الدعوة بقوله : » والله العظيم إن النساء في بيوتهن يأنفن لكم ، فضلاً عن صماصيم بني زيد«.(18)
    5- تميز الشيخ بقوة حجته وعلى حسب حال المخاطب ، كما يظهر فقه الشيخ لأساليب المناظرة والإقناع للخصم . فمن ذلك قوله رحمه الله : » أنا أخاصم الحنفي بكلام المتأخرين من الحنفية ، والمالكي والشافعي والحنبلي كلاً أخاصمهم بكتب المتأخرين من علماء مذهب الذين يعتمد عليهم« (19) وكم وقع ويقع في هذا الوقت من صد عن دين الله وافتتان عن معرفته والتزام الصراط المستقيم ، وذلك بسبب ضعف حجة أهل الحق ، وهزالهم العلمي.
    ويقول أيضاً معقباً على رسالة بعثها أحدهم إليه : » قولك في الدليل على إثبات نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم- ، ودليله الكتاب والسنة ، ثم ذكرتَ الآيات ، كلام من لم يفهم المسألة ، لأن المنكر للنبوة أو الشاك فيها إذا استدللت عليه بالكتاب والسنة ، يقول: كيف تستدل بشيء عليّ ما أتى به إلا هو ، والصواب في المسألة أن تستدل عليه بالتحدي بأقصر سورة من القرآن ، أو شهادة علماء أهل الكتاب« (20) .
    وأخيراً ، فإني أؤكد أن في الرسائل الشخصية لهذا الإمام ، الكثير من المعالم المهمة والوقفات الجيدة.

    ============
    الهوامش :
    1- قامت جامعة الإمام محمد بن سعود بجمع هذه الرسائل في مجلد مستقل ، وذلك ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب التي تولت الجامعة ترتيبها وطبعها، أثناء انعقاد أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب سنة 1400 هـ في الرياض.
    2- الدرر السنية في الأجوبة النجدية 1/32.
    3- كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد/ باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله.
    4- الدرر السنية 3/181.
    5- عنوان المجد في تاريخ نجد 1/38.
    6- الدرر السنية 1/35.
    7- مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب (الرسائل الشخصية) 5/300.
    8- المرجع السابق 5/141.
    9- المرجع السابق 5/315.
    10- المرجع السابق 5/233.
    11- المرجع السابق 5/134.
    12- المرجع السابق 5/315.
    13- هذا الكلام على سبيل التنزل مع المخاطب.
    14- الدرر السنية 1/36.
    15- الدرر السنية 1/52-53.
    16- الدرر السنية 1/59.
    17- الدرر السنية 1/38/39.
    18- روضة الأفكار 11/107.
    19- مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب (الرسائل الشخصية) 5/292 وانظر بحث "الرسائل الشخصية للشيخ محمد بن عبد الوهاب" للدكتور عبد الله العثيمين ضمن بحوث أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
    20- الدرر السنية 1/56.

    مجلة البيان 34



    اللهم انصر المسلمين المجاهدين في كل مكان نصرا عاجل غير آجل يارب العالمين ....



ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •